بيروت: يوم التاسع عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) سمى الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وقوى الثامن من مارس (آذار) الأستاذ في الجامعة الأميركية حسان دياب لتشكيل الحكومة الجديدة بعد نيله 69 صوتا من أصل 128 صوتا في الاستشارات النيابية الملزمة التي أجريت بعد استقالة حكومة سعد الحريري تحت ضغط ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، يومها أعلن دياب أنه شخص مستقل وسيعمل على تشكيل حكومة مصغرة من التكنوقراط تعبر عن الانتفاضة الشعبية.
لكن هذا الطرح رفض وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم العاشر من يناير (كانون الثاني) 2020 أن لبنان دخل مرحلة اقتصادية حرجة وأنه يفضل تشكيل حكومة جامعة تضم كل الأطراف السياسية، إلا أن دياب أعلن في اليوم الثاني أنه عازم على تشكيل حكومة مصغرة تكنوقراط رغم الضغوط السياسية التي تمارس عليه وهذا الكلام دفع الرئيس بري للقول أن حركة أمل التي يرأسها لن تشارك في الحكومة.
استمر السجال السياسي إلى أن أعلن يوم 21 يناير (كانون الثاني) عن تشكيل حكومة بمزيج يجمع ما بين السياسة والشخصيات المستقلة.
لكن عمل هذه الحكومة عطل نتيجة إصرار الطبقة السياسية على إلغاء الاستقلالية فكانت ضحية الوضع اللبناني المعقد الذي عمل على ترسيخ طرق تحدد كيفية عمل الوزراء وكيفية تمثيل الطوائف والمذاهب ومحاباة الزعماء الذين بتربعون على زعامة الطوائف بقوة العرف وما يسمى الميثاقية التي استعملت مرارا وتكرارا للقضاء على مبدأ الاستقلالية وإمكانية العمل من خارج الضوابط التي ذكرت.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة إنه رغم التعثر الجماعي للحكومة بشكل عام فقد ضمت الحكومة وزراء وأسماء حاولت تقديم نموذج متطور عن عمل الوزراء ولو بشكل إفرادي فكانت تجربة لا بأس بها.
من هؤلاء الوزراء منال عبد الصمد التي سميت وزيرة للإعلام بعد تجربة عمل لها في الإدارة العامة كرئيسة مصلحة في وزارة المالية وقد حاولت تطوير عمل وزارة الإعلام من خلال تحديث القوانين وعصرنة الإجراءات الإدارية وقد لجأت إلى القضاء لتعيين رئيس مجلس إدارة لتلفزيون لبنان بعد أن حالت التدخلات السياسية في تعطيل هذا الأمر خمس سنوات متتالية. لقد اقترحت الوزيرة عبد الصمد مشاريع قوانين وأفكار متطورة جدا لعمل الوزارة وحاولت إخراج الوزارة من ضغوط السياسة وكان عملها مثمنا لناحية الاستقلالية والعصرنة.
أما وزيرة العمل لمياء يمين التي لم تباشر عملها الوزاري إلا بعد دراسة معمقة لواقع وزارة العمل والمهام التي تؤديها الوزارة. ولكن الوقت لم يسمح لها بتنفيذ ما لديها من خطط وأفكار فعندما توصلت إلى ما يشبه خطة العمل وقع لبنان في أسوأ إزمة اقتصادية واجهت العمال وقطاعات الأعمال، لا سيما وأن العلاقة بين العمال وأرباب العمل تخضع لقوانين تنظم هذه العلاقة وكيفية إدارتها. أيضا فإن استقالة الحكومة عطلت من إمكانية إقرار القوانين التي تقدمت بها وزيرة العمل ولكن استعاضت عنها بمبادرات شخصية وقرارات حاولت قدر المستطاع تخفيف وقع الأزمة ونتائجها. لقد شاهدنا كيف لوزيرة عمل أن تبادر لطرح الدراسات اللازمة المتعلقة بالعمال وفرص العمل والرواتب والأجور والمؤسسات المعنية بتسيير عمل المؤسسات وأعمالها، إذ إن للمرة الأولى نجد وزيرة للعمل تطرح مبادرات وعلاجات لقطاع العمل والعمال رغم واقع الوزارة والاستقالة وتصريف الأعمال.
ويضيف علامة: «أما الوزير طلال حواط الذي سمي وزيراً للاتصالات فقد استطاع خلال فترة تسميته المحافظة على قطاع الاتصالات وعمله بعيدا عن (الشعبية)، علما بأن أزمة المحروقات والأزمة المالية التي عصفت بلبنان كان لها تأثير كبير وكان يمكن أن تقضي على قطاع الاتصالات. ومع أنه كان مقدرا لهذا القطاع أن يعمد وزيره إلى رفع أسعار الخدمات لتغطية متطلبات الصيانة والتجهيز ولكن الوزير حواط حافظ على عمل القطاع بأسعاره الرسمية وحافظ على استمرارية العمل بالحد الأدنى المقبول دون الدخول في قرارات عشوائية لا سيما وأنه ورث في القطاع مشكلة كبيرة مع شركتي الخليوي التشغيليتين والتوظيف العشوائي الذي فرض عليها من قبل السلطة السياسية الحاكمة.
أما النمودج الرابع فهو الوزير ميشال النجار وزير الأشغال العامة والطرق الذي حاول من خلال النهج الذي اتبعه تطبيق مبدأ الشفافية وإخراج وزارة الأشغال من كل الخبريات والروايات التي كانت تحاك حول عمل الوزارة خاصة فيما يتعلق بالتلزيمات والأشغال وقد حاول في أصعب الظروف التي تعصف بلبنان أن يستعين بالقطاع الخاص لتأمين استمرارية عمل لوزارة الأشغال.
وختم: «كل ما ذكر عن عمل الوزراء المذكورين أعلاه كان للإشارة إلى أهمية الشخصية والكفاءة الفردية حيث تثبت التجربة أن شخصية الوزير وكفاءته واختصاصه تسمح بأن يقدم نموذج عن عمل متطور وعصري يتناسب ومتطلبات وموجبات عمل الوزراء».
«المجلة» استضافت هؤلاء الوزراء وطلبت من كل واحد منهم أن يقيم تجربته في العمل الحكومي وأين نجح وأين أخطأ.
«علمتني التجربة أن الإصلاح يحتاج إلى مسار طويل»
وزيرة الإعلام منال عبد الصمد اعتبرت أن مهمتها بالوزارة «كانت تجربة جديدة مليئة بالتحديات في ظل أزمة اقتصادية خانقة لم يشهد لها لبنان مثيلاً، فضلاً عن انفجار المرفأ الذي سرع قراري بتقديم استقالتي كخطوة لا تحتمل أي تأجيل وسط هول تلك الكارثة».
وأشارت إلى أنها عملت بجد وضمير «منذ لحظة تسميتي وزيرة إعلام في الحكومة، وقدمت أكثر من 40 مشروعاً في فترة قياسية، منها ما تم إنجازه ومنها ما هو قيد الإنجاز، بالتعاون مع جهات محلية ومنظمات دولية وإني فخورة بكل ما قمت به وفريق عمل الوزارة رغم كل الظروف الصعبة.. وكما في الوزارة، كذلك في جلسات مجلس الوزراء كنت أحتكم إلى مبادئي وقناعاتي وأناقش وأتخذ القرار الذي يمليه علي ضميري، الذي لا يقبل الجدل. لكن يوماً بعد يوم أدركت أن حساب العدالة لا ينطبق دائماً على حساب الواقع في النظام اللبناني (system) المتشابك».
وقالت: «سعيت لأكون خير ممثلة للمرأة اللبنانية في موقع القرار الرسمي وفي المنتديات والمؤتمرات وعلى المنصات، وحرصي أن أكون شريكة في صنع القرار.. أخيراً علمتني التجربة أن الإصلاح في بلدنا هو مسار طويل محفوف بالعقبات لكنه ليس مستحيلاً، وكل ما يحتاجه هو الإرادة والتعاون والنوايا الصادقة البعيدة عن أي حسابات شخصية ضيقة أو طائفية أو سياسية».
«كان تركيزي منصبا على إصلاح هيكلية الوزارة»
وزيرة العمل لمياء يمين استهلت حديثها لـ«المجلة» بالقول: «أكثر من نصف عمر حكومتنا كان تصريفاً للأعمال فيما كان نصفها الأول مأزوماً بكورونا وبأزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان أدت إلى استفحال البطالة وتنامي موجة الصرف من الخدمة طالت أعداداً كبيرة من العمال والموظفين. والحقيقة أن عملي في هذه الظروف كان صعباً للغاية انصرفت فيه من موقعي كوزيرة عمل على الانكباب على نوعين من المشاريع، الاستراتيجية منها والموضعية».
وقالت: «كان تركيزي من جملة الأولويات منصباً على إصلاح هيكلية وزارة العمل من حيث المكننة وبناء المهارات وإرساء نظام إداري فعال كما على المؤسسة الوطنية للاستخدام التي درسنا دورها وسبل زيادة فاعليتها وكيفية الاستفادة منها كمؤسسة لمواجهة البطالة وذلك عبر دمجها بوزارة العمل. كل ذلك وسط انقطاع متكرر عن العمل وقطع طرقات وفقدان لمقومات الاستمرار وبيروقراطية متحكمة بالعمل العام منذ عقود.. انكببنا على تعديل مواد في قانون العمل تجعله أكثر مواءمة مع متطلبات منظمة العمل الدولية والمؤسسات الحقوقية العالمية والاتفاقيات المبرمة بهذا الخصوص من ناحية إلغاء التمييز بين الرجل والمرأة وعمل الأحداث وإدراج العمالة المنزلية ضمن قانون العمل بما يحفظ حقوق من يعملون في هذا القطاع. وكان عقد العمل الموحد أحد إنجازات وزارة العمل في تحديث القانون المذكور وهو خطوة متقدمة جداً باتجاه إلغاء نظام الكفالة يقضي بتحرير العامل أو العاملة المنزلية من صاحب العمل بمجرد منح حق فسخ عقد العمل. وبالطبع لم يمر ذلك من دون صعوبات سببها تضارب المصالح والعراقيل من هنا ومن هناك، وأعلنت عن مباراة لإطلاق نظام تأمين ضد البطالة موجود في أكثر من 90 دولة حول العالم ويشكل ركناً أساسياً من أركان الحماية الاجتماعية يؤمن راتباً شهرياً من 3 إلى 6 أشهر يتقاضاها العامل عندما يترك عمله إلى حين إيجاد عمل جديد، بالتعاون مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبإشراف منظمة العمل الدولية. تبنى أحد النواب هذا المشروع وتقدم به كاقتراح قانون ليسلك طريقه في البرلمان. أليست البطالة من أبرز الصعوبات التي واجهتنا؟ بالطبع. وهذا ما أعطاني الإرادة لمواجهتها عبر المبادرة المذكورة».
وأضافت: «لقد أوليت مستحقات الضمان في ذمة الدولة أهمية كبيرة فبعد التخلف عن تسديد هذه المستحقات منذ العام 2016 تحركت باتجاه وزير المالية الذي دفع مشكوراً حوالي 300 مليار ليرة من هذه المستحقات مع تأكيدي على وجوب استمرار الحكومة الجديدة بإيفاء واجباتها المالية تجاه الصندوق في السنوات المقبلة حرصاً على انتظام العلاقة بين مؤسسة الضمان والدولة ما يتيح استفادة شرائح كبيرة من المضمونين من الخدمات الصحية والاجتماعية المطلوبة من الصندوق. والحقيقة أن الصعوبة في تحصيل هذه المستحقات كانت كبيرة في ظل عجز خزينة الدولة وتناتش ما تبقى من أموال بين مختلف الوزارات والقطاعات. إضافةً إلى إقراري لدفتر الشروط الخاص بالتدقيق المالي في حسابات الصندوق بعد تأخير في تحقيق مبدأ الشفافية فيه منذ عام 2011 وهي الخطوة الأولى الضرورية لتحقيق إصلاح حقيقي في هذه المؤسسة.
كانت سنة تصريف الأعمال صعبة وشائكة أنصرفت خلالها أيضاً إلى متابعة قضايا العمال والموظفين المصروفين من العمل وساعدناهم لتحصيل حقوقهم ضمن صلاحيات وزارة العمل كما درسنا أعداداً كبيرة من طلبات التشاور التي رفعتها المؤسسات والشركات خلال الأزمة.
ولم أهمل تنظيم العمالة الأجنبية في ضوء وجود أكثر من 500 ألف عامل أجنبي ما بين نظامي وغير نظامي بالإضافة إلى النازحين السوريين، فتشددت في إصدار إجازات العمل.
من ناحية أخرى، وفي ظل ارتفاع سعر الصرف وتضاؤل القدرة الشرائية للمواطن والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمحروقات، أقررت زيادة بدل النقل اليومي في القطاع الخاص من ثمانية آلاف إلى أربعة وعشرين ألف ليرة. كذلك، دعوت لتشكيل لجنة المؤشر وراسلت الجهات المعنية لتسمية ممثلين لها من الاتحاد العمالي العام ومديرية الإحصاء والهيئات الاقتصادية ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد لإعادة النظر في الرواتب والأجور، إلا أن استقالة الحكومة وتصريف الأعمال حالا دون ذلك.
كانت الصعوبات كثيرة لكننا صممنا على تحويلها إلى فرص. أتطلع اليوم إلى تجربتي كامرأة في سدة المسؤولية وأرى فيه تحفيزاً لدور المرأة في الاضطلاع بمهام قيادية كما أدعم وصولها إلى مراكز القرار لما لها من مهارات وأخلاقية مهنية عالية تخولها التغيير الإيجابي في المجتمع الذي تعمل فيه. أتطلع أيضاً إلى لبنان وبعد تشكيل حكومة جديدة بعين الأمل والرجاء حتى تستكمل كل المشاريع الإصلاحية التي باشرناها والتي صار بعضها في المجلس النيابي وأعتبر أن السلطة استمرارية وتبنٍ بالتراكم بين الخلف والسلف وكلي ثقة أن بلدنا سيتخطى أزماته كافة وسينهض من جديد ليمارس دوره المبدع ويحقق رسالته الحضارية».
«دعمت صمود المواطنين»
بدوره قال وزير الاتصالات طلال حواط لـ«المجلة»: «من خلال خبرتي العالمية والمحلية في مجال الاتصالات استطعت أن أخدم وطني في أصعب مرحلة من تاريخه، وساهمت في تنظيم عمل الوزارة قدر المستطاع في هذه الفترة الوجيزة، ودعمت صمود المواطنين من خلال الإصرار على تأمين استمرارية عمل خدمتي الاتصال والإنترنت على صعيد الخلوي والثابت في أحلك الظروف مع رفضي التام لأي زيادة على التعرفة مراعاةً للمواطنين في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي لم يشهدها لبنان من قبل. كما استطعت المحافظة على المال العام ومنعت الهدر في وزارة الاتصالات وشركتي الخلوي وحققنا إيرادات للدولة كانت الأعلى في تاريخ وزارة الاتصالات على صعيدي القطاع الخلوي والثابت.
عملت وغادرت منصبي كوزير للاتصالات، وأنا مرتاح الضمير وهذا أكثر ما يهمني لأنني كنت تحت سقف القانون وطبقته والتزمت به مع نفسي ومع الآخرين.
هذه هي الإيجابيات التي رافقت عملي في الوزارة، أما السلبيات فلم يكن من السهل الحفاظ على الاستقلالية التامة في كل المجالات والقرارات التي اتخذناها في استرداد إدارة قطاع الخلوي لكنف الدولة وتشكيل مجلس إدارة لكل منهما.
كما أن مواجهة عدة أزمات من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والمظاهرات اليومية، ووباء كورونا والإقفال العام لعدة أشهر، وانفجار 4 أغسطس (آب) الأليم، وانقطاع الكهرباء المتواصل وشح مادة المازوت، إضافة إلى صعوبة تأمين قطع الصيانة بسبب ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء بالموازنة المعطاة لنا، وحرصنا الدائم على الحفاظ على عدم توقف قطاع الاتصالات، كان الهاجس الأكبر لنا يومياً بحد ذاته، وأن التقلبات اليومية لسعر صرف الدولار السوقي، وعملية تأمين الاعتمادات عبر مصرف لبنان إلى الخارج بالدولار وباليورو للموردين الأجانب لاوجيرو، وتاتش، وألفا، لم تكن سهلة أيضاً. للأسف كان انشغالنا الكامل يومياً هو لتأمين أدنى متطلبات استمرارية القطاع، وهذا أمر بديهي لو كانت الظروف طبيعية ولما كان علينا أن نستنزف وقتنا في التفكير في كيفية تأمينه، مما أدى إلى إعاقتنا من السير قدما في مسار تطوير وتنظيم القطاع كما يجب، لأن تركيزنا كان منصبا على إبقاء القطاع حيا».
«سأترك التاريخ يحكم»
أما وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار، فقال: «عادة يتحدث الوزير عن إنجازاته، إنما من الصعب جداً التحدث عن ذلك بسبب الأوضاع التي وصلنا إليها في البلاد نتيجة التراكمات منذ سنين وأدت إلى ما نحن عليه.. سأترك للتاريخ أن يحكم عما فعلناه، وأن أهم إنجاز أننا لم نهدر ولم نسلب المال العام، ولم نفعل أي شيء يمس بالشفافية والصدق والمسؤولية، ونفتخر بذلك، والتاريخ سيحكم على هذه الوزارة والحكومة».