مسؤول ألماني يحذر المستثمرين من عقد صفقات مع طهران

مسؤول ألماني يحذر المستثمرين من عقد صفقات مع طهران

[caption id="attachment_55253934" align="alignnone" width="955"]معرض تجاري إيراني في برلين معرض تجاري إيراني في برلين[/caption]

برلين: اعتدال سلامة

رغم أن المستشارة أنجيلا ميركل، من الحزب المسيحي الديمقراطي، رحبت بالاتفاقية باعتبارها مرحلة جديدة قد تساهم في حل كثير من الأزمات الخطيرة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، فإنها توخت في تصريحاتها الحذر، وأكدت عدة مرات أن العلاقات بين طهران وبرلين لن تدخل في القريب مرحلة التطبيع، فهذا مرهون بكثير من الأمور، منها التخلي عن دعم المنظمات الإرهابية. فموقف إيران من هذه النقاط غير مقبول حتى اليوم. كما أكدت أنها لن توجه دعوة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، فالوقت لم يحن بعد. بينما حذر فولكر بيك، من حزب الخضر المعارض، من التقارب المتسرع مع إيران، وبرأيه حيال موقفها من إسرائيل وخرقها الدائم لحقوق الإنسان ومساندتها لمجموعات إرهابية مثل حزب الله وحماس، لا يمكن جعل إيران شريكا استراتيجيا لألمانيا، ويجب أن لا يكون للمصالح الاقتصادية الأولوية.
كما انتقدت عدة صحف تسرع سياسيين ألمان لزيارة طهران. جريدة «دي فيلت» قالت إن التحالف مع الديكتاتور السوري بشار الأسد والدعم المادي والعسكري لحزب الله ولحماس والمتمردين الحوثيين في اليمن والأقليات الشيعية في الخليج العربي أسباب كافية من أجل اعتبار إيران خطرا كبيرا على المنطقة العربية والعالم كله، ولا يمكن تجاهل نيات إيران وسعيها بكل الطرق لصنع أسلحة نووية.
من جانب آخر، ذكر الدكتور أوليفر ماير، الخبير في شؤون مراقبة التسلح لدى مؤسسة العلوم السياسية في برلين، بأمر مهم يتعلق برفع الحظر، فالعقوبات حسب قوله سوف ترفع تدريجيا عن إيران، وليس كما يتصور بعض رجال الأعمال الذين سارعوا بإبرام صفقات، والاتحاد الأوروبي لم يرفعها، وإنما أوقف تطبيقها، مثلما فعلت الولايات المتحدة. وحذر رجال الأعمال والمستثمرون الألمان، بأنه في حال اكتشف المجتمع الدولي انتهاكات خطيرة للاتفاق سوف يضطر إلى إعادة تفعيل العقوبات القديمة دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسية جديدة.

ما وراء الكواليس


لكن رغم كل ذلك فإن من يعلم بما يدور وراء الكواليس يدرك أن القرار السياسي في زمن الركود الاقتصادي لا أهمية له بالنسبة لبلد مثل ألمانيا تريد في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد العالمي مصاعب جمة الحفاظ على نموها الاقتصادي.
إذ قبل أشهر من توقيع الاتفاق الدولي حول الملف النووي وإعلان رفع العقوبات عن إيران في يوم السبت 16 من يناير (كانون الثاني) 2016 قامت شخصيات ألمانية رفيعة المستوى بزيارة طهران، منهم وزير الزراعة الاتحادي كريستيان شميت، حيث وقع مع نظيره الإيراني محمد حجتي، مذكرة تفاهم للتعاون الزراعي في مجال الأبحاث والتجارة الزراعية وتعليم الكوادر الإيرانية المتخصصة، واللافت أن أرضية هذه المذكرة كانت مهيأة قبل عامين. ويأمل الوزير الألماني في أن تفتح هذه المذكرة إمكانية التعاون أيضا في مجال الزراعة وإنتاج الأعشاب الطبية. ولقد تبع هذه الزيارة أكثر من عشرين زيارة لوفود اقتصادية وتجارية ومالية وصناعية ألمانية، بهدف تطوير العلاقات، حتى إن البعض أشار إلى مزايا عودة المياه إلى مجراها بين طهران وبرلين في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من الأزمات والنكسات، ومن انهيار أسعار النفط وتبعات شبه انهيار، لكن ولكي لا تظهر ألمانيا بأنها تهرول لكسب السوق الإيرانية، أكد وزير اقتصادها سيغمار غبريال بأن إيران تدرك جيدا أهمية الاقتصاد الألماني بالنسبة إليها.

تذمر قطاع الصناعة والتجارة الألماني


لكن ما لم يذكره الوزير أيضا حاجة الاقتصاد الألماني إلى أسواق جديدة، فمنذ فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إيران وقطاع التصدير في ألمانيا يعاني من التراجع في التعاملات معها، فبعد الفترة الذهبية التي شهدها عام 2004 وسجل يومها رقما قياسيا وصل إلى نحو 5.72 مليار دولار، بدأ مع فرض العقوبات بالتراجع الحاد، إلى أن وصل عام 2013 إلى أدنى حد، وهو 1.8 مليار يورو.
وحيال هذا التراجع بدأ قطاع التصدير وكبريات المصانع الألمانية بالتذمر من انعكاسات مواصلة الحظر المفروض على إيران، وظهر ذلك في نتيجة استقراء للرأي أجرته غرفة التجارة والصناعة الألمانية أواخر عام 2013، فقال ثلث رجال الأعمال الألمانية الذين لهم علاقة اقتصادية بإيران إنهم اضطروا إلى خفض تعاملاتهم معها حتى 50 في المائة، ويدخلون في الحسبان خسارة مستقبلية خطيرة.
والمشكلة الأخرى التي هزت قطاع الصادرات الألماني أن ضمانات هرمس التي توفرها الحكومة الألمانية للصادرات إلى الخارج ويشمل ذلك إيران تراجعت بحدة، ففي عام 2004 كانت نحو ثلاثة مليارات دولار، ومع فرض الحظر توقفت تماما، ومعظمها تغطية صفقات بيع منتجات إلكترونية ألمانية.
كما أدى الضغط الأميركي على القطاع المصرفي الأوروبي إلى إعادة كثير من المصارف الألمانية النظر في منح قروض تجارية للتصدير إلى إيران، خصوصا التي لها تعامل تجاري مع الولايات المتحدة وتريد الحفاظ عليها، مثل كومرس بنك الألماني (المصرف التجاري الألماني). وتفادى المصدرون الألمان التعامل مع مصرف صباح الإيراني بعد أن وضعه مجلس الأمن الدولي على لائحته، بحجة أنه يمول كل احتياجات إيران من المعدات العسكرية. مع ذلك طالبت يومها غرفة التجارة والصناعة الألمانية المصدرين الألمان بعدم قطع كل العلاقات مع إيران، لأن ذلك سيسبب خسائر فادحة للقطاع الصناعي الألماني، في الوقت نفسه أعربت عن شكها في التزام كل الشركات بقرار الحظر.

صفقات سرية


وهذا صحيح، ففي عام 2007 عقدت إيران صفقة سرية مع مصانع ألمانية بقيمة مليار يورو، من أجل صنع مائة ضاغط غاز، تبع ذلك إبرام صفقة بين «سيمنز» وشركة الغاز والتطور الإيرانية بالمليارات، لبناء عدد من التوربينات الضاغطة لشركة الغاز والتطور الإيرانية، تركت «سيمنز» أمر صناعتها لفروعها خارج ألمانيا.
هذه الصفقات السرية هي التي رفعت من حجم الصادرات الألمانية عام 2009 إلى نحو ثلاثة مليارات يورو، لكن هذه الأرقام تبقى سرا كما الصفقات، ولا تلحق بكشوفات الشركات الألمانية، وبررها يومها رجال أعمال ألمان بأنها إجراء شرعي لكي لا تتعرض الأعمال والمشاريع الألمانية في إيران للخطر، فكثير من البلدان مستعدة بسرعة لأن تحل محل ألمانيا.

التنافس بين فرنسا وألمانيا


بدورها تحاول اليوم مصانع السيارات الألمانية عدم ترك الساحة الإيرانية للفرنسيين الذين يريدون بناء مصنع في إيران تصل قدرته الإنتاجية إلى 200 ألف سيارة من طراز «بي إس آي بيجو سيتروين» سنويا، وتردد بأن الرئيس روحاني قد وقع بالأحرف الأولى خلال الزيارة للعاصمة الفرنسية قبل فترة وجيزة على عقد بين «بيجو» والشركة المصنعة «إيران خودرو». هذا الأمر حفز اقتصاديين ألمانا لزيادة رحلاتهم إلى إيران، فزار الشهر الماضي وزير الاقتصاد في ولاية سكسونيا السفلى برفقة وفد صناعي من مائة شخصية طهران، ولم يخف القول بأنه لا يريد الانتظار كي يوقع الفرنسيون والإيطاليون كل العقود وتكون ألمانيا في آخر اللائحة. وذكّر بأن الإيطاليين وقعوا خلال زيارة روحاني 17 عقدا من بينها بناء خط أنابيب للغاز طوله ألفي كيلومتر لشركة «سايبام» وهي تابعة لمجموعة «إيني» الإيطالية.

الشركات عامل ضغط على برلين


وبغض النظر عن المشكلات السياسية تعد إيران ثالث أكبر سوق لترويج المنتجات الألمانية، وعليه فهي من أهم المستوردين في الشرق الأوسط بعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لذا لا غرابة أن يوجد فيها أكثر من عشرة آلاف شركة وفرع للشركات الألمانية تحولت بعد تشديد العقوبات على إيران إلى عامل ضغط على الحكومة الألمانية، خصوصًا مع تزايد الأزمات العالمية، وبالأخص بعد فرض عقوبات على روسيا التي كانت سوقا مهمة للسلع الألمانية. ففي عام 2014 تراجعت الصادرات الألمانية إلى روسيا بنحو 17 في المائة والواردات بنحو 5.5 في المائة، ولم تنشط كثيرا في عام 2015، واقتربت من الـ2 في المائة للصادرات، و1 في المائة للواردات. فحجم التبادل التجاري بين البلدين كان عام 2012 أكثر من 80 مليار دولار، وبدأ في التراجع عام 2014 نحو 20 في المائة، وهذا الثغرة لم تسدها التبادلات التجارية مع بلدان مهمة مثل الصين والهند أحد أكبر الشركاء التجاريين. واليوم تأمل غرفة التجارة والصناعة الألمانية في رفع حجم الصادرات الألمانية إلى إيران أربعة أضعاف، ليصل إلى أربعة مليارات يورو خلال السنوات الأربع المقبلة.
والانفراج لم يلحق فقط قطاع الصادرات، بل المصارف الإيرانية في ألمانيا أيضا، وكان حجم تعاملاتها خلال الحظر الاقتصادي على إيران قد تراجع بشكل لافت، من هذه المصارف بنك صادرات (تأسس عام 1961)، وله فروع في فرانكفورت وميونيخ، جمد الاتحاد الأوروبي في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010 جميع أصوله وموارده الاقتصادية، ويتردد حاليا أن بإمكانه رفع دعوى قضائية ضد الاتحاد الأوروبي للحصول على تعويضات منه، لأن المحكمة العليا الأوروبية كانت قد أعلنت في الخامس من فبراير (شباط) عام 2013 بطلان العقوبات التي فرضت على بنك الصادرات، إلا أن الاتحاد الأوروبي رفض الالتزام به.
ومن البنوك الإيرانية في ألمانيا التي يتعدى رأسمالها المليار يورو بنك مليي إيران في هامبورغ، وسباه – إيران، والمصرف الإيراني الأوروبي، إلى جانب مؤسستين ماليتين للخدمات المالية والتحويلات المالية في كولونيا ودوسلدورف.

الجالية الإيرانية أغنى الجاليات الأجنبية


ما يميز الجالية الإيرانية عن بقية الجاليات في ألمانيا أنها تضم أكبر عدد من رجال الأعمال والتجار وأصحاب الأعمال الحرة مثل الأطباء والمهندسين. وللإيرانيين شبه سيطرة على سوق الذهب والألماس والكهرمان والفضة والعاديات، وبدأ بهذه التجارة الجيل الذي أتى إلى ألمانيا في خمسينات القرن الماضي وتمركزوا في مدن غنية مثل ميونيخ ودوسلدورف وفرانكفورت. كما يقرن السجاد العجمي والفارسي بالإيرانيين، فهناك أكثر من 400 متجر كبير، إضافة إلى تجارة الفراء والملابس والقطع الفنية واللوحات والمواد الغذائية، مثل الأرز البسمتي والتوابل والشاي والكافيار، وتوسعت أعماله للبيع أون لاين. ويمتلك رجال أعمال إيرانيون ستة فنادق فخمة وكثيرا من الفنادق العادية. وبرز في الآونة الأخيرة جيل شاب من الممثلين والمخرجين والمغنين والفنانين والمذيعين في محطات التلفزيون والإذاعة.
font change