أشارت إلى وجود تغيير تكتيكي لتأمين بقاء نظام خامنئي .. وأوباما أخطأ في تنبؤاته

أشارت إلى وجود تغيير تكتيكي لتأمين بقاء نظام خامنئي .. وأوباما أخطأ في تنبؤاته

cover 333333   555


واشنطن: علي آلفونة*

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في حوار مع «الإذاعة الوطنية العامة» (إن بي آر) في 7 أبريل (نيسان) 2015: «أعتقد أن هناك متشددين داخل إيران يعتقدون أن الصواب هو معارضتنا، والسعي للقضاء على إسرائيل وإثارة الاضطرابات في أماكن مثل سوريا أو اليمن أو لبنان». ولكن في إطار دفاعه عن دبلوماسيته في إيران والصفقة النووية مع الجمهورية الإسلامية، أضاف الرئيس أوباما: «أعتقد أن هناك آخرين داخل إيران يعتقدون أن هذا سيأتي بنتائج عكسية. وربما إذا وقعنا هذه الصفقة النووية، نتمكن من تعزيز هذه القوى الأكثر اعتدالا في إيران».

بعد نحو عام من حوار الرئيس أوباما، لا توجد أي إشارة على أن الصفقة النووية تعمل على تعزيز «القوى الأكثر اعتدالا» في إيران، بل على العكس فحتى الآن يبدو أن هذه الصفقة عملت على تعزيز العناصر الأكثر راديكالية في إيران وشجعت الجمهورية الإسلامية على سلوكيات أكثر راديكالية؛ فأثناء الاستعداد لانتخابات البرلمان (مجلس الشورى الإسلامي) وانتخابات مجلس الخبراء؛ وهو عبارة عن هيئة مسؤولة عن تعيين خليفة آية الله علي خامنئي كمرشد أعلى، والمقرر إجراؤهما في 26 فبراير (شباط) الجاري. يعمل مجلس صيانة الدستور المسؤول عن مراقبة الانتخابات بشكل منهجي على استبعاد المرشحين الذين يعدون حلفاء سياسيين للرئيس حسن روحاني.

وأعربت الأحزاب الإصلاحية عن استيائها من أن 30 مرشحا فقط من بين 3000 مرشح للمجلس تمكنوا من الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور. وحتى قبل الانتخابات، من الواضح أن الرئيس روحاني سوف يواجه برلمانا شديد العداء سوف يهدد مجلس وزرائه بالتصويت بسحب الثقة.
ومن المرجح أن يأتي تشكيل مجلس الخبراء متوقعا تماما؛ وذلك حيث تشير التقارير إلى أنه حتى حجة الإسلام حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية والمقرب من روحاني تم استبعاده ولن يترشح للمنصب العام. وربما يتم السماح لعلي أكبر هاشمي رافسنجاني، أستاذ الرئيس روحاني، بالفوز بمقعد في المجلس، ولكنه من المرجح أن يجد نفسه محاطا بالأتباع الراديكاليين لآية الله خامنئي الذي يكره برغماتيته الشهيرة التي كان لها دور بارز في تحسين العلاقات الإيرانية العربية في التسعينات.



دعم نظام الأسد والحوثيين




وفي الوقت نفسه، يعزز الحرس الثوري الإيراني نشر قواته في سوريا. في الماضي، لم يكن هناك في سوريا سوى فيلق القدس وهو الجناح العسكري بالحرس الثوري والمسؤول عن العمليات الخارجية، ولكن، مؤخرا، تزايد إرسال القوات البرية التابعة للحرس الثوري إلى سوريا؛ وهو التطور الذي يمكنه أن يعمل على تغيير الحرس الثوري بمجمله وتحويله إلى نموذج ضخم من فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية.
ومن جهة أخرى، ما زال الحرس الثوري مستمرا في دعم حلفائه في اليمن، كما شن هجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد في الثاني من يناير (كانون الثاني). ومنذ أن أتت الهجمات على السفارات برد فعل عكسي؛ حيث قلل عدد من البلدان العربية من مستوى التمثيل الدبلوماسي في طهران، نأى قادة الحرس الثوري بأنفسهم عن الهجمات وزعموا أن «المخربين» و«العملاء الأجانب» كانوا مسؤولين عنها وإن كان اعتقال أعضاء بارزين بالحرس الثوري إثر تورطهم في المظاهرات يشير إلى عكس ذلك.
بالإضافة إلى إهانة الولايات المتحدة من خلال احتجاز البحارة الأميركيين في 12 يناير بعدما تم نشر مقطع فيديو للمحتجزين وهم راكعون وأيديهم معقودة خلف رؤوسهم، فكانت هذه هي المكافأة التي حصلت عليها الولايات المتحدة في مقابل إعادة النظام في طهران إلى المجتمع الدولي.

ومن الواضح أن خامنئي يوافق على إضعاف ما يعرف بالمعتدلين المفضلين للرئيس أوباما وتعزيز الراديكاليين؛ فأثناء خطابه الموجه للمسؤولين عن الانتخابات في 20 يناير، دافع المرشد الاعلى عن استبعاد المرشحين، مؤكدا: «لقد قلت من قبل، وأقول مرة أخرى: حتى من لا يساندون النظام يجب أن يشاركوا في الانتخابات ويصوتوا، ولكنني (لم أقل) إن من لا يساندون النظام يجب أن ينتخبوا في البرلمان». وبمعنى آخر، فهو يرغب في الحصول على الشرعية المستمدة من المشاركة الشعبية في الانتخابات ولكنه يمنع بفعالية المعارضة من الحصول على مقاعد في المجلس التشريعي.

وفي نفس الخطاب، نأى آية الله خامنئي بنفسه – وإن لم يكن بالحماس الكافي - عن الهجمات ضد البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران واقتحام مبنى السفارة البريطانية في 2011. فقد قال خامنئي: «إنه فعل سيئ.. ولم يعجبني ذلك. هذه الأشياء ليست مقبولة على الإطلاق كما أنها تضر بالإسلام وبالجميع»، ولكنه أثنى على «شباب إيران الثوري» وأدان استخدام مصطلح «راديكالي» عند الإشارة إلى المعتدين، وقال مطمئنا الجماهير: «إن مصطلح ثوري لا يعني أن تكون راديكاليا».
وبعد ذلك بعدة أيام، وفي 25 يناير، أثنى خامنئي على أفراد بحرية الحرس الثوري الذين احتجزوا البحارة الأميركيين. وعندما تحدث أحد رجال الحرس الثوري عن «خوف في عيون» الأميركيين المحتجزين، انفجر آية الله خامنئي قائلا: «يجب أن يخافوا! فنحن لدينا رب وهم ليس لديهم!». وفي إشارة مازحة نادرة، أشار آية الله إلى أحد قادة الحرس الثوري ذي لحية طويلة قائلا: «كانوا سيخافون أكثر إذا رأوك». وفي انتقاد مقنع لروحاني، حث خامنئي الحكومة على أن «تظهر يقظة مماثلة لتلك التي يظهرها الحرس الثوري عند التعامل مع محاولات الاختراق السياسي لإيران».



اخطاء اوباما




في المجمل، عززت الصفقة النووية الراديكاليين وأضعفت المعتدلين. ولكن تسأل مراكز أبحاث عدة في الولايات المتحدة ،كيف يمكن للرئيس أوباما أن يخطيء في تنبؤاته بالتطورات اللاحقة على الصفقة النووية في إيران إلى هذا الحد؟ وكيف تستأنف الجمهورية الإسلامية، التي قبلت الصفقة النووية في النهاية، أنشطتها بما في ذلك الهجمات واقتحام البعثات الدبلوماسية وهي الأفعال التي أدت في الماضي إلى عزلة إيران الدبلوماسية؟
والإجابة عن هذه الأسئلة بسيطة للغاية:

لقد استهان الرئيس أوباما بالطبيعة الثورية للنظام في طهران، وبالغ في تقدير مدى استعداد الدولة الإيرانية لتأمين بقائها. ومن جهة أخرى، يسعى خامنئي لتحقيق الأهداف المزدوجة والمتناقضة في بعض الأحيان لتأمين بقاء الدولة الإيرانية، فيما كان يعمل في الوقت نفسه على تأمين بقاء الثورة.

لقد قبل خامنئي تحت وطأة العقوبات الدولية فوز روحاني البرغماتي بالانتخابات الرئاسية في ظل هدف واضح وهو الوصول إلى حل تفاوضي للأزمة المتعلقة ببرنامج إيران النووي. ووفقا لتصريحات بعض المسؤولين في حكومة روحاني، لا تستطيع الدولة الإيرانية تحمل أكثر من ستة أشهر في سداد رواتب العاملين بها وأنها كانت على وشك الإفلاس. وكان يجب عمل شيء لضمان بقاء الدولة.
ومن وجهة نظر خامنئي، كان استعداد طهران للمشاركة في مفاوضات نووية هو نوع من «المرونة البطولية». وفي حديثه مع قادة الحرس الثوري في سبتمبر (أيلول) 2013، أوضح مرشد إيران أنه «على المصارع الذي يظهر المرونة في بعض الأوقات لأهداف تقنية، ألا ينسى خصومه». وبمعنى آخر فإن المفاوضات النووية والصفقة النووية الجاري العمل عليها يمثلان تغييرا تكتيكيا لتأمين بقاء الدولة بالنسبة لآية الله، ولكن المفاوضات لم تغير استراتيجيته الثورية الشاملة.
ومن الواضح أن خامنئي ينظر إلى البرغماتيين مثل روحاني ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، وباقي التكنوقراط الإيرانيين في مجلس الوزراء باعتبارهم قطع شطرنج ذات فائدة محدودة. فبمجرد أن تنتهي الصفقة النووية، وترفع العقوبات وتضع الجمهورية الإسلامية يدها على مبلغ 100 مليار دولار من الأصول المجمدة في الحسابات البنكية بالخارج، وتتجنب إشهار إفلاسها، لن يصبح آية الله خامنئي بحاجة إلى روحاني أو التكنوقراط.



الجمهور الإيراني




وبعدما ضمن بقاء الدولة، يحتاج الآن آية الله خامنئي أن يضمن بقاء الثورة؛ وهي الثورة التي لا يعتبرها حدثا تاريخيا من الماضي بل عملية مستمرة، كائن حي يجب تغذيته كل يوم أو «ثورة دائمة» تروتسكية.
وفي خطابه في 9 يناير إلى شعب مدينة قم أوضح المرشد الأعلى : «انظروا إلى الثورة الفرنسية التي كانت ثورة عظيمة ثم أسس نابليون في أقل من خمسة عشر عاما حكمه الملكي.. كما ذهبت الثورة الروسية في اتجاه آخر.. وثورتنا هي الثورة الوحيدة التي تمكنت من البقاء وكانت قادرة على الحفاظ على نفسها وقادرة على الصمود والفوز في الصراع ضد الأعداء».
يعد مفهوم «العدو» محوريا في خطاب خامنئي حيث يعمل الصراع ضد الأعداء الداخليين والخارجيين، الحقيقيين والمتخيلين على حد سواء، كمحرك للثورة الدائمة. وذلك حيث إن وجود الأعداء، الذي يجعل إيران في حالة طوارئ دائمة، لا يمنح فقط شرعية للقمع الذي يمارسه النظام على الحريات في إيران ولكنه يمنح أيضا شرعية لعمليات التطهير المستمرة للنخب السياسية في الجمهورية الإسلامية؛ وهي عمليات التطهير التي تعمل على تأمين انضباط الحزب ووحدته الآيديولوجية بين صفوف النخب. كما يمنح وجود الأعداء أيضا شرعية لقضاء النظام على نقاده ونعتهم بـ«الطابور الخامس» و«العملاء الأجانب».


[blockquote]
أثنى خامنئي على أفراد بحرية الحرس الثوري الذين احتجزوا البحارة الأميركيين وعندما تحدث أحد رجاله عن «خوف في عيون» الأميركيين المحتجزين، انفجر المرشد الاعلى قائلا: «يجب أن يخافوا فنحن لدينا رب وهم ليس لديهم»
[/blockquote]


وفي أعقاب الصفقة النووية، كان خامنئي قبل كل شيء قلقا لأن نظامه لم يعد لديه عدو، وأن الجمهور الإيراني يمكن أن ينظر للصفقة باعتبارها نهاية الثورة. ولذلك ضاعف المرشد الأعلى منذ ذلك الوقت جهوده لإحياء الثورة من خلال التحذير من خطر «اختراق العدو» لإيران، خاصة «اختراق» المجلس التشريعي ومجلس الخبراء. كما تم تبرير استبعاد المرشحين الإصلاحيين أيضا بالإشارة إلى خطر «اختراق الأعداء».
وزاد الحرس الثوري من أنشطته بالخارج، وإدارته للهجمات ضد البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران وإهانة البحارة الأميركيين في ظل هذا المنطق: تأمين الثورة الدائمة.

وكما أن الرئيس روحاني، والنخب التكنوقراط بالجمهورية الإسلامية والبيروقراطية الحكومية مكلفون بتأمين بقاء الدولة الإيرانية، فإن الحرس الثوري مكلف دستوريا بـ«حراسة الثورة وإنجازاتها». ويتضمن هذا تأمين استقرار الثورة المتمثل في شن الهجمات ضد البعثات البريطانية والسعودية في إيران في 2011، و2016 – والذي يزعم كل من خامنئي والحرس الثوري بمعارضتهما لهم.
كما أن آفاق دعم المعتدلين في الجمهورية الإسلامية ليست مبشرة. فقد وفرت الصفقة النووية لآية الله خامنئي والحرس الثوري العملة الأجنبية التي كانوا في أمس الحاجة إليها، وهو ما سوف يسمح ببقاء النظام في المستقبل القريب. وللأسف، فمن المرجح أن يفسر الراديكاليون تعاون إدارة أوباما باعتباره دلالة على ضعفه وهو ما سيقويهم على المشاركة في أفعال أكثر تحديا للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
ومرة أخرى، انتصر الراديكاليون في الصراع ضد البرغماتيين في السياسة الإيرانية وكما حدث من قبل، فإن خطأ واشنطن في حساباتها هو ما مهد طريق النصر أمامهم. ففي مواجهة عناد الجمهورية الإسلامية وراديكالية الحرس الثوري، لا يمكن أن تلقي واشنطن باللوم إلا على نفسها.

* على آلفونة: باحث إيراني وزميل بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن (إف دي دي).

font change