هل تستعد واشنطن لخوض معركة؟

هل تستعد واشنطن لخوض معركة؟

[escenic_image id="556022"]

يوشك أن يحدث صدام بين الرئيس الديمقراطي أوباما الملتزم بعملية السلام العربي الإسرائيلي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرأس واحدة من أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً، فحديث كلا الطرفين الموجه إلى الآخر يشوبه شيء من التوتر والمسألة مسألة وقت فالجدل مستمر إلى أن تحدث عاصفة يتسبب فيها التوتر بين البلدين نتيجة للصدام الذي يحدث بين الشخصيات والسياسات. لكن ذلك لن يحدث في القريب العاجل فقد رأينا على الأقل سيناريوهين مماثلين من قبل أحدهما لجيمي كارتر ومناحم بيجن والآخر لبيل كلينتون وبنيامين نتنياهو.

فماذا تتوقعون إذن؟ لقد كانت هناك بعض التوترات الخطيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن كانت هناك أيضا نقاط إتفاق: تمثلت إحداها في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (1979) وعمليتي إنسحاب من الضفة الغربية (1997) و(1998) كان نتيناهو قد أقسم بأنه لن يوافق عليهما أبداً في مفاوضاته مع منظمة التحرير الفلسطينية.

صحيح أن الظروف الحالية تختلف عن السابق لكن تبقى حقيقة هامة وهي أنه إذا كان أوباما يريد التوصل إلى إتفاقيات بين العرب وإسرائيل فإنه سوف يقوم بتحقيقها من خلال التعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد وليس بالتصادم معه.

ينبغي على كل من يتنبأ بمواجهة بين إسرائيل وأمريكا بشان عملية السلام أن يلقي نظرة متأنية على ما يحدث في واشنطن والشرق الأوسط، ففي أمريكا يواجه أوباما اسوأ أزمة إقتصادية ومالية تعصف بالبلاد منذ سبعين عاماً، إنه يواجه الكثير من المتاعب ليس فقط من قبل الجمهوريين الذين يودون أن تتعثر خطواته ولكن أيضاً من بعض أعضاء حزبه الذين ليس لديهم ثقة تامة بجميع سياساته الإقتصادية والسياسية.

وللتعامل مع كل هذا، يحتاج الرئيس لتركيز وقته وجهده وحسن إدارة رصيده السياسي. وينبغي عليه أن يراعي تجنب أي أشياء أخرى تلهيه عن هدفه الرئيسي أو أي تشاحنات لا يكون لها مبرر أو داعٍ خصوصاً مع جماعات الضغط المحلية ذات النفوذ القوي، والصمت المدوي الذي استقبل به البيت الأبيض الإستقالة الإجبارية للرجل المرشح لرئاسة مجلس الإستخبارات الوطنية يشير إلى أن الإدارة تعي هذا الأمر جيداً.

ويكون التشاحن مع إسرائيل أو من يناصرونها ذا مغزى ومعنى عندما تنهض الإدارة الأمريكية للقيام بمبادرة ما في هذا الخصوص كمحاولة التوصل إلى إتفاق عربي إسرائيلي.

لكن هل يلوح أي شيء من هذا القبيل في الأفق؟ إن حماس قابعة في غزة وحزب الله مستقر في لبنان في حين تسعى إيران لإستكمال برنامجها النووي وهي بالفعل في طريقها إلى تحقيق مرادها، ويبدو الوضع العربي مترهلاً  بل والرئيس الفلسطيني أكثر ضعفاً، ومع عدم ظهور أي بوادر سلام في الأفق يكون السؤال المطروح هو: ما هو عنصر الضغط الذي يمكن أن يستخدمه رئيس جديد على حكومة إسرائيلية تزعم بمصداقية - رغم أخطائها- أنها محاطة بأعداء ألداء.

في نفس الوقت سوف يكون أوباما في حاجة إلى مواجهة حقيقة أخرى مؤلمة؛ وهي أن تاريخ صنع السلام في إسرائيل هو تاريخ اليمين واليمين الأوسط فبدءاً من بيجن ومروراً برابين ووصولاً إلى إخلاء المستوطنات في عهد شارون، كثيراً ما رأينا فريق الحمائم يتحدث كثيراً وعندما يأتي التطبيق في الواقع العملي يتم إفساح المجال للصقور. ليست المشكلة في أن إسرائيل لديها حكومة يمينية وإنما المشكلة الفعلية تتمثل في إنقسام هذه الحكومة على نفسها فمن المحتمل أن يقوم نتنياهو بتجنب إتخاذ أي قرارات حاسمة في المفاوضات مع الفلسطينيين، وإذا تم الضغط عليه سوف يتجه نحو سوريا كما فعل بهدوء خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء سابقاً.

وعلى أية حال، لن تكون إيران محور إهتمامه. فالأرجح أن حكومته (أو ربما أي حكومة إسرائيلية) لن تقوم بإتخاذ أي قرارات خطيرة بشأن صنع السلام إلى أن تتم تسوية الملف النووي الإيراني.

إذن ما الذي ستفعله الإدارة الجديدة؟ فبدون شريك عربي لديه الإستعداد للتفاوض يكون من الصعوبة أن نتوقع أن يقوم الرئيس أوباما بممارسة الضغط على الإسرائيليين للقيام بذلك، ويكون الأمر مستحيلاً في ظل إنقسام الطرف الفلسطيني الذي يرفض جزء منه الإعتراف بإسرائيل وأيضاً في ظل سعي إيران لبناء قنبلة نووية.

يمكن للإدارة الجديدة أن تتعقب حكومة نتنياهو بشأن المستوطنات، ولكن ماذا ستكون نهاية اللعبة: أهي إسقاط الحكومة أم إستبدالها بأخرى؟ إن الضغط على  الإسرائيليين يمكن أن يكون له معنى إذا كان ذا هدف محدد وعندما يمثل جزءاً من إستراتيجية أوسع للوصول إلى إتفاق بين العرب وإسرائيل، لكنه يفقد جدواه إذا كان ناتجاً عن إحباطات تشعر بها الولايات المتحدة حيال إسرائيل أو لمجرد الظهور بمظهر المحابي للعرب. 

بدلاً من الدخول في معركة خاسرة مع نتنياهو بشأن التفاوض مع الفلسطينيين الذي لن يتمخض عن إتفاق؛ ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدفع برئيس الوزراء الإسرائيلي في إتجاه قد يكون هو بصدد التوجه إليه بالفعل؛ ألا و هو سوريا.

صحيح أن هذا الهدف ليس سهلاً بأي حال من الأحوال، لكن تعامل كلا الطرفين مع الآخر بإعتباره دولة لها كيانها ومحدودية عدد المستوطنين في هضبة الجولان السورية وعدم وجود قضايا تُؤدي إلى إفشال المفاوضات كالقدس مثلاً، كل هذا يجعل الإتفاق بين تل أبيب ودمشق ممكناً حتى بالنسبة لنتنياهو الذي بإمكانه توسيع حكومته لاحقاً إذا حدث تقدم فعلي في المفاوضات والإتفاق الإسرائيلي السوري في مصلحة أمريكا أيضاً فمن الممكن أن يؤدي هذا الإتفاق إلى عزل إيران وكبح جماح كل من حماس وحزب الله وإستعادة المصداقية الأمريكية.      

وفي النهاية، إذا لم تنجح جهود إدارة أوباما على المسار السوري، فسوف يكون لدى الرئيس الأمريكي – إن أراد – قدر كافٍ من الوقت للتشاحن مع إسرائيل لاحقاً.

 أرون دايفيد ميلر - مفاوض أميركي في الشرق الأوسط  وصاحب كتاب "الأرض الموعودة أكثر من مره.

font change