بيروت: لم تتأخر ارتدادات محاولة الاغتيال التي استهدفت رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، فجر الأحد الماضي، لتظهر على الساحة العراقية والإقليمية. فقد توالت أصوات التنديد بهذا الهجوم، فيما سارع قائد «فيلق القدس» الإيراني إسماعيل قاآني لزيارة بغداد في محاولة للملمة تداعيات العملية في الوقت الذي تتوجه فيه أصابع الاتهام إلى الفصائل الموالية لطهران.
ولا شك أن محاولة الاغتيال الفاشلة تستلزم ترقب المزيد من التطورات في المشهدين الأمني والسياسي المرتبكين في البلاد، خصوصاً أنها تأتي على وقع إعلان المفوضية العليا للانتخابات الانتهاء من إجراءات النظر في الطعون التي قدمتها القوى المعترضة على نتائج الانتخابات، بعد إعادة عد وفرز أصوات أكثر من ألفي محطة انتخابية يدوياً، مؤكدة أن نتائج عمليات العد والفرز اليدوي للمحطات المشكو منها أظهرت تطابقاً في النتائج المعلنة، وهو ما يعني تضاؤل آمال القوى المعترضة الموالية لإيران والتي منيت بخسارة كبيرة في هذه الانتخابات.
وكان المئات من مناصري الفصائل الموالية لإيران، قد نظموا قبل أكثر من أسبوعين اعتصاما مفتوحا قرب المنطقة الخضراء، حيث يقع أيضا مقر المفوضية العليا للانتخابات، احتجاجا على ما اعتبروه تزويرا شاب الانتخابات التشريعية المبكرة. وبعدما كان القوة الثانية في البرلمان السابق مع 48 مقعدا، حاز تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي 15 مقعدا فقط في انتخابات العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحسب النتائج الأولية.
ومحاولة الاغتيال جاءت بعد ساعات قليلة من تهديدات لزعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، على هامش حضوره مجلس عزاء لأحد قيادات فصيله المسلح كان قد قُتل خلال مواجهات قرب المنطقة الخضراء مساء الجمعة الماضي، بين الأمن العراقي وأنصار الفصائل المعترضة على نتائج الانتخابات. وتوعّد الخزعلي الكاظمي بلهجة حادة بالمحاسبة على سقوط متظاهرين من أنصاره.
وتوالت ردود الفعل الدولية والإقليمية المنددة بمحاولة الاغتيال الفاشلة. فقد دان مجلس الأمن الدولي بشدة محاولة اغتيال الكاظمي وطالب بمحاسبة مرتكبيها.
كما أدانت دول الخليج العربية محاولة الاغتيال، حيث أبدى الأمين العام لمجلس تعاون دول الخليج العربية، نايف فلاح مبارك الحجرف، في بيان له إدانته أيضا لـ«محاولة الاغتيال الآثمة» التي نفذت بواسطة طائرة مسيرة.
وقالت الخارجية السعودية في بيان أصدرته اليوم إن المملكة «تدين بشدة العمل الإرهابي الجبان الذي استهدف رئيس مجلس الوزراء العراقي، وتؤكد وقوفها صفا واحداً إلى جانب العراق الشقيق، حكومة وشعبا، في التصدي لجميع الإرهابيين الذين يحاولون عبثا منع العراق الشقيق من استعادة عافيته ودوره، وترسيخ أمنه واستقراره، وتعزيز رفاهه ونمائه».
الجهة المنفذة
وفي السياق، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أمنيين ومصادر مقربة من الجماعات المسلحة أن الهجوم نفذته جماعة مسلحة واحدة على الأقل من التي تدعمها إيران. وقالت إن الطائرات المسيّرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع. وقال المسؤولان الأمنيان إن «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» نفذتاه جنباً إلى جنب. فيما قال مصدر في جماعة مسلحة إن «كتائب حزب الله» متورطة وإنه لا يستطيع تأكيد دور «العصائب»، وفق «رويترز»
هدف محاولة الاغتيال
يرى المحلل السياسي رمضان البدران في حديث لـ«المجلة» أن «هناك انفلاتا للسلاح وللسيطرة على المنظومة الأمنية بدأ يصل إلى مراحل متقدمة جداً، فالجماعات التي نفذت هذه العملية، يبدو أنها جماعات صغيرة بيدها السلاح وكل أدوات التنفيذ، وهي تصرفت بطريقة أحرجت الجميع سواء العناوين التي تنضوي تحتها وحتى الدولة العراقية وحتى إيران والعالم». وأضاف: «أقرب احتمال أن من قام بهذه العملية هي جهات تابعة لإيران ولكن دون أوامر من الفصائل وإنما تصرفت بطريقة فردية وارتجالية، إذ إن هذا النوع من المسيرات والسلاح لا تملكه في العراق سوى هذه الجهات ولكن التصرف لا ينم أنه ناتج عن قرارات عُليا. وبالتالي هو تصرف من جماعات لا تفهم ما تفعل ولا تعي خطورة ذلك».
وأشار البدران إلى أن «هذه الأحداث جاءت على وتيرة احتجاجات لهذه الجماعات على نتائج الانتخابات البرلمانية وصدامات عنيفة مع القوى الأمنية، وكان الهجوم على قوى الأمن والمنطقة الخضراء واضحاً، وهذا دفع بعض الجماعات الصغيرة بالتصرف بشكل ارتجالي لارتكاب ممثل هذه الحماقة».
ويؤكد البدران أن «هذه الجماعات تؤمن بأنها هي من حمت الدولة العراقية وهي من حررت العراق من تنظيم داعش، وهي لها الحق أن تبقى بالحكم والقيادة وأن المقدرات يجب أن تكون بأيديها، وبالتالي هذه الجماعات بات لها مشروع سلطة وحتى إن لم تحصل على نتائج تؤهلها لذلك من خلال صندوق الاقتراع».
وفيما يتعلق بقدرة العراق على محاسبة هذه الجماعات، قال البدران: «اعتدنا أن تكون هناك أسباب سياسية تمنع فضح الجهات التي تقف وراء هذه الجماعات، ولكن في هذه المرة الكل تخلى عنهم وليس من الصعب كشف وتحديد هذه الجهات، ولكن هناك وضعا سياسيا معقدا ربما يؤجل فضح هذا الملف. والخاسر الأخير هو العراق كسمعة واستقرار وإيمان الناس بإمكانية قيام الدولة في حفظ أمنهم».
الحكومة المقبلة
ومن ناحيته، لفت الباحث في شؤون العراق والشرق الأوسط أحمد الياسري في حديث لـ«المجلة» إلى أن «محاولة اغتيال الكاظمي جزء من صراع إدارة المكون الشيعي، فنتيجة الانتخابات تصب في مصلحة الكاظمي إذ إن الكتلة الصدرية هي كتلة الأغلبية وإذا اتجهت للتحالف مع كتلة تقدم والحزب الديمقراطي فسيشكلون النصف زائد واحد في البرلمان». وتابع: «في هذه الحالة ستكون حظوظ الكاظمي حاضرة، وأعتقد أن هدف القوى المُستهدفة للكاظمي هو اعتبارهم أن هذه المحاولة تقلل من حظوظه، إلا أن هذه الأحداث أدت إلى تعاطف شعبي مع الكاظمي وقربته من الشارع أكثر، كما أن كتلا اجتماعية غير مؤيدة له أعلنت وقوفها إلى جانبه».
وفيما يتعلق بالمظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات البرلمانية، أشار الياسري إلى أن «النزول إلى الشارع ليس ثورة شعبية، بل هي قوى سياسية قررت التظاهر حتى قبل صدور النتائج النهائية للانتخابات، وهذه محاولة لاستعراض بشري حيث أدركوا بعد ثورة تشرين أن هناك أهمية للشارع وطوقوا المنطقة الخضراء وهي محاولة لوضع صورة أن الأجهزة الأمنية تُحاول استهدافهم وبالتالي فإن الكاظمي هو من يحاول استهداف المتظاهرين وذلك بهدف إسقاط حظوظه بترؤس الحكومة المقبلة، ولا يوجد أي سبب آخر». وأضاف: «هذه القوى لا تستطيع مواجهة التيار الصدري بسبب قواعده الشعبية وبالتالي يلجأون لاستهداف الكاظمي».
وفي سياق متصل، يؤكد البدران أن «شكل الحكومة الجديدة سيحسمها عدد الأصوات التي ستصوت على خيار الحكومة التوافقية أو حكومة الأكثرية، ولا شك أن السيد مقتدى الصدر يُريد حكومة أغلبية تُمارس منهج إصلاح وليس منهج محاباة وتقاسم للمغانم، وفي المقابل هناك أطراف تريد حكومة توافقية وأن ينتفع الجميع من مكاسبها». وأضاف: «بالتالي ربما يذهب السيد الصدر إلى المعارضة إذ يجد فيها نجاة أكثر من التواجد في حكومة توافق سيسود من خلالها الفساد والتقاسم على حساب الناس والشارع العراقي».
لا شك أن المناخ السياسي والأمني في العراق تغيَّر بشكل حاد ومفاجئ بعد محاولة الاغتيال الفاشلة. فسرعان ما تحول الانتباه المحلي والدولي، إلى اتهام مباشر للفصائل الموالية لإيران بمحاولة زعزعة الاستقرار والضغط على الدولة العراقية. كما تسببت هذه الحادثة في تكوين رأي عام عراقي وعالمي ناقم على الفصائل المسلحة ومُطالب بمحاسبتها، فيما تحولت هذه الفصائل من موقف الهجوم من خلال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات إلى الدفاع من خلال محاولة نفي الاتهامات التي طالتها بتنفيذ الهجوم. وأمام هذا المشهد، من المرجع أن يشهد العراق المزيد من الأحداث والتفاعلات على وقع مسار تشكيل الحكومة الجديدة.