بيروت: عندما اختتم وفد صندوق النقد الدولي جولته على المسؤولين اللبنانيين الشهر الماضي، أعلن المدير التنفيذي في الصندوق محمود محيي الدين، أن هناك 4 أولويات للعمل بين الطرفين، أولها تصحيح المالية العامة بما يشمل الموازنة والديون، والثاني إصلاح القطاع المالي والمصرفي تحديداً، والثالث توحيد نظام سعر الصرف، والرابع الإصلاحات الهيكلية.
وفي ظل الأجواء السياسية المتشنجة التي يعيشها البلد مع تعطيل حكومة ميقاتي، بسبب إصرار ثنائي حزب الله وحركة أمل، على «اقتلاع» المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ طارق البيطار، ولتدارك التأخير في تنفيذ توصيات صندوق النقد، استمرت ورش العمل في السراي الحكومي لمعالجة كافة الملفات التي يجب أن تعالجها الحكومة في المرحلة المقبلة لوقف الانهيار الحاصل في البلد على كافة الأصعدة.
فهل توصلت الحكومة اللبنانية إلى صيغة واضحة تمهيداً للبدء بالمفاوضات مع صندووق النقد الدولي من أجل الحصول على قروض ومساعدات توقف الانهيار وتخرج البلد من «جهنم»؟
«المجلة» التقت وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام كونه أحد أعضاء الفريق اللبناني المفاوض للاطلاع منه على أجواء الاجتماعات التي عقدت مع وفد الصندوق، والاجتماعات التي عقدها في جنيف وواشنطن مع المسؤولين الدوليين، ولمناقشته في الإجراءات التي يتخذها في وزارته لتدارك الأخطاء الكارثية التي ارتكبت في عهد الوزير السابق راؤول نعمة وخصوصا لجهة سياسة دعم السلع التي اقترحها واستنزفت احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، لملء جيوب التجار والمحتكرين والمهربين على حساب الطبقة الفقيرة والمحتاجة التي وصلت نسبتها إلى 90 في المائة. وكان سؤالنا الأول هو إذا ما كانت الحكومة قد توصلت إلى صورة واضحة بشأن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهل جميع الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة متفقة على آلية المفاوضات؟
يقول سلام: «الأمور تسير كما يجب، ونحن الآن في مرحلة إرسال البيانات التي طلبها صندوق النقد الدولي والتي على أساسها سيتم تحديد البنود الاصلاحية التي سيتضمنها البرنامج».
اجتماعات جنيف وواشنطن
* ما الذي لمسته في اللقاءات التي أجريتموها في كل من جنيف وواشنطن، خصوصاً في ضوء اجتماعاتكم مع صندوق النقد الدولي؟
- الاجتماعات التي أجريناها في جنيف وفي واشنطن، كانت على مستوى رفيع، وأتاحت لنا إيصال صوتنا وعرض رؤيتنا وسبل الخروج من الأزمة، وكذلك الإصغاء عن قرب للمسؤولين الدوليين الذين التقيناهم. بنتيجة كل ذلك، أصبحتُ على يقين بأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، معطوفاً على الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقطاعية، سيعيد لبنان إلى كنف المنظمات الدولية ويسهل فرص الإنقاذ والمساعي. فالاتفاق مع الصندوق هو بمثابة الحاضنة الدولية للبنان، إذ سيمنح أصدقاؤنا الزخم اللازم لتوفير الدعم المطلوب والمرتجى. ونأمل في دعم دولي متصاعد يترجم في تسهيل قيام المشاريع الاستثمارية التي ستقوم بها الجهات المانحة، وينبغي عدم إغفال ضرورة اعتماد نهج شامل لتحسين قدرات الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، عن طريق تعزيز البيئة المواتية، وتنمية البنية التحتية للأسواق المالية، وبناء القدرات الفنية والتمويلية للوسطاء الماليين، وكذلك مساندة ريادة الأعمال والاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الشمول المالي. إذ يمكن لقطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر القوي أن يهيئ فرص عمل واسعة، وفرصا اقتصادية للمرأة، ويساعد على توجيه طاقات الشباب بشكل منتج. ونحن ملتزمون بالعمل والشراكة مع المؤسسات المالية الدولية لتحقيق نمو مستدام طويل الأجل في لبنان. وسنعمل مع شركاء التنمية لتحفيز نمو القطاع الخاص.
تفاوت الأرقام
* وزير الاقتصاد السابق رائد خوري اعتبر أن سبب فشل المفاوضات السابقة مع صندوق النقد هو تفاوت الأرقام ووجود المستشارين المتزلفين ذوي الفكر اليساري المدمر هل توافقه في هذا الرأي؟
- السبب الأساسي لفشل المرحلة الأولى من المفاوضات زمن الحكومة السابقة كان في عدم الاتفاق على الأرقام..
* هل تكونت لديك صورة واضحة عن وضع الوزارة للعمل على إعادة الأمور إلى نصابها في الأسواق التي تعيش حالة فلتان غير مسبوقة؟
- نعمل قدر المستطاع على ضبط الأسواق لا سيما على صعيد الأسعار التي ترتفع بوتيرة سريعة جدا نتيجة الارتفاع الجنوني في الدولار في السوق الموازية، لكن الإضراب المفتوح للقطاع العام يعكس نقصا شديدا في عدد المراقبين في مديرية حماية المستهلك.
* هل لديكم توجه لتفعيل دور مصلحة حماية المستهلك لضبط الفوضى في التسعير ولمراقبة عدادات محطات المحروقات والأفران؟
- تتولى وزارة الاقتصاد والتجارة عبر مديرية حماية المستهلك مراقبة الأسواق، وهي تشمل عدداً كبيراً من القطاعات والنشاطات التجارية وتتنوع المهام، ومن أبرزها:
أولا: السلامة الغذائية: يتم التأكد من توفر شروط السلامة الغذائية والنظافة ومن صلاحية السلع والمواد في المطاعم والأفران والمتاجر الكبرى والسناكات… ويتم أخذ عينات من المواد الغذائية للتحليل في المختبرات المعتمدة للتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة.
ثانياً: أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية: التأكد من إعلان الأسعار على كل السلع في نقاط البيع. والتأكد من الالتزام بالأسعار الرسمية للسلع المشمولة بقرارات تسعيرية مثل الخبز والمحروقات والغاز. والتأكد من الالتزام بعدم تجاوز نسب الأرباح المسموح بها في قرار نسب الأرباح التجارية والتي لا تتجاوز 20 في المائة، لباقي السلع غير المسعرة رسمياً.
ثالثاً: المولدات الكهربائية: تتم مراقبة المولدات الخاصة للتاكد من تركيب العدادات للمشتركين والالتزام بأسعار الكيلوواط الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه. مع العلم أن مجلس الوزراء كلف وزارتي الاقتصاد والتجارة والداخلية والبلديات مراقبة هذا القطاع، وبالتالي المطلوب من البلديات أن تقوم بدورها في المراقبة وصولاً إلى لعب دور الحارس القضائي على المولدات المخالفة.
رابعاً: محطات المحروقات: التاكد من عدم احتكار المحروقات ومن نوعيتها وكذلك من صحة الكيل (calibration) والتثبت من الالتزام بالأسعار الرسمية.
خامساً: الأوزان والموازين: يتم التأكد من دقة الموازين المستعملة في نقاط البيع وكذلك من صحة الأوزان للسلع مثل الخبز ومنتجات المخابز والحلويات والشيكولاته… وتتم المراقبة بطرق متعددة: منها مراقبة قطاعية، يتم التركيز فيها على قطاعات محددة في أيام معينة على كامل الأراضي اللبنانية مثل الأفران والمطاعم والمولدات الكهربائية ومحطات المحروقات وأسعار السلع... ومراقبة جغرافية قائمة على مراقبة كل نقاط البيع والقطاعات المتنوعة ضمن بقعة جغرافية محددة.
مكافحة الاحتكار
* متى ستتمكن الدولة وخصوصا وزارة الاقتصاد من كسر باب الاحتكار المهيمن على الحياة الاقتصادية تحت شعار الاقتصاد الحر؟
- لن تتم مكافحة الاحتكار إلا من خلال إصلاحات تساهم في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد ومن خلال إقرار قانون المنافسة الركن الأساسي في تأمين المنافسة والنفاذ إلى الأسواق، عبر منع كل الممارسات المخلة بالمنافسة وعمليات استغلال الوضع المهيمن، وبالتالي تحفيز الفعالية الاقتصادية والأعمال الخلاقة.
وهذا القانون هو ما نسعى إلى إقراره قريباً، علماً أنه شرط من الشروط الأساسية لصندوق النقد الدولي على صعيد الإصلاحات التشريعية والمساهمة في خلق بيئة أعمال مواتية.
السوق السوداء
* هل تعتقد أن توحيد سعر صرف الدولار قد يؤدي إلى ضرب السوق السوداء ويعيد الاستقرار إلى الأسواق؟
- إن توحيد سعر الصرف أمر ضروري لاستعادة الثقة بالاقتصاد الوطني وبالقطاع المصرفي، إلا أنه لا يمكن استعادة الثقة في القطاع المصرفي اللبناني وبالليرة اللبنانية خاصة، بغية وقف التدهور في العملة الوطنية والقدرة الشرائية للمواطن، إلا من خلال إجراء الإصلاحات المطلوبة لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد ووضعه على مسار مستدام للنمو، وهذه الإصلاحات هي ما نركز عليها في البرنامج مع صندوق النقد الدولي، لأن أي عملية تخفيض لسعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار يجب أن تتم بشكل تدريجي لا فوري، نظراً للضغوط الاقتصادية والاجتماعية الجمة التي قد تنطوي عليها خطوة كهذه. إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تصاعد في نسب تضخم الأسعار، وضغطٍ إضافي على الاقتصاد الحقيقي، وزيادة في البطالة، بالإضافة إلى التداعيات السلبية على التوزيع الوطني للدخل.