واشنطن تعزز الاتفاق النووي عبر التجارة .. صفقة إيران مع «بوينغ».. العوائق والمكاسب والمخاطر

واشنطن تعزز الاتفاق النووي عبر التجارة .. صفقة إيران مع «بوينغ».. العوائق والمكاسب والمخاطر

[caption id="attachment_55254647" align="aligncenter" width="962"]	ترغب إيران في شراء نحو 500 طائرة خلال العقد المقبل لتجديد أسطولها العتيق وتشير التقارير إلى أن بوينغ سوف تبيع طهران نحو 100 طائرة منها ترغب إيران في شراء نحو 500 طائرة خلال العقد المقبل لتجديد أسطولها العتيق وتشير التقارير إلى أن بوينغ سوف تبيع طهران نحو 100 طائرة منها[/caption]


واشنطن: إيمانويل أوتولنغي*


[blockquote]
رغم أن صفقة شركة بوينغ المحتملة لبيع الطائرات إلى إيران ستعود بالفائدة على حسابات الشركة والبنوك الأميركية التي ستمولها، تحيط بها أيضا الكثير من المخاطر بما في ذلك احتمالية أن تصبح الطائرة في يوم من الأيام أداة لدعم إيران المستمر للمذابح وجرائم الحرب التي ترتكب في سوريا.[/blockquote]



كانت «خطة العمل الشاملة المشتركة» قد رفعت العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع الطيران الإيراني ولم يعد هناك حظر سوى على مبيعات الطائرات وقطع الغيار والخدمات المتعلقة بخمس طائرات محددة كانت تستخدم في رحلات إيران المستمرة إلى نظام بشار الأسد في سوريا وما يسمى «حزب الله» التابع لإيران. وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما لمبيعات الطائرات إلى إيران في مارس (آذار) الماضي، فيما سمحت «خطة العمل الشاملة المشتركة» للبنوك الأميركية بتمويل تلك العمليات.


[caption id="attachment_55254648" align="alignright" width="300"]مارك ألين رئيس شركة بوينج )غيتي( مارك ألين رئيس شركة بوينج )غيتي([/caption]

وتسعى إدارة أوباما بدأب لتمويل الصفقة. فبصفة عامة، تريد الإدارة الأميركية إلى أن تعزز الصفقة النووية عبر النشاط التجاري الذي يمكن أن تستخدمه لتمهيد الطريق أمام المزيد من التقارب السياسي مع إيران. ويعتقد البيت الأبيض أن ذلك سوف يعزز بدوره القوى السياسية في طهران التي تراها إدارة أوباما كقوى معتدلة. وبخلاف ذلك، سوف يعود ذلك النشاط التجاري بالخير على الشركات الأميركية وسوف يخلق فرص عمل. كما ستجعل صفقات مثل صفقة بوينج التي تم توقيعها مؤخرا من الصعب على أي إدارة أميركية قادمة أن تعيد النظر في «خطة العمل الشاملة المشتركة»؛ حيث إن أفضل طريقة لتقييد يدي أي رئيس قادم ستكون عبر خلق شبكة من العلاقات التجارية النشطة التي لا تستطيع أي إدارة قادمة أن تقف أمامها.
وطالما أن الطائرات الخمس التي ما زالت العقوبات سارية عليها لن تدخل ضمن الصفقة، تسمح واشنطن لبوينغ ببيع الطائرات إلى إيران. ولكن كيف نضمن ألا يتم خرق هذا الاتفاق؟
ترغب إيران في شراء نحو 500 طائرة خلال العقد المقبل لتجديد أسطولها العتيق وتشير التقارير إلى أن بوينغ سوف تبيع طهران نحو 100 طائرة منها. ويأتي هذا في أعقاب اتفاق تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات مع شركة «إيرباص» لشراء 118 طائرة وصفقة مع شركة «إيه تي آر» لشراء 40 طائرة إقليمية بالإضافة إلى صفقات أخرى ما زالت قيد التفاوض مع «بومباردييه» و«إمبرير».
وما زالت القضية الرئيسية: كيف سيتم تمويل تلك الصفقات؟

بالنسبة لصفقتي «إيرباص» و«إيه تي آر»، سوف تمول البنوك الأوروبية و«الوكالات الحكومية لائتمان التصدير» بكل من إيطاليا وفرنسا الصفقة، بدلا من تمويل الطائرات الإيرانية بشكل مباشر. ولكن بالنسبة لبوينغ، الأمر أكثر تعقيدا، وإن كان ممكنا؛ حيث ترغب إدارة أوباما في تذليل الصعوبات.
ورغم أن العمليات التجارية بالدولار كانت محظورة من قبل وكانت الاستثناءات المحدودة - السجاجيد والمواد الغذائية - تتطلب ترخيصا من مكتب إدارة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة، أصبحت مبيعات الطائرات تتمتع أيضا بتلك الميزة.

وأصبحت هذه الصفقات الآن قانونية من الناحية الفنية، وأخذا في الاعتبار، أسطولها العتيق، تحتاج إيران بالتأكيد إلى طائرات جديدة لكي تتمكن من القيام برحلات شرعية. ولكننا لا يمكننا أيضا أن نغفل حقيقة أن طهران تحتاج تلك الطائرات لكي تستخدمها في عمليات النقل الجوي غير الشرعية للأسلحة والمقاتلين من مطاراتها في طهران وعبدان إلى سوريا. بدأت عمليات النقل العسكرية الإيرانية إلى سوريا في 2011 مباشرة بعد اندلاع الربيع العربي في سوريا والذي تحول إلى حرب أهلية شاملة. وفي ظل وجود الأسد في موقع الدفاع، وتردد أميركا وحلفائها في المخاطرة بالصفقة النووية من أجل سوريا، تزايد معدل عمليات النقل الجوية الإيرانية إلى حد كبير في أغسطس (آب) 2015 من رحلات أسبوعية إلى رحلات يومية.
وتقدم هذه الرحلات الجوية موارد ومجندين جدد للقوات المسلحة السورية المحاصرة، وتنظيم حزب لله، والحرس الثوري الإيراني والذين يساند جميعهم النظام الوحشي للأسد في حرب حصدت أرواح نحو نصف مليون نسمة منذ 2011.
ومن المفترض أن صفقة بوينغ تحاول أن تضمن ألا يتم استخدام الطائرات التي تم بيعها في تلك الأعمال المؤسفة. وسوف تكون شركة إيران الرسمية للطيران «إيران للطيران» هي الشركة الوحيدة المسؤولة عن شراء تلك الطائرات. وكانت وزارة الخزانة قد فرضت عقوبات على «إيران للطيران» في 2011 نظرا لدورها في نقل الأسلحة الإيرانية إلى سوريا ولكن طائراتها فعليا لم تعمل على طريق إيران - سوريا منذ تم توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة». ورغم أن الشركة كان قد تم رفع اسمها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» في يناير (كانون الثاني)، سارت شركات «إيران للطيران» مؤخرا في مسارات تستخدم لنقل الأسلحة إلى سوريا - في 9 يونيو (حزيران) من عبدان باستخدام رقم رحلة من طهران إلى دمشق وفي 8 و15 يونيو من طهران باستخدام رقم رحلات من النجف إلى طهران لم يعد مستخدما حاليا.
وإذا ما ثبت مرة أخرى أن «إيران للطيران» تحمل الأسلحة والإمدادات أو القوات للنظام السوري، سوف تخاطر الشركة بالتعرض لعقوبات جديدة كما ستخاطر بوينغ بأن تشارك طائراتها في وحشية نظام الأسد. وقد عبر الكونغرس الأميركي عن تحفظات قوية تجاه الصفقة لهذا السبب على وجه خاص؛ حيث ستبيع بوينغ لإيران طائرات يمكن استخدامها لأغراض غير مشروعة. وكانت إيران للطيران قد تعرضت للعقوبات في 2011 نظرا لمساعداتها النشطة في المجمع العسكري الصناعي الإيراني بما في ذلك عمليات شحن مواد ممنوعة لبرنامج الصواريخ الإيراني. ولا يوجد ما يضمن أن تلتزم إيران للطيران بالسلوك الطيب لمجرد أنها اشترت طائرات جديدة.


شركة «ماهان للطيران»




ومن المستبعد أن تحتفظ «إيران للطيران» بكافة الطائرات الجديدة حيث إن أسطولها يتكون من 36 طائرة فقط وبالتالي فمن المتوقع أن تذهب باقي الـ500 طائرة المنتظر شراؤها خلال العقد القادم إلى شركات طيران أخرى - حيث من المفترض أن تبيعها شركة إيران للطيران أو تؤجر بعضها إلى شركات الطيران الأخرى. ومن بين تلك الشركات الأخرى، شركة «ماهان للطيران» والتي ما زالت العقوبات الأميركية مطبقة عليها نظرا لاستمرار دعمها للتدخل الإيراني العسكري في سوريا. وتعد شركة ماهان للطيران هي الشركة الرئيسية التي تقوم برحلات جوية غير شرعية إلى دمشق باستخدام مطار عبدان باعتباره المركز اللوجستي لطريق الإمدادات.
ومع ذلك، ورغم أن هذه الصفقات أصبحت حاليا صفقات مشروعة، فإن لها مخاطر كبيرة، ولا يوجد ما يضمن عدم مشاركة أي من هذه الطائرات في نقل الأسلحة والميليشيات إلى سوريا. وبالفعل فإن بعض الطائرات التي انضمت مؤخرا إلى الأسطول التجاري الإيراني - عدد من طائرات إيرباص «إيه 340» المستخدمة والتي اشترتها شركة ماهان للطيران العام الماضي من شركات تأجير تقع على ساحل «جزيرة آيل أوف مان» - قد قامت برحلات إلى دمشق قبل عدة ساعات من خروجها من طهران إلى دول أوروبية؛ وهو ما يعني أن هذه الطائرات ربما تكون قد نقلت الأسلحة إلى الأسد قبل عدة ساعات من نقلها السائحين لقضاء عطلاتهم.
وبخلاف الخطر المتعلق باستخدام طائراتهم من قبل كيانات إيرانية لتأييد الأسد أو لتأييد أنظمة وحشية أخرى، هناك مخاطر مالية تتعلق بهذه الصفقة بما في ذلك خطر أن يتم رفع قضايا من المحامين الذين يحاولون الحصول على 50 مليار دولار عبر حكم لصالح ضحايا الإرهاب الإيراني. وهو ما يمكن أن يخلق كابوسا ماليا ومعركة قانونية مكلفة.
على أي حال فإنه بالنسبة لبوينغ وغيرها من الأطراف المشاركة في هذه الصفقة، ربما يكون للمخاطر أهمية أكبر بكثير من المكاسب.

* إيمانويل أوتولنجي زميل لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.



font change