الباحثة مروة كريدية تكشف ثالوث العنف العالمي وتجلياته

الباحثة مروة كريدية تكشف ثالوث العنف العالمي وتجلياته

[caption id="attachment_55253951" align="alignnone" width="955"]مروة كريدية مروة كريدية[/caption]

القاهرة: داليا عاصم

صدر حديثا عن دار العين للنشر بمصر كتاب «رهانات السلام: أسئلة العنف وآفاق الكون» للباحثة المتخصصة في علم الاجتماع السياسي، د. مروة كريدية، والذي تحاول من خلاله قراءة الأوضاع والأفكار والبنى المؤسسة للعنف والمولدة للإرهاب، ومحاولة تفكيك البنى الفكرية القائمة على «المنطق الأرسطي».
خرج الكتاب من قبل في طبعة باللغة الإنجليزية عن جامعة أبردين البريطانية، وهو يعالج إشكالية فلسفية تعد جوهر المشكلات، إذ إن الباحثة تعتبر أن السبب المنتج للعنف هو المنطق الكلاسيكي القائم على الفعل ورد الفعل، والثنائيات الضدية، وأن التخلص من العنف لا يكون بعنف مضاد؛ مستنتجة أن الحروب مهما «سمت أهدافها» لا يمكن أن تقضي على «الإرهاب»، وأن البشرية إن أرادت الخلاص فلا مفر من تغيير جذري في البناء المعرفي نفسه.

وتطرح كريدية في مقدمة كتابها تساؤلات حول الأزمات الشاملة التي تعيشها الإنسانية اليوم تحت ما أسمته «صناعة الخراب» في إشارة لانتشار الفوضى وتسارع وتيرة العنف والخراب في بقاع الأرض بسبب صراع الآيديولوجيات. وتضع أمام القارئ أسئلة عميقة تطال الوجود الإنساني، من بينها: هل صناعة الموت وليدة الحالة الثقافية في الآونة الراهنة؟ أم أنها صنيعة حالة فكرية أسهمت فيها العقول المفخخة التي اتخذت من المسلمات الآيديولوجية أداة لشرعنة القتل؟
تشير كريدية إلى أنه «حتى بعض المعارضات الليبرالية التي طالما تغنت بعلمانيتها نراها وقد تشرذمت تحت وطأة التفكك القومي والمذهبي. فالظلم المستفحل وقلة العدالة الاجتماعية وانعدام الاهتمام الدولي بالقيم الإنسانية دفع المزاج «الجماهيري» باتجاه الأصوليات فيما تعالت أصوات «المثقفين» و«المنظرين» و«المحللين» لتأصيل العنف وتأطير الخراب والتباكي على «المجازر».
وتنتقد كريدية عقم النقد في محاولة منها لتفكيك البنى الفكرية المرتكزة على «المنطق الكلاسيكي» المنبني على «الفيزياء الكلاسيكية»، من خلال استلهام أدوات فكرية مغايرة قد تجد ما يدعمها في الفيزياء الكوانتية، التي بمقدورها أن تقدم قراءة مغايرة لعلاقات الكائنات بالكون.
يناقش الكتاب الواقع في 220 صفحة، 8 محاور: يناقش المحور الأول منها «اللافلسفة ما بعد الكوانتية والمعلوماتية» في محاولة لتفنيد آثار الثورتين الفيزيائية «الكوانتية» والمعلوماتية على تطوير المعرفة. وتكشف أن تأثير التصورات الفيزيائية حول «الثنائيات الضدية» هيمن في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وخلصت إلى أن «مسلمة التناقض التي تبنى عليها الأفكار والتقسيمات المبنية على المنطق الخطي من شأنها أن تزج في أتون التناحر والتنافر الدائمين».

[caption id="attachment_55253800" align="alignright" width="210"]غلاف كتاب «رهانات السلام» غلاف كتاب «رهانات السلام»[/caption]

في المحور الثاني، تتجه كريدية إلى معالجة «مسألة النقد واستراتيجية التفكيك» ملقية باللوم على منتقدي الآيديولوجيات الذين يختزلونها في المحور البراغماتي، ويضعونها في خانة «المصالح». وتتطرق إلى مأزق النقد الفكري في العالم العربي الذي يتجلى في كونه مشحونا بالخلفيات والمواقف المسبقة والأحكام المتخذة سلفًا. وتشير إلى أن تسخير العالم العربي كل ما هو فكري لخدمة «السياسي» أدخله في أتون من العنف الدائم والمبرر، مستشهدة بسجالات «علماء الرأي» من أهل أصول الفقه وعلماء الحديث من التيار السلفي باعتبارها ما هي إلا صراع حول «المرجعية».
وفي مقاربة لمفهوم العنف، تتطرق كريدية في المحور الثالث من مؤلفها إلى «العنف الرمزي» الذي يتجسد في الخطاب السائد في مجال المعارف والمؤسسات العقابية، والممارسات العملية باسم القانون، وبالضغوط اليومية الممارسة على الشعوب وتدخلها المباشر حتى في الممارسات اليومية والمناهج التعليمية والعادات السائدة التي تكون الإنسان من خلال التربية و«التدجين» و«التطويع»، خاصة تربية الجسد ومتطلباته.
وتحت عنوان «الحقيقة وتجليات العنف» يقدم المحور الرابع قراءة في مفهوم الحقيقة وهواجس السلطة، في إشارة إلى تعثر الخطاب الديني المعاصر والسياسي لتجاوز الازدواجية المفاهيمية من خلال الإيمان بحرفية الدلالات. تقول المؤلفة: «إن فكرة (التجديد اللاهوتي) التي طرحها محمد أركون، في معظم أبحاثه من الأهمية بمكان إن أردنا تقدما فاعلا على مستوى الفكر البشري عامة، لتوحيد الفاعلية المعرفية في المجال الحاسم عن آثار المعنى، أي انفتاح العقائد على مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع مع التحضير لكي ندخل في حوارات خصبة حول عمليات اختزال الذات البشرية، وحلها، ونفيها، وتدميرها».

وعن صناعة الحروب باسم السلام، يناقش المحور الخامس «آلهة العصر وإمبراطوريات العنف»، العلاقات الدولية ودورها في تغذية العنف لافتة إلى غياب القيم الإنسانية في أي معادلة دولية.
وتكشف كريدية الستار عن مقولة «النظام العالمي الجديد»، مشيرة إلى أنها لا تعود إلى بوش الأب أو الصهاينة، وإنما تعود لتقرير «تحدي نحو الجنوب «Challenge to the south» الصادر عام 1990 الذي أعدته لجنة غير حكومية باسم «لجنة الجنوب» وتضم شخصيات بارزة علمية وأكاديمية وسياسية وثقافية من أبناء «دول العالم الثالث».
وترى المؤلفة أن الاتحادات الإقليمية التي نراها اليوم تعمل بالدرجة الأولى على تجمعات عسكرية وتحالفات هدفها الأول امتلاك وسائل احتكارية، بحيث تصبح كل دولة من الدول الكبرى عبارة عن زعيمة لمجموعة من دول صغيرة أخرى تابعة لها.

وتذهب المؤلفة إلى أن مفهوم «الأمن القومي» أكذوبة كبرى تقدم للشعوب للتضليل، «الساسة يتصرفون على أساس أن ما يعرف بالأمن القومي لا يتحقق إلا إذا جعلنا الأقوام الأخرى المحيطة تشعر بالخوف».
وتفند في المحور السادس «ثالوث العنف» إلى الدولة والاقتصاد والإعلام، وتتهم الفضائيات بتسويق ثقافة العنف وتكريس الذهنية الانفعالية وتسطيح البشر عبر الإعلام المؤدلج. كما تستعرض المؤلفة في المحور السابع «على خطى السلام»، عدة نماذج مضيئة، بالوقوف عند تجربة المهاتما غاندي ومفهوم اللاعنف «آهيمسا»، الذي يشير إلى تجلي المحبة في أشكال الحياة، مستعرضة بالتفصيل المنطلقات الأخلاقية والمثيولوجية لمفهوم اللاعنف عند غاندي، ثم تقدم مقارنة مع مفهوم اللاعنف عند المفكر السوري جودت سعيد.
وتخلص كريدية في طرحها لـ«رهانات الأمل» كمحور أخير لمؤلفها، أن الإنسان في حاجة لفكر مغاير لا ينطلق من مبدأ الفصل بين الكائن الإنساني والكون بوصفه الخارجي، بل ينطلق من فهم الكون؛ فهما داخليا بوصفه جزءا منا نحن البشر وفهم وجودنا من خلاله، ويطرح في الوقت نفسه تعددية تحل محل البعد الواحد للفكر الكلاسيكي.
font change