باريس: أصدرت الحكومة الفرنسية قبل أيام عدة قوانين جديدة تتعلق بالهجرة والمهاجرين، وقد قوبلت هذه القوانين بمعارضة شديدة من قبل الكثير من المهاجرين العرب من دول المغرب العربي الذين رأوا فيها تهديدا مباشرا لهم ولعائلاتهم، ومقدمة لطردهم وتضييق الإطار حول تحركاتهم وعملهم، حتى إن شابين جزائريين ترجما هذا الاحتجاج على شكل إضراب عن الطعام تحدثت عنه معظم الصحف وأجهزه الإعلام الفرنسية، فما هي قصه هذه القوانين الجديدة وهل تستهدف فعلا المهاجرين العرب دون غيرهم وما هو دور الأحزاب العنصرية الفرنسية فيها؟
في هذا التحقيق تجيب «المجلة» عن هذه الأسئلة..
تقول إحصائيات وزارة الداخلية الفرنسية إنه توجد في فرنسا نحو أربعة ملايين ونصف مليون شخص أجنبي، طبقا لعدد بطاقات الإقامة المعطاة من طرف محافظة باريس، ومعظمهم من العمال المهاجرين القادمين من عدة دول، أبرزها: البرتغال (900000)، والجزائر (850000)، إسبانيا وإيطاليا (500000) لكل منهما، المغرب (450000)، تونس (230000)، ترکیا (120000)، وأفريقيا السوداء (نحو 130000 شخص)، إضافة إلى بضع مئات الآلاف من التابعين للعديد من البلدان الأخرى، والفرنسيون لا يعتبرون مواطني إيطاليا وكذلك إسبانيا والبرتغال (منذ انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة في نهاية العام الماضي) عمالا أجانب كغيرهم، ليس فقط لأسباب نظامية مردها وجود السوق المشتركة، ولكن خصوصا لأن مواطني تلك البلدان الثلاثة يشاركون الفرنسيين في الأصل والدين والثقافة ولون البشرة والعيون والشعر، وهم يلبسون لباسهم ويأكلون أكلهم ويشربون شربهم ويعيشون حیاتهم، لذلك فإن الفرنسي العادي عندما يسير في ميادين الحياة العامة لا ينتبه إلى وجود هؤلاء الأجانب في بلاده بالرغم من أن عددهم يقارب المليوني شخص. من هنا أصبح المواطن الأجنبي هو فقط من يختلف عن الفرنسيين في المواصفات المذكورة، وباتت عبارة «العامل المهاجر» تطلق فقط على مواطني المغرب العربي، وعددهم نحو مليون ونصف المليون نسمة .
فالعامل العربي المهاجر هو الذي يعتبره الفرنسيون منافسا لهم في كسب لقمة العيش، كما يعتبره الكثير منهم «مصدر إزعاج» لراحتهم وسعادتهم و«خطرا» على «صفاء» مجتمعهم في خصوصياته واستمراريته في عالم ما انفك يتقارب ويتجانس ويضيق بأهله. ولذلك اتجهت الأنظار، إلى هذا العامل ذي الخصوصيات الكثيرة المختلفة التي تحول دون اندماجه في المجتمع الفرنسي الأوروبي الأبيض، فهو يتكلم لغة غير لاتينية الأصل، ويعيش على تقاليد إنسانية وثقافية ومعيشية تختلف في شكلها وجوهرها عن تقالید المجتمع الفرنسي، ويحرص على إظهار خصوصیاته ويقول إنه مجرد عابر سبيل، متغنيا بحب وطنه البعيد، عاقدا العزم على العودة إليه في نهاية المطاف.
جيلان مختلفان
لا بد من الاعتراف قبل كل شيء بحقيقة، وهي أن عرب فرنسا المهاجرين نوعان، أو بالأحرى جيلان، جيل الآباء وجيل الأبناء. فالآباء، وتزيد أعمارهم عن الأربعين سنة، جاءوا إلى فرنسا في وقت مبكر منذ مطلع الستينات غداة استقلال بلادهم، بعد أن رحلوا فرنسا عن الوطن المحتل وحققوا لبلدانهم الحرية والاستقلال. وهم جاءوا، أو جيء بهم، إلى فرنسا لأن الصناعات الفرنسية وقطاعي المقاولات والخدمات كانت في حاجة ماسة إلى سواعد قوة إضافية. تساعد أبناء البلاد على بناء نهضة اقتصادية، وتحقق النمو والازدهار وحياة الرخاء لهم. هذا الجيل الأول ويشرف اليوم على سن التقاعد. لم يكن مهيئا أصلا لتقبل الاندماج أو حتی مجرد النقاش فيه. لأنه أمر لا يهمه البتة وسبق له أن قاومه بقوة السلاح، ثم هو جيل عابر سبيل يعد سنين العودة إلى الوطن سنة بسنة، ويستعجل الزمن من أجل بلوغ سن التقاعد التي تطلق سراح يديه وعقله ومشاعره وتفتح أمامه باب العودة إلى أهله وذويه هنالك وراء البحر المتوسط.
أما الجيل الثاني فهو جيل الأبناء، دون سن الثلاثين، سواء الذين جاءوا منهم إلى فرنسا صغارا أو الذين ولدوا ونشأوا في فرنسا، ويطلق عليهم الفرنسيون اسم «البور»، وهي قلب للفظة «عربي» باللغة الفرنسية. هذا الجيل له مع فرنسا والفرنسيين شأن، لأنه أصبح صورة واضحة للتناقضات الاجتماعية ومثالا حيا للإنسان الذي لا هوية له بسبب تمزقه بين هويتين متضاربتين، فكما يقول المثل العربي «لا هو في العير ولا في النفير». هو جيل عربي بانتمائه ودينه وبيئته العائلية، وهو جيل فرنسي بلغته وثقافته وتفكيره وطموحاته ونظرته إلى الحياة، وهو في النهاية جيل فرنسي- عربي في مجتمع لا يقبل ازدواجية الهوية والانتماء.
عمليات تجنيس
القانون الفرنسي يقول: من ولد في فرنسا يصبح فرنسيا ببلوغه سن الرشد، ومن جاء إلى فرنسا صغيرا يصبح فرنسيا بالتجنس متی أراد ذلك. وباب الفرنسة مفتوح على مصراعيه في وقت تعاني فيه المجتمعات الغربية من تناقص الولادات مما سيجعل منها بعد ربع قرن أكبر خزان بشري للعجزة المتقاعدين.
والمشكلة التي تواجه فرنسا الآن أن جيل العرب الثاني، مع رغبته في البقاء في فرنسا- بعكس آبائه- يحرص على أن يظل محتفظا بخصوصياته الثقافية والدينية والعرقية، أملا منه في خلق فئة اجتماعية فرنسية مستقلة على غرار ما يحدث في أميركا- مثلا- وهذا ما لا يقبله الفرنسيون إطلاقا: الاندماج أو الرحيل.
وبقدر ما كان الاشتراكيون- طيلة حكمهم- فتحوا المجال أمام هذا الجيل العنيد الرافض لإعطائه فرصة الاختيار بين العديد من الخيارات المطروحة أمامه، وإيجاد صيغة تفاهم معه، بقدر ما ضيق عليه اليمين الحاكم الآن الخناق، واضعا أمامه خيارين اثنين لا ثالث لهما: الاندماج والانصهار كليا في المجتمع الفرنسي أو العودة إلى من حيث أتى ولم يأت.
ربما يكون من سوء حظ جيل المهاجرين الثاني ان الانتخابات الفرنسية الأخيرة التي مهدت إلى عودة اليمين إلى السلطة، قد أتاحت الفرصة أمام جان ماري لوبان زعيم الجبهة الوطنية- وهي حزب سياسي يميني متطرف حصل على نسبة 9 في المائة من أصوات الناخبين واحتل أربعة وثلاثين مقعدا في البرلمان الفرنسي- لكي يصبح أحد رجال السياسة الفرنسيين المؤثرين- ولو بشكل محدود- على هياكل السلطة وسن القوانين وبرمجة مستقبل البلاد، وهو السياسي المعروف بنوع من العداء المزمن للجالية العربية المهاجرة التي يرى فيها كل أسباب البلاء الذي يعاني منه المجتمع الفرنسي..
- البطالة سببها وجود مليوني عامل أجنبي في فرنسا ويكفي طردهم من البلاد لكي يجد المليونا عاطل فرنسي عن العمل مواطن شغل وفيرة.
- انعدام الأمن في المدن سببه وجود عشرات الآلاف من الشبان العرب المتسكعين العاطلين عن العمل والجاعلين- حسب زعم لوبان- من السرقة والنصب والاعتداء مصدر رزقهم الوحيد.
- عجز ميزان هيئة الضمان الاجتماعي سببه «إدمان»، المهاجرين على الطب والتطبيب والإقامة الطويلة في المستشفيات، مستغلين كثرة أعداد أفراد عائلاتهم ليجعلوا من منح الضمان الاجتماعي مصدر کسب مالي وفير.
- انتشار الممنوعات والأوبئة الاجتماعية التي يشجع عليها أيضا أبناء الجاليات المهاجرة والعربية منها بصفة خاصة.
ثم إن لوبان وجماعته يدعمون أقوالهم بأرقام کثيرة لا يدري أحد من أين أتوا بها. وبالرغم من أنها تبدو مغلوطة، ومرفوضة من طرف الهيئات الإحصائية الرسمية والخاصة، ومن طرف وسائل الإعلام والجمعيات الإنسانية المتعاطفة مع العمال المهاجرين، وحتى من طرف بعض رجال السياسة النزيهين. إلا أن هذه الأرقام الخاطئة الأفكار البسيطة والاستنتاجات المرتجلة التي يروج لها لوبان وأطراف يمينية أخرى من خارج الجبهة الوطنية، ما انفكت تجد آذانا صاغية في الأوساط الاجتماعية الفرنسية المتوسطة والدنيا، فالبسطاء من سواد الناس يتقبلون الأفكار البسيطة قبل غيرهم- أي تلك التي يصطاد فيها اليمين المتطرف الأصوات الناخبة التي تصلح له ويصلح لها ممثلا عنها وناطقا باسمها، وتلك ضريبة الديمقراطية التي تجعل العقلاء من رجال السياسة يقبلون- بحثا عن رضا جماعات الناخبين- بأبسط الأدلة والبراهين.
ولكن إذا كان جان ماري لوبان لا يستطيع الاشتراك في صنع القرار السياسي الرسمي في فرنسا، بسبب وجوده خارج الأكثرية البرلمانية الحاكمة، فإن الانتخابات الأخيرة وضعت مصير العرب المهاجرين بين يدي الثنائي باسكوا- باندرو الذي يحتل الأول منهما منصب وزير الداخلية، وثانيهما منصب وزير مساعد للشؤون الأمنية. والرجلان لا يشاركان فقط في صنع القرار، ولكن يسهران على تنفيذه أيضا وهذا هو المهم، فالقرار الذي لا ينفذ يظل حبرا على ورق، والسيد شارل باسكوا، من جزيرة كورسيکا الفرنسية، سياسي ديغولي قديم ومحنك يلعب دورا أساسيا إلى جانب السيد جاك شيراك في توجيه سياسة الحكومة. ومعروف عنه العناد وصلابة الموقف واللفظ اللاذع وصراحة قاسية غير معهودة من طرف رجال السياسة المحترفين، وقد جاء إلى منصب وزير الداخلية ولديه قناعات لا يقبل فيها نقاشا، وبات يضعها موضع التطبيق والتنفيذ متبعا في ذلك مبدأين: مبدأ «تنظيف» المجتمع الفرنسي من الشوائب الفاسدة العالقة به على حد تعبيره، ويعني بذلك السرقات وأعمال السطو التي يزعم أن للشباب العرب من جيل المهاجرين الثاني نصيبا كبيرا فيها.
أما المبدأ الثاني فهو مقاومة الإرهاب بنوعيه الداخلي والخارجي وقطع دابره، أو كما يقول هو: «يجب إرهاب الإرهابيين».
قوانين جديدة
ونظرا لكون القوانين الإدارية والجنائية الفرنسية المعمول بها حاليا لا تكفي لبلوغ الهدفين المنشودين، فقد أعد باسكوا ومساعدوه مشروع قانون جديدا نوقش في البرلمان وتبنته الأكثرية قبل أيام وأهم ميزات هذا القانون التشدد في معالجة القضايا ذات العلاقة بالأمن والهجرة والإسراع في تطبيق القرارات دون هوادة مع تقليل إمكانيات الاعتراض والاستئناف بسد الثغرات القانونية التي تسمح بذلك.
وهكذا، فإن تطبيق القانون الجديد يمكن رجال الأمن من إيقاف أي شخص في أي وقت وفي کل مكان دون مبرر والتثبت من هويته ووضعيته القانونية إذا كان أجنبيا مقيما، بينما لم يكن في السابق مسموحا لرجال الأمن إيقاف شخص ما إلا في حال الاشتباه فيه، والشك في أنه يعد لعمل من شأنه الإضرار بالأمن العام، شرط أن يتم ذلك تحت رقابة البوليس القضائي. ويقول باسكوا بأن تسهيل إجراءات الإيقاف والتفتيش وتبسيطها من شأنه ضبط الأمن وإلقاء القبض على المجرمين وبالتالي يستطيع الناس اتقاء شرهم وبعد التفتيش يأتي الإيقاف الذي كانت مدته القصوى 24 ساعة وصارت 48 ساعة وهذا يسمح للبوليس بجمع الأدلة الكافية لإدانة الموقوف وإحالته إلى التحقيق في حال ثبوت ارتكابه لجريمة أو جنحة ويأتي قرار الطرد في نهاية المطاف بالنسبة إلى الأجانب المقيمين في فرنسا بصفة غير قانونية أو المرتكبين لأعمال العنف والسطو والسرقة، ذلك أن فرنسا التي تعج سجونها بعشرات الآلاف من المحبوسين (47000 سجين) تود من الدول الأجنبية، وبالذات المغرب والجزائر وتونس، قبول مبدأ سجن رعاياها في سجونها بعد أن تكون المحاكم الفرنسية قد أدانتهم وحكمت عليهم، وتجري الآن اتصالات حثيثة على المستويين الأمني والقضائي بين السلطات الفرنسية والمغربية التي لا تبدو متشجعة لقبول هذا المبدأ. فالسجون هناك تعج أيضا بالمحبوسين وتتحمل فوق طاقاتها. والجديد في إجراءات الترحيل والطرد التي بدأت تنفذها السلطات الأمنية الفرنسية ضد الأجانب غير المرخص لهم بالإقامة في فرنسا وضد «الإرهابيين» الأجانب شيئان: التجاء وزارة الداخلية الفرنسية إلى قانون قديم يسمح للسلطات الأمنية بإبعاد أي شخص أجنبي بحجة الإعداد لعمل يهدد الأمن العام بدون الحاجة لتقديم الأدلة الكافية على ذلك ويتم استعمال هذا القانون الآن من طرف السلطات الفرنسية للتخلص من العناصر الأجنبية (مثل جماعات ثوار الباسك) الذين يشتبه فيهم الانتماء إلى منظمات إرهابية.
أما الشيء الثاني فهو التوكيل بأمور الإبعاد والطرد إلى السلطات الإدارية بعد أن كانا من اختصاص السلطات القضائية، والهدف من ذلك هو سرعة التنفيذ وقطع الطريق على المطرود للطعن في قرار إبعاده والاعتراض عليه وطلب الاستئناف. وهكذا فإن محافظ أية منطقة في فرنسا يستطيع اتخاذ قرار بطرد شخص أجنبي، بالرجوع إلى محضر جهاز الأمن، وتنفيذه بدون علم القضاء والرجوع إليه، وهذا الإجراء المقصود منه محاربة الإقامة غير المشروعة في فرنسا، يسمح من الآن فصاعدا بترحيل الآلاف من العمال المهاجرين والمغاربة منهم بصفة خاصة- ليس فقط عندما يرتكبون مخالفات قانونية ولكن حتى عند ضياع وثائق العمل والإقامة، أو بقائهم عاطلين عن العمل مدة طويلة، أو تغيبهم عن فرنسا أكثر من مدة ستة أشهر في السنة.
اخيرا، فإن السلطات الأمنية الفرنسية تعد بالتعاون مع السلطات القضائية، أنظمة جديدة بخصوص حق اللجوء السياسي، والحصول على الجنسية الفرنسية «والزواج الأبيض»، من الفرنسيات، بهدف تقليل فرص حصول الأجانب على الإقامة في فرنسا.
وهكذا فإن المولود في فرنسا لن يصبح فرنسيا بصفة آلية بمجرد بلوغه سن الرشد، وطلبات الحصول على حق اللجوء السياسي ستخضع لغربلة دقيقة، والإقامة مدة طويلة في فرنسا لن تمكن صاحبها من التمتع بالتسهيلات والامتيازات المعهودة وبذلك تكون فرنسا في النهاية للفرنسيين أولا، وللذين يحبونها من الأجانب ويقبلون بالاندماج والانصهار في مجتمعها وفي ثقافتها ثانيا. أما من عدا ذلك فلا مكان له فيها أبدا.
ويبدو أن كبار المسؤولين في الحكومة الفرنسية قد اقتسموا الأدوار في ما بينهم: فوزير الداخلية شارل باسكوا تولى، ومساعده لشؤون الأمن العام روبيو باندرو، دور الشدة والصرامة والضرب بيد من حديد على أيدي المخالفين والخارجين عن القانون. وآلبين شالندون، وزير العدل، تولى دور الحكم المهادن الذي يريد الخير لكل الناس ويسعى إلى توجيه القوانين الجديدة في الاتجاه الذي تريده السلطة ولكن بلباقة وبدون تهديد ووعيد.
أما جاك شيراك رئيس الحكومة فيتصرف أحيانا وكأن لا علم له بما يحدث إطلاقا، معتبرا أن القوانين والإجراءات الجديدة هي من اختصاص وزيري العدل والداخلية والأكثرية البرلمانية التي أرادت ذلك. وعندما يلح عليه بالسؤال فإنه يرد بما معناه أن سياسة حكومته الجديدة في صالح كل الناس، سواء الفرنسيين أو المهاجرين الذين يحبون فرنسا والمبعدين الذين يعصونها، مضيفا بأن دول المغرب العربي الثلاث مثلا موافقة على الإجراءات الجديدة بشأن رعاياها في فرنسا، وهو قول غير صحيح بطبيعة الحال لأنه متناقض مع التصريحات الصادرة عن عواصم تلك الدول.
وبينما يظل سيف ديموقلیس (باسکوا- باندرو) مرفوعا فوق رقاب مئات الآلاف من المهاجرين الأجانب الذين يجهلون مصيرهم، ترتفع أصوات المعارضين والمعترضين على هذه السياسة القاسية في أوساط المفكرين والقضاة والمحامين والإعلاميين والجمعيات الإنسانية ورجال الدين، حتى بعض المحافل العاملة في الخفاء أدلت بصوتها ووقعت عريضة احتجاج مشتركة مع ممثلي الكنيسة الكاثوليكية للتنديد بالإجراءات التعسفية ضد جماعات اللاجئين السياسيين والعمالة الأجنبية المهاجرة.
أما الاشتراكيون الذين مهدوا- بطريقة غير مباشرة ومن حيث لا يدرون- لهذه الإجراءات الصارمة بسبب تساهلهم مع الأجانب وإعطائهم امتيازات، أغضبت الأوساط الشعبية الفرنسية بفئاتها العنصرية مما جعلها تصوت لليمين في الانتخابات الأخيرة، فقد بدوا عاجزين هذه الأيام عن فعل شيء يمنع السلطة من تطبيق سياستها تجاه الأجانب، حتى زعيمهم في قصر الإليزيه الرئيس فرنسوا ميتران لا تخوله صلاحياته منع البرلمان من سن قوانين وقيام الحكومة بتطبيقها، لذالك فهو يحاول- انطلاقا من مبادئه المعروفة- زرع الأشواك أمام الحكومة اليمينية التي قبل بالتعايش معها برغم اختلافه مع طرقها وأهدافها. من ذلك- مثلا- أنه لا يتوانی في أن يعرب لشخص مهدد بالطرد عن تعاطفه معه ورغبته في مساعدته مهما كانت نتائج ذلك على المستوى السياسي: ولعل أكبر مثال على ذلك قيام الرئيس ميتران بدعوة شابين جزائريين مضربين عن الطعام احتجاجا على قوانين الهجرة الجديدة، إلى حضور الحفل الذي أقامه في قصر الإليزيه بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، ولما علم باسكوا وباندرو بوجود المضربين عن الطعام ضمن ضيوف الرئيس ميتران قاطعا الحفل الرئاسي احتجاجا على دعوة عربيين عاديين إلى قصر الإليزيه.