بيروت: حلّت الذكرى الثانية لانتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، على وقع خيبة أمل كبيرة للبنانيين الذين آمنوا حينها أن ما يحصل في الشوارع سيؤسس إلى لبنان دولة القانون والعدل والمحاسبة.
شعارات كبيرة رفعها «ثوار» تلك المرحلة، أبرزها إسقاط رموز الحكم، محاكمة الفاسدين وقف الهدر والفساد، إلاّ أنّ ما حصل بلبنان مختلف تماما، الشعارات تحوّلت من الشارع إلى منصات التواصل الاجتماعي، الفساد مستمر، والهدر باق، أمّا الرموز الحاكمة فلا تزال تتحكم بمفاصل الحكم أكثر مما سبق. حكومتان تمّ تشكيلهما بعد «ثورة» 17 تشرين، حيث طالب «الثوار» آنذاك بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، حكومة تكنوقراط أو حكومة أخصائيين خالية من المحاصصة السياسية، وتعمل على محاسبة الفاسدين، ولكن كل ما طالب به المعتصمون لم يلق آذانا صاغية، بل أنّ الحكومتين اللتين تمّ تشكيلهما هم جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية الحاكمة، التي رفضت غالبيتها تشكيل حكومة دون أخذ حصتها الكاملة، وأبرزهم رئيس الجمهورية الذي عطّل تشكيل حكومة لأكثر من عام بسبب إصراره على الحصول على الثلث المعطل.
إذا في الشكل عاش اللبنانيون أياما اعتقدوا فيها أنّهم سينتصرون على السلطة السياسية، وسيستطيعون فرض معادلة جديدة داخل الحكم، ولكن ممارسات بعض أركان هذه السلطة منذ 17 تشرين حتى اليوم يؤكد أن لبنان يحتاج إلى «معجزة» ليتخلص من بطشهم وفسادهم، وما حصل في الأيام الأخيرة يثبت أن بعض أحزاب لا يأبهون إلى لبنان وشعبه وثورته.
تعطيل الحكومة
إذا عشية الذكرى الثانية لانتفاضة اللبنانيين على واقعهم المرير، قرّر حزب الله أن يستعرض قوته العسكرية، ويعيد بذاكرة اللبنانيين إلى أيام الحرب الأهلية، حيث شهدت منطقة الطيونة في بيروت حربا لساعات قليلة، ولكنها كانت كافية لتزيد من احباط اللبنانيين، وأن أي أمل بالانفراج لن يكون قريبا.
حرب الشوارع واطلاق الرصاص على العزل في الطيونة، رافقه تعطيل في الحكومة التي ولدت مؤخرا حيث يهدد الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل بأنّهم لن يحضروا جلسات مجلس الوزرا طالما قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار مستمر في منصبه، كمحقق عدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت التي وقعت صيف 2020، والتي تسبب بقتل أكثر من 200 ضحية وجرح الآلاف وتدمير العاصمة.
لا تنحصر الأحداث الأمنية الدامية، التي شهدتها بيروت يوم الخميس الفائت، بالوقائع الداخلية فقط. أصبحت امتداداتها إقليمية ودولية.
فهناك تشدّدٌ أكبر باستمرار التحقيقات في تفجير المرفأ ودعم القاضي طارق البيطار، وفق مواقف واضحة أوروبياً وأميركياً. في المقابل، إصرار من قبل حزب الله على تنحية البيطار كشرط لإعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء. ولا يزال البحث عن مخرج داخلي للخروج من هذا المأزق. فرئيس الجهورية غير قادر على الموافقة على إقالة البيطار ولا رئيس الحكومة، لأن ذلك سيؤدي إلى توجيه ضربة قوية للحكومة والعهد معاً. الثنائي الشيعي أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رسالة واضحة، بعدم التنازل عن شرط إقالة البيطار لتفعيل عمل الحكومة. فيما لا بوادر تشير إلى القدرة على تلبية مطالب الثنائي.
وهذا ما أكّده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تصريح له أنّه لن يتدخل بعمل القضاء، وأضاف «لا يمكن لي أن أنقض التزاماتي. أبلغت الجميع أنني لن أتدخل في عمل القضاء، ولا في عمل المحقق العدلي طارق البيطار. وعلى القضاء أن يصلح نفسه بنفسه. وهناك قانون ودستور لا يمكن القفز فوقهما. والنزاع القائم القضاء هو القادر على حلّ مشكلته».
وهل يمكن لمجلس القضاء الأعلى أن يطلب من البيطار التنحي؟ يجيب ميقاتي أنه لا يمكن للمجلس الطلب من البيطار التنحي، وليس له الحق بذلك. المسألة تحتاج إلى وقت لإيجاد الحلّ.
إذا يبدو أنّ لعبة التعطيل عادة إلى الحياة السياسية من جديد عبر بوابة حكومة ميقاتي المفخخة بالأحزاب السياسية التي اعتادت أن تفرض شروطها بالتعطيل وقوة السلاح وفرض هيمنتها على السلطة السياسية ضاربين بعرض الحائط مصالح اللبنانيين وهواجسهم ومعاناتهم اليومية، وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي أكثر وأكثر.