الجزائر: في ملتقى اقتصادي هو الأول من نوعه منذ سنوات، شهد قصر المؤتمرات بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر، انعقاد أشغال المنتدى الدولي الأول للاستثمار، وهو الحدث الذي رعته ثماني وزارات جزائرية، ومن تنظيم مؤسسة مؤتمر الجزائر للاستثمار، بحضور عشرات رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين في البلاد، وممثلي مختلف الهيئات الدبلوماسية المعتمدة بالجزائر، لمناقشة واقع الاستثمار الأجنبي في الجزائر، وسبل استقطاب الرأسمال الأجنبي، وذلك في إطار مخطط الرئيس عبد المجيد تبون الذي أعلن منذ وصوله للرئاسة عن مخطط النموذج الاقتصادي الجديد.
ورغم الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها الجزائر في مجالات عدة، إلا أن الأرقام بشأن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يزال ضعيفاً، ولا تعكس قدرات الجزائر، حيث لا يتجاوز حجم هذه الاستثمارات مليارا و125 مليون دولار.
وعن المؤتمر، قالت هند بن غانم عضو مؤتمر الجزائر للاستثمار ورئيسة المنتدى الدولي للوجيستيك والعبور والتخزين لـ«المجلة» إن «ملتقى الجزائر للاستثمار يسعى لتقديم صورة جديدة للاستثمار بالجزائر والفرص التي توفرها في المجال». وأوضحت أن «الملتقى يقدم صورة جديدة للاستثمار في الجزائر، وكذا الآليات المتخذة في المجال لتشجيع الاستثمار سواء على المستوى الإداري أو الاقتصادي وفي مجالات مختلفة وفي شتى القطاعات»، مضيفة أن «المشاركة النوعية بالملتقى مشجعة للغاية في ظل مشاركة ممثلي 50 سفارة معتمدة أغلبيتها من أفريقيا فضلا عن حضور وزيرة الشركات الناشئة لناميبيا ووكالة الاستثمار لتنزانيا مع وفود من دول عربية أخرى أبرزها تونس».
وأبرزت المتحدثة «أهمية الاستماع وتجسيد المقترحات التي سيخلص إليها الملتقى»، مشيرة إلى أن «المحاضرات التي قدمت خلال اليوم الأول طالب أغلبها بضرورة تعديل بعض القوانين والحرص على استقرارها، وكذا السماح بالاستثمار في بعض المجالات التي تبدو مهمشة لكنها ذات مردودية مهمة وأيضا العمل على ترقية قطاع الرقمنة لأنه يمثل مستقبل العالم بأسره وليس الجزائر فحسب». وشددت على أن «النقطة الرئيسية والجوهرية للمشاركين بالملتقى هو ضرورة قيام الدولة بتشجيع ودعم المستثمرين في مختلف القطاعات وتقديم مختلف التسهيلات والمرونة في العمل الإداري والبنكي».
إصدار قوانين جديدة
وعن كيفية الترويج لمناخ الاستثمار بالجزائر، أكدت رئيسة المنتدى الدولي للوجيستيك والعبور والتخزين «ضرورة التعجيل أولا بإصدار القانون الجديد الخاص بالاستثمار قبل الحديث عن أي شيء آخر»، مضيفة أن «المرحلة اللاحقة ستكون موجهة للقيام بعمليات الترويج للاستثمار والتحسيس بإيجابية مناخ الاستثمار لدى المستثمرين الأجانب تحديدا وهي العملية التي يجب أن تقوم بها جميع مؤسسات الدولة المختلفة وكذا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
وكان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، قد دعا أمام الدبلوماسيين الجزائريين في لقاء جمعهم الاثنين بالعاصمة الجزائر، إلى «ضرورة إعطاء صورة حقيقية على تطور أوضاع بيئة ومناخ الأعمال في الجزائر، وإلى العمل أيضا على تصحيح بعض الصور النمطية المتداولة لدى بعض الترتيبات الدولية في مجالات تنافسية الاقتصاد والتجارة والابتكار والبحث العلمي وغيرها» والتي لا تعكس في الكثير منها على حد قوله «حقيقة المؤشرات الاقتصادية الوطنية التي تنفر الاستثمار الأجنبي، وذلك من خلال متابعة دقيقة لهذه الترتيبات والحرص على وصولها إلى المعلومة الصحيحة».
ودعا بن عبد الرحمن الدبلوماسيين الجزائريين إلى «إقامة روابط مع الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين ومعرفة إمكانات الإنتاج والتصدير والعمل على التكفل باهتماماتهم وتقديم الدعم المناسب لهم». كما طلب منهم «إبراز صورة الجزائر التنافسية والجذابة في الخارج ووضع اهتمامات المصلحة الاقتصادية الوطنية في صميم العمل الدبلوماسي من خلال منح أكبر قدر من الاهتمام للعلاقات الاقتصادية سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف، وأيضا إنشاء قواعد بيانات اقتصادية وتجارية ووثائق محينة باستمرار تسمح بالاستجابة لمختلف الطلبات المتعلقة بالإحصائيات والمؤشرات الاقتصادية».
وفي نفس السياق نوه الوزير الأول بـ«الميزان التجاري الذي سجل منحى تصاعديا للصادرات خارج المحروقات لأول مرة في تاريخ الجزائر ما يفوق 3.4 مليار دولار في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الفارط»، قائلا إنه «سيتزايد مع زوال الأزمة الصحية والعودة الكلية لنشاط المؤسسات مع احتمال تحقيق فائض في الميزان التجاري في السنة المقبلة».
وأضاف بن عبد الرحمن أنه «ينتظر من الممثليات الدبلوماسية أن تكون أكثر فعالية وبرغماتية وأن تلعب دورا هاما من خلال التعريف بالمنتج الوطني وجودته ومرافقة المصدرين الجزائريين وربط الاتصال بين المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ونظرائهم في الدول الأخرى مع إحاطتهم بالجوانب التنظيمية ذات الصلة بالتبادلات التجارية». كما دعا الدبلوماسيون كذلك إلى المساهمة في «إيجاد أسواق خارجية للمنتجات الوطنية القابلة والموجهة للتصدير، لا سيما في بلدان الجوار أين يجري العمل حاليا على فتح المعابر الحدودية وإنشاء منصات لوجيستية ومناطق حرة على مستوى الولايات الحدودية».
أهمية الاستثمارات الأجنبية
وكشف بن عبد الرحمن أن العمل قائم على الانتهاء من دراسة الجوانب التي تخص قانون الصرف، الذي شكل عائقا في السابق، لما فيه من نقائص. وشدد على أن الجزائر لن تتحمل من الآن فصاعدا، تحويلات كبيرة تخص الأرباح التي تجنيها بعض الشركات الموجودة في الجزائر، التي استثمرت، حسبه، 50 إلى 60 مليون دولار، بينما تقوم بتحويلات تفوق 200 وحتى 250 مليون دولار سنويا.
وفي حديثه لـ«المجلة» يؤكد الخبير الاقتصادي سليمان نصر أنه «في ظل شح الموارد المالية للجزائر، تظهر أهمية الاستثمارات الأجنبية خاصة منها المباشرة، وذلك لما تحققه من مزايا عديدة للاقتصاد المحلي، أهمها جلب رؤوس الأموال، ونقل التكنولوجيا، وتشغيل اليد العاملة، وزيادة الناتج الوطني وربما حتى المساهمة في رفع الصادرات». لذلك وفق تقديره «تبقى مساهمة هذه الاستثمارات شيئا لا مفر منه لتحقيق الإقلاع الاقتصادي كما حدث في العديد من الدول».
لكن سليمان يطرح في المقابل عدة تساؤلات عن أسباب تذيل الجزائر المؤشرات العالمية من حيث توفير مناخ الاستثمار حيث يصنفها مؤشر DOING BUSINESS العالمي في المرتبة 157 من بين 190 دولة سنة 2020، ولماذا بقي الاستثمار الأجنبي ضعيفاً لا يتجاوز الـمليار و125 مليون دولار في نفس السنة أي 2020 رغم الإجراءات المتخذة في هذا المجال ومنها إلغاء قاعدة 51/49، ويؤكد أن الأمر هنا لا يتعلق بتداعيات كورونا، فقد كان هذا الاستثمار حسب حديثه «ضعيفاً من قبل وإنما ازداد تراجعاً بسبب كورونا بحوالي 20 في المائة».
ويشير الباحث إلى أن هذا الاستثمار الأجنبي بقي مرتكزاً أكثر على قطاع المحروقات في وقت تسعى فيه الجزائر للخروج من اقتصاد الريع، وبدرجة أقل في مجال الاتصالات وبعض الصناعات الخفيفة؟ ويختتم أسئلته بالقول: «لماذا أصبحت دول أخرى ومنها دول الجوار أكثر استقطاباً لهذه الاستثمارات، بل هناك استثمارات أجنبية هربت من الجزائر واستقرت في بلدان الجوار؟».
الجواب وبكل وضوح، حسب قوله: «لا يمكن الحديث عن استثمار أجنبي في ظل قيود وعراقيل كثيرة على حركة رؤوس الأموال من وإلى بلادنا، فالمستثمر الأجنبي لا يمكنه أن يرى عملية تحويل لأي مبلغ من شرق الكرة الأرضية إلى غربها يأخذ بضع ثوانٍ، بينما يأخذ عندنا عدة أسابيع». كما لا يمكن- يتابع: «الحديث عن استثمار أجنبي في ظل حجم ضخم للاقتصاد الموازي، والذي يتجاوز 40 في المائة من حجم الاقتصاد الوطني، لأن المستثمر الأجنبي لا يمكن أن يتنافس مع مستثمر لا يدفع ضرائب، ولا يدفع ثمن تصاريح عُماله... إلخ. ولا يمكن الحديث عن استثمار أجنبي في ظل عراقيل بيروقراطية قاتلة تتمثل في كمٍ كبير من الوثائق، وكل وثيقة تستغرق جهداً ووقتاً كبيرين، في عصر السرعة والتكنولوجيا والمستثمر خاصة الأجنبي يحسب وقته بالدقيقة». ولا يمكن- يضيف: «الحديث عن استثمار أجنبي في ظل وجود سوقين للصرف، وبالتالي يصبح المستثمر الأجنبي يجري كل حساباته بين العملة الوطنية والعملة الصعبة كل يوم بسعرين مختلفين».
ويلتفت الباحث إلى أن معضلة عدم استقرار القوانين من أهم المشاكل التي تواجه المستثمر الأجنبي بقوله «كيف نقنع الأجنبي بالاستثمار في بلادنا ونحن نمارس هواية العبث بالقوانين وتغيير النصوص القانونية والتنظيمية كل فترة قصيرة، لأن هذا المستثمر الأجنبي أهم ما يطلبه هو الاستقرار السياسي والتشريعي».
ونفس الأمر يقول في مجال الاستثمار في قطاعات أخرى غير المحروقات، فلا يمكن برأيه «الحديث عن استثمار أجنبي في قطاع الصناعة أو الفلاحة أو السياحة أو أي مجال له علاقة بالاستثمار، ونحن نرى وزير هذا القطاع يتغير كل 6 أشهر، وبالتالي كل وزير يريد أن يترك بصمته ويبدأ العمل من الصفر، ولا يكاد ينجز شيئاً حتى يتغير». هذا إلى جانب «عدم توفر المعلومة الاقتصادية الصحيحة والموثوق بها، فالمستثمر الأجنبي يدرس كافة المعطيات الاقتصادية عن أي بلد قبل أن يغامر بالاستثمار فيه، فكيف له أن يعرف النسب الحقيقية الخاصة بـ: معدل النمو، معدل التضخم، معدل البطالة... وهو يرى تضارباً بين هذه المعدلات وكلها صادرة عن هيئات رسمية عندنا».
ويختتم سليمان حديثه بالقول: «ضعف الاستثمار الأجنبي في بلادنا مشكل، وما ذكرناه من سلبيات هي مسببات ذلك الضعف، فلا يجب أن نعالج المشكل قبل أن نعالج مسبباته».
إطلاق رؤية الجزائر 2030
من جانبه يقترح الخبير نبيل جماعي عدة حلول لمعالجة المعوقات القانونية والإدارية للاستثمار الأجنبي في الجزائر، منها حسب حديثه «العمل على تعزيز كفاءة الإطار التشريعي، من خلال الحد من تعددية التشريعات المنظمة للاستثمار وسن قوانين واضحة وغير قابلة للتأويل، مع تفعيل الشباك الوحيد وتبسيط الإجراءات وسرعة إصدار تراخيص البناء والاستثمار، وتفعيل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار وحماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، مع ضرورة تنمية العنصر البشري وتوعيته والارتقاء بمستوى مهاراته، وتنمية مهارات الترويج لفرص الاستثمار».
كما أشار في حديثه لـ«المجلة» إلى أهمية «جهود التعاون مع المنظمات الدولية، التي لها دور في عمليات الترويج وتقديم الخدمات الاستشارية، فضلاً عن تفعيل دور سفارات الجزائر في الخارج مع ضرورة توفير محيط أعمال شفاف وخالٍ من البيروقراطية والرشوة».
ويقترح الباحث إطلاق رؤية الجزائر 2030 على أن يكون الاستثمار الأجنبي أحد أهم ركائزها، بمراجعة قانون الاستثمار الأجنبي، وإنشاء مناطق حرة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تتميز هذه المناطق بمزايا عديدة أهمهما: ملكية تصل إلى 100 في المائة للأجانب، مع منح جبائية مغرية.
وكشف وزير الصناعة أحمد زغدار، أن القانون الجديد للاستثمار تم إعداده وفق رؤية استراتيجية جديدة لترقية الاستثمار».
ويهدف القانون الجديد إلى «جعل الجزائر منافساً رئيسياً من حيث الجاذبية، إذ يجب أن يكون قانون الاستثمار قادرا على إرسال إشارات قوية للمستثمرين. حيث تتنافس العديد من الدول على جذب الاستثمارات، ولا سيما تلك القيمة المضافة الاقتصادية والتكنولوجية العالية. وذلك من خلال وضع إطار قانوني دائم وفعال، فقد تم إعداد القانون الجديد ليتماشى مع الرهانات الاستراتيجية الحالية».
وقد أفضت هذه التوجهات حسب الوزير إلى اقتراح جملة من الإجراءات تتعلق أساسا بإلغاء تطبيق القاعدة 49/51 المسيرة للاستثمار الأجنبي في الجزائر على النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات مع الإبقاء عليها بالنسبة للنشاطات ذات الطابع الاستراتيجي وهو ما تم تكريسه في قانون المالية التكميلي لسنة 2020 وقانون المالية 2021 وكذا إلغاء حق الشفعة. مع تعديل أنظمة الحوافز والامتيازات المقدمة، من خلال إعادة هيكلة أنظمة الحوافز المقدمة في المستقبل، وفقًا للقيمة المضافة لهذه الاستثمارات في الاقتصاد الوطني وتأثيرها على تنمية القطاعات وتطوير الشعب الأساسية وكذا التنمية المحلية. في هذا السياق، تم إقرار حوافز مالية ضريبية وشبه ضريبية، حسب كل نظام، بدءًا من نظام الحوافز العام القاعدي وصولا إلى أنظمة الاستثمارات المهيكلة وتلك التي يتم إنجازها في الهضاب العليا، ولايات الجنوب والجنوب الكبير التي تقدم لها مزايا معتبرة. فعلى سبيل المثال، ستستفيد الاستثمارات المنجزة في مناطق الجنوب والهضاب العليا وكذا كل منطقة أخرى تتطلب مساهمة خاصة من قبل الدولة من مزايا وإعفاءات جمركية وضريبية طويلة المدى.