أكد نائب رئيس الوزراء وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أن الحكومة العراقية بدأت عملية جذرية لإصلاح الاقتصاد عبر استخدام برنامج الورقة البيضاء، مشيرا إلى أن موازنة العام المقبل ستتضمن الخطوات الإصلاحية الرئيسية.
وقال علاوي في حوار مع «المجلة، أن «العراق لديه مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لدعم الإصلاحات التي نقوم بها، وقد نقترض منه 3-4 مليارات دولار»، مضيفا أن تغيير سعر صرف الدولار أمام الدينار له فوائد عديدة منها زيادة الطلبات الاستثمارية لإنشاء مشاريع صناعية بعد اندثار القطاع الصناعي نتيجة سعر صرف الدولار السابق الذي يدعم الاستيراد على حساب المنتج المحلي... وإلى تفاصيل الحوار:
* كيف واجهت الحكومة التحديات الاقتصادية والمالية في العراق بعد انتشار فيروس كورونا؟
- العراق مر بظروف استثنائية، خلال فترة انتشار فيروس كورونا، التي أدت إلى تقليل الطلب على النفط وانخفاض أسعاره، بالإضافة إلى أن الحكومة لديها التزامات أعطتها الحكومة السابقة خلال الاحتجاجات الشعبية في العام 2019، إذ بدأت هذه الحكومة دون وجود أي صمام مالي وفي خزينتها مليار دولار، خصوصا أن فيروس كورونا ساهم في زيادة البطالة وفقدان فرص العمل، إلا أن لدينا برنامجا متكاملا لإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وهو الورقة البيضاء.
بدأنا عملية جذرية عميقة لإصلاح الاقتصاد، وبدايته انطلقت من إصلاح الأداء الحكومي، إذ إنه دون تغيير دور الدولة في الاقتصاد وزيادة إنتاجية القطاع العام وتحسين أدائه، لا يمكن أن نخلق بيئة حاضنة للقطاع الخاص، من الممكن أن تعطي الحكومة إعفاءات وتحفيزا للقطاع الخاص، إلا أن القطاع العام غير قادر على التفاعل مع هذا الواقع مما يساهم في تشويه الإعفاءات والتحفيز الممنوح للقطاع الخاص.
قمنا في البداية بإصلاحات حقيقية في مفاصل وزارة المالية، مثل المصارف الحكومية والجمارك والضرائب، فبدون إصلاح وزارة المالية لا يمكن إصلاح الوزارات والدوائر الأخرى.
نحن نجحنا في وضع برنامج إصلاحي يمكن أن يستمر لسنوات طويلة، وعلى الحكومة المقبلة التي ستشكل بعد الانتخابات من الاستمرار فيه، لأن هدف الإصلاحات هو خلق توازن بين الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية.
* هل موازنة عام 2022 ستكون موازنة إصلاحية؟
- عقدنا أكثر من 20 اجتماعا للجنة الاستراتيجية لإعداد الموازنة، ورسمنا موازنة للعام 2022 وللسنوات الثلاث المقبلة، وستقدم إلى البرلمان المقبل الذي سيشكل بعد الانتخابات، وهي موازنة إصلاحية، وهدفها تغيير الاقتصاد نحو الأفضل، ولكن تتضمن أولوية رئيسية، تتمثل في تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى إصلاح القطاعات الأخرى، وتمويل المشاريع.
العراق من البلدان التي لا تنقصها الموارد، وإنما مشكلته في توزيعها وإداراتها السيئة، فأصبحت الموارد تهدر بسبب السياسات الخاطئة التي كانت تقر في السنوات السابقة، لذلك نحن أطلقنا موازنة نموذجية، تهدف إلى خلق قطاع خاص يستطيع إدارة متطلبات الاقتصاد الحديث ويسمح للقطاع الخاص بأخذ دوره الحقيقي.
* هل بدأت وزارة المالية بإصلاح القطاع المصرفي العام؟
- بدأت الوزارة بإصلاح مصرف الرافدين، الذي يشكل 80 في المائة من القطاع المصرفي العام، إذ قمنا بإعادة الهيكلة وتغيير النظام الداخلي وقطع صلة مجلس إدارة المصرف بوزارة المالية، لأن نصف أعضاء مجلس إدارة المصرف كانوا يخضون لرغبات مدير المصرف، لأنهم أعضاء في المجلس، وأدخلنا مفهوم الحوكمة، ولكن هذه العملية تحتاج إلى سنوات، بسبب تدريب الموظفين ودمج الفروع وإدخال النظام الرقمي، وجميع هذه الأمور تجري بالتنسيق مع البنك المركزي.
* لماذا حتى الآن لم يصدر قانون ضرائب جديد وإبعاد الضرائب المفروضة حاليا عن أهواء السياسيين؟
- أي تشريع في العراق يحتاج إلى وقت لإصداره، وربما قد لا يصدر، وليس لدينا أي خيار إلا جعل الإصلاحات الحكومية في قانون الموازنة المالية، وهذا القانون ملزم لعام واحد، وبعدها يتوقف، وهناك بعض القضايا الأساسية تتطلب تشريعات ونحن لا نستطيع التهرب منها، وهناك قضايا تحتاج إلى قرارات من مجلس الوزراء فقط.
نحن نعمل الآن على إعادة إصلاح النظام الضريبي في العراق، وعدم خلق ممانعة شعبية لأن ذلك قد يساهم في عدم تطبيقه، فالنظام الضريبي هو جزء من إصلاحات الورقة البيضاء، وبالتالي لا بد من وضع إعفاءات للمستثمرين لأنها جزء من سياسة التحفيز.
تركيزنا الحالي على أتمتة الضرائب ورفع مستوى الكفاءة لدى الموظفين في هذا الجانب وتقوية التحصيل الضريبي وهذا يتطلب من 3-5 سنوات لتنفيذه، خصوصا أن العراق من البلدان ذات النسبة المئوية الأقل في إيرادات الضرائب.
* هل سعر صرف الدولار الجديد خدم الاقتصاد؟
ـ سعر صرف الدولار أمام الدينار، يمثل الوجه الخارجي للاقتصاد، وسعر الصرف السابق، كانت له فوائد كبيرة إلى المستورد، وساهم في تراجع واختفاء قطاعات اقتصادية عديدة، لذا كان من المفترض إعادة النظر، لإنهاء تشويه الاقتصاد، إذ بعد تغيير سعر صرف الدولار، زادت طلبات على الرخص الاستثمارية الصناعية، وبدأ المستثمرون التعاطي بإيجابية مع تغييرات سعر الصرف الجديد، مما يساهم في خلق جو تنافسي.
خصصت وزارة المالية في موازنة العام الحالي، أرقاما كبيرة لدعم الشرائح التي تأثرت من سعر الصرف الجديد، خصوصا أن تغيير سعر الصرف واكبه تغيير في الأسعار العالمية مما ساهم في ارتفاع بعض السلع داخليا نتيجة ارتفاعها عالميا.
* لماذا العلاقة بين بغداد وأربيل ما زالت متوترة اقتصاديا؟
- إن موازنة العام الحالي، وضعت اتفاقا يتضمن تسليم إقليم كردستان 250 ألف برميل يوميا إلى بغداد بالإضافة إلى نصف وارادت الجمارك والرسوم، ولكن المشكلة أن الإقليم لم يلتزم بذلك، ولم يرسل لنا الأموال، إذ حسب المعطيات التي لدينا فإن 60 في المائة من استيرادات العراق تمر عبر المنافذ الشمالية، وهذا يجعلها غير خاضعة لنظام الضريبة الجمركية المنفذ في المنافذ الحكومية الأخرى في جنوب ووسط العراق.
* لماذا وزارة المالية قامت بإرسال الأموال إلى الإقليم؟
- وزارة المالية، كانت رافضة عند التصويت داخل مجلس الوزراء، لإرسال 200 مليار دينار (138 مليون دولار)، إلى إقليم كردستان، إذ صدر القرار باعتراضنا، إضافة إلى أن القرار كان يؤكد على ضرورة مساعدة الإقليم لأغراض إنسانية، وعندما نريد إرسال مبلغ آخر إلى الإقليم، فإننا بحاجة إلى قرار آخر من مجلس الوزراء لكي تنفذه وزارة المالية.
* هل سيقترض العراق من صندوق النقد الدولي؟
- بدأت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، منذ أواخر 2020، عندما كان وضعنا المالي بحاجة إلى دعم، ولكن اليوم وضعنا المالي تحسن بعد ارتفاع أسعار النفط والتأثير الإيجابي لارتفاع سعر صرف الدولار، فالعراق بحاجة اليوم إلى دعم سياسته الإصلاحية، خصوصا أن هناك برنامجا لدى صندوق النقد يتضمن ذلك، وقد نحصل على قرض يتراوح بين 3 - 4 مليارات دولار.
* لماذا لجأت حكومة الكاظمي إلى إبرام اتفاقات اقتصادية مع مصر والأردن؟
- سوقا مصر والأردن، من الأسواق المشابهة للسوق العراقية، ومع مرور الزمن قد تتحول إلى منطقة اقتصادية مهمة في السنوات المقبلة، وتنضم إليها الأسواق المشابهة الأخرى المتمثلة في سوريا ولبنان، لأن من الصعب ربط اقتصاد العراق مع تركيا وإيران ودول الخليج، بسبب عدم التكافؤ، لأن السوق العراقية نسبيا صغيرة.
* تتهم وزارة الكهرباء، دائما وزارة المالية بالوقوف وراء مشكلة الكهرباء، ما أسباب ذلك؟
- وزارة المالية، تصرف الأموال بعد تخصيصها من قبل وزارة التخطيط، وفي حالة عدم وجود أي تخصيص لا يمكن للوزارة صرف أي مبلغ، لذلك توجيه الاتهامات إلى المالية هي مسألة خاطئة، لأن وزارة الكهرباء تعاني من مشاكل كبيرة تبدأ من عقود الغاز لتشغيل المحطات وإنتاج المحطات بالإضافة إلى النقل والتوزيع والجباية، علما أن أكثر من 200 ألف شخص يعملون في الوزارة، وهذا يضيف عبئا كبيرا عليها.