رغبة إماراتية في تحقيقها ومخاوف أميركية من تداعياتها..!!

رغبة إماراتية في تحقيقها ومخاوف أميركية من تداعياتها..!!

[escenic_image id="555904"]

يستعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لطرح أول اتفاقية تعاون نووي مدني بين الولايات المتحدة وإحدى دول الشرق الأوسط، وهي الإمارات العربية المتحدة.

لقد حظيت هذه الاتفاقية المقترحة مع الإمارات العربية المتحدة بدعم أكبر، إذا قورنت بصفقات الطاقة النووية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع الهند وروسيا، والتي تم - أيضاً- التفاوض بشأنها وتوقيعها خلال إدارة الرئيس السابق بوش. وجميع هذه الاتفاقيات تندرج تحت القسم 123 من القانون الأمريكي للطاقة الذرية، والذي يفرض على الحكومة الأمريكية أن تتفاوض بشأن اتفاقية هيكلية ثنائية مع أي دولة، قبل أن تتمكن الشركات الأمريكية من عقد صفقات خاصة لتبادل التكنولوجيا النووية والخبرات والوقود النووي مع تلك الدولة. 

وسوف تنفق الإمارات العربية المتحدة ما يقدر بنحو 40 مليار دولار أمريكي خلال السنوات القليلة المقبلة، في إنشاء محطات الطاقة النووية والبنية التحتية ذات الصلة، ويتمثل الهدف الرئيسي في توليد المزيد من الكهرباء لتلبية المطالب السكانية والتجارية بالدولة، وهناك أهداف أخرى وراء إستراتيجية الطاقة النووية الوطنية، تتمثل في إجراء عمليات تحلية ماء البحر والبحوث العلمية والطبية، وتسعى السلطات الإماراتية للبدء في إنشاء أول محطة لإنتاج الطاقة النووية في البلاد، وذلك في عام 2010م بحيث يبدأ العمل بها بحلول عام 2017م .

ويرغب المخططون الاقتصاديون بالإمارات العربية المتحدة، الحفاظ على الاحتياطيات الضخمة من النفط ، ويشير هؤلاء إلى أن الطاقة النووية سوف تكون أقل تكلفة، كما أنها ستقلل من المشكلات البيئية مقارنة بمحطات الطاقة الحالية التي تعمل بالغاز، وبالرغم من ضخامة احتياطياتها النفطية، فإن الإمارات تستورد حالياً 60% من الغاز الطبيعي الذي تستخدمه البلاد في توليد الكهرباء، وهذا الرقم مرشح للزيادة في ظل غياب المصادر البديلة للطاقة.

وكما حدث عند عقد اتفاقيات نووية مدنية مع كل من الهند وروسيا، أحدثت الصفقة المقترحة مع الإمارات العربية المتحدة انقساماً في المجتمع الأمريكي، الذي ينادي بحظر انتشار الأسلحة النووية، وأكثر ما يخيف المعارضين للاتفاقية أن تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مساعدة الجهود الإيرانية الرامية إلى تطوير قنبلة نووية.

وفي الماضي كان ميناء دبي بالإمارات العربية المتحدة بمثابة ميناء ترانزيت لـ "مجموعة عبد القدير خان" للتجارة النووية غير المشروعة، والتي استغل أعضاؤها الأسواق السوداء العديدة لنقل تكنولوجيا نووية حساسة إلى كل من : إيران وليبيا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول، وحتى إذا لم تتكرر عمليات تهريب المواد النووية هذه، يزعم منتقدو الصفقة أن إيران وغيرها من الدول الساعية لامتلاك أسلحة نووية، يمكن أن تستشهد بالاتفاقية التي ستعقد بين الولايات المتحدة والإمارات لتبرير برامجها الخاصة بالتطوير النووي، والتي يعد جانباً منها ذا أغراض أقل سلمية مقارنة بالإمارات العربية المتحدة.

وعلى الجانب الآخر، يزعم مؤيدو هذه الاتفاقية أن البرنامج النووي للإمارات العربية المتحدة سوف يكون مقيداً بصورة أكثر فعالية، إذا ما أُبرمت الصفقة مقارنة بما سيكون عليه الحال إذا مضت الإمارات العربية قدماً في استيراد تقنيات نووية بدون هذه الاتفاقية.

وعلى العكس من الاتفاقية النووية بين الولايات المتحدة والهند، تتطلب الصفقة الجديدة من الإمارات العربية أن تدعم معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأن تقبل الإجراءات الوقائية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما يتعلق بكافة أنشطتها النووية، ويمكن أن تجري الوكالة عمليات تفتيش لفرض الإجراءات الوقائية التي تهدف إلى منع استغلال المواد والتقنيات في أغراض عسكرية غير مشروعة.

والإمارات لديها الخيار أن تشتري من دول عديدة المفاعلات النووية، وما يتصل بها من تكنولوجيا ولهذا السبب، فإن تعويق مسار الصفقة الأمريكية لن يمنع الإمارات من تطوير برنامج نووي مدني ضخم، فبدلاً من ذلك، سوف تبيع شركات فرنسية ويابانية وروسية وغيرها أي مواد نووية كانت قد خططت الإمارات العربية لشرائها من الشركات الأمريكية.

ونتيجة لذلك يشير المعارضون للاتفاقية الأمريكية - الإماراتية، إلى أن الإمارات ستحصل على تقنيات نووية من مصادر غير أمريكية يمكن أن تكون أقل اهتماماً بمخاطر انتشار الأسلحة النووية مقارنة بالشركات الأمريكية. فعلى سبيل المثال، بينما ستخول الصفقة الأمريكية - الإماراتية الولايات المتحدة الحق في إنهاء الاتفاقية واسترداد كافة الخبرات والتكنولوجيات النووية الأمريكية التي تزودها بها الولايات المتحدة إذا انتهكت الإمارات نصوص هذه الاتفاقية، قبلت حكومات أخرى شروط أقل صرامة خلال مفاوضاتها النووية مع الإمارات. 

ويضيف الداعمون للاتفاقية أنه بموجب بنود الصفقة المقترحة مع الولايات المتحدة، توافق الإمارات على استيراد وقود مفاعلها النووي وإعادة قضبان الوقود المستهلكة بعد استخدامها، بدلاً من تطوير منشآت خاصة بتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلاتينيوم. فهذه التقنيات النووية الحساسة يمكن استغلالها في صنع قنابل ذرية، كما يمكن استخدامها كوقود في المفاعلات النووية.

ومما زاد المخاوف من هذه الصفقة، الإصرار الشديد من قبل الحكومة الإيرانية على امتلاك هذه القدرات، إضافة إلى رفضها قبول اتفاقية أخذ وإعادة الوقود التي تشبه الاتفاقية التي سيتم إبرامها مع الإمارات،  فطهران ماضية قدماً في تطوير أسلحة نووية تحت مسمى السعي للحصول على طاقة نووية سلمية.

كما تعهد مسئولو الإمارات العربية المتحدة بتعزيز القوانين الوطنية الخاصة بالتصدير لمنع نقل أي مواد نووية إلى إيران أو غيرها من الدول، وقد بدأت كل إمارة هذه العملية رغم أن بعض اللوائح الجديدة المخطط لها لم تخرج إلى حيز التنفيذ بعد، وانضمت الإمارات العربية بالفعل إلى مبادرة أمن الانتشار النووي، ويهدف هذا البرنامج الذي ترعاه الولايات المتحدة إلى منع التجارة النووية غير المشروعة فيما يتصل بالأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية إضافة إلى عناصرها ووسائل نقلها. وقد شاركت الإمارات العربية المتحدة في العديد من العمليات والتدريبات بمقتضى هذه المبادرة.

وربما يكون من أكثر الأمور إقناعاً والتي يجادل عنها من يؤيدون الصفقة أن اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة والإمارات يمكن أن تصبح بمثابة نموذج مثالي يمكن أن تحتذي به الدول التي تسعى وراء الحصول على تقنيات نووية لأغراض تجارية وبحثية كي تطمئن الدول الأخرى بأن أغراضها سلمية. 

وفي منطقة الخليج وحدها تبحث كل من : البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية بجدية مسألة إطلاق برامجها النووية الخاصة، وتسعى الوكالة العربية للطاقة الذرية للتوفيق بين الخطط والسياسات والإجراءات النووية لتلك الدول وإذا اتبعت الإمارات بنود الاتفاقية الأمريكية الإماراتية المقترحة فبإمكانها أن تضطلع بدور محوري في الترويج لممارسات نووية آمنة في أرجاء المنطقة.

ريتشارد ويتز - مدير مركز التحليل العسكري السياسي بمعهد هدسن في واشنطن.

font change