القاهرة: وسط رياح الانقسامات والتّوترات، والنزاعات السّياسيّة، في ظل وجود الميليشيات المسلّحة، والوجود الأجنبي على أراضي ليبيا، يزداد الحديث عن إجراء الانتخابات الرّئاسيّة، والبرلمانيّة، والتي ستحدّد مصير البلاد، ومصير من سيحكم ليبيا ويتوّج على عرشها، بعد سنوات عجاف من الصراع المسلح وتردّي الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشية، وزيادة حدّة الانقسام بين الفرقاء الليبيين، وفشل المساعي الدوليّة والإقليمية لحل النزاع، والذي تزايدت وتيرته في الآونة الأخيرة على وقع قانون الانتخابات الذي أصدره البرلمان، والذي رفضه المجلس الأعلى للدولة، إضافة لعقد مؤتمر دعم استقرار ليبيا منذ أيام، والذي ينظر له العديد من الليبيين على أنه حافة السيف التي قد تحسم النزاع وتضع ليبيا على أول طريق الاستقرار، أو تتمزّق الأوضاع ويعود الصراع بين الفرقاء من جديد.
وما زاد المشهد ارتباكاً، هو محاولة البعض خلط الأوراق سواء الداخلية، أو الخارجية، والتي كان آخرها ما أشيع من تحالف، أو تنسيق بين المشير خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي على دعم الأخير للمشير في الانتخابات الرئاسية، مقابل تشكيلة أول حكومة ليبية بعد الانتخابات، على أن يتولى اختيار جميع الحقائب بما فيها الحقائب السيادية، وهو ما يضع الليبيين أمام تساؤلات عن هوية المشهد المعقد، وما إذا كان التحالف حقيقياً، أم أنه مجرد خلط للأوراق في ظل مطالبات البعض بضرورة تأجيل الاستحقاق الانتخابي لحين حسم جميع الملفات العالقة، والتي تلعب القوى الخارجية سواء الدولية، أو الإقليمية، الدور الرئيسي فيها.
فهل ستشهد ليبيا استقراراً حقيقياً، وتوافقاً على جميع الأصعدة بين الفرقاء؟ أم إن البلاد ستصبح ملعباً وأرضاً خصبة للمنافسات الاقتصادية، والسياسية والعسكرية،؟ وستلقى الجهود المبذولة لاحتواء الخلاف حول الملف الأمني وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية نجاحاً بما يعزز فرص الحل، وإعادة الاستقرار إلى بلد مزقته الأهواء لأكثر من عقد من الزمن، ,وأنه سوف يسهم في تسريع إجراء الاستحقاق الانتخابي؟ أم إن هذا الملف الشائك سيكون سبباً في زيادة حدة التوترات، وإعادة الأزمة برمتها إلى نقطة البداية وعودة الصراع وتعميقه من جديد لتبدأ مرحلة أخرى من البحث المستمر عن الاستقرار والأمن، والتساؤل عمن سيحكم ليبيا من جديد؟
مشهد مرتبك وتحالف محتمل
الجميع يتحدث عن إجراء الانتخابات الليبية في ظل توترات وشد وجذب بين الأطراف السياسية الداخلية، ما بين مؤيّد لإجراء الانتخابات في موعدها، ورافضٍ لفكرة إجرائها ويهدف لتأجيلها، إضافة إلى رفض البعض لقانون الانتخابات.
ويأتي هذا الانقسام في ظلّ تواتر أنباء عن عقد صفقة، أو تحالف بين المشير خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي، وإعطاء صلاحيات كبيرة للأخير في حكم ليبيا، وذلك في حال فوز المشير حفتر، بمقعد الرئاسة، وهذا الأمر هو حديث سابق لأوانه، وذلك حسب الباحث والخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو الشوبكي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: المفهوم في الوضع الليبي أن تكون المسألة كأي انتخابات طبيعية، بما فيها من تحالفات، وتفاهمات، واتفاقات، لأن المشير خليفة حفتر في النهاية في حاجة إلى وجود طرف آخر مساعد، أو داعم له كي يضمن النجاح.
وهذا الطرف سيكون من النظام القديم، سواء كان سيف الإسلام القذافي، أو قبائل محسوبة على النظام القديم في ليبيا حتى يستطيع كخطوة أولى أن يعبر للأمام.
وخبرة الانتخابات، خاصة في المنطقة العربية، تؤكّد أنه ليس بالضرورة أن يتم تنفيذ الاتفاقات أو التفاهمات التي توصل إليها الأطراف، وذلك بعد إعلان النتيجة، كما أنه لا توجد ضمانة مؤكدة لنجاح المشير حفتر.
المسألة الثانية بحسب الشوبكي، أنه حتى في حال نجاحه فليس بالضرورة أن يتم تفعيل التفاهمات التي توافق عليها مع سيف الإسلام القذافي على الأرض، وبالتالي فإن الكلام عن الاتفاقات والتفاهمات هو حديث مشروع، أو ما يسمى التربيطات قبل الانتخابات من أجل تجميع أكبر عدد من الأصوات.
والحاضنة الأكبر للمشير خليفة حفتر هي شبكات النظام القديم بتحالفاتها القبلية والسياسية، وهذا يجعل التفاهمات بين سيف الإسلام القذافي، والمشير خليفة حفتر، أمراً وارداً، أو منطقياً، أما تنفيذه على أرض الواقع بعد الانتخابات فهي مسألة ستخضع لحسابات عديدة وستظلّ غير مؤكّدة.
ويتّفق مع هذا الرأي الخبير الاستراتيجي مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء محمد سلمان الذي يؤكّد لـ«المجلة»أنّه من الوارد قيام حفتر بالتحالف انتخابياً مع سيف الإسلام القذافي رغم أنّه كان معارضاً لنظام القذافي، وذلك لوجود عدو مشترك بينهما، فهما لم يجتمعا على عقيدة واحدة، أو منهج واحد، أو آيديولوجيا واحدة، ولكنهما قد يجتمعان معا لمواجهة خطر أكبر عليهما وعلى الدولة الليبية وهو الجماعات المتطرفة، والإرهابية، وجماعة الإخوان.
كما أنّه لا يمكن القول الآن من سيحكم ليبيا؟ والإجابة على هذا السؤال ليست في المنظور العاجل، لأنه لا بدّ أولاً من توحيد ليبيا، وهذا ليس منظوراً في الوقت القريب.
وعلى خلاف ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي الليبي عثمان بن بركة لـ«المجلة»: بالنسبة للتحالفات الانتخابية، كل المشاهد مربكة وكلها تخدم العدو. ولا توجد تحالفات بين المشير خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي، ولا يوجد أي مبرر لها إطلاقا فالخصمان نقيضان تاريخا وسلوكا ومسلكا، ولا يمكن تحالفهما إطلاقا.
فك شفرة الملفات المعقدة
تأجيل إجراء الانتخابات الليبية لبداية العام المقبل أمر وارد، وحتى يتم التفاهم على كل القضايا الخلافية، حسب عمرو الشوبكي، فالتحدّي سيكون هو فرض احترام نتيجة الانتخابات، والقضيّة لن تكون إجراء الانتخابات، ولكن ضمان احترام جميع الأطراف للنتيجة، وهذه المسألة في الواقع الليبي غير مؤكدة. ويجب على الليبيين أن يتفهموا أن ليبيا ليست ساحة للتنافسات الخارجية. والتنافس الخارجي على الاستثمار وغيره من المسائل الاقتصادية والسياسية أمر مشروع، ولكن المشكلة الأساسية في الصراعات المسلحة، أو العنيفة، وطالما أن هناك ميليشيات مسلحة، وعناصر أجنبية ومرتزقة، فستكون هناك مشكلات كبيرة ومعقدة.
ويتابع: «كما أن حل الجوانب الأمنية هو الأساس في فك شفرة الملفات الليبية المعقدة لأن حل الجوانب الأمنية سيكون خطوة تجاه الحل السياسي، ولا يمكن احترام نتيجة الانتخابات، وهناك مرتزقة في غرب ليبيا وشرقها، وما يسهل ضمان إجراء الانتخابات بشفافية، واحترام نتائجها هو خروج كل العناصر الأجنبية والميليشيات المسلحة، وحل جانب من المشكلة الأمنية، وفي حال إجراء الانتخابات في ظل تواجد هذه العناصر، فإن الموقف سيزداد تعقيدا لأن الانتخابات في هذه الحالة سوف تعمق الانقسام لأن النتيجة قابلة لعدم احترامها في كل المناطق، وبالتالي ستتعقد الأزمة أكثر وأكثر».
لا شك في أنه ستكون هناك خلافات واختلافات بين الفرقاء في ليبيا ما دامت المقاصد والأهداف ليست واحدة وبوصلة الوطن غائبة عن عدد من المتصارعين في المشهد السياسي والأمني، وفق رؤية الكاتب والباحث الليبي عثمان بن بركة، أما قانون الانتخابات فهو الجزرة أو الطعم المستورد للمذاق الليبي بحسب بركة الذي يقول: «لا يعقل أن توضع بنود ومقترحات وفق مقاسات وقناعات دول أخرى تدّعي أنّهم يبحثون عن استقرار ليبيا، فكيف تستقر وكل طرف من الحضور له مصلحته وأجندته التي تتناقض مع الآخر، والذي ليست لديه مصلحة هو حقيقة يعمل لمصلحة غيره. فالصراع على ليبيا صراع دولي من خلال الدول الكبرى التي لم تصل بعد لاتفاق على قسمة الكعكة. وفي حال تأجيل الانتخابات يعتبر الأمر تحصيل حاصل، فنحن دائما نكرر ونقول إن هناك إدارة أزمة، وليس حلاً للأزمة، والضحية هنا هو الشعب الليبي».
ويتابع: «لا يوجد من هو حريص على استقرار ليبيا واحترام سيادتها، ليبيا تعيش حالة تكييف للسير وفق المشروع الدولي المعروف وهو إعادة إحياء فكرة الشرق الأوسط الجديد».
ويختم قائلاً: «ليبيا اليوم محتلة وواقعة تحت سلطة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعندما طالب العقيد معمر القذافي، بإعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة، لم يكن ذلك مطلبا عبثيا، ولكنه كان يعلم ويستشرف حقيقة الأمور، فلن يحكم ليبيا إلا من يدور في فلك الإمبريالية العالمية وسيستمر الصراع حتى يعي الشعب الليبي حقيقة الأمر، ويكافح من أجل تحرير البلاد، واختيار قيادته وهذا هو القرار الوحيد لدى الشعب، وغير ذلك يكون عبثاً».
العودة من جديد إلى نقطة الصفر
الانتخابات الليبية من المفترض أن تتم بضغوط خارجية، وضغوط داخلية كبيرة جداً، ولكن تسعى المجموعة التي جاءت بالمرتزقة في طرابلس والمدعومة من تركيا وبشتى الوسائل لتعطيل إجراء الانتخابات، إضافة إلى رفض مجلس الدولة لقانون الانتخابات، والإخوان الذين كانوا يشكلون ما كان يسمى سابقاً درع ليبيا، والذين تحالفوا مع كل الجماعات المسلحة المتطرفة.
عندما حاول المشير خليفة حفتر دخول طرابلس عسكرياً، واللجوء إلى تركيا التي وجدتها فرصة للوجود المؤثر في الشأن الليبي، وإلى الآن إتمام إجراء الانتخابات محل شك، وذلك حسب الخبير الاستراتيجي مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، اللواء محمد سلمان، الذي يطرح عدة تساؤلات، منها: «هل ستنجح الأطراف في إجراء الانتخابات في موعدها؟ وإذا تم إجراؤها هل سيصل الناخبون إلى صناديق الاقتراع؟ هذا أيضاً محل شك، ومع خروج النتائج، هل ستقبل بها الأطراف مع القوى العسكرية والمتطرفة التي لا تعرف غير وسائل الإرهاب؟ الموضوع محل شك كبير. والجميع يعلم أن الشعب الليبي يرفض جماعة الإخوان والمظاهر المسلحة، وكل من استدعى القوى الخارجية، ومهّد لاحتلال تركي، ولذلك نجد الآن المعارضة والرفض لقانون الانتخابات، وبعد فترة سنجد المعارضة على إجراء الانتخابات، وإذا تم القبول بإجرائها لن يصل الناخبون للصناديق، وإذا وصل الناخب للصندوق سوف يتم التلاعب بالنتيجة، وإذا خرجت على غير الرغبة يتم رفضها، ولذلك كان المطلب الأساسي، والذي يعد أول خارطة طريق لإعادة الاستقرار إلى ليبيا هو خروج المرتزقة، كي يتم إجراء انتخابات حرة ونتيجة يقبل بها المجتمع، وجميع الأطراف السياسية، إلا أن القوى الدولية والإقليمية لم تستطع إخراج المرتزقة من ليبيا لذا فإن المشهد لا يبعث على التفاؤل».
ويتابع اللواء محمد سلمان: «إذا تمّ تأجيل الانتخابات فسوف نعود إلى نقطة الصّفر من جديد، وفي هذه الحالة ستوجّه انتقادات للموقف الدولي لأنه سيكون معلوماً للجميع من يعطّل الانتخابات، وأعتقد أن إصرار شرق ليبيا، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، والمشير حفتر على إجراء الانتخابات هو لكشف موقف الداخل في طرابلس، والمحتلين لها، وهي قوة لا يستهان بها، ومن الممكن بعد إفشال إجراء الانتخابات أن تخرج قرارات دولية مختلفة، بمعنى أن حظر السلاح المفروض على ليبيا بالكامل قد يكون في حدود الغرب فقط، ويسمح بتسليح الجيش الليبي، بقيادة خليفة حفتر الذي أتشكك في أن يلعب دورا كبيرا خلال الفترة القادمة في ليبيا لنزول أسهمه».
ويضيف: «كما أن توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية قد فات وقته وتأثير ذلك الملف على الانتخابات ليس موجودا، كما أن مؤتمر دعم استقرار ليبيا ليس له تأثير كبير لأن الواقع يقول بوجود انقسام لن يوحده سوى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ولكن الانتخابات القادمة وفي الظروف الحالية لا ينبئ بإنهاء الأزمة وتوحيد الجيش، كما أن الانتخابات الليبية ستكون كاشفة للأزمة لبيان ما هو واقع، وتوضيح أن المجني عليه هو الشعب الليبي وأن جماعة الإخوان والمتحالفين معها هم الجناة، سواء من الداخل الليبي أو خارجه (جماعات متطرفة- القاعدة- داعش) وهذه الجماعات لن تسلم بنتيجة الانتخابات بافتراض إتمامها وإعلانها طبقا للحقيقة، ولن تترك الفرصة لحكومة مدنية منتخبة برئاسة منتخبة من الشعب لإدارة البلاد».