الجزائر: يتجه الجزائريون، غداً السبت، إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء المجالس البلدية، ومجالس الولايات (المحافظات)، في أول انتخابات محلية تشهدها البلاد بعد إسقاط الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، وبعد انتخاب الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وهي الانتخابات التي تثير جدلاً بشأن أهميتها بين المشاركين والمقاطعين.
وكانت رئاسة الجمهورية الجزائرية قد أعلنت في أغسطس (آب) الماضي، أن الانتخابات المحلية المبكرة لتجديد مجالس البلديات والولايات ستجرى في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري. وجاء في بيان الرئاسة: «وقّع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون السبت 28 أغسطس 2021، مرسوما رئاسيا يقضي باستدعاء الهيئة الناخبة تحسبا للانتخابات المسبقة للمجالس الشعبية البلدية والولائية، المقرّرة يوم السبت 27 نوفمبر الجاري 2021». وتخص الانتخابات تجديد مجالس 58 ولاية بعد التقسيم الإقليمي الجديد (كانت 48 ولاية في انتخابات 2017)، إضافة إلى 1541 بلدية.
وفي آخر انتخابات محلية شهدتها الجزائر في عهد الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة والتي جرت في 23 نوفمبر 2017، بلغت نسبة المشاركة 44,96 في المائة بالنسبة للمجالس الولائية و46,83 في المائة بالنسبة للمجالس البلدية، وفاز بها حزبا السلطة، جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي. بيد أن هاجس المقاطعة ونسبة الإقبال تبقى رهاناً حقيقياً للسلطة الحالية، بالنظر إلى نسب الإقبال المتدنية التي سجلتها الانتخابات السابقة لاختيار رئيس البلاد، واختيار نواب البرلمان. حيث بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في يونيو (حزيران) الماضي 23,03 في المائة في رقم هو الأدنى تاريخيا، بحسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. ومن أصل 24 مليون شخص يحق لهم الاقتراع، أشارت السلطة إلى أن 5,6 مليون شخص أدلوا بأصواتهم، علما بأن أكثر من مليون من هذه الأصوات اعتبرت لاغية.
تعديل قانون الانتخاب
خلال استفتاء نوفمبر بلغت نسبة الامتناع عن المشاركة 70 في المائة. وعلى سبيل المقارنة، فقد بلغت نسبة المشاركة 35,70 في المائة خلال الانتخابات التشريعية عام 2017 (42,90 في المائة عام 2012). وكان هناك ترقب لنسبة المشاركة، بعدما شهد الاستحقاقان الانتخابيّان السابقان (الاقتراع الرئاسي عام 2019 والاستفتاء الدستوري عام 2020)، نسبة امتناع غير مسبوقة عن التصويت بلغت 60 في المائة و76 في المائة على التوالي. لكن الرئيس عبد المجيد تبون رأى في تصريح سابق لصحافيين بعد اقتراعه في مركز بسطاوالي في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، أن هذه النسبة «لا تهمّ».
وسبق للسلطات الجزائرية تنظيم هذا الاستحقاق بتعديلات جديدة مست قانون البلدية، وهو إجراء تكميلي لقانون الانتخابات الجديد الذي جرى تعديله مطلع العام الماضي. وتضمنت التعديلات الجديدة شروطاً صارمة بعد عملية انتخاب المجالس المحلية، والتي صدرت في الجريدة الرسمية للدولة الجزائرية. وتأتي هذه التعديلات بعد أن أقرت الجزائر للمرة الأولى في قانون الانتخاب الجديد إلغاء نظام القائمة النسبية، واستبداله بنظام القائمة المفتوحة، والذي أفرز ما يعرف بـ«تحالفات المصالح» بين أحزاب مقربة من السلطة أمام لوبيات المال.
ونصت المادة 64 من القانون على إلزامية استدعاء الوالي (المحافظ) المنتخبين لتنصيب المجلس الشعبي البلدي في مدة أقصاها 8 أيام التي تلي إعلان النتائج النهائية للانتخابات، والتي كانت 15 يوماً. كما أقرت المادة ذاتها شروط انتخاب وتنصيب رئيس المجلس الولائي بالطريقة المعمول بها في عملية انتخاب وتنصيب رئيس البرلمان، من خلال رئاسة المجلس من قبل المنتخب الأكبر سناً ويساعده المنتخبان الأصغر سنا، على أن يكونوا غير مترشحين، وهو التعديل الثاني.
أما ثالث التعديلات الواردة في قانون البلدية فقد حدد شروطاً للترشح، إذ فرض حصول القائمة المترشحة لمنصب رئيس المجلس الشعبي الولائي حصولها على الأغلبية المطلقة بـ35 في المائة من إجمالي الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات. وجاء في المادة 65: «يقدم المترشح للانتخاب لرئاسة المجلس الشعـبي البلدي من القائمة الحائزة عـلى الأغلبية المطلقة للمقاعد». وفي حال عـدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة للمقاعد- تضيف المادة: «يمكن للقائمتين الحائزتين على 35 في المائة على الأقل من المقاعد تقديم مرشح». وعند عدم حصول أي قائمة على النسبة المشروطة تسمح المادة ذاتها لجميع القوائم بتقديم مرشح عنها، أما في حال تساوي الأصوات التي تم الحصول عليها فقد حدد القانون أن «يكون الفائز المترشح الأكبر سناً».
وفسر خبراء قانونيون التعديلات الجديدة الواردة في قانون البلدية بسعي السلطة الجزائرية للتخلص من آخر قلاع النظام السابق بتجديد المجالس المحلية التي تم انتخابها في 2017، وشهدت العملية الانتخابية عمليات تزوير بحسب اتهامات المعارضة. كما أشاروا إلى أن حل المجالس المحلية سيكون تمهيدا لمحاسبة مئات المسؤولين المحليين في تهم فساد، كانوا مرتبطين بأركان النظام السابق.
الأحزاب المعارضة بين المشاركة والعزوف
ومثلما أثار قانون الانتخابات الجديد جدلاً واسعاً وانتقادات من طرف بعض السياسيين الذين اعتبروه قانونا يهدف إلى تشتيت الطبقة السياسية التقليدية، فقد أثارت المشاركة في الاقتراع الذي ينظم غداً أيضا الجدل، بين من اعتبره استحقاقا هاما، يتم من خلال استكمال انتخابات أعضاء مؤسسات الدولة، وبين من يراه شكلياً ولا يقدم ولا يؤخر في منظومة لا تزال تحتكم لنفس الأساليب في إدارة الحكم، والتي خرج ملايين الجزائريين في الحراك الشعبي لمدة عامين مطالبين بالقطيعة معها.
ورغم أنه كان من بين الأحزاب السياسية المبارزة في مقاطعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، إلا أن حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يوصف بأنه أحد أقدم وأقوى الأحزاب المعارضة في البلاد، قرر هذه المرة المشاركة.
وفي حديثه لـ«المجلة» يؤكد الناشط السياسي والمرشح لعضوية المجالس الشعبية البلدية عبيد المنقيوي أن «ترشحه لعضوية البلدية جاء في سياق تعهد الحزب بالوقوف دائماً مع الإرادة الشعبية للجزائريين»، معتبراً أن «قرار حزبه (جبهة القوى الاشتراكية) بالمشاركة في هذا الاستحقاق هو قرار وخيار استراتيجي هام»، وأوضح ذلك بالقول «نحن على دراية بأن قانون الانتخابات، قد فُصِل لتقزيم وتشتيت الأحزاب السياسية، لكن حزبنا فضل وهو عازم أن لا يترك المؤسسات الأقرب من المواطن وهي المجالس البلدية والولائية في أيادي من أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه، إن مشاركتنا في هذه الانتخابات نابعة من غيرتنا على الوطن وخوفنا عليه».
ورغم أنها سجلت عدة مآخذ على العملية الانتخابية وكيفية التحضير لها من خلال أداء السلطة المستقلة للانتخابات، في إدارة المرحلة الأولى المتعلقة بجمع التوقيعات وإعلان الترشيحات، إلا أن حركة مجتمع السلم قررت المشاركة، وأكدت الحركة في بيان لها تم توقيعه من طرف رئيسها عبد الرزاق مقري أن الظروف التي جرى فيها تحضير الانتخابات «لا تساهم في صناعة بيئة سياسية محفزة على اهتمام المواطنين بالانتخابات، بل تكرس العزوف الانتخابي وتؤدي إلى صناعة كتلة انتخابية موجهة مسبقا، فهي لا تكترث بأهمية المشاركة الشعبية، ولا تهتم ببسط الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ولا تراعي أهمية الانتخابات المحلية وتأثيرها على إدارة شؤون المواطن والجماعات المحلية».
وفي المقابل قرر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مقاطعة هذا الاستحقاق، ويقول الأمين الوطني المكلف بالتنظيم والانتخابات في الحزب مراد بياتور لـ«المجلة» إن «الدعوة للانتخابات البلدية دون مراعاة واستكمال أحكام المادة 142 من الدستور، إجراء مخالف للدستور» وفسر ذلك بالقول: «التجاوز الدستوري يخص عدم المصادقة من قبل البرلمان على الأمرية الرئاسية المتضمنة القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، مع العلم أن هذا الأخير تم تعديله بموجب أمرية ثانية دون إحالة الأمرية الأولى على المجلس، وهذا مخالف للدستور والقانون ويقضي بعدم شرعية وبطلان استدعاء الانتخابات». ويتابع: «من الصحيح أن تتم إحالة الأمرية الأولى التي تتضمن القانون العضوي للانتخابات على المجلس الوطني للمصادقة مباشرة بعد التنصيب الرسمي للمجلس، بعدها عرض التعديل الذي تضمنته الأمرية الثانية على البرلمان مع مراعاة المسار العادي الذي تسلكه القوانين أو إصدار أمرية في العطلة البرلمانية وعرضها مجددا على البرلمان للمصادقة عند افتتاح الدورة، وبعدها يأتي دور استدعاء الهيئة الناخبة». وفي الأخير تساءل: «كيف لأحزاب سياسية تقول إنها ديمقراطية وجمهورية أن تشارك في انتخابات دون الانتباه إلى عدم دستوريتها؟».
وبالنسبة لحزب العمال الذي تترأسه المعارضة التروتيسكية لويزة حنون، فقد قرر ولأول مرة ترك خيار المشاركة من عدمها لمناضلي الحزب كلٌ وفق تقديراته ورؤيته، وكان ذلك خلال تلاوة التقرير الأولي لاجتماع اللجنة المركزية في الثالث من سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث تقرر عدم عرض مسألة المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات للتصويت، حيث المسألة برأي قيادة الحزب «ليست استراتيجية مبدئية بالنسبة لحزب العمال وكون الموقفين اللذين تم الإدلاء بهما لصالح المشاركة أو عدم المشاركة ينطلقان من اعتبارات وبراهين سياسية مؤسسة ومشروعة وبالتالي لا يتعارضان فيما يخص رهانات الساعة». وعليه قرّرت اللجنة المركزية حسب التقرير الذي نشرت نسخة منه في الصفحة الرسمية للحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فتح نقاش شامل حول مسألة الانتخابات المحلية داخل صفوف الحزب ومع المواطنين والمواطنات دون ممارسة أي ضغط على ضمائر المناضلين والمناضلات حيث قرّرت اللجنة المركزية لأول مرة منذ تأسيس الحزب وبسبب الوضع الاستثنائي والمعقد الناجم عن الأزمة الشاملة وغير المسبوقة التي تعصف بالبلاد ترك الحرية للقواعد النضالية في إطار ممارسة الاحتكام الحر لكل واحد وواحدة تجاه الاقتراع. وفي نفس السياق ألحّت اللجنة المركزية على ضرورة تجنب كل محاولة توجيه آراء المواطنين والمواطنات ليتمكنوا من التعبير عن آرائهم الحقيقية».
وفي تقدير حزب العمال فقد «تبيّن منذ بداية الحملة السياسية داخل صفوف الحزب وجود تحفظ كبير حول إمكانية المشاركة نظرا للوضع السائد في البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في حين دافعت نسبة محدودة من المناضلين والمناضلات عن خيار المشاركة ليس من منطلق انتخابوي إنّما علاقة بنفس الوضع العام». ويتابع الحزب «لقد سجلنا من خلال النقاش يوميا مع المواطنين والمواطنات في كامل التراب الوطني أن اللامبالاة بالانتخابات المحلية غير المسبوقة منذ الاستقلال بل النفور الصريح منها، قد زادت حدتها خلال شهر سبتمبر المنصرم كلما زادت أسعار المواد الأساسية الغذائية وذات الاستهلاك الواسع وزادت الاعتقالات لأسباب سياسية وابتعدت أكثر أفق التهدئة والعودة للظروف العادية للممارسة السياسية والسعي من أجل تحسين مصير أغلبية الشعب المنهكة».