منذ صدر أول مؤلفاتي منذ 43 سنة، كتبتُ ونشرتُ وحاضرتُ وتحدثتُ كثيراً. والثمرة كانت 35 كتاباً ومئات المقالات والمحاضرات والندوات والحوارات التلفزيونية والإذاعية والصحافية بعدةِ لغاتٍ، أهمها العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
ورغم تعدد أوراق شجرة كتاباتي وأحاديثي، فإنها كلها تهدف للترويجِ لسلةٍ واحدةٍ من الأفكارِ والقيمِ هي: أفكار وقيم الحداثة الإنسانية.
وهذه الأفكار والقيّم ليست غربيةً أو شرقيةً، بل وليس لها طبيعة وهوية غير كونها ثمرةَ الإنسانية ومنتجاً للحداثةِ والتقدمِ.
فكل ما كتبتُه ولا زلت أكتبُه، وما قلتُه ولا زلت أقولُه يهدف لترسيخِ قبول وإقناع المتلقي بهذه القيم:
بالتعدديةِ كمعلمٍ من أهم معالمِ الحياة والأفكار والنظم. ونقيض التعددية هو ضد الحياة. فالحياة بطبيعتها تفرز أنماط معيشة وأفكاراً ونظماً متعددة ومتنوعة. والتعددية تثري الحياة.
وبقبول الآخر والذى يسميه البعض بالغيرية. وقبول الآخر ليس فقط من أروع أوجه رقي العقل الإنساني بل إنه نتيجة طبيعية وحتمية للإيمان بالتعددية. لأن عدم قبول الآخر أو اللا-غيرية نتيجتها المؤكدة هى نفي التعددية.
ومن القيم التي تنتج عن التعددية والغيرية (قبول الآخر) قيمة ثالثة هي «العيش المشترك»، و«ثقافة السلام».
وقيم التعددية والغيرية والعيش المشترك هي من ثمار «محبة الحياة» وهي قيمة تفتقدها بعض الثقافات التي تُعلي من قيمة الموت وتقلل من قيمة الحياة.
وواضح أن كل القيم التي ذكرتها ترتبط ببعضها وتتكامل.
ومن القيم التي كتبت عنها كثيراً «حقوق المرأة كإنسانٍ يتساوى مع الرجل في كافة الحقوق وكل الواجبات». والترويج لحقوق المرأة يستلزم تسليط الضوء على «الذكورية» كواحدة من أبشع وأفظع سقطات بل جرائم بعض البشر فى حق بشر آخرين. كما أن الترويج لحقوق المرأة تطلب كشف اللثام عن الدور المشين لمؤسسات دينية وقفت دائماً مع الأفكار والنظم والقيم الذكورية وقدمت ما توهم البعض (جهلاً) أنها أدلة على تأييد «السماء» للقيم الذكورية.
كما أن كتاباتي وأحاديثي وحواراتي روجت لضرورة تأسيس المنظومات التعليمية على قواعد ومبادئ «التفكير العلمي».
ومن أهم قيم الإنسانية الحديثة «مدنية الدولة» وما ينتج عن «مدنية الدولة» من تداعيات بالغة الأهمية. ومعظم قيم الإنسانية الحديثة يصعب وجودها فى أيّ مجتمعٍ لا تكون فيه الدولة مدنية بشكل كامل.
ولا يمكن الحديث عن قيم الحداثة دون تسليط الضوء على آليات كفالة وحماية «حقوق الإنسان» كما هي مُعرّفة في القانون الدولي.
ولكن، هل «الحداثة» أوروبية؟
«نعم» و«لا»!
فهي إنسانية، ولكنها تشكّلت فى أوروبا.
و«إنسانية الحداثة» هي موضوع مقال قادم..