جدة: تشهد سوق تجزئة المشتقات النفطية دخول لاعبين اثنين من العيار الثقيل في تحالف متكافئ مؤلف من 50 في المائة/ 50 في المائة من أرامكو السعودية، وتوتال إنيرجيز الفرنسية. وقعت بين الطرفين اتفاقية عام 2019 لإطلاق علامتين تجاريتين جديدتين منفصلتين، لكنهما متضامنتان، في سوق محطات الوقود السعودية. وبالفعل افتتحت الشركتان، قبل أيام، محطتين في الرياض (وسط المملكة) وسيهات (شرقي المملكة) بحضور الرئيسين التنفيذيين للشركتين السعودية والفرنسية، أمين الناصر وباتريك بوياني، على التوالي.
التجربة جديدة على أرامكو السعودية، التي عرفت بنشاطات التنقيب والاستخراج والإنتاج والتصدير والتكرير وتجارة الجملة للمشتقات النفطية بيعاً واستيراداً، فيما تمتلك شركة توتال خبرة سابقة في قطاع التجزئة تفوق خبرة أرامكو، فهي تعمل في نحو 130 دولة حول العالم ولها باع طويل في سوق التجزئة، ولها محطات باسمها، وهي تعمل في السوق السعودية منذ سنوات طويلة في شراكات قائمة مع أرامكو السعودية مثل مصفاة ساتورب (2006). ويفسر هذا طبيعة الشراكة بين عملاقي النفط.
ماذا تريد أرامكو من الدخل على سوق تعمل به 10 آلاف محطة في المملكة؟ وما هو حجم دخولها؟ وهل ستؤثر على المحطات الصغيرة ومحطات الأحياء ذات الاستثمار الفردي؟ وماذا يعني الدخول بعلامة تجارية لمحطات وقود تحمل اسم أرامكو تراعي استخدام الطاقة المتجددة لتسيير بعض مرافقها؟ ولماذا يتميز المشروع بلمسة نسائية؟
واقع السوق
ينوي التحالف الفرنسي- السعودي افتتاح 370 محطة خلال الفترة المقبلة، تغطي معظم مناطق المملكة، ما يعني تكبير السوق بنسبة 3.7 في المائة، علماً بأن الأربعة الكبار في سوق محطات الوقود يسيطرون على نسبة 12 في المائة فقط من السوق، أي ما يعادل 1200 محطة من إجمالي 10 آلاف محطة، ما يعني أن السوق كبيرة بالحجم الكافي؛ لاستيعاب المزيد من اللاعبين في ظل وجود نمو سكاني قوي (35 مليون نسمة عام 2020) وازدياد نسبة امتلاك السيارات من قبل النساء ودخول مزيد من السيارات إلى البلاد.
فقد وصل حجم واردات السعودية من السيارات إلى 12 مليار دولار عام 2019 وحده بمعدل 628 ألف مركبة. كما أصدرت السعودية على مدار السنوات الماضية تشريعات إلزامية التنفيذ لرفع مستوى محطات الوقود من مجرد مضخات إلى مراكز خدمة متكاملة، تتضمن متاجر ومراكز صيانة ودورات مياه وغرف للصلاة. لذا، فإن المنافسة، ستنحصر في تقديم خدمات أفضل بقيمة تنافسية.
وفي مايو (أيار) الماضي، أقرت الهيئة العامة للمنافسة (تأسست عام 2004) عدم ممانعتها لصفقة استحواذ شركة أدنوك النفطية الإماراتية على 15 محطة وقود في المنطقة الشرقية، مملوكة لشركة مزايا الأولى السعودية؛ لتكون أدنوك المستثمر الأجنبي الأول الذي يدخل إلى سوق تجزئة المشتقات النفطية السعودية.
وعلى عكس الدول، التي يسيطر على أسواقها عدد محدود من الشركات، فإن السعودية تضم آلاف المدن والقرى ونحو ربع مليون كيلومتر من الطرقات، داخل المدن وخارجها، مما يصعب احتكار السوق، علماً بأن الهيئة العامة للمنافسة تبدأ احتساب مرحلة الخطر وتهديد المنافسة عندما تسيطر شركة واحدة على 40 في المائة من حجم السوق.
وبحسب عاملين في قطاع تجزئة المشتقات النفطية، يعد الاحتكار أمراً صعب المنال في قطاع تجزئة المشتقات النفطية السعودية.
ومهما خططت أي شركة للاستحواذ على حصة أكبر، فإنها لن تتمكن من الوصول إلى نسب تتجاوز 10 في المائة، فالاستثمار في القطاع يحتاج إلى الكثير من الوقت ودراسة المواقع بدقة. ويعتبر العمل في القطاع ذا ربحية معقولة على الأقل من ناحية سرعة دورة رأس المال وندرة المخاطر؛ نظراً لشدة حيوية هذه السلعة اليومية، أي البنزين والديزل.
وفي المحصلة، فإن الاستثمارات الفردية في محطات الأحياء أو الطرق السريعة، وكذلك استثمارات الشركات الصغيرة والمتوسطة، ستواصل بدورها النمو.
لمسة نسائية...وثقافية
ستتسلم نساء سعوديات مدربات وظائف إدارة المحطة على مستويات التنسيق اللوجستي ومتابعة سير المحطات وخدمة مرتادي المحطة، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها المرأة السعودية هذا القطاع. لن يعد الأمر مستغرباً، فقد تجاوزت البلاد هدفها بزيادة مستوى مساهمة المرأة في سوق العمل من 30 في المائة بنهاية عام 2030، إلى نحو 33.2 في المائة عام 2020. المهم هو تقديم خدمة تنافسية للعميل أكثر من طبيعة القطاع وشروط العمل فيه، فالتكيف سمة العصر الحالية، وبخصة في مجتمع يشكل الشباب نحو ثلثي سكانه
. ستتضمن المحطات التي تحمل علامة أرامكو سلسلة مقاهٍ بعلامة تجارية فرعية تسمى «في»، أما تلك التي نحمل علامة توتال إنيرجيز، فإنها ستحتضن سلسلة مقاهي «Bonjour»، العلامة التجارية الفرنسية.
إنها لمسة فرنكفونية في السعودية في ظل انفتاح السعودية المتزايد على الثقافات المختلفة، إذ تعد الفرنسية من أبرزها.
آفاق تطوير العلامة التجارية
يحمل التحالف السعودي- الفرنسي علامتين تجاريتين منفصلتين، لكنهما متعاضدتان، قيمة سوقية ومعنوية مرموقة، إذ لا يتوقع من عمالقة النفط إلا التميز في تقديم تجربة مميزة للمستهلكين.
ويمكن أن يتطور الأمر إلى تقديم الامتياز التجاري أو تصدير التجربة إلى دول الإقليم أو باقي أنحاء العالم.
لقد زاد في الآونة الأخيرة، استثمار السمعة المعنوية للعلامات التجارية، وهو مرادف التجربة الممتازة ورضا العميل المنتقلة من علامة تجارية رئيسية إلى علامة تجارية فرعية للشركة الأم، قائمة على تحالف أرامكو السعودية التي تقترب من عامها التسعين ووتوتال إنيرجيز الفرنسية التي ستطفئ شمعتها المائة بعد 3 أعوام.
يطرح المشروع فكرة أن تطوير منتجات العلامة التجارية الأم مثل أرامكو السعودية لمنتجات ذات علامات تجارية فرعية، عبر اقتحام مجالات جديدة، يساعد في توفير تجارب أفضل للمستهلكين مع اقتطاع حصة من سوق متنامية.
كما أن فكرة وجود شريك أجنبي فرنسي، يرفع الجاذبية الاستثمارية، ويؤهل لدخول المزيد من الشركات إلى القطاع باستثمارات وتجارب أفضل للمستهلكين. وقد تدخل أرامكو السعودية بشكل أكبر في زيوت وشحوم السيارات على نطاق التجزئة بشكل أكبر، وتبتكر المزيد من المنتجات القابلة للتسويق محلياً والتصدير عبر تعزيز سلسلة القيمة الصاعدة وتعزيز القيمة المضافة لمشتقات مادتها الخام موجودة لدى الشركة السعودية أصلاً.
الطاقة النظيفة
تستخدم محطات أرامكو الألواح الشمسية لتوفير الإضاءة الليلية. وهي تحاول خلق هجين من الطاقة في سبيل تعزيز كفاءة الطاقة وتقليل الأثر على البيئة. وهي مبادرة ذاتية جيدة، لكنها لا تمس المستهلك بشكل مباشر، فالقيمة هي الأساس.
لكن إدخال الاعتبار البيئي للمشاريع وتراكم التجربة، يمكنهما أن يساهما في الوصول إلى نموذج أعمال، يراعي استدامة البيئة، ولو كان العمل أصلاً في قطاع الهيدروكربون.
وربما يأتي يوم تفتتح فيه أرامكو نفسها محطات لشحن السيارات الكهربائية!