منسق «الفيدرالية البوسنية» السابق : لا تسويات مع إراقة الدماء

منسق «الفيدرالية البوسنية» السابق : لا تسويات مع إراقة الدماء

[caption id="attachment_55253574" align="aligncenter" width="620"]دانييل سروير دانييل سروير[/caption]


التقت «المجلة» دانييل سروير الذي يعد من بين كبار المحللين السياسيين في واشنطن الذين قرأوا العنف الدموي في الدول العربية من وجهة نظر مطلعة وغير تقليدية. كان سروير خلال سنوات حكم كلينتون، وفي أعقاب الحرب في البوسنة، يعمل كمبعوث أميركي خاص ومنسق «الفيدرالية البوسنية» التي قام من خلالها بالوساطة بين الكروات والمسلمين وساعد في المفاوضات التي أسفرت عن الاتفاق الأول الذي تم التوصل إليه في مباحث سلام «دايتون». ثم، وعلى مدار عقد من قيادته لـ«معهد السلام الأميركي»، تمكن من إدارة مساعي بناء السلام وإعادة الإعمار في العراق، وأفغانستان، والسودان. وحاليا، يعمل سروير كأستاذ ومدير «لبرنامج إدارة الصراع» في «كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة» وأكاديمي بـ«معهد الشرق الأوسط» وكمضيف بالموقع الشهير «بيسفير».

تبدأ ملاحظات سروير حول السياسة الخارجية الأميركية الحالية في العالم العربي بالحديث لـ «المجلة» عن اختلافه الحاد مع ترتيب الأولويات: «تتمحور معظم المناقشات الأميركية بشأن ما يجب عمله في الشرق الأوسط حول اتخاذ نوع ما من رد الفعل العسكري. وذلك على الرغم من أن التهديدات العسكرية والمتمثلة مثلا في داعش وجبهة النصرة لا تعكس أكثر من فشل الحوكمة، وبالتالي، يكمن التحدي الحقيقي في إعادة بناء الحوكمة في هذه البلدان وتحديث الحوكمة في بعض البلدان الأخرى التي لم يحدث لها انهيار تام بعد، حتى يصبح من الممكن توفير الخدمات التي يحتاجها الناس فعليا».

وتتعارض قناعة سروير بضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا أكبر في إعادة بناء البلدان العربية مع الميول الانعزالية الحالية للجمهور الأميركي: حيث ينظر للإخفاق الأميركي في إعادة إعمار العراق باعتباره دليلا قويا على أن الجماهير المحلية لم تعد ترغب في المزيد من التدخل الأميركي، ومن ثم فإن تلك الجهود محكوم عليها بالفشل. ولكن من وجهة نظر سروير، يعكس الحماس الذي أظهره الليبيون في البداية في عام 2012 تجاه المساعدات الأميركية في بناء الدولة رغبة بعض المجتمعات العربية في أن يلعب الأميركيون دورا بها. كما يرفض سروير الزعم بأن إعادة إعمار العراق كانت خطأ كاملا. فيقول: «على المستوى الإقليمي في بعض المناطق العراقية، كانت هناك بعض الجهود الناجحة لبناء حوكمة تلبي فعليا احتياجات الشعب، فقد ساعدت الجهود الأميركية في تشكيل المجالس الإقليمية العراقية وهو ما ساعد على استقرار مدن مثل البصرة والنجف، على سبيل المثال، واللتين ما زالتا مستقرتين نسبيا حتى الآن».
ولكن هذه المبادرات التي يتحدث عنها سروير تم تنفيذها إلى حد كبير كمشروعات تعاونية بين القوات العراقية والأميركية، ويقر سروير بأنه من المستبعد تكرار هذا السيناريو النادر. ومن جهة أخرى، يؤمن سروير بأنه في ظل تزايد التركيز العربي على مسألة إعادة الإعمار في المناطق التي مزقتها الحروب مثل اليمن وسوريا، على سبيل المثال، فقد تثبت الخبرات الأجنبية وخصوصا الأميركية أنها فاعلة. فيقول سروير: «يمكننا أن ندرب الناس – ربما خارج بلدانهم نظرا للوضع الأمني - ثم إعادة إرسالهم إلى بلادهم وإرشادهم عن بعد. ومن الضروري تعزيز إمكانات الدول العربية لكي تتمكن من أن تقوم بهذه الأشياء بنفسها، وذلك حيث إن أكثر المشكلات صعوبة في الشرق الأوسط هي عدم قدرة الجامعة العربية والكثير من الحكومات على دعم عمليات بناء السلام والحوكمة بأنفسهم».

ولكن هل يقدم الأميركيون حقا خبرات في إعادة الإعمار غير متاحة تماما في أي مكان آخر؟ عن هذا السؤال أجاب سروير: «لا أود أن أبدو شوفينيا تماما. ولكن على الرغم من أنه لا يوجد شيء في أميركا ليس موجودا في مكان آخر، فإننا لدينا فهم أعمق لما هو متعلق بإعادة الإعمار فيما بعد الحروب وخلال المراحل الانتقالية وهو ما لن تجده في الكثير من الدول الأخرى».
يعتقد سروير أن أهم التجارب الأميركية ذات الصلة بتلك القضية هي التدخلات الدولية التي قامت بها الولايات المتحدة بعد عام 1989 في أعقاب سقوط «الستار الحديدي». وفي إشارة إلى دراسة حديثة فحصت 20 دولة – بما في ذلك الدول التي رزحت تحت وطأة العنف وإراقة الدماء مثل كوسوفو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكمبوديا - يقول سيروير «على الرغم من أن هذه الدول ما زالت تعاني من الفساد وضعف الحوكمة والنزاعات الطائفية والعرقية، فإنها أفضل بكثير مما كانت عليه قبل هذه التدخلات».

ولكن هل تقترب المنطقة حتى من الظروف التي تمكنها من البدء بمشروعات إعادة الإعمار؟ يعتقد بعض الأميركيين، بما في ذلك أنصار إدارة أوباما، أن الصفقة الإيرانية النووية تتيح إمكانية التوصل إلى تسويات سلام في سوريا واليمن ويمكنها أن تفتح مجالا جديدا أمام المصالحة وبناء الدولة. ولكن سروير ليس متأكدا من هذا: «أعتقد أن الدلائل تشير حتى الآن إلى أن إيران في أعقاب الاتفاق، أصبحت أكثر قوة في دفع وكلائها العرب للقتال بضراوة أكبر». وفي الوقت نفسه، فإنه يصر على احتمالية وجود بعض الاختلافات الحقيقية بين الرئيس روحاني وقوات الحرس الثوري الإيرانية. فيقول: «لا أعني بذلك أن روحاني رجل طيب وأنه سينفذ كل ما نريده إذا ما كان في السلطة. ولكن على العكس تماما، فهو بلا شك سوف يستأنف بعض الأشياء التي يقوم بها الإيرانيون في المنطقة سواء كان في جانب الحرس الثوري أم لا. ولكن قد تكون هناك مشكلات أقل من تلك الموجودة حاليا».
وأضاف سروير، على أية حال ليس من الضروري أن ننتظر انتهاء الحروب بالوكالة حتى نبدأ عمليات إعادة الإعمار. فهذه هي الدروس المستفادة من المشروعات الملهمة التي تجري حاليا في المناطق المحررة من سوريا والتي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة. وأثنى سروير على دور جماعات مثل «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)» خاصة المساهمات المتميزة لنائب الأمين التنفيذي، عبد الله عبد الرزاق الدردري.

ووفقا للمنطق الذي يدافع عنه سروير، هناك سبب آخر لعدم انتظار انتهاء الحروب قبل بدء إعادة الإعمار وهو أن إراقة الدماء الجماعية ليس لها تأثير بسيط: «فسواء كنت مسلما، أو كاثوليكيا، أو مواطنا من كوسوفو أو من أي مكان آخر، فكلما تزايدت إراقة الدماء، كلما قلت احتمالية قبول الناس للتسويات».

font change