برزت في السنوات القليلة الماضية توجه لدى بعض الرياضيين المحترفين المشاهير في الولايات المتحدة الأميركية لإطلاق مواقف ذات بعد سياسي، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساسي. تلك المواقف كانت موضوع انقسام وخلاف كبير داخل المجتمع الأميركي نفسه، بدءا من الرئيس السابق دونالد ترامب وصولا إلى دور الشرطة وكيفية الحدّ من هذا الدور، ليصار إلى كبح جماحها، خاصة في موضوع التعاطي بوحشية مع بعض الموقوفين.
هذه ليست سابقة في الولايات المتحد الأميركية، فقد كانت هناك مواقف لافتة لرياضيين إزاء قضايا سياسية كبرى، نذكر منها مواقف محمد علي كلاي الرافضة لحرب فيتنام، حيث اعتبرها «غير أخلاقية». الفارق أن محمد على كلاي لم يكن له حساب على أحد المواقع الاجتماعية وعدد هائل من المتابعين، وطبعا استفادة مالية ضخمة جدا للموقع وصاحب الحساب، كما أن هذا الموقف كان مبدئيا من حرب عبثية تخوضها بلاده. فكان من الصعب مثلا أن ينبغي لأحد الدفاع عن تلك الحرب.
اليوم القضايا التي يناصرها الرياضيون لها علاقة بمواضيع داخلية سياسية أو اجتماعية ينقسم حولها المجتمع الأميركي بشكل حاد.
من تلك القضايا التي استحوذت على اهتمام الرأي العام قضية لاعب الفوتبول الأميركي كولين كابيرنيك قبل بضع سنوات. هذا اللاعب الموهوب الذي لعب مع فريق سان فرانسيسكو 49 في مركز خط الوسط كظهير خلف قرر الاعتراض والاحتجاج على وحشية الشرطة الأميركية في تعاملها مع السود وعدم المساواة العرقية، من خلال الركوع على ركبة واحدة خلال أداء النشيد الوطني الأميركي قبل بداية المباريات. للنشيد الوطني الأميركي وعلمها أهمية كبيرة جدا عند الأميركيين تتعلق بحسّهم الوطني بشكل مباشر. وحركة كابيرنيك أدت إلى ردود فعل مؤيدة، ولكن أيضا ووجهت بمعارضة كبيرة. تدخل الرئيس الأميركي وقتها ترامب وحث النوادي على منع اللاعبين من أداء تلك الحركة واعتبارها إهانة للبلد لم يساعد على معالجة الأمور بروية وانتهت مسيرة كابيرنيك الرياضية من دون أن يجد فريقا يوقع معه.
الأمر نفسه حصل مع ليبرون جيمس أحد أشهر لاعبي كرة السلة في العالم حاليا (والذي كانت له مواقف مناهضةللرئيس ترامب هو الآخر)، عندما سخر من دموع الشاب كيلي ويتهم ريتنهاوس (17 عاما) المتهم بقتل شخصين وإصابة ثالث خلال احتجاج على كينوشا العام الماضي على خلفية الإفراط في استعمال الشرطة للقوة الوحشية. لاحقا أصدرت المحكمة حكمها بإسقاط التهم ضد ريتنهاوس ولكن التعليقات القاسية تجاه تغريدة ليبرون جيمس الساخرة لشاب يعيش مأساة على الصعيد الشخصي ما زالت تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وأدخلته في متاهة الردود على الردود.
أما نجم فريق البوسطن سيلتيك السويسري الأصل جينيس كانتر استخدم هو الآخر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام للتحدث للإضاءة على الظلم والإبادة التي يتعرض لها مسلمو الأويغور. وهو من أجل تلك القضية نشر تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي كما لبس ملابس مصممة خصيصا لهذه القضية ما تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين ورد فعل عنيف من الصين، حيث قام موقع بث الفيديو الصينيTencent بسحب ألعاب الفريق من موقعه كما انتقدت الحكومة تعليقات اللاعب الشاب.
من هنا السؤال: هل يجب على الرياضيين المشاهير اتخاذ مواقف سياسية من قضايا معينة قد تلحق بهم الضرر وتنهي مسيرتهم الرياضية في أسوأ الأحوال أو تشوش على أدائهم الرياضي داخل الملعب في أحسنها؟
من الواضح أن تلك المواقف السياسية التي يتخذها المشاهير من الرياضيين، وإن كانت محقة تقسّم الرأي العام بين موافق ومعترض حيالها وتضع الرياضي في قلب نقاش ساخن ومتوتر. تماما كما يحصل ليبرون جيمس المطالب من قبل معجبيه بموقف أخلاقي يدفعه إلى التنازل عن عقده الضخم مع شركة نايك العالمية التي تصنّع بضائعها في الصين المتهّمة بإبادة مسلمي الأويغور.
السياسة ليست أبدا بالبساطة التي يتخيلها البعض والمواقف السياسية التي يتخذها بعض اللاعبين المشاهير تبدو أقرب إلى حملة دعائية تستغلها أحزاب أو شخصيات سياسية تتوافق مع مصلحتها. يبدو أن السياسيين يتعمّدون استغلال صورة الرياضيين لما يمكن أن ينعكس إيجابا على صورتهم هم وشعبيتهم ومصالحهم ونتائج صناديق الاقتراع، وهذا التصرف في نهاية المطاف يشبه إلى حد كبير تأثير منصات التواصل الاجتماعي المتهّمة اليوم بالتأثير على خيارات الناس خاصة السياسية منها.
من هنا يجب التفريق بين المواقف السياسية وحملات التوعية التي يتفق عليها المجتمع بغالبيته من مثل تحذير الشباب من استخدام المخدرات أو القيادة تحت تأثير الكحول وأية مواضيع أخرى إنسانية، ولا تكون موضوع انقسام سياسي حاد داخل المجتمع.
من غير المرغوب أن يتحول الرياضيون المشاهير إلى نشطاء سياسيين أو اجتماعيين وهم ما زالوا مستمرين في مسيرتهم الرياضية. فالمواقف التي يمكن اتخاذها قد تدفع متلقيها إلى التصرف بشكل راديكالي مؤذٍ للغير خاصة في ظل عالم يعيش حالة من الاحتقان بين مبادئ وأفكار جديدة تجتاحه.
من المستحيل مثلا أن لا يعترف شخص بموهبة مارادونا الفذة أحبه أم لا، وهذا ينطبق على أكثر من رياضي عالمي. لا أحد يمكنه إلا أن يعترف بموهبته الفذّة. المواقف السياسية هي دائما مادة خلافية ينقسم الناس حيالها، وهذا دأب السياسيين والأحزاب على عكس الرياضة التي يجتمع على حبها الناس.