بغداد: انتهت مرحلة الانتخابات التشريعية المبكرة بالعراق مع إعلان مفوضية الانتخابات النتائج الأولية بنسبة 96 في المائة، حيث شهد العراق الأحد الماضي خامس انتخابات تشريعية منذ عام 2003.
وجاءت نتائج الانتخابات متوقعة للعديد من المراقبين، وذلك على الرغم من خسارة كتل سياسية كُبرى حضورها في البرلمان العراقي، مقابل صعود كتل أخرى وتحقيقها نتائج لافتة.
وفجّرت نتائج الانتخابات التشريعية العراقية غضب القوى التابعة لإيران بعد تراجع تمثيلها في البرلمان بشكل كبير.
وتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 3 آلاف و200 مرشح يمثلون 21 تحالفا و109 أحزاب، إلى جانب مستقلين، للفوز بـ329 مقعدا في البرلمان.
نتائج الانتخابات
بحسب الموقع الرسمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، حصل التيار الصدري على الحصة الأكبر من مقاعد البرلمان بـ73 مقعدا، يليه في الصدارة تحالف تقدم الوطني برئاسة محمد الحلبوسي بـ38 مقعدا، ثم كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق بـ37 مقعدا، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ32 مقعدا، يليه تحالف الفتح برئاسة هادي العامري بـ14 مقعدا، وذلك وفقا للنتائج الأولية.
اللافت في النتائج الأولية للانتخابات أن التيار الصدري حصد المرتبة الأولى بفارق كبير عن الدورة البرلمانية السابقة التي نال فيها 54 مقعدا فقط، إضافة إلى تحالف «تقدم» الذي حقق تقدما كبيرا بـ38 مقعدا.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي إياد العنبر لـ«المجلة» إن «النتائج كشفت عن قدرة القانون الانتخابي الجديد على أن يكون مُعبراً عن الأحجام الحقيقية، وكذلك فإن النتائج عبرت عن معاقبة الجماهير للكثير من الكتل السياسية». وأضاف: «لا شك أن الكتل التي تمكنت من تحقيق الفوز اعتمدت على قدرتها على التنظيم وحجم المشاركة والاستقطاب للعناوين المستقلة، والنقطة الفاصلة في هذه الانتخابات هي الإقبال على بعض الشخصيات التي قدمت نفسها بعنوان مستقل. ولكن على المستوى العام يبدو أن هذه النتائج تعتبر كاشفة لإدارة الانتخابات، إذ حدثت بطريقة نزيهة وعادلة بالمقارنة بمستوى التلاعب في الانتخابات السابقة».
ومن ناحيته، رأى منسق عام شبكة شمس لمراقبة الانتخابات هوكر جتو في حديث لـ«المجلة» أن «نتائج الانتخابات عكست جزءا من إرادة الناخبين، لأن من شارك في هذه الانتخابات هو في الغالب من الجمهور الحزبي أو المنتمين للأحزاب السياسية».
وأضاف: «جزء من الأحزاب تعاطوا مع النظام الانتخابي بشكل أكثر احترافية من الآخرين، والنتائج يمكن أن تبين هذا الواقع، مع الإشارة إلى ضرورة الانتظار لحين البت في الطعون والشكاوى وحسم النتائج النهائية والتصديق عليها من قبل المحكمة الاتحادية».
نسبة مشاركة متدنية
وقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة تقدر بـ41 في المائة، ووفق هذه الأرقام فإن نسبة المقاطعة التي بلغت نحو 59 في المائة تجاوزت تلك التي سجلت عام 2018. كما سجلت العاصمة بغداد أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات، إذ لم تتجاوز 32 في المائة، بينما سجلت أعلى نسبة مشاركة في محافظة دهوك بإقليم كردستان وبلغت 54 في المائة. وجاءت محافظة صلاح الدين شمالي البلاد في المرتبة الثانية، بنسبة بلغت 48 في المائة.
* فجّرت نتائج الانتخابات التشريعية العراقية غضب القوى التابعة لإيران بعد تراجع تمثيلها في البرلمان بشكل كبير
ومن جانبها اعتبرت رئيسة بعثة المراقبة الأوروبية فيولا فون كرامون أن نسبة التصويت الضئيلة «إشارة سياسية واضحة، وليس لنا إلا أن نأمل بأن تلتفت النخبة السياسية إلى ذلك».
ويرى العنبر أن «نسبة المشاركة المتدنية كانت متوقعة جداً، لسببين، الأول أن القوى السياسية التقليدية لم تقدم خطابا جديدا قادرا على استقطاب الجمهور المتردد، بل خسرت جمهورها الذي كان يمكن أن يوفر لها فرصة للبقاء في السلطة، حيث قام بعقاب انتخابي لهم. والسبب الثاني أن هناك الكثير من المواطنين لم يجدوا عناوين جديدة تستحق الثقة ويمكن أن يذهبوا لانتخابها، وهذا بسبب عدم وجود قوى سياسية جديدة استطاعت استقطاب الجمهور من خلال الدعاية وتقديم مرشحين جدد قادرين على كسب ثقة الجمهور المتردد والذي يريد أن يغير».
ولا يبتعد رأي جتو عن رأي العنبر، حيث يرى أن «نسبة المشاركة المتدنية كانت متوقعة لأن العملية السياسية في العراق لم تُنتج ما يطمح إليه الناخب والمواطن العراقي، كما أن الأحزاب الكبيرة روجت إلى أنه سوف يكون هناك تكرار لما هو موجود، والبُعد الثالث هو أن من يمتلك الإمكانات الكبيرة هي أحزاب موجودة في السلطة وبسبب النظام الانتخابي الجديد والدوائر المتعددة كانوا متخوفين من نتائج هذه الانتخابات، لذا عملوا على تشجيع أعضائهم في المشاركة في الانتخابات في حين أنهم لم يشجعوا المواطنين على هذه المشاركة».
الطعون في النتائج
وقبل صدور النتائج النهائية للانتخابات، أعنلت العديد من القوى السياسية نيّتها تقديم الطعون. وفي هذا الصدد، قال القاضي جليل عدنان خلف رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق إن قانون الانتخابات يتيح للكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات النيابية تقديم الطعون على النتائج الأولية للانتخابات خلال 3 أيام تبدأ من اليوم التالي لنشر تلك النتائج.
وأوضح أن المفوضية العليا للانتخابات ستتولى الإجابة على الطعون المقدمة إليها أو إلى الهيئة القضائية للانتخابات خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ ورود الطلب.
ومن ناحيتها، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات العراقية أنها لم تجد «تلاعباً أو خروقات» خلال العملية، لكنها رصدت محاولة عناصر مسلحة خارج سلطة الدولة تخويف المرشحين. وقالت رئيسة البعثة فيولا فون كرامون، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إن «الانتخابات تمت إدارتها بشكل جيد، ولا يوجد تلاعب أو خروقات بها». وأضافت أن «البعثة رصدت إقبالاً منخفضاً من الناخبين، وهذا يتلاءم مع نسبة المشاركة البالغة 41 في المائة»، مشيرة إلى أن «حرية التعبير تم احترامها خلال الانتخابات»، فـ«العراقيون كانوا قادرين على الانتخاب بشكل حر وسط إجراءات انتخابية جرت بشكل سليم بنسبة 95 في المائة حسب المراقبين». لكن كرامون لفتت إلى أن «بعض العناصر المسلحة خارج سلطة الدولة حاولت تخويف المرشحين وترهيبهم خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً المرشحين من النساء، وهذا أثر بشكل سلبي على التنافس الانتخابي».
* العنبر: النتائج كشفت عن قدرة القانون الانتخابي الجديد على أن يكون مُعبراً عن الأحجام الحقيقية
ويرى جتو أنه «حتى لو كان هناك الكثير من المشاكل التي واجهت المفوضية من تعطيل الأجهزة وعدم السماح للمراقبين وقضية التصويت الجماعي، فإن كل ذلك لم يغير فيما يتعلق بيوم الانتخاب، ولكن هناك مشكلتين رئيسيتين تسبق يوم الانتخاب، الأول هي أن المشرع العراقي قسم 83 دائرة انتخابية مثل كعكة تم تقسيمها بين القوى السياسية الفاعلة، والنتائج بشكل أو بآخر ظهرت لصالحهم».
وأضاف: «المشكلة الثانية هي مسألة شراء الأصوات واستخدام المال السياسي للتأثير على النتائج وذلك على الرغم من جهود مفوضية الانتخابات والأجهزة الامنية والاستخبارية. وهناك العديد من الحالات التي كانت تحتاج لعمل أكثر صرامة لأن حجم الإنفاق غير مقنن في العراق وكذلك فإن عملية وصول الأموال وصرفها غير مراقبة أيضاً، وهذا واحد من المشاكل التي واجهت العملية الانتخابية».
ومن جانبه، قال العنبر: «كل هذه الطعون هي طعون لخلط الأوراق وليست طعونا قادرة على إثباتها بطريقة قانونية، وهذه المرة أثبتت مفوضية الانتخابات قدرتها على منع التزوير بطريقة محترفة. وذلك من خلال السيطرة على التصويت الخاص ومنع تصويت الخارج الذي كان يستفيد منه العديد من الكتل السياسية».
* نسبة المشاركة في الانتخابات تقدر بـ41 في المائة
وتابع: «كما أن التصويت بطريقة إلكترونية تمت إدارته بطريقة منظمة لا تقبل الخطأ، وبالتالي فإن قضايا التزوير لم تحدث. وكل المراقبون التابعون للكيانات السياسية على اطلاع على النتائج وجمهورهم الفعلي الذي صوت لهم. والمشكلة أن لدينا قوى سياسية طعنت مسبقاً في الانتخابات، في حين أنها تحدثت عن أنها ستكون في صدارة الفائزين، وعندما حدث العكس عملت على عدم التسليم بالخسارة. وبالتالي تريد خلط الأوراق لكي لا تعترف بهزيمتها والتشكيك في هذه العملية الانتخابية والتبرير لجمهورها أنها ليست خاسرة وإنما هناك من عمل على خسارتها هذه المقاعد».
وحول تشكيل الحكومة المرتقبة وقدرتها على محاربة الفساد، قال العنبر: «يجب أن نتفق على أن كل الكتل السياسية متورطة في الفساد في العراق والاختلاف في الدرجة وليس في نوعية الفساد، ومحاربة هذا الفساد تنقصها الإرادة السياسية والموقف السياسي الذي يكون حازما».
* جتو: القوى الأساسية تتحدث عن نظام جديد بحيث يتم التخلي عن الديمقراطية التوافقية والذهاب الى نظام أغلبية وأقلية
أما جتو فيرى أنه «يجب أن ننتظر كيف سيكون المشهد لأن القوى الأساسية تتحدث عن نظام جديد بحيث يتم التخلي عن الديمقراطية التوافقية والذهاب إلى نظام أغلبية وأقلية. ووجود هذا النظام يؤدي لتوفير أكثر الخدمات. ولكن العراق توجد فيه معادلة معقدة وليس بالسهل الوصول إلى هذا الأمر».