مرتع التشدد وبؤرة العنف

مرتع التشدد وبؤرة العنف


في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو الوضع في الصومال خصوصاً فيما يتعلق بهجوم القراصنة، يكشف الجانب الآخر من خليج عدن مجموعة من الظروف أقل ما تُوصف به أنها تدعو للقلق. في حقيقة الأمر، إذا استندنا في حكمنا على موقع هجوم القراصنة، يمكننا أن نقول إن عمليات القرصنة هذه تحدث في مياه اليمن التي تتكون من مائتي جزيرة بقدر ما تحدث في الصومال.  


وفي إطار الاحتجاجات التي جرت في جنوب اليمن، جاءت التصريحات الأخيرة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح التي أوضح فيها أن البلاد تواجه خطراً واضحاً في الوقت الحالي يهدد بانقسامها إلى عدة دويلات، وتعكس هذه التصريحات ذاتها الوضع في اليمن. فقد أثارت إمكانية ظهور حركات انفصالية مخاوف العودة إلى حقبة ما قبل الوحدة في اليمن عندما كانت تتألف البلاد من سلاطين ومشايخ وانتشر خلالها سفك الدماء بين اليمنيين. وقد طالب أيضاً الرئيس علي عبد الله صالح الذي تولى حكم البلاد منذ عام 1978 ببذل جهود على الصعيدين الوطني والعالمي لمواجهة الإرهاب في البلاد باعتباره حجر عثرة أمام التقدم والسياحة والاستكشافات النفطية".


لو كانت هناك ذرة واحدة من الشك في أن تنظيم القاعدة يعتبر اليمن بمثابة "الملاذ الآمن"، فإنها سرعان ما تزول إذا علمنا أن مواقع الويب الخاصة بالتنظيم الإرهابي نشرت رسالة تدعو فيها أعضائها بالتوجه إلى اليمن. وليست الحكومة اليمنية الهدف الأساسي لتنظيم القاعدة كما هو الحال بالنسبة للحكومة السعودية. فبالنسبة للقاعدة، تكمن الأهمية الإستراتيجية لليمن في أن هذا البلد يعد مرتعاً خصباً لتخريج كوادر إرهابية خصوصاً في المناطق الجبلية والأماكن الريفية غير المأهولة بالسكان. 


وإضافة إلى أن اليمن بمثابة الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة، يزداد الموقف سوءً نظراً لوجود آلاف من مقاتلي الحرب الأفغانية ضد الوجود السوفيتي وعودة العديد من الجهاديين من العراق وكذلك الجماعات الإسلامية المحلية التي تطلق على نفسها حركة الجهاد الإسلامي (التي كانت على الأقل في الماضي على اتصال بأسامة بن لادن) وجيش عدن أبين.


وبعد أحداث 11/9، بات الهجوم الأمريكي على اليمن وشيكاً. فليس من قبيل الصدفة أن اليمن تأتي في صدارة الدول من حيث عدد مواطنيها المحتجزين في معسكر جوانتانامو حيث يتراوح هذا العدد ما بين 100 و150 شخصاً. كما وقع باليمن عملية تفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في عام 2000. وعلاوة على ذلك، لا يزال العديد من متطرفي هذا البلد يمثلون جزءاً من التنظيمات المعادية لقوات التحالف في العراق. وقد حرصت الولايات المتحدة على تعقب أعضاء تنظيم القاعدة والتنظيمات ذات الصلة في اليمن، كما تقدم تدريباً على مواجهة الإرهاب لأفراد قوات الأمن اليمنية إضافة إلى دعم عملية التشكيل الجديد لخفر السواحل المحليين.  


غير أنه ينبغي ألا نعزي المشكلات التي تواجهها اليمن بشكل كامل إلى التهديدات الإرهابية، وأي اتجاه معتدل يركز بصورة حصرية على تعقب تنظيم القاعدة والأعضاء الموالين له في هذا البلد محكوم عليه بالفشل الذي سيكلف اليمن ثمناً باهظاً.  


وينبغي أن يتم الثناء على جهود الحكومة اليمنية في إصلاح التطرف الديني الشيعي والسني، كما ينبغي الثناء على المعايير التي يتم اتخاذها لنزع السلاح من مجتمع يعتبر امتلاك الأسلحة بمثابة حق تقليدي مشروع، وذلك من خلال إغلاق العديد من محلات وأسواق بيع الأسلحة في هذا البلد. لكن يتعين علينا النظر إلى هذه المعايير بأنها تمثل فصلاً واحدة من قصة متعددة الفصول، حيث إنه إن لم تتخذ معايير أكثر شمولية، فمن المحتمل أن تحدث انكفاءة للتقدم السياسي الذي تم تحقيقه منذ توحيد اليمن في عام 1900 والحرب الأهلية في عام 1994.


إن قائمة المشكلات التي تواجهها اليمن رهيبة. وتواجه اليمن بشكل أساسي جميع المشكلات المرتبطة عادة بفشل أو انهيار الدول، والتي لا تقتصر على الإرهاب والتطرف والثقافة المجتمعية من العنف المتأصل بل تتجاوز ذلك بكثير. ولا تؤدي هذه العوامل إلا إلى تفاقم تلك المظاهر التي ذكرت للتو : الفساد المستشري والفقر والبطالة وسوء التغذية والانتهاكات البالغة لحقوق الإنسان وندرة المياه والعجز عن السيطرة على النمو السكاني والتوزيع غير المتكافئ للموارد والانقسامات الاجتماعية والدينية.


وتوجد عقبات رئيسية تعترض سبيل التصدي لهذه القائمة الضخمة من المشكلات ويأتي اقتصاد البلاد المتهالك في صدارتها. فمن المرجح أن تنخفض العائدات من صناعة النفط في السنوات المقبلة، والذي يعد أحد أهم مصادر الدخل القومي. وتعد اليمن أصغر منتج للنفط في الشرق الأوسط بأكمله. كما يفتقر اليمن إلى حكومة فعالة ويعاني من غياب للسلطة، خصوصاً في المناطق الريفية وغيرها من المناطق التي يصعب الوصول إليها بجانب عجزه عن السيطرة على حدود البلاد التي يسهل اختراقها.


وحيثما تمتلك الحكومة القدرة على ممارسة بعض السيطرة والسلطة، نجد أنها بأجهزتها الأمنية متهمة بارتكاب عمليات الاعتقال التعسفي والاحتجاز دون تهمة أو محاكمة والتعذيب، بل وحتى عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء فضلا عن التمييز القوى والعنف ضد المرأة. وهناك حاجة للتدخل القوي والصارم من قبل الحكومة في بلد تعد فيه الفوضى وضعاً طبيعياً، ولكن تجاوز الحدود بهذا الشكل يؤدي إلى مزيد من تأجيج العنف وانعدام الثقة تجاه الحكومة.


من المؤكد أن المجتمع الدولي يعي تماماً أنه من أجل تحقيق أي تقدم في مجال الاقتصاد وغيره من المجالات الاجتماعية، فمن المهم للغاية تحقيق الأمن. وخير مثال على ذلك أن اليمن خصصت 59 مليون دولار للقطاعات العسكرية والأمنية من مجمل 94 مليون دولار من حساب تحدي الألفية المخصص لهذا البلد.


وكما اعترف الرئيس اليمني مؤخرا، فإن البلاد سوف تكون قادرة على الوقوف على قدميها كدولة فقط بمساعدة من الجهات الأجنبية المانحة، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وليس بوصفها كياناً سياسياً غير واضح المعالم يتوالد فيه التطرف ويسود على أرضه العنف.

font change