دمشق: يعتمد السوريون اليوم على «البطاقة الذكيّة»لشراء مستلزماتهم الضروريةبدءاً من الخبز إلى المواد التموينية وصولاً إلى الوقود، في ظل وضع اقتصادي منهار، انعكس غلاءً في الأسعار وفقدان عدد كبير من المواد التموينيّة.
حالٌ فُرض على السوريين نتيجة تردي الواقع الاقتصادي في البلاد، وضعف تأمين المستلزمات الأساسية، التي كانت فيما سبق خطاً أحمر، فغدت اليوم بالأسود العريض، مع بطاقة إلكترونية أطلق عليها اسم «البطاقة الذكية»، لتنظم عمليات توزيع هذه المواد على المواطنين.
البطاقة التي ساهمت إلى حدٍ ما في تخفيف المعاناة عن المواطنين، يُحرم منها المقيمون على الأراضي السوريّة من غير المواطنين، حتى لو كانوا من مواليد البلد، أو من أمهات سوريات الأصل، أو تقيم عائلاتهم في سوريا منذ زمن، فهؤلاء لا يتمتعون بحق شراء المواد آنفة الذكر بسعر الدولة الرسمي، بل يضطرون لشرائها بسعر مرتفع جداً، أو استعارة بطاقة أحد معارفهم لسد حاجتهم.
فلسطينيّة على الورق
«لا أملك بطاقة بل أملك ورقة»، تقول ريم حسن (فلسطينية الأصل مواليد سوريا)، وتحمل الجنسية الأردنية، لا تعرف ماذا تسمي نفسها، هل هي مواطنة أم مقيمة، وتقول: «أنا ربة منزل، عشت في سوريا منذ 50عاماً، وولدت فيها، لكنني اكتسبت الجنسية الأردنية من زوجين، ولم يكن لدي أي مشكلة في ذلك الوقت.
وتتابع: «لم أتوقع أن باكتسابي للجنسية الأردنية ستحلّ النقمة، فهذه البطاقة ليست ذكية، لم تنصف المواطن السوري حتى تنصفني، لكن وعلى أقل تقدير يمكن أن تنفع، وهذا النفع لا يمكن تحصيله إن لم أكن سورية أو فلسطينية على الورق».
تستغرب ريم المعاملة، وكأن العربي الحاصل على إقامة في سوريا، حتى وإن كان مواليد البلد حرفاً ناقصاً، وتستفسر: «يعطوننا الإقامة السورية ويكتبون مواليد سوريا، فلماذا تتم معاملتنا كالأجانب؟».
تتحدث ريم عن معاناتها في الحصول على الاحتياجات الأساسية بدءاً من الخبز: «معاناتي مع الخبز لا تشبه أي معاناة أخرى، فعندما أقول لأولادي إنّ الخبز قد نفد لدينا، فإن هذا يعني أنّ لدي يوماً شاقاً ليس في إحضار الخبز، بل استعارة بطاقة أحد الجيران، حتى أستطيع الذهاب للفرن وآخذ المخصصات لجارتي قبل منزلي، فهذا هو الشرط للحصول على الخبز».
أما عن شراء الخبز بالسعر الحر، فتبين أن سعر الربطة وصل لـ2000ليرة سورية، وهذا كارثي مقارنة بدخلها المادي، والأكثر من ذلك بحسب قولها فقد تمّ تخفيض مخصصات الخبز وبذلك فإن الحل السابق لم يعد مجدياً.
وبيّنت أن طريقة عائلتها للحصول على جرة غاز بسعر الدولة، تكمن في ذهاب زوجها بعد حصوله على إجازة من دوامه إلى وزارة النفط ليستلم إيصالا يمنحه حق شراء الجرة من البائع بقيمتها الرسمية 4000ليرة سورية.
وتضيف أنّ حمل الجرة الفارغة يؤلم الظهر، لكنه محتمل كون الألم مرة، أفضل من ألم دفع 75ألف ليرة، وطبعا هذا الإيصال قد لا ينفع في حال لم يتجاوب البائع، أو لم يكن لديه عدد كافٍ من الجرار الممتلئة.
وتشير إلى أنّ الإيصال الذي تحصل عليه من الوزارة مدّته ثلاثة أشهر، والجرّة لا تكفي إلا لـ23يوماً أو شهر كأقصى حد، وعندها لا تملك أي حلّ سوى أن تشتري بسعر السوق السوداء.
تختم ريم حديثها فتقول: «السكر والأرز والشاي أشتريه بأضعاف سعره على البطاقة، والشهر الفائت وضعوا المياه أيضاً على البطاقة الذكية، كل ذلك على البطاقة، فماذا نفعل نحن غير السوريين، فإذا كانوا لا يريدون أن يمنحونا تلك الخدمات، فلماذا يمنحونا الإقامة».
البنزين بثلاثة حلول
يقف العراقي الثلاثيني سعيد فتحي المقيم في سوريا منذ 2003، حائراً تجاه البطاقة الذكية، وهو الذي هُجّر أثناء الحرب في العراق، مع عائلته المكونة من 7أشخاص إلى سوريا ولا يحق لهم سوى الحصول على إذن بالإقامة.
ولأنّهم لا يحصلون على بطاقة ذكية فهذا يعني أنهم بحالة تشبه حالة ريم بما يخص المواد الأساسية، فضلاً عن أنّ السيارتين الاثنتين المملوكتين لعائلة سعيد، لا تحصلان على حصتيهما من البنزين.
يقول سعيد: «لدينا ثلاثة حلول، أولها مرّ لكوننا نحتاج إلى المعارف والأصدقاء، أو نضطر لاستئجار بطاقة بقيمة75 ألفا في كل مرة نأخذها، وثانيها، تعبئة البنزين عن طريق (غالونات)، نؤمنها من الموزّعين الموجودين على الطرقات، وثالثها، تعبئة البنزين من محطات الأوكتان 95، والحل الأخير غالٍ جداً».
وعن الحلول يؤكد سعيد أنه لا يمكنه إجبار الحكومة على شيء ربما تراه ضرراً لها، خصوصاً أن «سوريا تعاني من حربٍ، وبالتالي همها الأوحد هو عيش المواطن السوري فقط».
خدمة غير متاحة لمن ليس لديهم رقم
علي الصالح لبناني مقيم في سوريا منذ ولادته عام 1993، ورغم محاولة عائلته الحصول على بطاقة ذكية، يأتيهم الرد بأن ذلك غير ممكن لعدم وجود رقم وطني لهم، ومنذ ذلك الوقت يسعى لشراء المواد الأساسية والمحروقات بشكل (حر).
أما الشراء بشكلٍ حر على سبيل المثال لا الحصر، فإن هناك مواطنا سوريا متزوجا ويسكن مع أهله، يقوم ببيع جرة الغاز التي يحصل عليها بواسطة البطاقة بالسعر الذي يحدده هو، أما ما تبقى من مواد أساسية كالسكر والزيت والخبز فالحصول عليه ممكن من الأسواق ولكن بسعر التجار.
يقترح علي أن تتم معاملتهم كما السوريين، فهم مقيمون في سوريا وليسوا زائرين، أو مقيمون لفترة مؤقتة، يقول: «حبذا لو تتم مراعاتنا في موضوع المحروقات، فالشتاء قادم والأسعار الحرة الجديدة قادمة بشكل جديد هذا العام».
من جهتها، تعيش إيمان الأدهمي طالبة دراسات عليا في كلية الحقوق بدمشق، مع أسرتها المكونة من خمسة أشخاص، أردنية الجنسية، إلا أن والدتها من حملة الجنسية السورية، فهي بين بين.
تقول: «لم نعامل كعرب أجانب، ولا حتى كسوريين، فالبطاقة الذكية هي لوالدتي فقط، أي إن المخصصات لشخص واحد وتتضمن عبوتين من السكر، ومثلهما من الأرز، وأوقية شاي تنالها كل شهرين. بالإضافة إلى ربطة خبز كل يومين، وجرة غاز كل 3 أشهر، باقي أفراد العائلة لا علاقة لهم بهذه البطاقة»، وترى أن وضع الدولة لا يسمح لها بالمثاليات الزائدة، وهناك الكثير من الحقوق غير المتوفرة لأبناء السوريات فلا داعي للسؤال عن البطاقة الذكية على حد وصفها.
التصاريح الرسمية وطرق التنفيذ: ليس باليد حيلة
بناءً على الشكاوى التي جاءت من قبل غير السوريين أو الشباب غير المتزوجين الذين لا يستطيعون امتلاك بطاقة ذكية، فقد حددت وزارة النفط في 27 مارس (آذار) عام 2020، مراكز وشروطا خاصة لغير حاملي «البطاقة الذكية»من أجل الحصول على مادة الغاز المنزلي في دمشق وريفها.
وقالت الوزارة عبر صفحتها على «فيسبوك»:«إنها حددت مقرات خاصة في دمشق وريفها، لاستقبال الحالات ممن ليست لديهم بطاقات، ليحصلوا على الغاز، مبينة أن تلك المراكز موزعة في دمشق وريفها في مقرات مديرية شركة المحروقات».
يأتي ذلك بعد أن حصرت وزارة النفط توزيع مادة الغاز المنزلي عبر «البطاقة الذكية»، قائلة في تعميم لها: «يمنع تبديل أي اسطوانة غاز إلا عن طريق (البطاقة الذكية) تحت طائلة المساءلة القانونية وإلغاء الترخيص الممنوح أصولًا».
كما نوهت الوزارة، إلى أن الفئات التي لا تملك «البطاقة الذكية»لعدم امتلاكها دفتر عائلة، يمكنها اصطحاب أوراقها الثبوتية إلى المقرات المحددة للحصول على مادة الغاز المنزلي.
وشملت تلك الفئات كلًا من الشاب الأعزب غير المقيم مع عائلته، وعليه إثبات ملكية منزل أو عقد إيجار ليمنح اسطوانة غاز كل ثلاثة أشهر، بينما الشخص غير السوري المقيم في دمشق، عليه تقديم بطاقة الإقامة ليحصل على اسطوانة كل ثلاثة أشهر أيضًا، بحسب الوزارة.
وعلى صعيد العائلة غير السورية المقيمة في مدينة دمشق، فيطلب منها بطاقة الإقامة للعائلة ضمن سوريا، لتمنح اسطوانة غاز كل 23 يومًا، كحال العائلة السورية.
قد يكون البيان المعلن من الوزارة مرضيا إلى حد ما، لكن التنفيذ على أرض الواقع يواجه بتحديات أولها، وجود وفرة في اسطوانات الغاز لدى الموزعين لإعطاء الغاز مقابل إيصال الوزارة، وثانيها، الحاجة والاستهلاك، فالتعامل مع الشاب الأعزب يجب أن يكون مختلفاً عن العائلة، نسبة لطبيعة الاستخدام.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد القادر حصرية، فيما يخص البطاقة الذكية لغير السوريين، أن للحكومة السورية وجهة نظر بالنسبة للمقيمين من غير حملة الجنسية السورية.
فالمقيم الذي يساهم في النشاط الاقتصادي ويسدّد ضرائب كبقية السوريين يمكن أن يعامل معاملة السوري ضمن شروط وأوضاع معينة، لكن وجود إقامة فقط، لا يعني السماح بالحصول على الدعم المقرر لحملة الجنسية السورية أو المقيمين وأثبتوا قدرتهم على تحصيل الدخل والمساهمة في النشاط الاقتصادي، وهذا متعارف عليه في أغلب دول العالم.
ويشدد حصرية أن المشكلة في سوريا تتعلق بقوانين إقامة وجنسية غير مرنة، ولا بد من تقسيم المقيمين إلى فئات حسب سبب الإقامة، هل هو بالولادة أم إن أحد الأبوين سوري، وعليه تكون المعاملة.
أما عن الإشكالية التي يطرحها الموضوع فهو ضرورة توفر المواد الخاضعة للبطاقة الذكية بسعر السوق، في حين أن حصرها بحملة البطاقة مع تقييد الحصول على هذه البطاقة فهذا أمر إشكالي كبير وغير عادل.