لماذا لا تنضم أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان إلى التحالف؟

لماذا لا تنضم أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان إلى التحالف؟

[caption id="attachment_55253625" align="aligncenter" width="620"]الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن التحالف الإسلامي بمؤتمر صحافي عقد بالرياض نهاية العام الماضي الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن التحالف الإسلامي بمؤتمر صحافي عقد بالرياض نهاية العام الماضي[/caption]



[blockquote]• هل يمكن أن تستعد الجمهوريات الإسلامية للخروج عن دائرة النفوذ الروسية لأجل مصالحها المتعلقة بالأمن القومي؟
• تكشف بيانات المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى «داعش» عن أن معظم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق تأثرت بالإرهاب
• تشهد منطقة أوراسيا الشيوعية السابقة صعود المطامع الروسية في تحدي الغرب الديمقراطي ومحاولة إقامة «دوائر النفوذ» على جوانب حدودها
• تمثل جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا ودول البلطيق أكبر تحد تواجهه مطامع بوتين بممارسة نفوذه على المناطق الممتدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي
• «معهد أميركان إنتربرايز»: أذربيجان تتحدى إيران وتعمل على مطاردة واعتقال إرهابيين وجواسيس تدعمهم طهران منذ أعوام
• أسفرت حرب الحكومة الطاجيكية على التيار الإسلامي عن اندفاع أعداد كبيرة من الشباب إلى سوريا للانضمام إلى «داعش»
• مؤسسة جيمس تاون: قد تصبح السيطرة على حقول الغاز في تركمانستان سببا مهما لزيادة التنظيمات المسلحة التابعة لطالبان و«داعش»[/blockquote]




فيلادلفيا : مايا أوتاراشفيلي*

في نهاية عام 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها سوف تقود تحالفا يضم دولا إسلامية لمحاربة الإرهاب. تشمل القائمة المثيرة للاهتمام 34 دولة من جميع القارات وتضم دولا أصغر نسبيا مثل جيبوتي وتوجو بالإضافة إلى بلدان أكثر قوة مثل تركيا ومصر والمغرب والسعودية ذاتها. بيد أنه بالنظر إلى القائمة نجد من الواضح أن هذا التحالف لا يضم أيا من الدول الإسلامية الشيوعية سابقا، والتي يقع أغلبها في بحر قزوين وآسيا الوسطى، شمالي إيران وأفغانستان.

لماذا لا تنضم أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان إلى التحالف؟ هل لأنها لا تعاني من مشكلة الإرهاب؟ هل لأن سكانها ليسوا مسلمين بما يكفي؟ أم لأنها لا تستطيع بالفعل إضافة قيمة إلى جهود التحالف في مكافحة الإرهاب؟ بالعودة إلى قائمة أعضاء التحالف، يتضح أن أيا من تلك العوامل، حتى وإن صحت، لا يمنع الدول الإسلامية السوفياتية سابقا من الانضمام إلى التحالف. تكشف بيانات المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى «داعش» عن أن معظم تلك البلدان تأثرت بالإرهاب، وخاصة بعد ظهور التنظيم. كذلك على عكس بعض أعضاء التحالف، تسكن هذه الدول غالبية مسلمة تصل إلى 90 في المائة على الأقل في مناطق كثيرة.
وفيما يتعلق بالقوة القتالية، ربما لا تكون أذربيجان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان أطرافا عسكرية قوية في المنطقة، ولكنها بالتأكيد تستطيع تقديم إسهامات كبيرة عسكرية وغيرها للتحالف. بالإضافة إلى ذلك، لا يقتصر أسلوب التحالف في مكافحة الإرهاب على خيارات التدخل العسكري فقط، بل يمتد إلى مكافحة الفكر المتطرف. وهكذا تصبح الإجابة على التساؤل عن سبب عدم انضمام هذه الدول إلى التحالف أقل عملية وأكثر صلة بالجانب الآيديولوجي، وهو ما يقودنا مباشرة إلى عاملين أساسيين: التطلعات العلمانية لبعض تلك الحكومات وروسيا.



لعبة روسيا الصفرية




تتعرض منطقة أوراسيا الشيوعية السابقة لاستقطاب حاد في الوقت الحالي. فهي تشهد صعود المطامع الروسية في تحدي الغرب الديمقراطي ومحاولة إقامة «دوائر النفوذ» الروسية على جوانب حدودها المادية. صرح الرئيس بوتين في عدة مناسبات بأن سقوط الاتحاد السوفياتي كان أكبر مأساة في القرن العشرين. ورغم مرور عقود على انهيار الاتحاد، فإن بوتين يعتقد أن روسيا لديها حقوق واقعية في أراض سوفياتية سابقا. كما ظهرت طموحاته بإعادة روسيا الإمبريالية أمام الجميع في عدة مناسبات. وهكذا تجد بلدان الاتحاد السوفياتي السابقة ذاتها في عالم صفري تتنافس فيه مصالح روسيا من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى. وأصبح الخيار أمام معظم الدول السوفياتية سابقا، الواقعة شرق وجنوب روسيا، واضحا: إما أن تكون مع روسيا أو مع الغرب. استطاع بوتين تقديم الاتحاد الجمركي الأوراسي كبديل للمنافع الاقتصادية التي تحققها عضوية الاتحاد الأوروبي لدول الاتحاد السوفياتي السابق المجاورة لروسيا. استغل بوتين الاتحاد الجمركي الأوراسي كوسيلة لممارسة نفوذه على دول مجاورة ضعيفة ولكنها ذات أهمية استراتيجية مثل أرمينيا، والتي أوشكت على إبرام اتفاق تعاون مع الاتحاد الأوروبي في عام 2013 عندما أُجبرت على الخروج منها والانضمام بدلا من ذلك إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي.
تمثل البلدان الواقعة غرب روسيا مثل جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا ودول البلطيق أكبر تحد تواجهه مطامع بوتين بممارسة نفوذه على المناطق الممتدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. تعطي الحرب في أوكرانيا مثالا جيدا على المدى الذي وصل إليه بوتين من أجل منع الغرب من «التسلل» بالقرب من حدود روسيا. تأتي جهود روسيا النشطة لزعزعة استقرار مولدوفا وجورجيا في إطار هذه الأجندة أيضا. ونجح بوتين في منع أرمينيا من إقامة علاقات وثيقة مع أوروبا، وكان النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على منطقة مرتفعات قرة باغ نقطة نفوذ أساسية امتلكها منذ أعوام وحتى الآن.



ولاء الدول الإسلامية السوفياتية




كانت مهمة كسب ولاء الدول الإسلامية السوفياتية سابقا أسهل بكثير على بوتين. من الناحية التاريخية، كانت كل من كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان تعتمد كثيرا على روسيا. كما أن مواقع تلك البلدان الجغرافية وأنظمتها الشمولية جعلتها بعيدة عن منال أوروبا ووضعتها داخل دائرة نفوذ روسيا. كان الأمر منطبقا على أذربيجان منذ فترة بعيدة، ولكنها وجدت مؤخرا طريقها إلى الاستقلال وبدأت ترسمه بذاتها محتفظة بتوجه ثابت بين روسيا والغرب من دون أن تسمح لأي منهما باتخاذ القرارات نيابة عن باكو.
ترى روسيا أنها تخوض «حربا باردة جديدة». ضد الغرب، وهي مثل الحرب الباردة القديمة: ذات محصلة صفرية في الجغرافيا السياسية. ومثل الحرب الباردة القديمة ينتهي الحال بالخلافات بين روسيا والغرب إلى الظهور في معارك بعيدة عن ديارهما، في أي منطقة من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ليس من المفاجئ أن تقرر روسيا التحالف مع أكبر أعداء دول الخليج في المنطقة: الأسد وإيران وحزب الله. كما أن علاقاتها مع تركيا، وهي حليف قوي لكثير من الدول الإسلامية السوفياتية سابقا، أصبحت شائكة. إذن ما هو موقف أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان ومشكلتهم مع الإرهاب؟ هل هناك إمكانية في أن تصبح تلك البلدان فاعلة في مكافحة الإرهاب وتنضم إلى تحالف إسلامي قوامه 34 دولة؟ هل يمكن أن تستعد للخروج عن دائرة النفوذ الروسية لأجل مصالحها المتعلقة بالأمن القومي؟ تقدم نماذج أذربيجان وتركمانستان وطاجيكستان رؤية مثيرة للاهتمام ردا على تلك التساؤلات.



أذربيجان و أولويات الأمن الوطني




في حين تسكن في أذربيجان أغلبية مسلمة، إلا أنها لا تعاني من التطرف. وهكذا يصبح التهديد الإرهابي القادم من «داعش» وأشباهه في مناطق شمال القوقاز في الشيشان وداغستان غير مباشر؛ فهذه التنظيمات تشكل تهديدا لما يمكن أن تتسبب فيه من زعزعة استقرار المنطقة وتعريض تجارة أذربيجان مع جيرانها وغيرهم في مجال الطاقة للخطر. لذلك من مصلحة أذربيجان مكافحة الإرهاب في المنطقة، ولكنها ليست تحت ضرورة ملحة مثل جيرانها من الاتحاد السوفياتي السابق طاجيكستان وتركمانستان.
تعاني أذربيجان من مشكلة إرهاب مختلفة قليلا، تتعلق بإيران. تحتل العلاقات الهشة بين إيران وأذربيجان دورا رئيسيا في أجندة الأمن القومي في أذربيجان. ووفقا لتقرير صادر عن «معهد أميركان إنتربرايز»: «من وجهة نظر طهران، يتحدى الجمع بين ماضي أذربيجان الإيراني الذي يرجع إلى القرن التاسع عشر، وتبني أذربيجان للعلمانية ونجاحها الاقتصادي النسبي، شرعية إيران». نتيجة لذلك تعمل أذربيجان على مطاردة واعتقال إرهابيين وجواسيس تدعمهم إيران منذ أعوام.



الحلفاء وأهمية استراتيجية




يمكن القول إن أذربيجان تملك أكبر فرصة للتعاون مع التحالف. فهي تفخر بهويتها واستقلالها كدولة نجحت في تحقيق توازن بين روسيا والغرب. تعد أذربيجان، الواقعة على بحر قزوين الثري بالنفط، شريكا استراتيجيا للغرب في مجالات الطاقة والتجارة والأمن، ولكنها استطاعت الاحتفاظ بعلاقات ودية مع روسيا أيضا. على سبيل المثال، قدمت أذربيجان على مدار سنوات «ملاذا آمنا في تجارة الطاقة» لجورجيا، حيث ساعدتها على الاستقلال في مجال الطاقة عن روسيا (وكانت العلاقات المضطربة بين جورجيا وروسيا قد أدت إلى حرمان الجورجيين من إمدادات الطاقة التي كانت تعتمد فيها على روسيا). استطاعت أذربيجان منح جورجيا استقلالها في مجال الطاقة من دون أي تبعات واضحة.
يتمثل تحالف تاريخي آخر مهم في العلاقات بين تركيا وباكو. يمكن القول إن هذا التحالف أقوى من علاقات باكو بروسيا. إن لتركيا تأثيرا عميقا على أذربيجان حيث يشمل جوانب لغوية وثقافية وسياسية وتجارية. وفي المجمل، يفخر الرئيس علييف باستقلال أذربيجان في وضع السياسات الخارجية، ويرى أنه حليف وثيق للغرب. إلى جانب ذلك، أحيانا ما تتعرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للانتقادات بسبب تساهلهم مع أذربيجان في حقوق الإنسان وقضايا أخرى تتعلق بالحكم، مع الإشارة إلى أنه عندما يصل الأمر إلى مصالح أميركا وأوروبا في أذربيجان، يبدو أن الجغرافيا السياسية تتفوق على الديمقراطية. بيد أنها مثل كثير من دول الجوار الأخرى، يعتمد اقتصادها بقوة على اقتصاد روسيا، لذا دفعت التأثيرات المضاعفة للأزمة الاقتصادية الروسية، بمصاحبة التداعيات السلبية لاعتماد أذربيجان على النفط بسبب انخفاض أسعاره، البلاد إلى ركود كبير وأزمة عملة خطيرة. وتعمل أذربيجان في الوقت الحالي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل الخروج من هذا الموقف العصيب. ومن ثم يصبح تعزيز علاقات أذربيجان مع الغرب أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ورغم أن أذربيجان دولة صغيرة ليس لها وجود عسكري كبير، فإنها إذا انضمت إلى التحالف سوف تثبت رؤيتها الموالية للغرب وتكسب بعض النقاط الرئيسية في العواصم الغربية، بينما يضيف التحالف عضوا استراتيجيا مهما إلى صفوفه ويكتسب نفوذا قريبا من مناطق شمال القوقاز وبحر قزوين وبالقرب من إيران.



طاجيكستان في حالة رفض




تبلغ نسبة المسلمين السنة 95 في المائة من تعداد سكان طاجيكستان، إلا أن الحكومة ترى ذاتها دولة علمانية. قد لا يستدعي الفصل بين المسجد والدولة إثارة الغضب، ولكن يتضح أن أكبر تهديدات للأمن القومي الطاجيكي لا تنبع بالفعل من حدودها الطويلة مع أفغانستان، بل من قرار الحكومة الطاجيكية بمحاربة انتشار «داعش» بإعلان الحرب على الإسلام في الداخل. أصبحت الحملة التي تشنها الحكومة ضد تأثير الإسلام على المجتمع الطاجيكي ممنهجة ووحشية حيث تضمنت فرض حظر على إطلاق اللحى وارتداء الحجاب بل وحتى تسمية الأشخاص بأسماء «عربية أكثر من اللازم».
في أثناء الأعوام الأولى من حكم الرئيس رحمن بلغت نسبة الأحزاب الإسلامية في حكومته 30 في المائة. ومنذ ذلك الحين، تم إبعاد هؤلاء السياسيين عن مناصبهم، وفي العام الماضي، أعلنت الحكومة الطاجيكية رسميا حزب المعارضة الوحيد المتبقي في طاجيكستان، حزب النهضة الإسلامي، جماعة إرهابية. من الواضح أن حكومة رحمن لم تتعلم من روسيا المجاورة – التي يمكن القول إنها مسؤولة بمفردها عن ظهور تنظيمات إرهابية متطرفة في الشيشان وداغستان جراء قمع الحركات الإسلامية هناك في أواخر التسعينات. أسفرت حرب الحكومة الطاجيكية على الإسلام بالفعل عن اندفاع أعداد كبيرة من الشباب إلى سوريا للانضمام إلى «داعش». كما أنها أشعلت التوترات في الداخل كما شهدنا في أحداث الإرهاب المحلي الوحشية التي وقعت مؤخرا.


z

تقيم طاجيكستان صلات تاريخية مع روسيا تتسم بالاعتمادية المشتركة، والتي تعمقت بفضل العلاقات العسكرية الوثيقة. تتمتع طاجيكستان، بالإضافة إلى روسيا البيضاء وكازاخستان وقيرغيزستان بعضوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفقا للمعاهدة التي وقعت في الأصل عام 1992. تحافظ الدول الأعضاء على أمنها على أساس جماعي. بالنسبة لـ«قوات التدخل السريع» في المعاهدة، التهديد الأمني الأساسي لطاجيكستان يأتي من غارات مسلحة محتملة من أفغانستان. في عام 2012، وقعّت روسيا وطاجيكستان مجموعة من مذكرات التفاهم بشأن مزيد من التعاون العسكري. في ذلك الوقت، بدا بوتين مهتما بالتوسع في الوجود العسكري الروسي قدر استطاعته. ونتيجة لذلك، أصبح لروسيا وجود عسكري كبير في طاجيكستان. القول إن الجهود العسكرية الروسية اليوم ممتدة بإفراط سيمثل استهانة بما يحدث في أوكرانيا وسوريا وكل مكان آخر تواجه فيه دول الاتحاد السوفياتي السابق مناطق انفصالية. ربما يكون هذا هو سبب تعديل روسيا مؤخرا لقاعدتها العسكرية في طاجيكستان، بإنشاء 40 لواء من 23 فرقة قائمة. ووفقا لآراء الخبراء، الهدف من تلك الإصلاحات هو تمكين القوات المسلحة من نشر أعداد كبيرة من الأفراد في فترة قصيرة. بيد أن آخرين يعتقدون أن ذلك قد يكون نتيجة لتقلص موارد روسيا العسكرية، على أي حال، نتيجة لذلك التعديل سيكون على روسيا تركيز عدد قوات أقل كثيرا في طاجيكستان.
يتجاوز اعتماد طاجيكستان على روسيا شؤون الأمن القومي. يعتمد الاقتصاد الطاجيكي المتعثر بقوة على تحويلات مغتربيها الذين يعملون في مهن تتعلق بالإنشاء في روسيا. سمح نظام التأشيرة المفتوحة بين البلدين في السابق بتعزيز هذا الاعتماد لدرجة أن 80 في المائة من التحويلات إلى طاجيكستان تأتي من روسيا. ولكن الأزمة الاقتصادية الروسية كان لها تداعيات مدمرة على الاقتصاد الطاجيكي. بالإضافة إلى ذلك أدخلت روسيا قوانين جديدة تتعلق بالهجرة، مما ضاعف من صعوبة عثور الشباب الطاجيكي على وظائف هناك.
ووفقا لبيانات صادرة عن البنك الدولي، تنخفض أعمار 55 في المائة من الطاجيك عن 25 عاما. وتمنعهم قوانين الهجرة الروسية المقيدة من البحث عن عمل هناك، حتى أصبح أمامهم خيار مغرٍ بالانضمام إلى «داعش» لأسباب مالية. وفي حين يبدو أن تنظيم داعش يكسب مزيدا من الفرص للدخول إلى الشعوب الناطقة بالروسية في منطقة أوراسيا، تظهر القيود على الحريات الدينية لشعب أغلبيته من الشباب كفكرة مفزعة. علاوة على ذلك، تقدم روسيا، شبكة الأمان الأخرى لطاجيكستان، عائدا متضائلا على الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية. يجعل هذا من طاجيكستان بؤرة إرهابية من المهم مراقبتها. ولكن حتى تقرر الحكومة الطاجيكية أن طاجيكستان دولة إسلامية حقيقية، لا يمكن أن تكون هناك استراتيجية مكافحة إرهاب معقولة، ولا يمكن أن تظهر احتمالية لانضمامها إلى تحالف لمكافحة الإرهاب يضم دولا إسلامية.



تركمانستان.. تهديدات خطيرة للأمن القومي




يمكن القول إن تركمانستان، من بين كل دول الاتحاد السوفياتي السابق التي تواجه بعضا من أكثر التهديدات الأمنية المتصلة بالإرهاب. تتسم الجغرافيا السياسية لتركمانستان بالتعقيد والتقلب، مثل أذربيجان. تطل حدود تركمانستان الشرقية على بحر قزوين الثري بالنفط، بينما تحدها جنوبا إيران وأفغانستان. وتقع كازاخستان وأوزباكستان في شمالها. يشار إلى أن تركمانستان تمتلك واحدا من أكبر مخزون الغاز الطبيعي، ولكن أغلبه يتعرض لفقر إنتاج بسبب قلة البنية التحتية ونقص الاستثمارات.
منعت الرقابة الصارمة التي تفرضها عشق آباد على وسائل الإعلام ذكر أخبار التمرد الإرهابي المحلي في عناوين الأخبار، بيد أن الحدود التركمانية الأفغانية، التي تمتد على طولها حقول غاز هائلة، تمثل مشكلة أمنية كبرى وبؤرة محتملة للهجمات الإرهابية. وبالفعل خرجت مؤخرا أنباء متكررة عن نشاط طالبان على الحدود التركمانية الأفغانية في الصحافة المحلية. صرح خبراء بأن قوات حماية الحدود التركمانية استطاعت عقد صفقات مع طالبان حتى يتمكن الطرفان من التعايش في سلام نسبي. وكما كتب بول غوبل في مقال صدر مؤخرا عن مؤسسة جيمس تاون، قد تصبح السيطرة على حقول الغاز في تركمانستان سببا مهما لزيادة التنظيمات المسلحة التابعة لكل من طالبان و«داعش». ولكن من غير المحتمل أن يوافق «داعش» على اتفاق «تعايش» مع القوات التركمانية، ومن المرجح أنه سوف يحاول فرض سيطرة كاملة على معظم موارد الطاقة في تركمانستان قدر الإمكان.



الإسلام في تركمانستان




يشكل المسلمون نحو 93 في المائة من سكان تركمانستان. وتقل أعمار 45 في المائة من السكان تقريبا عن 25 عاما. يستحق موضوع الإسلام في تركمانستان دراسة عميقة. ولكن إجمالا، يعد الإسلام التركماني التقليدي واحدا من «أكثر النماذج الإسلامية اعتدالا» في آسيا الوسطى. تقبل الحكومة التركمانية الإسلام ولكن في صور معينة معتدلة. يوضح تقرير غلوبال فويس 2015 أنه بعد أن نالت تركمانستان استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، لم يعد شعبها ممنوعا من ممارسة شعائر الإسلام. وتم افتتاح المساجد وأمرت الحكومة بتعليم المبادئ الإسلامية الأساسية في المدارس العامة. ألف صفر مراد نيازوف أول رئيس لتركمانستان كتابا بعنوان «روح نامة» يعتمد على الحكمة الشعبية وكان ضمن المناهج الدراسية إلى جانب القرآن. تم الترويج للكتاب بكثافة بصفته جزءا من تمجيد شخصية الرئيس السابق، حتى أنه في فترة ما، كان تعلم «روح نامة» شرطا للحصول على رخصة القيادة. وتم إلغاء الكتاب بعد ذلك من المناهج الدراسية.
في الأعوام الأخيرة، اتخذت الحكومة التركمانية خطوات كبرى لضمان اعتدال التوجه الإسلامي في تركمانستان. وبالفعل أوردت إذاعة أوروبا الحرة في عام 2013 أن الحريات الدينية التي يتمتع بها المسلمون التركمان مقيدة بوسائل غير رسمية. وفقا لإذاعة أوروبا الحرة، تسمح الحكومة للمؤسسات الدينية المسجلة لدى الدولة فقط باستيراد الإصدارات الدينية، وحتى تلك المؤسسات نادرا ما تستطيع الحصول على تصريح بجلب تلك المواد.
وفي حين تنأى تركمانستان بذاتها عن تركيا، تكشف عن ولائها تجاه روسيا، بيد أن الواقع الجغرافي السياسي للمنطقة يثبت أن التحالف الأوثق مع تركيا سيكون مهما من أجل أولويات تركمانستان في تصدير الغاز واستيراد السلع. تتطلع عشق آباد إلى تنويع صادراتها من الغاز بعيدا عن روسيا، ولا يبدو أن السوق الصينية تكفي. ويمكن أن تقدم تركيا، وخطوط الطاقة الممكنة مدها إلى شمال غربي تركمانستان أفضل فرص قابلة للتطبيق بالنسبة لصادرات الطاقة التركمانية. إضافة إلى ذلك، تقيم تركمانستان شراكة تجارية وثيقة مع إيران، إذ من المقرر أن يصل حجم التبادل التجاري الثنائي 60 مليار دولار في الأعوام العشرة المقبلة.
وكما هو الحال مع أذربيجان، سمحت ثروة تركمانستان من الطاقة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي لها بأن تحتفظ بنهج حيادي في السياسة الخارجية، حيث تنحاز إلى روسيا ولكنها ليست معتمدة عليها مثل طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان. ولكن اقتصاد تركمانستان يعاني بشدة أيضا، مثل أذربيجان، من تزامن أزمتي الانتكاسات الاقتصادية الروسية وانخفاض أسعار الطاقة. أكثر ما يستدعي القلق هو تصريح الخبراء بأن تركمانستان لا تستطيع الدفاع عن ذاتها عسكريا. ولا تملك روسيا وجودا عسكريا ملحوظا في تركمانستان، بينما يعاني جيش تركمانستان ذاته من الفساد واحتياج ملح للإصلاح. لذلك فإن محاولات الدولة الابتعاد بذاتها عن التحالف الإسلامي آيديولوجية تماما. ومع ذلك توضح الحقائق الراهنة في المنطقة أنه لا يوجد خيار فعال آخر بخلاف الانحياز إلى تركيا والسعودية وجهود تحالف مكافحة الإرهاب في سبيل التغلب على «داعش» وطالبان والأزمة الاقتصادية القريبة.


القوة في التحالفات الدولية




في المجمل، تختلف إمكانية سعي أذربيجان وطاجيكستان وتركمانستان إلى الانضمام إلى تحالفات دولية جديدة باسم الأمن القومي من دولة إلى أخرى. بالنسبة لأذربيجان، من المرجح جدا أن يقام تعاون مع تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب. أما تركمانستان، فهذا هو السبيل الوحيد الممكن للخروج من أزمة الأمن القومي التي تلوح في الأفق، ولكن يجب التغلب على أزمة هوية في الداخل قبل اتخاذ أي إجراءات كبرى جديدة تتعلق بالأمن القومي. تكشف الحقائق الواقعية أن التحالفات المحاربة للإرهاب يجب أن تتم عاجلا وليس آجلا. وفي حين قد تختار حكومات آسيا الوسطى الشمولية قمع إعلامها والحركات الدينية الداخلية، يستمر «داعش» في طريقه للدخول، وتبدأ علامات سقوط روسيا حليفة تلك البلدان التاريخية الأمنية في الظهور.

*باحثة مساعدة في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومنسقة برنامج مشروع التحولات الديمقراطية. فيلادلفيا.

font change