واشنطن: يعاني المواطنون في إيران من انقطاع حاد في التيّار الكهربائي، الأمر الذي انعكس على مختلف الجوانب الحياتيّة، وسط غياب الخطط المسبقة، وانعدام أي حلول لمعالجة الأزمة المتفاقمة في البلاد أو احتواء تداعياتها.
فقد أدّى انقطاع الكهرباء لمدة 8 إلى 9 ساعات يومياً أو أكثر في بعض الأحيان ودون سابق إنذار في فصل الصيف، إلى مشاكل وتحدّيات عديدة انعكس على تفاصيل حياة المواطنين في إيران. ويتزامن انقطاع الكهرباء أحياناً كثيرة مع قطع المياه وتوقّف خدمة الهواتف النقّالة ما أسفر عن انقطاع واسع لشبكة الإنترنت وتعطل العدد من الأعمال والتعلّم عن البعد وحتى توقف الخدمات في العديد من المستشفيات.
إلى ذلك، كان لانقطاع الكهرباء الواسع أثر سلبي بالغ على الصّناعات الكبيرة، وأسفر عن إغلاق العديد من مصانع الصلب وتسريح عدد كبير من طاقمها.
فهل يواجه المواطنون الإيرانيون العتمة مرة أخرى في فترة رئاسة إبراهيم رئيسي لافتقار الحكومة إلى خطط مسبقة وسياسة تتمتع بالكفاءة؟
وما أسباب هذا الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي؟
«المجلة» نقلت هذه الأسئلة، وناقشت هذه التحدّيات مع خبيرين في وزارة الطاقة الإيرانية يشار إليهما بأسماء مستعارة خلال هذا التقرير.
يقول المهندس محمد. ح. شارحاً وضع الكهرباء في إيران: «تبلغ الطاقة الإنتاجية لمحطات الطاقة في إيران 85 ألف ميغاواط حيث تشكل المحطات الحرارية 70 في المائة من كل محطات الطاقة في البلاد. يقول محرابيان وزير الطاقة في حكومة رئيسي إن وزارة الطاقة ستركز على تطوير المحطات الکهرومائية. لكن المشكلة هي أن آفاق المحطات الكهرومائية مظلمة وذلك بسبب أزمة السدود والمياه، فالبلاد تواجه موجة جفاف وشح المياه على نطاق واسع. ويشدّد محرابيان على أنّ وزارة الطاقة تسعى إلى دعم الطاقة المتجددة في إيران، إلا أنّ هذا ليس التوقيت المناسب لاعتماد أسلوب المحاولة والخطأ. فالحكومة تسعى إلى استخدام شركات دراسة الجدوى على غرار «دانش بنيان» للقيام بدراسات مكثّفة بشأن مشاريع مختلفة على غرار إحداث محطة رياح عالية الكفاءة. لقد سمعنا عن هذه المشاريع كثيرا في عهد رؤساء سابقين غير أنّ كلّها باءت بالفشل وبالتالي تستطيع الحكومة أن تقوم باستيراد العلوم وأدواتها لتتمكن من القيام بخطوات كهذه».
نقص الغاز المستخدم في المحطات الحرارية
ويقول كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة توانیر للطاقة، وهي تابعة لوزارة الطاقة المهندس أشكان: «تبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطات الكهرومائية 15 ألف ميغاواط في إيران. تقول وزارة الطاقة إن الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات ستنخفض إلى 5 آلاف ميغاواط بسبب شح المياه في فصل الصيف في العام الجاري ».
تبلغ الطاقة الإنتاجية لمحطات الطاقة في إيران 85 ألف ميغاوات وتصل الطاقة الإنتاجية من قبل شركات الطاقة الخاصة نحو 40 ألف ميغاواط من إجمالي الإنتاج ».
وأضاف: «بدأ الحديث حول نقص الغاز المستخدم في المحطات الحرارية ولذلك أتوقع أننا سنواجه مشاكل جمة وعديدة في فصل الشتاء في سبيل توفير الغاز المستخدم في المحطّات الحراريّة. نعاني من شحّ المياه ونقص في الغاز المستخدم في محطّات توليد الطّاقة غير أنّ معدّلات استهلاك الكهرباء تنخفض في الشتاء ».
بلغت الطاقة الإنتاجية لمحطات الطاقة 54 ألف ميغاواط حسب إحصاءات وزارة الطاقة.
ويضيف المهندس محمد.ح: «كان لدينا نقص بنسبة 13 ألف ميغاواط في توليد الطاقة بسبب ارتفاع الطلب في فترة الذروة خلال فصل الصيف والذي بلغ نحو 67 ألف ميغاواط. وقد أدّى هذا العجز إلى انقطاع واسع للكهرباء. إنّ آفاق حل هذه الأزمة في الوقت الراهن والعام القادم معدومة نظراً لأداء وزارة الطاقة الحالي ومشاريعها الراهنة. ويشمل انقطاع الكهرباء الخدمات المنزلية والصناعية غير أنه من المعروف حتى اللحظة أن انقطاع الكهرباء سيتجه نحو المصانع بشكل أكبر أو المنازل في الشتاء ».
وتتجه وزارة الطاقة الإيرانية نحو بورصة الطاقة لتسويق النفط والكهرباء.
ويتابع المهندس محمد.ح. قائلاً: «تسعى وزارة الطاقة إلى تسويق الطاقة الكهربائية وعرضها للمشاركين الرئيسيين في البورصة على غرار الصناعات الكبيرة التي يتجاوز استهلاكها 7 ميغاواط أو صناعات الصلب وشركات الإسمنت. وتسعى الوزارة إلى رفع السّعر النّهائي للكهرباء ولتقليص الفارق بين سعر البيع وسعر الشراء إلى أقصى حد ممكن، حيث يكون الفارق السعري صفرا. تنفيذ هذه الخطة أمر مستحيل في الوقت الراهن. وبذلك ستكون تكلفة إنتاج الكهرباء نحو 250 تومانا لكل كيلوواط ساعة وسعر البيع نحو 80 تومانا مما يعني أن الفارق السعري سيكون كبيرا للغاية بين تكلفة إنتاج الكهرباء وبيعه. وتقوم الحكومة بزيادة كبيرة في تعرفة الكهرباء المطبقة على الزبائن ».
ويتابع: «عجزت الحكومات المتتالية عن تحديد سعر حقيقي للكهرباء. وبالتالي تضطر الشركات المنتجة للكهرباء إلى بيع الكهرباء حسب هذا السعر لمنع حدوث استياء شعبي. ويحاول المنتجون أن يتفاوضوا مع الحكومة للوصول إلى سعر توافقي ومعقول، يقلّص فارق السعر الكبير. وإذا استمر الحال بهذا الشكل فإنّ العديد من محطّات التوليد الخاصة تقوم بتعطيل إنتاجها. هذا والديون المستحقة على وزارة الطاقة للقطاع الخاص كبيرة للغاية».
وقد بلغت ديون وزارة الطاقة المستحقة للمقاولين في قطاع الكهرباء خاصة الأقسام الإنتاجية نحو 51 ألف مليار تومان حتى مارس 2020.
ويقول المهندس أشكان إنّ المحطّات الحراريّة تواجه معضلةً كبيرة وهي غياب الكفاءة الإنتاجية، موضحاً: «تعاني محطات الطاقة في الأغلب من الانخفاض الكبير لمستوى الكفاءة الإنتاجية لأنها قديمة ومتهالكة. إذا لم يتم تحديث محطات الطاقة في البلاد فلن نشهد تحسنا في حجم الإنتاج وسيستمر إهدار الطاقة في قسم الإنتاج ».
وقالت وزارة الطاقة الإيرانية إن إيران تخسر نحو 40 تيراواط ساعة سنوياً، بسبب التجهيزات المتهالكة في شبكه التوزيع والانتقال. وقال عضو لجنة الطاقة البرلمانية برويز محمد نجاد قاضي، إن 11 في المائة من الطاقة الكهربائية التي تم إنتاجها أهدرت خلال العام الماضي.
ويؤكد المهندس محمد أن شبكة التوزيع في البلاد تفتقر لمعايير الكفاءة وهي قديمة ومتهالكة، مضيفاً أن شبكات الإنتاج والتوزيع لم يتم تحديثها وهذا أحد أهمّ المشاكل الرئيسية التي يعاني منها قطاع الكهرباء.
ويعتقد الخبير الإيراني في وزارة الطاقة أن المشكلة الأخرى هي أن الحكومة لم تبذل جهوداً لتطوير منظومة الكهرباء وتحديثها. إذ لم يتم تطوير شبكة الكهرباء ولم يتم تحسين قدرتها على الصمود منذ سنوات طويلة جدا.
إلى جانب كل ذلك فإن أنظمة التوزيع الكهربائية متهالكة للغاية ولم يتم تطويرها خلال كل هذه السنوات ولم يتم تحديثها. وقد شهدت البلاد ارتفاعاً في حجم الطلب خلال السنوات الماضية غير أنّ المنظومة الكهربائيّة لم تشهد تحولاً وإصلاحاً هيكلياً، وبالتالي على الحكومة أن تعتمد سياسة جادة لمعالجة المشاكل.
لا يبدي القطاع الخاص أي رغبةٍ في تولّي مشاريع لتطوير المنظومة الكهربائية وتحديثها، بسبب تراكم الديون المستحقة على وزارة الطاقة لصالح المقاولين والشركات الخاصة. تتراكم ديون وزارة الطاقة وقد بلغت مستوى لم ترغب فيه الشركات الخاصة بالاستثمار في قطاع الكهرباء وتطويره.