القاهرة: رغم حالة التفاؤل التي سادت المشهد الليبي بعد الإعلان عن موعد أول انتخابات رئاسية وبرلمانية في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الجاري 2021، إلا أن التوترات الداخلية لا زالت تلقي بظلالها على العملية الديمقراطية في الدولة التي شهدت اضطرابات سياسية واجتماعية خلال ما يزيد على عقد من الزمان، وزاد من حدة التوتر في الأجواء الليبية عدد من الإجراءات الأخيرة المتعلقة بشخصيات الأشخاص المرشحين للرئاسة والذي يثار حولهم لغط كبير سواء بسبب انتماءاتهم للنظام السابق، أو مرجعيتهم السياسية، وكذلك ارتباطهم بهذه الدولة أو تلك، وهو ما جعل الارتباك هو السائد حاليا بدرجة تشكك المحللين في إمكانية إجراء العملية الانتخابية في موعدها بسبب هذا التجاذب بين ألوان الطيف الليبي ومناصريهم.
وزادت من حالة الفوران التي تحيط بأجوء العملية الانتخابية في ليبيا بعد استبعاد عدد من الشخصيات الشهيرة من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، والذين تعود شهرتهم لمواقعهم على الساحة الليبية سواء قبل الثورة أو بعدها، وجاء الاستبعاد من قبل المحكمة بعد تقدمهم للترشح وقبول عدد من الطعون ضدهم، ومن بينهم المشير خليفة حفتر الذي أعلن أنه يخوض الانتخابات الرئاسية في ليبيا لقيادة الشعب الليبي فيما سماه «مرحلة مصيرية» وليس طلبا للسلطة، وأن العملية الانتخابية لا يجب أن تكون «مناسبة للوعود الجوفاء»- بحسب تعبيره- ملمحا لحديث بعض المرشحين عن آمال طرحوها لليبيا عقب فوزهم في محاولات لدغدغة مشاعر الناخب الليبي.
تأجيل أم استمرار
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا مؤخرا عن عدم وجود نية لتأجيل العملية الانتخابية التي ستجرى في موعدها المقرر بشهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وقال سامي الشريف مدير المركز الإعلامي للمفوضية أن المقرر هو إجراء الانتخابات في موعدها إذا استمرت عملية الطعون والاستئناف وفقا لما تم إعداده في هذا الشأن، وذلك في ربط بين الالتزام بالموعد المحدد للانتخابات، وحسم موضوع الطعون والاستئناف وهو ما يعني ضمنيا إمكانية التأجيل في حالة عدم الانتهاء من الطعون، ورغم ذلك أوضح مدير المركز الإعلامي أن التأجيل قد يكون أربعة أو خمسة أيام فقط لحين الفصل في الطعون أو ما سماه «أسباب فنية»، وهو الحديث الذي أيده عماد السايح رئيس المفوضية من أن الموعد المقرر للانتخابات يعد من «المسائل الفنية» التي تخضع للمفوضية، وأن إمكاينة التأجيل واردة في حالة تأخر الفصل في الطعون المقدمة ضد المرشحين، ويرى بعض الحقوقيين الليبيين أن المفوضية تمتلك الحق في التأجيل بحسب الظروف الموجودة لأنها المسؤول الوحيد عن تنظيم إجراءات العملية الانتخابية.
الدبيبة والقذافي ضمن المستبعدين
واشتملت قائمة المستبعدين من الانتخابات الرئاسية كلا من عبد الحميد الدبيبة، وسيف الإسلام القذافي الذي سارع بالطعن على القرار أمام المحكمة التي ألغت جلسة الطعن بسبب عدم حضور القضاة، ورغم استبعاد المحكمة لعدد من المرشحين إلا أنها قضت في المقابل في قرار آخر بعودة بعض المستبعدين من الترشح إلى سباق الانتخابات بعد قبول طلبهم ضد المفوضية العليا للانتخابات التي استبعدتهم ضمن 22 مرشح بسبب ما ذكرته من عدم توافر شروط الترشح بهم، وهم كل من سلامة الغويل، وعثمان البصير، وفتحي بن شتوان.
وأثيرت مؤخرا حالة من التدافع الإعلامي بسبب التحيز لأحد المرشحين أو الرغبة في استبعاد آخر لعدة أسباب من بينها رواسخ تاريخية لهذا المرشح أو ذاك، وكانت حالة اللغط حول المرشحين الأكثر شهرة إعلاميا على الساحة ومنهم سيف الإسلام القذافي، والمشير خليفة حفتر، وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤيد من إقليم طرابلس وعدد من مدن الجنوب، وثارت تخوفات من التدخل الذي قد يجري من أنصار الرئيس السابق للحشد مع نجله سيف الإسلام، مما يهدد حالة الاستقرار في البلاد أو يعيدها مرة أخرى للوراء، ولم تخف دول الجوار الليبي تخوفها من السيناريوهات المحتملة التي ربطت بين الإخفاق واحتمالية عودة الفوضى من خلال الميليشيات المدعومة من دول بعينها مما يعد تهديدا للجيران.
تحذيرات أممية
وفي متابعة أممية لما يحدث حذرت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا من التلاعب في العملية الانتخابية، مشيرة لالتزامها بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقا لخريطة الطريق التي تم إقرارها سابقا من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي، ووفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2570 الذي صدر في العام الجاري 2021 في هذا الشأن، مطالبة في بيان لها جميع المؤسسات في ليبيا والقائمين على الأمر بضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية دون القيام بالترهيب أو الإخلال بالأمن، ولم تخف الأمم المتحدة انزعاجها بسبب ما سمته في بيانها «عملية الترهيب والتهديد» التي يتعرض لها القضاة والقائمون على العملية الانتخابية في بعض المناطق في ليبيا، محذرة في الوقت نفسه من أي إجراء أو تصرف يمكن أن يؤثر على سير الانتخابات أو يحرم المواطن الليبي من حقه في انتخاب ممثلية في الرئاسة والبرلمان بطريقة ديمقراطية أو يؤدي لتقويض العملية الانتخابية.
تأجيج العنف
ويعارض الكثير من ألوان الطيف الليبي عودة أشخاص بعينهم للمشهد السياسي لتقلد الزعامة في ليبيا وذلك من منطلق ما يرونه عن تسببهم فيما وصلت إليه الأوضاع هناك بعد فترة طويلة من العنف والتجاوزات بحق آخرين، وكذلك بسبب الفساد الذي صاحب عملية ترشحهم، ومسؤوليتهم عن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين بسبب رغبتهم في العودة لتصدر المشهد من جديد، وهو ما قد يؤجج من العنف وكذلك العنف المضاد، ويضع ليبيا من جديد إلى المربع الأول قبل عملية الاستقرار النسبي الذي تشهده والاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويرى المعارضون لعودة سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي عودة للوراء بسبب ما وجهته له المحكمة الجنائية الدولية من ارتكاب جرائم حرب، ومنع لجنة الانتخابات من ترشحه للرئاسة بعد أن قام القضاء الليبي بإدانته بنفس الاتهامات، وبالإضافة لمشاركته في قمع الاحتجاجات المعارضة لنظام حكم والده إبان الثورة الليبية، ويرى المعارضون أيضا لانتخاب القذافي في ترشحه عودة للوراء خاصة مع الفترة الطويلة التي قضاها والده في الحكم والتي بلغت حوالي أربعين عاما وهو ما يتعارض مع طموحات الشعب الليبي في الديمقراطية، وطي صفحة الماضي التي يرتبط بها القذافي الابن ارتباطا وثيقا، فيما يؤكد مناصروه على قدرته على تحقيق الاستقرار بسبب درايته بأروقة الحكم خلال فترات طويلة وهو ما يعد ميزة في هذه المرحلة.
جرائم حرب
ولم يختلف المعارضون أيضا على شخصية المشير خليفة حفتر المدعوم من بعض القوى الإقليمية والتي يرون فيها أمثله لسابقه من ارتكاب جرائم حرب خلال فترة الصراع المسلح الذي دار بين عدد من الفصائل الليبية خلال السنوات الماضية، بخلاف عمره الذي تجاوز 75 عاما، ونظرتهم بعدم صلاحيته أيضا لتصدر المشهد الليبي بسبب الاختلاف حوله، في الوقت الذي يرى فيه مناصروه أنه خاض مرحلة مهمة من عمر ليبيا، وأصبح لاعبا أساسيا في العملية السياسية، بجانب خبراته العسكرية والقيادية التي تمكنه من القيادة.
ولم يسلم المرشح عقيلة صالح من الاتهامات بعدم الصلاحية لقيادة ليبيا بسبب عمرة الذي قارب الثمانين، بخلاف العقوبات الأميركية المفروضة عليه لتقويض ما سمته أميركا «الأمن والاستقرار»، فيما يعد عبد الحميد الدبيبة رئيس الوزراء الذي توافق عليه كثيرون بسبب عدم اتهامه بما تم توجيهه للآخرين أحد أكثر المرشحين توافقا رغم ما يثيره معارضوه أيضا من عمليات الفساد خلال نشاط عائلته التجاري.
انتقاء سياسي
مدير مركز الأمة الليبي للدراسات محمد الأسمر يرى أن عملية الترشح شابها انتقاء سياسي وتباين قانوني، موضحا أن الانتقاء تمثل في رفض كل المنتسبين إلى النظام الجماهيري السابق مثل سيف الإسلام القذافي، وبشير صالح، والدكتور محمد أحمد الشريف، أما التباين القانوني الذي أشار اليه الأسمر فيتعلق بتطبيق المادة العاشرة البند السابع من القانون رقم 1 لسنة 2021 بشأن انتخاب رئيس الدولة والتي تنص على «أن لا يكون محكوما عليه نهائيا في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة»، موضحا أن هذه المادة لا تنطبق على القذافي لأنه حصل على عفو عام صادر من مجلس النواب عام 2015، فضلا عن حكم المحكمة العليا بنقض الأحكام السابقة بحقه، وهي قضايا ما زالت منظورة أمام المحاكم ولم تصدر بها أحكام نهائية، وفي الوقت ذاته تم قبول أوراق خالد شكشك وهو رئيس ديوان المحاسبة الحالي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وذلك خلافا للمادة 12 من القانون ذاته التي تشترط أن يكون المرشح متوقفا عن ممارسة عمله قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر الجاري، وذلك قبل أن تقبل محكمة استئناف طرابلس بالطعن ضد ترشح الأخير الأحد الماضي مستندة إلى أن الدبيبة لم يقدم ما يثبت توقفه عن العمل قبل 3 أشهر من تنظيم الانتخابات، فضلا عن حيازته جنسية أجنبية إلى جانب جنسيته الليبية.
خيار وحيد
عارف النايض المرشح الرئاسي ورئيس تكتل إحياء ليبيا اعتبر في تصريحات صحافية أن استبعاد 25 اسما من قائمة المرشحين سبب له الكثير من الإحباط، قائلا: «كنت أتمنى أن تكون القائمة شاملة لكل التيارات الليبية بما فيها تيار النظام السابق وتيار الكرامة وتيارات غرب ليبيا، كان يجب أن يكون الجميع موجودا وأن نحتكم كلنا لصناديق الانتخابات».
وتابع: «نحن لا نشكك في مفوضية الانتخابات ونحترم قراراتها وأحكامها، لكن يبدو أنها ارتأت تحويل بعض المسائل الهامة مثل تطبيق المادة 12 إلى القضاء وتركت الأمر للطعون، خاصة وأن ثقة الناس في القضاء الليبي جيدة، لكن في المقابل فإن أي إجراءات قانونية قد لا ترضي الجميع»، داعيا الأطراف المختلفة إلى الاحتكام للصناديق الانتخابية واحترام نتائجها، مشددا على أنها تعد الخيار الوحيد أمام الليبيين للوصول إلى بر الأمان لبلد مستقر، لافتا إلى أن إلغاء الانتخابات أو حتى تأجيلها قد يقود ليبيا إلى فوضى مسلحة عارمة والدخول في حروب ونزاعات جديدة.
وتستمر تخوفات دول الجوار من عملية «الأرجحة» وعدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها ليبيا خلال الفترة الأخيرة وخاصة مع الإعلان عن موعد الانتخابات، كذلك من عمليات الاستقطاب الخارجي سواء من بعض دول المحيط الليبي، أو الدول التي تبعد عنها آلاف الأميال بسبب مصالحها الإقليمية، خاصة مع ارتباط هذا الاستقطاب بالتدخل من خلال الميليشيات المسلحة التي يمكن أن تهدد الدول المجاورة خاصة مع الاختلافات الموجودة داخل الإقليم، وتحرص دول الجوار (مصر والجزائر وتونس والمغرب) على عملية الاستقرار داخل ليبيا، وكذلك التعاون معها للوصول إلى عملية الاستقرار السياسي التي ستحددها الانتخابات القادمة إلى حد بعيد.
- المرشح الرئاسي عارف النايض
- رجل يدلي بصوته في آخر انتخابات شهدتها ليبيا عام 2014