بيروت : ما زالت تداعيات الانتخابات البرلمانية تتفاعل على الساحة العراقية، إذ لم تتمكن القوى السياسية حتى اليوم من التوصل إلى تفاهمات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من وصول إجراءات حسم نتائج الانتخابات التي جرت في العاشر من الشهر الماضي إلى مراحلها النهائية، ومن المرجح أن ينتظر المشهد السياسي العراقي عدة سيناريوهات متعلقة بموقف القوى التابعة لإيران خاصة مع استمرار تحشيد أنصارها أمام المنطقة الخضراء منذ أسابيع بسبب اعتراضها على النتائج التي أظهرت تراجعاً حاداً لها في المقاعد التي حصلت عليها.
الخلافات في وجهات النظر دفعت بعض الأطراف إلى طرح مقترحات للخروج من الأزمة السياسية. فقد طرح رئيس تيار «الحكمة» عمار الحكيم مبادرته التي تهدف إلى جمع القوى الفائزة والمعترضة على طاولة النقاش، موضحاً أن «المبادرة يجب أن تشمل المتقبل للنتائج والمعترض عليها، وأن تشارك فيها جميع القوى، سواء كانت الكبيرة أو الناشئة أو المستقلة». كما لفت الحكيم إلى أن «هذه المبادرة ينبغي أن تؤدي إلى إعادة التوازن للعملية السياسية، من خلال اتفاق وطني جامع يقوم على أساس نقاط وتوقيتات واضحة وعملية»، داعياً جميع الأطراف إلى «الالتزام بالآليات القانونية والسلمية في الاعتراض والتفاوض».
ووفقاً للتسريبات، فإنّ مبادرة الحكيم ترتكز على الدعوة إلى تشكيل حكومة توافقية تعتمد على وزن الأصوات التي حصلت عليها التحالفات بدلاً من المقاعد، والتهيئة لإجراء انتخابات مبكرة أخرى بعد عامين بعد إلغاء أجهزة تسريع النتائج.
مسار تشكيل الحكومة
يرى المحلل السياسي إياد العنبر في حديث لـ«المجلة» أن «القوى الخاسرة في الانتخابات لا يمكنها فرض شروطها أو تصوراتها أو حلولها، بل عليها أن تتقبل نتائج الانتخابات وتعمل على المراجعة بدل حالة النكران التي تعيشها الآن برفضها للنتائج». وأضاف: «كل الحلول التي تُقدم هي مشاريع تُطرح من القوى الخاسرة لمقاعدها في البرلمان وهذه الخسارة لا تؤهلها لأن تُقدم اقتراحات وحلولا على القوى التي حصلت على أعلى الأصوات أو حافظت على مقاعدها».
وتابع العنبر: «هذه القوى السياسية لا تُريد الاعتراف بالهزيمة والتفكير جدياً في إعادة ترتيب أوراقها، وفي نفس الوقت لا تُريد أن تذهب باتجاه المعارضة وإنما تُريد أن تبقى في السلطة من خلال مساومات وصفقات». ويرى العنبر أن «الحديث عن هذا السيناريو لن يكون واقعيا ولا منطقيا، فهذه القوى ليس لديها ثقل في ميزان المعادلة السياسية. وهي لا تملك أي خيار سوى المشاركة في حكومة على أن لا تكون صاحبة رقم صعب في المعادلة أو الذهاب باتجاه المعارضة، وهذه القوى السياسية بعد أن خسرت الانتخابات تُريد أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وهذا لا يمكن أن يتم».
وأكمل العنبر: «لا نعرف ما إذا كان التيار الصدري سيصر على الذهاب إلى حكومة قائمة على أساس أغلبية سياسية، وأعتقد أنه حتى إن كان هناك توافق في تشكيل الحكومة فستكون هذه المرة مختلفة عن الطريقة السابقة، إذ قد تكون هناك شروط معينة يفرضها الفائزون، وتحديداً فيما يتعلق بطبيعة الحكومة المقبلة أي أن تكون قوية وأن تحقق الإصلاح ومحاربة الفساد، وبالتالي قد لاتكون توافقية مائة في المائة ولا حكومة أغلبية مائة في المائة».
فرص نجاح مبادرة الحكيم
من ناحيته، يرى مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية خالد هاشم محمد في حديث لـ«المجلة» أن «السيناريو الأقرب لتشكيل الحكومة، هو أن تكون حكومة توافقية، إذ لا يزال العراق في هذه المرحلة بعيداً عن تشكيل حكومة أغلبية سياسية، والثقة ما زالت مفقودة بين القوى السياسية». وأضاف: «في حال استمرار الوضع كما هو حالياً فمن المحتمل أن نصل إلى مرحلة الإغلاق في العملية السياسية».
وتابع محمد أن «طرح السيد الحكيم مبادرة من أجل جمع الأطراف الرابحة والخاسرة في الانتخابات على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل توافقي يضم جميع القوى السياسية هو السيناريو الأقرب، وهو الذي اعتاد عليه العراق منذ عام 2005».
وفيما يتعلّق بشخصية رئيس الحكومة المقبل، فيُشير محمد إلى أنه «من المرجع أن تكون كذلك شخصية توافقية، وهذا ما حصل منذ انتخابات 2010، إذ إن رئاسة الوزراء لم تذهب للكتلة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، ولكن مع أفضلية للتيار الصدري باعتباره صاحب أعلى نسبة مقاعد في البرلمان».
خلافات داخل «الإطار التنسيقي»
وعلى الرغم من تنظيم القوى والمكونات الرافضة لنتائج الانتخابات نفسها في إطار يعرف بـ«الإطار التنسيقي» إلا أن الخلافات داخل هذا المعسكر بدأت تظهر للعلن، حيث تفيد المعلومات بأن كتلتي تحالف النصر والحكمة، المنخرطتين داخل «الإطار التنسيقي»، تتحفظان على خطاب بعض أطرافه، حيث يرفض عمار الحكيم وحيدر العبادي الذهاب لإلغاء الانتخابات ويعتبران أنها ستجر البلاد إلى فوضى أكبر، مع تبنيهما خيار التفاهم حيال الحكومة الجديدة.
ويرى العنبر أنه «لا يوجد مشروع أو هدف معين يجمع الإطار التنسيقي، وإنما كل ما يجمعه هو محاولة التقارب من أجل الاعتراض على نتائج الانتخابات». وأضاف: «لا يمكن لهذا التجمع بناء مشروع سياسي، وما جمعه هو الرغبة في البقاء في السلطة، فإذا ضمن أن هناك إمكانية لتحقيق هذه الغاية، فسوف يذهب في هذا الاتجاه».
وفي السياق عينه، يرى محمد أن «الإطار التنسيقي يضم كتلا من مشارب مختلفة، بالتالي التناقضات داخل هذا الإطار كبيرة ولكن الذي جمعهم أنهم متفقون على أن الانتخابات تم التلاعب بها وأن الأصوات التي حصلوا عليها ليست الأصوات التي تمثلهم».
وفي وقت سابق، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان إنه لا دليل قانونياً يثبت تزوير الانتخابات حتى الآن، في رد ضمني على بيان لـ«الإطار التنسيقي»، تحدث فيه عن وجود أدلة تثبت حصول عمليات تزوير من دون أن يقدمها.
دعم مجلس الأمن لنتائج الانتخابات
ولا شك أن قرار مجلس الأمن الدولي المؤيد لنتائج الانتخابات العراقية وضع القوى المعترضة على النتائج في حرج كبير ومواجهة مع المجتمع الدولي في حال الاستمرار برفض النتائج، كما شكل نقطة دعم جديدة للعملية الانتخابية.
ورحب أعضاء مجلس الأمن، في بيان بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة ومساعدة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) حول العملية الانتخابية، مشيداً بـ«التقييم الإيجابي لمراقبي الانتخابات الدوليين في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق».
كما رحّب مجلس الأمن بـ«النتائج التي توصلت إليها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأنّ عمليات إعادة الفرز اليدوي الجزئية لمراكز الاقتراع تتطابق مع نظام نقل النتائج الإلكتروني».
وفي هذا الصدد، يرى العنبر أن «الأساس في هذا الملف هو المطالب التي أطلقت خلال احتجاجات تشرين بالإشراف الأممي على الانتخابات، وبالفعل تقدمت الحكومة بطلب لمراقبة الانتخابات، وبالتالي فإن التقرير الذي قدم داخل مجلس الأمن جاء في هذا الإطار، وهذا ما دفع الأمم المتحدة إلى إصدار هذا القرار».
يبدو أن مسار تشكيل الحكومة العراقية ما زال يشق طريقه في ظل استخدام مختلف القوى السياسية لوسائل الضغط التي تملكها، وهذا ما يُشير إلى إمكانية أن تحمل الأيام والأسابيع المقبلة العديد من المفاجآت السياسية على وقع المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة. ويأتي ذلك في ظل محاولة القوى التابعة لإيران بالالتفاف على خسارتها في الانتخابات مقابل إصرار التيار الصدري على تشكيل حكومة أغلبية وفقاً لنتائج الانتخابات.