بيروت: لم يكن ينقص بلاد الأرز الغارقة في أشد أزماتها المالية والمعيشية في تاريخها الحديث، سوى انسلاخها عن محيطها العربي والخليجي، وذلك مع دخول لبنان في أزمة مفتوحة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بفعل تصريحات غير مسؤولة أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي انتقد فيها التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، واصفا الحرب بأنها «عبثية».
وعلى أهمية اللقاءات التي أجراها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الثلاثاء) في غلاسكو على هامش ترؤسه وفدا لبنانيا إلى قمة التغيّر المناخي الأممية، وخصوصا مع وزير الخارجية الأميركي، فإنه لا مؤشرات واضحة توحي بإمكانية تطويق تداعيات الإعصار الخليجي في ظل التخبط اللبناني والعجز عن اتخاذ أي خطوة تتجاوز الإطار الكلامي. مع العلم أن الموقف السعودي تجاه هذه التصريحات لم يظهر إلا بعد مرور ثلاثة أيام من بثها، حيث كانت المملكة تنتظر موقفا مغايرا من قرداحي الذي رفض «الاعتذار».
ومع عودة ميقاتي إلى بيروت، يترقب اللبنانيون ترجمة اللقاءات عمليا من قبل الحكومة العالقة بين رفض «حزب الله» استقالة قرداحي كخطوة للخروج من الأزمة التي تضرب مصالح لبنان في العمق. ومن جهة أخرى مضي الدول الخليجية الأربع التي بدأت إجراءات القطيعة بإجراءاتها تصاعدياً بما لا يبشر بنهاية وشيكة لهذه الازمة غير المسبوقة، اذ تزداد المخاوف من ان تصل إلى حد وقف الرحلات الجوية والتحويلات المالية.
فهل تنهي استقالة قرداحي، الأزمة مع دول الخليج، وكيف السبيل إلى التخفيف من هذا التوتر الذي كان اللبنانيون في غنى عنه؟ هي جملة من الأسئلة طرحتها «المجلة» على عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب عماد وكيم.
* هل سبب الأزمة اللبنانية- الخليجية هو فعلا كلام قرداحي؟
- على الرغم من أن كلام قرداحي مرفوض، إلا أنه في رأيي الأزمة أبعد وأعمق، فالتصريحات لم تكن سببا وحيدا للغضب الخليجي، بل يأتي على خلفية تراكمات من المواقف اللبنانية غير المنسجمة مع الرياض من قضايا عدة، منها ما يتعلق بسوريا واليمن، إلى جانب محاولات تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية، وهي نتيجة تراكم سنوات من الامتعاض العربي بسبب سيطرة وهيمنة حزب الله على الدولة، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
إضافة إلى وجود النائب جبران باسيل على رأس السياسة، كذلك المواقف والتصريحات التي تهاجم المملكة بشكل مباشر، لا سيما من قبل أمين عام حزب الله.
* هل تنهي استقالة وزير الإعلام الأزمة؟
- منظومة «الممانعة» ضليعة في عمليات الشراء والبيع، فلا تزال قوى 8 آذار تهاجم السعودية والخليج، وتتربص بالمغانم السياسية المتاحة مقابل تقديم «ورقة» استقالة قرداحي على طبق التسويات الداخلية والخارجية.
وفي رأيي أن الأزمة مع دول الخليج لن تحلّ، ولكن من شأن الاتصالات الدولية تهدئة الأوضاع وفرملة التصعيد، أما الحل الأساسي فيتمثل بأن يمسك اللبنانيون زمام المبادرة عبر وضع حد لسيطرة حزب الله والغطاء «العوني»، لأن لبنان امتداده وجذوره عربية على الرغم من جميع المحاولات لوضع لبنان في خانة ولاية الفقيه.
وبالتالي الأزمة طويلة، ولن تنتهي في القريب العاجل، ولكن هذا لا يمنع تهدئة الأمور نتيجة الاتصالات الدولية نظرا لوضع لبنان القائم بانتظار نتائج الانتخابات النيابية.
* هل المطلوب استقالة الحكومة؟
- أستبعد ان يكون المطلوب استقالة الحكومة، علما أن المملكة ودول الخليج يتعاطفون مع اللبنانيين ويقدرون صعوبة الأوضاع فيه، وهم يدركون جيدا أن هناك فريقا يخطف لبنان وقراراته، ولكن هذا لا يعني استسلام الشعب اللبناني بوجه غطرسة الحزب.
فلا يجوز أن يطلب لبنان من دول الخليج المساعدة والمساندة في الأزمات، وفي المقابل مهاجمتها على المنابر تحت عنوان «حرية الرأي».
* ما السبيل لاحتواء الأزمة الدبلوماسية؟
- الأزمة تتطلب تواصلا وحوارا، ويبقى الاتكال على الرئيس ميقاتي، لأن رئيس الجمهورية «حدث ولا حرج»، علما أن ميقاتي خارج هذه المعادلة حتى لو أنه اليوم «يهادن» الثنائي للمحافظة على الحكومة. وبالتالي ميقاتي يراهن على الاتصالات الدولية لاحتواء الأزمة. علما أن من حق السعودية ودول الخليج أن تتخذ الإجراءات بحق لبنان لأن ما يجري غير مقبول.
* ما عواقب الأزمة الدبلوماسية على لبنان «المنهك»، في حال فشلت الاتصالات الدولية؟
- من المعيب ربط علاقة لبنان بأشقائه العرب فقط بالفائدة المادية والمساعدات، لكن رغم ذلك الاعتماد والرهان الأكبر على خروج لبنان من أزماته يرتبط بوقوف دول الخليج بجانبه ومساعدته والتاريخ يشهد. لأن حتى واشنطن والدول الأوروبية تدعو خلال المؤتمرات الدول العربية والخليجية لتقديم المساعدات إلى لبنان.
وبالتأكيد، ثمة أضرار مادية واقتصادية لهذه الأزمة على لبنان، علما أن التقارير تفيد بأنه نحو عشرات ملايين الدولارات تصل إلى لبنان يوميا من دول الخليج كمعدل للتجارة بين لبنان والخليج إضافة إلى التحويلات المالية من قبل المغتربين. وأمام التعطش الكبير للدولار لبنانيا من سيعوّض هذا النقص، هل إيران التي تعاني اقتصاديا؟ علما أن حزب الله يهلّل لمساعدات طهران الوهمية للبنان كالمازوت مؤخرا، وكل هذه المحاولات مكشوفة بالنسبة للبنانيين.