يتفق خصوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المنافسون له على الرئاسة الفرنسية التي ستجرى بعد 5 أشهر تقريبا على شيء واحد حياله. الرجل يسعى لإرضاء الجميع داخليا وخارجيا.
هذا ما برز جليا في زياراته الأسبوع الفائت للمملكة العربية السعودية وتأييده المطالب المحقة للمملكة تجاه لبنان الدولة والتي هي مطالب دولية، إن كان في تنفيذ مقررات الأمم المتحدة، لا سيما 1559 أو 1701 أو في فرض الجيش سلطته على كل لبنان لا سيما المرافق الحدودية من أجل وقف تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج شرطا لمساعدة لبنان وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه.
هذا الموقف للرئيس الفرنسي جاء أكثر من متابع لمسألة انغماس فرنسا بالموضوع اللبناني، إذ إنه يتناقض مع سياساتها ومقارباتها التي سعت مع زيارتي ماكرون للبنان بعد انفجار المرفأ إلى تثبيت واقع الحال السياسي القائم، أي ما معناه قبول فرنسا بدور حزب الله الطاغي على الحكومة والبلد برمته. وهذا برز في محاولات ماكرون إقناع الأميركيين بعدم التصعيد في وجه حكومة متمثل فيها حزب الله. طبعا لم يحتج ماكرون إلى جهد كبير، فالولايات المتحدة وفي فترة ترؤس ترامب لم تمانع أصلا في استحواذ الحزب على وزارة الصحة.
بدا واضحا من اللحظة التي اختلى فيها الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر مع النائب محمد رعد لمدة نصف ساعة تجسيدا للحوار المفتوح أصلا بين السفارة الفرنسية وحزب الله أن مقاربة فرنسا للوضع اللبناني تتحكم فيه مصالح كبرى شركاتها، بدءا من توتال التي حظيت مع الشركة الإيطالية إيني والروسية نوفوتيك باستثمار الثروة الغازية جنوب لبنان وصولا إلى طموح شركة الشحن العالمية CMACGM تشغيل مرفأ بيروت.
هناك أيضا كلام عن طموح شركات فرنسية الاستثمار في قطاعي الاتصالات والكهرباء وتشغيلهما.
السياسة الفرنسية تجاه حزب الله كانت عبّرت عن نفسها سابقا حينما اعترضت فرنسا- ماكرون على إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي.
من الواضح أن الرئيس الفرنسي يحاول أن يعطي انطباعا للداخل كما للخارج بأنه لاعب إقليمي في الشرق الأوسط وهو كان سابقا انغمس في مواجهة مع تركيا الحليف في الناتو على أكثر من جبهة، من قبرص إلى ليبيا مرورا بسوريا وأرمينيا، وصولا إلى ملف الإسلام في فرنسا. وجولته الأخيرة على دول الخليج تصب نوعا ما في ترسيخ هذه الصورة والتي باعتقاد فريقه قد تعطيه زخما في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
بالعودة إلى زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة وإثارته موضوع لبنان مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لم يكن أبدا من أجل معالجة الأزمة الناتجة بين البلدين من جراء تمادي لبنان في الاعتداء على المملكة وسيادتها، إن كان في تصريحات المسؤولين اللبنانيين أو قبلا في مواقف وزارة الخارجية اللبنانية التي تمثلت بصهر رئيس الجمهورية وكان خرج فيها عن الإجماع العربي واصطف مع إيران في أكثر من مناسبة أبرزها امتناع لبنان عن إدانة حرق القنصلية السعودية في طهران على سبيل المثال لا الحصر.
زيارة الرئيس الفرنسي كانت غايتها إقناع المملكة السعودية بتبني الموقف الفرنسي تجاه لبنان والذي يقضي بالاعتراف بسيطرة حزب الله على البلد، والأهم لدى الفرنسيين إقناع الإدارة السعودية بمساعدة لبنان ماليا لكي يخرج من أزمته ودعم الجيش اللبناني وإعادة إنعاش الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار معدات عسكرية صنعت في فرنسا.
هذا كان هدف ماكرون من إثارة موضوع لبنان. رعاية مصالح فرنسا والتي في لبنان تمر عبر الأمر الواقع الذي يمثله حزب الله. ولكن رغبة ماكرون التجارية الانتخابية اصطدمت برفض موضوعي ومنطقي من قبل المملكة العربية السعودية، فمصالحها الاستراتيجية لا تمر اليوم عبر لبنان.