أعلن الرئيس الجزائري يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أمام منتدى سفراء بلاده في الخارج أن الجزائر ستستقبل في مارس (آذار) 2022 القمة العربية المؤجلة منذ سنة 2020 بسبب جائحة كورونا، مشيرا إلى أن هذه القمة ستكون قمة تجديد الالتزام العربي الجماعي تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيد تقيد جميع الدول الأعضاء بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت سنة 2002؛ كما ستكون قمة الشروع في إصلاح منظومة عمل جامعة الدول العربية لمواجهة التحديات الراهنة.
وبعيدا عن لهجة الجزم في مسألة موعد انعقاد القمة المرتقبة، فإن تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، التي كانت مقتضبة، تثير مجموعة من التساؤلات بخصوص النقطتين اللتين اتضح من إصراره عليهما أنه سيوليهما الأهمية القصوى خلال أشغال القمة العربية باعتباره رئيسها المقبل بحكم الاستضافة.
1/ إن الحديث عن إصلاح جامعة الدول العربية لمواجهة التحديات ليس جديدا، ولا يرقى إلى مستوى الحدث المشهود، ذلك لأن المناداة بإصلاح هياكل الجامعة، وطريقة أدائها لمهامها بل وتوسيع دائرة اختصاصاتها وتقديم مقترحات عملية في هذا الصدد تعود لأواخر خمسينات القرن الماضي عندما انتقل عدد الأعضاء من 7 إلى 11 بعد انضمام ليبيا، وتونس، والسودان، والمغرب. وقد ظلت دعوات الإصلاح تتوالى مع تزايد عدد الأعضاء الذي وصل إلى 22 دولة، ومع بروز مستجدات وتحديات جديدة على الساحة العربية، إلا أن ميثاق الجامعة لم يعرف أي تطور نوعي باستثناء إحداث محكمة عدل عربية ما يزال قانونها الأساسي حبرا على ورق، ولم تعرض عليه أي نازلة.
ورغم ذلك فقد بدا من كلام الرئيس الجزائري أنه لا يمتلك تصورا معينا للإصلاح، فهو لم يحدد أولا ماهية التحديات الراهنة المفروض مواجهتها رغم أنها كثيرة ومتعددة المجالات سياسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية، وفي بعض الساحات هي مصيرية ووجودية. كما لم يشر ولو بشكل موجز لطبيعة الإصلاحات التي يأمل من القمة تبنيها، اللهم إلا إذا كان يعتزم إعادة طرح سلفه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان قد شدد في قمة الجزائر سنة 2005 على أهمية التناوب في منصب الأمين العام بين كافة الدول العربية لا أن يظل هذا المنصب حكرا على مصر وحدها. وكما هو معلوم، فقد تم غض الطرف عن ذلك الاقتراح، الذي لم ير النور ولن يراه قريبا.
2/ يدلل حديث الرئيس الجزائري على ضرورة ما سماه تجديد الالتزام العربي الجماعي تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيده على التقيد بمبادرة السلام العربية على اعتقاده بوجود تراخٍ أو ربما تفريط من جهات عربية ما بهذه القضية العربية المركزية، وخروج هذه الجهات عن المسار الذي رسمته مبادرة السلام العربية المتبناة في قمة بيروت 2002.
ولا شك أن مثل هذا الكلام يحمل في طياته انتقادا إن لم نقل اتهاما مبطنا وغير مباشر للدول العربية التي أقدمت في السنة الماضية على الانفتاح على إسرائيل، وتبادل تمثيليات دبلوماسية ومكاتب اتصال معها. ولكنه انتقاد يتجاهل حقيقة أن الدول المبادرة لتلك الخطوات مع إسرائيل كانت حريصة على ربط تطور العلاقات معها بضرورة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وأن بعضها كان بالغ السخاء ماليا وسياسيا في دعم الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية بعيدا عن الشعارات الجوفاء، وعن استخدام القضية كذريعة لاستمرار الاستبداد والتسلط، كما فعلت بعض دول ما سمي جبهات الصمود والتصدي ثم المقاومة والممانعة، وهي مفردات بقيت فارغة المحتوى.
من الواضح إذن أن الرئيس الجزائري بحديثه المبكر عن القمة المرتقبة، وتركيزه على إثارة مواضيع بحمولة عاطفية لدى الرأي العام العربي يريد إحراج بعض القادة العرب الأكثر فهما وتفهما للوضع العربي والمشهود لهم بالاعتدال، ووضعهم أمام الأمر الواقع بحثا منه عن دور طليعي على الساحة الإقليمية يحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى توظيفه داخليا في مواجهة الحراك الشعبي الذي تتضاعف نقمته يوما بعد يوم. فالباحث عن رص صفوف الأمة العربية فعلا يسعى إلى ذلك بأسلوب مد اليد للتعاون أو على الأقل للتشاور، وليس بأسلوب القطيعة وغلق كل منافذ الحوار، ناهيك عن قطع الطريق على أي مساعٍ حميدة أو وساطة.
لم يكن القادة السبعة الذين تنادوا لتأسيس جامعة الدول العربية في منتصف أربعينات القرن الماضي حالمين، وإنما كانوا واقعيين إلى أبعد الحدود، مدركين لخصوصيات كل بلد من بلدانهم تماما مثل إدراكهم للعوامل المشجعة على بناء الوحدة المنشودة من طرف مختلف شعوب الأمة العربية. ولهذا تفاديا لأي حساسية قد يثيرها المس بالخصوصيات القطرية وضعوا نصب أعينهم السعي فقط إلى تحقيق الحد الأدنى من الأهداف المشتركة، الذي جسدوه في ميثاق التأسيس بالتنصيص على أن الغرض من إنشاء الجامعة هو توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها.
هل سيتبنى الرئيس المقبل للقمة العربية سلوكا ينهل من الأعراف المتبعة عادة في إجراءات تحضير القمم العربية سعيا إلى ضمان الحد الأدنى لنجاحها؟ وحدها الأيام القادمة كفيلة بالرد.