أسرار جديدة بعد مرور نصف قرن على ذبح الممرضات الثماني على يد السفاح سبيك

أسرار جديدة بعد مرور نصف قرن على ذبح الممرضات الثماني على يد السفاح سبيك

[caption id="attachment_55253787" align="alignnone" width="1291"]الضحايا الضحايا[/caption]

لندن: مينا الدروبي

بعد اكتشاف صندوق مليء بالصور في قبو منزله الغارق في المياه، دخل الدكتور جون سكمل إلى عالم أخته، نينا سكمل، المتلاشي، حيث كانت الصور باهتة اللون تخص نينا التي قتلت مع سبع من زميلاتها الممرضات في عام 1966 في الناحية الجنوبية من شيكاغو. فبعد عدة أيام من غرق قبو منزله، حصل سكمل أخيرا على الطاقة الكافية لكي ينزل الدرج ويفحص حجم الضرر. كانت نينا، هي أخته الصغيرة وواحدة من بين الممرضات الثماني اللاتي قتلن في شيكاغو في 14 يوليو (تموز)، 1966 على يد ريتشارد سبيك الذي أصبح شهيرا بعد ذلك.
فتح دكتور جون سكمل الصندوق الذي يحتوي على صور قديمة في قبو منزله الغارق في المياه وفتح معه طوفانا من الذكريات حول أخته وسبع من طالبات التمريض اللاتي قتلن قبل خمسين عاما في واحدة من أسوأ الجرائم في تاريخ شيكاغو.

[caption id="attachment_55253789" align="alignright" width="300"]القاتل -سفاح شيكاغو القاتل -سفاح شيكاغو[/caption]

وبالتنقل من صورة إلى أخرى، كان سكمل يتنقل داخل عالم أخته المتلاشي، عالم من الشعر المموج، ورشاشات مثبت الشعر، ومنافض السجائر، وأجهزة الآلة الكاتبة، والكتب المدرسية والفساتين الضيقة القصيرة والغرف الفوضوية التي كانت تضحك فيها الشابات وتتعانقن وتذاكرن وتتناولن طعامهن وتجذبن شعر بعضهن البعض.
فيقول سكمل إنه كان يعتقد أن فتح الصندوق سيعيد إليه ذكريات موتها، «ولكن ما حدث هو أنني تذكرت حياتها». وقد جعله ذلك يشعر بالسعادة لأنه جعله يتذكر كيف كانت أخته قبل أن يختطفها الموت.
خلال السنوات القليلة الماضية، كان سكمل، رجلا أشيب ودودا في الثامنة والسبعين من عمره، يبحث عن طريقة يكرم بها ذكرى أخته وصديقاتها على نحو يلقي الضوء ليس على الطريقة التي قتلن بها ولكن على نحو يركز عليهن ولا يركز على قاتلهن.

لقد جعلت الجريمة ريتشارك سبيك شهيرا، حيث كان محورا للكثير من الكتب والأفلام التسجيلية وعددا لانهائيا من المقالات بالإضافة إلى فيلم تم إنتاجه في عام 2007 أطلق عليه «مذبحة شيكاغو: ريتشارد سبيك» والتي كانت جميعها تعالج ما أطلق عليه جريمة القرن.
وفي الوقت نفسه، اقتصر دور النساء اللاتي قتلهن على دور الضحايا ونسي الجميع أسماءهن، عدا من كانوا يحبونهن ولا يستطيعون نسيانهن. ولم يتحدث الكثير من هؤلاء الأشخاص مطولا حول ما حدث حتى مع أقرب أفراد الأسرة. فالكثير من الأشخاص مثل سكمل، لديهم الكثير من الصور والمذكرات التي ربما لم يفتحوها أبدا.
عندما اقتربت الذكرى الخمسون لجريمة القتل، كان سكمل يرغب في أن تفتح جميع أسر الفتيات صناديق أسرار حيوات النساء التي انمحت أسماؤهن أمام اسم قاتلهن. وتلقي القصص التالية التي جاءت مصحوبة بصور سكمل وعدد من صور الفتيات الأخريات بالضوء على حياة هؤلاء الفتيات وكيف أثرت وفاتهن على حياة الأشخاص الذين ما زالوا يتذكرونهن.

نينكا سكمل


كانت نينا تبلغ 19 عاما عندما أخبرت أسرتها بأنها سوف تذهب لدراسة التمريض. وكان جون، الذي يكبرها بأربعة أعوام يدرس لكي يصبح طبيبا. ترعرع جون ونينا في مساحة كبيرة من الأرض على مقربة من ضاحية «ويتون» تعد كل ما تبقى من مزرعة أسرة سكمل.
وفي إحدى الصور التي وجدها أخوها في القبو، كان هناك شاب ينحني إلى جانب منزله يغسل جدرانه البيضاء ويبتسم للكاميرا. كان ذلك الشاب هو من تسعى نينا للزواج منه بعد التخرج.
خلال أول عامين لهن، كان يجب على طالبات التمريض أن يبقين في مسكن ملحق بالمستشفى فيما كن تستطعن المغادرة في السنة الثالثة والرابعة. وفي صيف شيكاغو الحار في عام 1965، انتقلت نينا وخمس فتيات أخريات إلى واحدة من البيوت الصغيرة التي استأجرتها المستشفى في شارع «إيست 100». كان بيتا صغيرا ولم يكن فاخرا: يحتوي على حمام واحد وثلاث غرف نوم بالطابق الثاني. وكان يحتوي على بعض الأسرة العادية وبعض الأسرة بدورين. وكان الدور الأول يحتوي على غرفة معيشة ومطبخ وحمام للضيوف. وعندما يتحدث جون سكمل عما حدث في تلك الليلة، يستخدم مفردات مثل «غضب»، «حنق»، «حزن». كما يستخدم كلمة «خسارة».
يا لها من خسارة ألا تتمكن نينا وصديقاتها من أن يمنحن العالم كل شيء كان بإمكانهن أن يمنحنه أو يستمتعن بمنحه.

باتريشيا آن ماتوسك


ذهبت باتريشيا ماتوسك إلى مستشفى «روزلاند» لكي تزور ابن عمها، تومي، كانت تحضر له المياه، وترتب وسائده، وتمسك بيديه وتخبره أنها تحبه. وعلى الرغم من أنها كانت تعود إلى منزلها في الكثير من تلك الأيام وهي تبكي، فإن زياراتها إلى تومي هي ما جعلتها تفكر في أن تصبح ممرضة.
كانت باتريشيا تبلغ عشرين عاما في مساء يوم الأربعاء الحار الموافق 13 يوليو 1966 عندما أوصلتها أرلين كوباسك إلى المنزل، مباشرة قبل آخر موعد مسموح فيه بدخول المنزل. كان لا يسمح للفتيات دخول المنزل بعد الساعة العاشرة والنصف فيما عدا يومين بالأسبوع كان يسمح فيه للفتيات بالبقاء بالخارج حتى الساعة الثانية عشرة والنصف.
في الصباح التالي، كانت والدة باتريشيا تشعر بالقلق، حيث أفادت الإذاعة بأن بعض الممرضات قد قتلن ولم تكن الشرطة قد قدمت معلومات كافية للإذاعة. وكانت تتساءل هل باتريشيا بخير؟
هرعت كوباسك إلى سيارتها وانطلقت باتجاه مسكن الممرضات. وكان رجال الشرطة وكاميرات التلفزيون في كل مكان وسمعت أحدهم وهو يتحدث عن «الجثث». كانت قد أدركت قبل أن يخبروها رسميا بأن باتريشيا قد ماتت.

باميلا لي ولكنينغ


قبل عدة أيام من وفاتها، اتصلت باميلا بوالدتها وأخبرتها أنها لن تستطيع أن تأتي لزيارتها هذا الأسبوع. حيث لم يعد هناك سوى أقل من شهر على موعد التخرج والامتحانات على الأبواب ومن ثم فهي بحاجة إلى البقاء بالمنزل لاستذكار الدروس. ولم تتحدث إلى أمها مرة أخرى.
وكانت باميلا هي أكثر الفتيات هدوءا في هذا المنزل وبخلاف الكثير من زملائها، لم تكن لديها صور وهي ترتدي زي القطة أو تضحك في المطبخ أو ترقص.
أطلعت مدرسة التمريض باميلا وزميلاتها على نطاق واسع من متع الحياة ومصاعبها، فعندما وصلن للعام الثالث، كن تساعدن في ولادة الأطفال ويعالجن الأطفال المرضى ويشاهدن الناس وهم يموتون.
يتذكر جاك ويلكنينغ، أخو باميلا، حياة أخته والفترة السابقة على وفاتها ولكنه لا يتذكر سوى أشياء قليلة عن ذلك الصيف الرهيب. فلسنوات طويلة، كان اسم باميلا وأسماء زميلاتها يحتل عناوين الأخبار مرتين أو ثلاثة في الأسبوع أو هذا ما يتذكره جاك ودائما ما كانت أسماء الفتيات تأتي مقترنة باسم القاتل.

سوزان بردجت فارس


عاشت أسرة فارس في حي هادئ تحيط به الأشجار يطلق عليه «فير إلمز». وكان أخوها، جون، قد التحق بالإكليريكية لكي يصبح قسا ثم غير رأيه وتزوج من فتاة شابة تدعى ماري كانت تسكن إلى جواره.
فيقول جون: «دائما ما تعتني الأخت الكبيرة بأخواتها الصغار وكنت دائما أشعر بأن هناك من يرعاني. هناك الكثير من الأشياء المخيفة في الحياة، ولكنني كنت دائما أجد من يؤانسني».
كانت سوزي هي ذلك النوع من الفتيات اللاتي يطلق عليهن الناس جميلات وتتمتعن بالحيوية والشعبية. كانت تحب الملابس، ونظرا لأن أسرتها لم تكن ثرية كانت تخيط ملابسها.
كانت آخر مرة يرى فيها جون فارس سوزي، وهي في الحادية والعشرين من عمرها بعدما عاد للتو من سباق للجري حصل فيه على ميدالية وكانت هي تستضيف خطيبها فيل.
كان فيل أخو إحدى زميلات سوزي وهي ماري آن جوردان التي كانت تعيش معهن في المنزل لفترة من الوقت ثم عادت للحياة في منزل أبويها. وكانت ماري آن في منزل آل جوردان ليلة 13 يوليو 1966 عندما مر فيل وسوزي عليها.
ولسنوات طويلة، وكلما جاء يوم 14 يوليو، كان جون فارس يشعر بالاكتئاب لمدة أسبوع قبله وأسبوع بعده.
وما زال يبحث عن الكلمات الملائمة التي يمكنه عبرها وصف أخته إلى أطفاله الثلاثة ورواية ما حدث لها.

فالنتينا باسيون


في مايو (أيار) 1966، ركبت فالنتينا باسيون طائرة متجهة من الفلبين إلى شيكاغو. وكانت تينا، كما تحب أسرتها أن تطلق عليها، قد تخرجت في العام السابق ضمن أفضل عشرة طلاب تمريض في فصلها بجامعة مانيلا المركزية. وتقول إحدى أخواتها لاحقا ربما كان التأخير يحمل إشارة بعدم رغبة الله في رحيلها.
وكانت تينا جزءا من موجة برامج تبادل الممرضات حيث جاء عدد من الممرضات الفلبينيات إلى الولايات المتحدة لكي يتعلمن أشياء جديدة ولتكوين صداقات والأهم من ذلك لكي تحصلن على فرص عمل.
وفي 13 يوليو 1966، كانت تنام في سريرها عندما بدأت الفوضى. حيث كان هناك رجل يحمل سلاحا في المنزل. وبعد ذلك مباشرة، كانت تينا، بالإضافة إلى ميرليتا وكورا (ممرضتان أخريان من برنامج تبادل الممرضات) يحتمين في دولاب غرفة صغيرة. وبعد عدة دقائق، سمعوا صوت فتاة تطلب منهن أن يخرجن من الدولاب قائلة: «إنه لن يؤذيكم». ففتحن الباب. ولم تنج من الواقعة سوى كورا. وفي الشهور الأخيرة، حاول جون سكمل دون أن يصادفه الحظ أن يجد أصدقاء وأقارب تينا وميرليتا على أمل أن يشاركن في إحياء الذكرى الخمسين للواقعة.

ميرليتا جارجالو


نشأت ميرليتا في جزيرة مندورو، التي تعج بالموز والأرز وجوز الهند. كانت ميرليتا تساعد في تريبة ثمانية من أشقائها الأصغر، وكانت تسبح في النهر، وكانت متفوقة في دراستها حتى تم إلحاقها ببرنامج التمريض بجامعة أورلانو بمدينة مانيلا.
وعندما عادت جثث الفتيات إلى مانيلا، كان هناك أكثر من 100 شخص – من الأقارب والأصدقاء - ينتظرون تحت المطر لكي يشاهدوا التوابيت وهي تخرج من الطائرة ويسيرون في جنازتها.

غلوريا جان ديفي


تتذكر لوري ديفي سيفك، اختها، غلوريا ديفي، وهي إحدى الممرضات الثماني اللاتي قتلن قبل خمسين عاما بشيكاغو. وبحسب تعبير لوري، كانت غلوريا طموحة، ومستقلة، وذكية وعنيدة ومتوازنة ومبدعة وكانت تغضب عندما لا يعجبها ما أقوم به.
وقبل أن يمر وقت طويل، كان منزل ديفي يعج بالناس وبالزهور، زهور كثيرة حتى إن رائحة الزهور كانت تصيب لوري بالغثيان. فتقول لوري: «لقد فقدناها. لم تعد نفس الشخص. لقد قتل هذا الرجل ثمانية أشخاص».
أيا ما كانت القوة التي أنقذتها، فقد تمكنت كورا من النجاة في تلك الليلة. وقالت كورا لصديقاتها بعد عدة أيام من الجريمة: «هل تتعجبون من أنني نجوت. لقد جئت من البلد التي تصنع سكاكين الفراشة؟ فلماذا تتعجبون؟».
جاءت كورا من مقاطعة باتانجاس بجنوب مانيلا التي تشتهر بوجود بركان بها بالإضافة إلى شواطئها وسكاكين الفراشة التي تصنعها وهي عبارة عن سكين يمكن طيه ووضعه في الجيب.
بدأ يوم الأربعاء، 13 يوليو كيوم عادي حيث أدت كورا دوامها المعتاد وركبت أتوبيس المستشفى وعادت إلى المنزل وتناولت وجبة خفيفة مع ميرليتا وتينا ثم غفت.
في الساعة العاشرة والنصف، ذهبت إلى سريرها في الدور العلوي، ونامت على السرير العلوي الذي تشاركه مع ميرليتا. بعد ذلك بنصف ساعة، سمعت أربع نقرات متتالية على باب الغرفة. وقالت كورا بعد ذلك إن تلك النقرات كانت أمرا معتادا. وعلى الباب، كان يقف رجل طويل غريب يمتلئ وجهه بالبثور ويحمل في يده مسدسا.
كان ريتشارد سبيك يتصف بأنه مضطرب، ويحب الوحدة وفاشلا في الدراسة ولديه مشكلات اجتماعية ومدمن خمور، ويميل إلى العنف رغم أنه ساحر. ولم يكن قد قابل النساء اللاتي ذهب لقتلهن من قبل. وعلى الرغم من أننا لم نعرف حتى الآن ما الذي دفعه لارتكاب تلك الجريمة، فإن ما فعله داخل المنزل أصبح معروفا نظرا لأن كورا تمكنت من الهروب عند لحظة ما واختبأت تحت الأسرة ثم انتقلت لتختبئ تحت آخر حتى خرج القاتل.

مستشفى جامعة جورج تاون


وعلى الرغم من وجود مخاوف من ألا تتمكن كورا، بحسب ما توقعه الأطباء، من الحديث حول الجريمة حيث يمكن أن يصيبها نوع من الاضطراب النفسي فإنها تحدثت بجرأة أثناء محاكمته. وعندما سئلت عما إذا كان بإمكانها أن تتعرف على القاتل، تقدمت إلى الأمام وأشارت إليه وهي تقول: «هذا هو الرجل».
ومنذ ذلك الوقت، فإنها نادرا ما كانت تتحدث إلى وسائل الإعلام رغم أنها تحدثت في إحدى جلسات الاستماع في عام 1970 ووصفت خوفها من الليل ومن البقاء وحيدة ومن سماع أي نقر على الباب.
ومع ذلك استطاعت كورا أن تعيش حياة تبدو إلى حد كبير طبيعية، فبعد المحاكمة، عادت كورا إلى الفلبين، وحصلت على عمل كممرضة وتم انتخابها في مجلس المدينة بموطنها سان لويس. وتزوجت من ألبرتو أتينزا الذي يعمل محاميا ثم انتقلا معا للحياة في الولايات المتحدة.
ولسنوات طويلة، كانت تعمل ممرضة بمستشفى جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة. والآن لدى كورا التي تبلغ 73 عاما ابنان والكثير من الأحفاد.

قد يكون من الصعب بالنسبة لمن لم يعش قبل نصف قرن أن يفهم كيف صدمت تلك الجريمة المدينة وكيف امتدت آثارها عبر الزمان والمكان. ففي 15 يوليو 1966، تصدر الخبر الصفحة الرئيسية لصحيفة «شيكاغو تريبيون» تحت عنوان «البحث عن القاتل».
وعلى الرغم من أن تلك المنازل التي تقع في شارع إيست 100 ما زالت موجودة ويقطن بها أناس كثيرون، فلم يعد يقطن بها ممرضات. كما أصبحت المستشفى الآن تحمل اسم «أدفوكيت ترينيت». وعندما سئل موظفان بالقنصلية الفلبينية بشيكاغو أخيرا عن الممرضات الفلبينيات لم يكن لديهما أي علم بهذه الجريمة على الإطلاق. على أية حال، فإن حياة هؤلاء الفتيات هي ما يرغب جون سكمل أن يعرفه الناس ويعتقد أن أمه كانت ترغب فيه أيضا.
font change