الإعلان «الرقمي» ينتزع حصته من الإنفاق في السعودية

الإعلان «الرقمي» ينتزع حصته من الإنفاق في السعودية

[caption id="attachment_55254945" align="aligncenter" width="1024"]امرأة شابة تتابع في هاتفها الذكي إعلان وظيفة بالرياض (غيتي) امرأة شابة تتابع في هاتفها الذكي إعلان وظيفة بالرياض (غيتي)[/caption]


جدة: معتصم الفلو



•هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية: اشتراكات الإنترنت تصل إلى 32 مليون اشتراك وعدد المشتركين في خطوط الهاتف النقال نحو 50 مليونا
•تقرير «زينيث»العالمية: الإنفاق على الإعلان الرقمي سيتجاوز نظيره التقليدي بحلول عام 2017 على مستوى العالم



[blockquote]يبدو أن مشهد الإنفاق الإعلاني في السعودية مقبل على تغييرات هيكلية فيما يخص الأولويات من حيث تركيز الإنفاق على وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، إلا جانب المواقع الإلكترونية الشهيرة وبرامج التراسل والمحادثات الشخصية، وبخاصة مع وصول اشتراكات الإنترنت إلى 32 مليون اشتراك وبلوغ عدد المشتركين في خطوط الهاتف النقال إلى 50 مليونا، بحسب تقرير إحصاءات الربع الأول لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، فيما وصل استخدام الإنترنت إلى أكثر من 93 في المائة من مجمل السكان.[/blockquote]



لا تقتصر تلك التغييرات على سلوك المعلنين، الذين باتوا يخصصون ميزانيات أكبر للإعلان الرقمي، بل إنها شملت هيكلة وكالات الدعاية والإعلان ووكالات بيع المساحات الإعلانية عبر استحداث أقسام رقمية وتوظيف مديرين للصفحات الاجتماعية، إلى جانب المصممين وخبراء التسويق الرقمي.


أسباب الصعود




إن نمو وسائل التواصل الاجتماعي والمنتجات الرقمية الأخرى جعل منها مصدر الترفيه والأخبار والتسوق والتفاعل مع الأشخاص وصناعة الرأي العام. ولم يعد المستهلكون في السعودية يتعرضون فقط لما يطرحه المعلن عن الشركة أو المنتج، بل أصبح من السهل مقارنة الأسعار وتقييم الخدمات بلمسة زر. وأينما أدرت محركات البحث أو اتجهت نحو القنوات الاجتماعية، ستجد أن الشركات السعودية بمختلف فئاتها وأحجامها ومنتجاتها، تضع صفحاتها على قنوات التواصل الاجتماعي أو مواقعها الإلكترونية أمام المستهلك في سوق يتمتع بحيوية كبيرة وقدرة شرائية قوية، وذلك طمعًا في اكتساب مزيد من العملاء. ويضاف كل ذلك إلى عدد المتابعين الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي في السعودية. فعلى سبيل المثال نشر موقع «بيزنس إنسايدر» إحصائية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، قدر فيها عدد متابعي «تويتر» في السعودية بما يصل إلى 4.8 مليون متابع، وهم لوحدهم يشكلون 40 في المائة من مجمل متابعي الموقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووصل عدد متابعي موقع «فيسبوك» عام 2014 إلى أكثر من 8 ملايين مستخدم، بحسب مصادر متعددة، بينما يحتل السعوديون المرتبة الأولى عالميًا في عدد المشاهدات للفرد على موقع «يوتيوب». كل هذه الأرقام تفتح شهية المعلنين على استهداف المستهلكين حيث يوجدون، أي خلف شاشات الهواتف الجوالة أو أجهزة الحاسب.


[caption id="attachment_55254946" align="alignleft" width="300"]خبيرة بريطانية في التسويق الرقمي بوسائل الإعلام تتحدث عن تقنيات جديدة للتسويق خلال أسبوع الإعلان في  أوروبا الذي عقد في لندن إبريل الماضي (غيتي) خبيرة بريطانية في التسويق الرقمي بوسائل الإعلام تتحدث عن تقنيات جديدة للتسويق خلال أسبوع الإعلان في أوروبا الذي عقد في لندن إبريل الماضي (غيتي)[/caption]


وتتراوح أسباب نمو الإقبال على الإعلان الرقمي بين كفاءة وصول المعلنين عن منتجاتهم إلى المستهلكين بشكل شخصي، وكذلك تفادي المخصصات الإعلانية التقليدية «مرتفعة التكلفة» باتجاه وسائط إعلانية أرخص، إلى جانب سهولة قياس مستويات التفاعل وجعل العلامات التجارية تتحدث بشكل شخصي إلى المستهلكين عبر قنوات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستاغرام، حيث يزيد استخدام لفظ «التعرض»(Exposure) في أوساط الشركات ذات العلاقة المباشرة مع الجمهور. وكلما زادت كمية «التعرض»، راجت شهرة العلامة التجارية أكثر وأكثر وصارت إمكانية استقطاب عملاء جدد متاحة أكثر. كما أن الشركات الصغيرة التي لا تستطيع تحمل تكاليف الإعلانات في الوسائل المرئية أو المقروءة أو المسموعة، يمكنها بكل سهولة أن تخصص ميزانية بسيطة لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات لاكتساب المزيد من الزخم على وسائل التواصل الاجتماعي أو محركات البحث.
يقول خبير التجارة الإلكترونية والإعلان الرقمي محمد الأديب إن الإعلان الرقمي يتيح للعلامات التجارية تقديم «تجربة شخصية» للعميل، إذ بات بإمكان العميل التفاعل المباشر وإبداء الرأي بالعروض المقدمة أو مواصفات المنتجات مع قدرة التحدث إلى العلامة التجارية دون الحاجة إلى زيارة المتجر.
ويضيف أن ذلك أتاح للشركات تطوير قدراتها على «الاستماع الاجتماعي» (Social Listening) وهو معرفة اتجاهات وأذواق الرأي العام وكيفية تقبل المستهلكين للإطلاقات الجديدة للمنتجات، وهو أمر يركز عليه المعلنون لضمان أفضل النتائج، وبخاصة مع اشتداد حمى التنافسية بينهم.
أما الوسائل التي يقاس بها الإعلان الرقمي، فهي تختلف عن نظيرتها في وسائل الإعلام التقليدية، إذ إنها تعتمد على عدد المتابعين والنقرات والتعليقات وإعادة التغريد والمشاركة، وكذلك التفضيل والإعجاب.



أرقام




ويقدر خبراء الإعلان الرقمي تحدثت إليهم «المجلة» نسبة الإنفاق على الإعلان الرقمي في السعودية بين 15 في المائة - 20 في المائة خلال العام الحالي. وفيما تضع التقديرات التقريبية للإنفاق الإعلاني في السعودية بنحو 4 - 4.5 مليار ريال (1.06 - 1.2 مليار دولار)، يصبح الإنفاق الرقمي في حدود مليار ريال (266 مليون دولار).
وتنبأ تقرير حديث لشركة «زينيث» العالمية صدر في وقت سابق من العام الحالي أن الإنفاق على الإعلان الرقمي سيتجاوز نظيره التقليدي بحلول عام 2017 على مستوى العالم. إلا أن ذلك الاتجاه يبدو بعيدًا عن السعودية، لأن الإعلان على وسائل الإعلام التقليدية وإعلانات الطرق وغيرها لا تزال تحظى بالزخم الأكبر من مخصصات الإنفاق الإعلاني بشكل عام.
إعادة هيكلة
مع حلول عام 2014، بدأت وكالات الدعاية والإعلان في السعودية، العالمية منها والمحلية، في استحداث أقسام للإعلان الرقمي وتوظيف المزيد من خبراء التسويق الرقمي وإدارة صفحات التواصل والمصممين وكتاب الإعلانات الرقمية. ليس ذلك فحسب، فقد بدأ رواد الأعمال السعوديون في تأسيس وكالات إعلانية تختص بالإعلان الرقمي فقط دون غيره منذ 3 أعوام تقريبًا. كما أن وكالات بيع المساحات الإعلانية التي كانت يقتصر عملها على حجز مساحات في الصحف اليومية والمجلات ودقائق ضمن ساعات البث التلفزيوني والإذاعي، أصبح الآن في صميم عملها شراء مساحات إعلانية على مواقع يوتيوب وتويتر وفيسبوك وإنستاغرام وغوغل بلس، إلى جانب الترويج لمنشورات إعلانية نجد عليها كلمات «promoted»أو «إعلان مدفوع».


ليس هذا فحسب، إذ بدأت وكالات الإعلان في إنتاج مواد مرئية أو فيديوهات لصالح وسائل التواصل الاجتماعي فقط؛ دون عرضها على الفضائيات أو التلفزيونات المحلية.
ويعود السبب في ذلك أن عرض إعلان لا تتجاوز مدته 10 ثوان على فضائية شهيرة سيكلف مئات الآلاف من الدولارات، أما عرض الإعلان ذاته على وسائل التواصل فلن يكلف سوى بضعة آلاف بنسبة تكرار أعلى على فترات أطول.
فحتى الشركات ذات الميزانيات الإعلانية المحدودة صارت أكثر جرأة على إنتاج فيديوهات إعلانية منخفضة التكلفة وعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي دون تخصيص ميزانيات هائلة لا يقوى عليها إلا كبار المعلنين.
ويعلق الخبير محمد الأديب على ذلك بقوله إن وسائل التواصل جعلت المنتج الإعلاني أكثر «انتشارًا» ومنحت الشركات الصغيرة فرصة الظهور والتعريف بنفسها ومنتجاتها، فيما منحت كبار المعلنين طاقات وقدرات وقنوات أكبر لتعزيز ظهورها الإعلاني. ومن المرتقب أن تزيد حصة الإنفاق على الإعلان الرقمي على مدار السنوات المقبلة، مما يعني أن وسائل الإعلام التقليدية، وهي قناة الإعلان الأساسية أن تتكيف مع هذا التحدي عبر تنشيط مواقعها الإلكترونية وتخفيض تكاليف المساحات الإعلانية لديها.


هل هي موجة طارئة؟




في أواخر تسعينات القرن الماضي، نشطت صناعة العلاقات العامة(PR) في السعودية، ووجه كبار المعلنين جزءًا من إنفاقهم الإعلاني على العلاقات العامة من أجل إدارة صورة العلامة التجارية على وسائل الإعلام عبر تقارير وبيانات صحافية أو مقابلات معدة مسبقًا. وزاد اعتماد الشركات على منتجات العلاقات العامة وانتعش الاستثمار في ذلك القطاع حتى وصل إلى حد التشبع وبدأت الشركات الصغيرة بالخروج من السوق شيئا فشيئًا. وبقيت فقط الشركات القادرة على مواكبة التحولات.
أما بالنسبة للوافد الإعلاني الجديد، فإن الشركات السعودية ستواصل تخصيص ميزانيات أعلى للإنفاق الإعلاني الرقمي ومقارنة نتائج ذلك على المبيعات. ولكن لن يستأثر الإعلان الرقمي بمجمل إنفاق الشركات لوحده، إنما هو وافد جديد وسيختبره المعلنون جيدًا قبل التحول الكلي إليه. وعلينا ألا ننسى في هذا السياق ما قامت به شركة جنرال موتورز مع موقع التواصل الاجتماعي الشهير «فيسبوك» قبل عامين عندما سحبت إعلانات بقيمة 10 ملايين دولار لأنها رأت أن هذا الاستثمار الإعلاني غير مجدٍ. وتبقى آلية السوق وحكم المستهلك والنتائج النهائية للشركات هي العوامل التي ستحدد شكل الإنفاق الإعلاني في السعودية وغيرها.

font change