سئلتُ عن لبنان..
كانت صيغةُ السؤالِ كما يلي:
ما تقييمك لحالِ الحياةِ السياسية الراهنة فى لبنان الذي أعرف مدى وعمق حبك له؟
فقلت: إجابتي يجب أن يسبقها توضيحٌ لمسألةِ «حبي للبنان». فأنا دون مناوراتٍ فكرية ولفظية «أُحبُ لبنان المارونية»! فهي تعكس حبي لمصرَ التي كانت، أي «مصر الكوزموبوليتانية»(The Cosmopolitan Egypt) أي «مصر البحر الأبيض المتوسط» (The Mediterranean Egypt)والتى لم يبق منها إلاَّ ذكراها وأطيافُها فى أفلامٍ مصريةٍ عمرها ما بين 70 و90 سنة. فأنا مصريٌ سخَر حياته الفكرية والعقلية والثقافية للترويجِ لقيمِ الحداثة والمعاصرة، مع فيضٍ من الجهد فى مجال "مكافحة" الدعوات الثقافية «الماضوية»،و«الأصولية»،وذلك فى شلالٍ من الكتب والمقالات والحوارات والمحاضرات. وهو ما أسس لولعي منذ ستينات القرن الماضي بـ«لبنان الأكثر حداثة وتماهياً مع ثقافات البحر الأبيض المتوسط». لبنان هذا أيضاً اعتراه ما اعترى «مصر ما قبل 70 سنة»، ولكن بدرجة وكيفية مختلفتين. أما وقد أوضحت تلك الخلفية دون مواربة أو «دبلوماسية»أو تردد، فقد أصبح بوسعي أن أعطيك تقييمي لحال لبنان السياسية الراهنة وأن أضيف «رؤيتي»لمستقبل الحياة السياسية فى هذا البلد الفريد بين البلاد الناطقة بالعربية.
أما حال لبنان السياسية الراهنة، فهو ثمرة ما يلي:
أولاً، تاريخ من الطائفية لم ينجح اللبنانيون فى تجاوزه طيلة قرن من الزمان أي منذ أول سبتمبر (أيلول) 1920 أيٍّ منذ أَعلن الجنرالHenri Gouraud دولة لبنان.
وثانياً، الشيطان الإيراني المتمثل فى حزب الله والذي لم يكن له وجود قبيل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية فى 1975.
وثالثاً، الواقع المحيط بلبنان منذ 1979، ومن أهم ملامحه سياسات سوريا وإيران وإسرائيل والصراع السني/ الشيعي وغيرها. وما لم تتغيّر عناصر الواقع داخل وخارج لبنان، فإن بقاء «الواقع اللبناني الراهن»على ما هو عليه الآن هو شيء مؤكد. وأهم هذه العناصر هي:
(1) نفوذ إيران إقليمياً ولبنانياً، و(2) المواطنة اللبنانية مقابل الطائفية، و(3) الضغوط الخارجية على لبنان. وأغلب ظني أن واقع لبنان وواقع المؤثرات الخارجية على لبنان لن يشهدا تغيرات كبيرة على المدى الزمني القصير. وهو ما يرجح عندي أن ظروف اللبنانيين المسيحيين الحياتية ستزداد قسوة لدرجة قد تؤسس لاستقلالهم بشكلٍ أو بآخرٍ. فمع كل ما ذكرتُه عن المتغيرات فى الواقع اللبناني، فإن حقيقة أخرى تزيد من سوء حال اللبنانيين المسيحيين، وهي أن النمو الديموغرافي/ السكاني للبنانيين الشيعة الذين تتبع أغلبيتهم إيران تبعية مطلقة هي أكثر من ضعف معدل النمو الديموغرافي/ السكاني للبنانيين المسيحيين.
وأختم بالآتي: خلال نصف القرن الأخير، شهدت المجتمعات الناطقة بالعربية نمواً رهيباً للهوس الديني تسبب فى تقلص أعداد المسيحيين فى عددٍ منها وفي تعاظم الضغوط على المسيحيين الذين بقوا بها. وواكب ذلك تعاظم الانقسامات المجتمعية الذي وصل لحد الحرب الأهلية فى البلاد المتحدثة بالعربية. في قلب هذا «المناخ البشع»يوجد لبنان بمعضلاته العويصة. وفي قلب كل هذه البشاعة يوجد مسيحيو لبنان.