واشنطن: مع الذكرى العشرين للهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، أصدر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، أكبر منظمة إسلامية للحقوق المدنية في الولايات المتحدة، بيانًا عنوانه: «التذكر والصمود». أدان الهجمات، ووصفها بأنها «مأساة لن ننساها أبدا». في نفس الوقت، قال البيان أن المسلمين الأميركيين صاروا، منذ الهجمات، «كبش فداء، وهدف أصابع الاتهام». ودعا البيان المسلمين الأميركيين للافتخار بأنفسهم، وتوحيد صفوفهم، ومواجهة الظلم. خاصة، القوانين والأوامر التي أصدرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ الهجمات.
هذه القوانين والأوامر هي موضوع هذه المقابلة مع إدوارد أحمد ميتشل، نائب مدير مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير). وهو محام، وعمل سابقًا مديرا لفرع «كير» في ولاية جورجيا، وفي عهده، حل فرع «كير» كثيرا من قضايا التمييز ضد المسلمين في الولاية. وكان، أيضا، سكرتيرًا للرابطة الأميركية للمحامين المسلمين، ومحررًا في مجلة «أتلانتا مسلم»، وعضوًا في اتحاد ولاية جورجيا للمحامين المسلمين، وعضوًا في مجلس أمناء مركز الجالية الإسلامية في أتلانتا، عاصمة الولاية، وإلى نص الحوار:
* في عام 2001، بعد الهجمات مباشرة، أصدر الكونغرس «قانون باتريوت»، هل يظل فعالا؟
- عندما أقر الكونغرس، سريعا، «قانون باتريوت» في عام 2001، أعطى الحكومة الفيدرالية سلطات مراقبة غير محدودة. وشملت هذه تفويض المحاكم الخاصة بمراقبة الاستخبارات الأجنبية (حسب قانون عام 1978) بإصدار أوامر لمراقبة المواطنين، وتفتيش سجلاتهم، وممتلكاتهم، واتصالاتهم الخاصة، دون إذن.
لكن، لم يعلن هذا التفويض غير الدستوري (لغير الاستخبارات الأجنبية) إلا في وقت لاحق. وذلك بفضل جهود متطوعين حكوميين، مثل إدوارد سنودن، وصحافيين، مثل غلين غرينوالد... نعم، يظل «قانون باتريوت» سارى المفعول.
* في عام 2002، أعلن الرئيس السابق جورج دبليو بوش قانون «تسجيل الدخول والخروج»، المعروف. لكن، في عام 2011، ألغاه الرئيس السابق باراك أوباما. ما حقيقة هذا القانون؟
- حسب قانون تسجيل الدخول والخروج، يجب على الرجال والصبيان الأجانب في الولايات المتحدة، الذين جاءوا من دول إسلامية، إبلاغ مكتب الهجرة بدخولهم الولايات المتحدة، وخروجهم منها. مع تصويرهم، وتسجيل بصمات أصابعهم، وإجراء مقابلات معهم.
في عام 2011، عندما ألغى الرئيس أوباما القانون، كان واضحا أنه قانون تعجيزي، وغير فعال، ومعقد. ويتابع سفر وتحركات ملايين الناس. ويفرق بين الناس حسب أديانهم.
لكن، يجب أن نتذكر أنه، حسب القانون، ومباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، اعتقلت شرطة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) تقريبا 800 مسلم. وأبعدت بعضهم، دون محاكمات.
* في عام 2003، أعلن الرئيس السابق بوش قانون «قائمة حفظ وتسجيل الإرهابيين»، المعروف باسم «ووتش ليست» (قائمة المراقبة). كيف أثر هذا القانون على المسلمين؟
- قانون «قائمة المراقبة» مصدره وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه)، وتشترك في تنفيذه وكالات حكومية مختلفة، ويستهدف كثيرا من المسلمين، ويضم «قائمة منع الطيران».
وفي الوقت الحاضر، يوجد في القائمة أكثر من مليون اسم، ربما كلها أسماء مسلمين، ومن بينهم أسماء عدد ليس قليلا من الأطفال. وطبيعيا، يعرقل منع السفر جوا حياة هؤلاء الناس، مثلا: مسلم في نيويورك يريد زيارة ابنه في كاليفورنيا.
مؤخرا، كشفت قضية فيدرالية أن الحكومة الفيدرالية وزعت أجزاء من «قائمة المراقبة» على حكومات ولايات ومقاطعات ومدن. وعلى شركات وبنوك. وطبيعيا، يعرقل هذا حياة المسلم الذي يبحث عن وظيفة، أو يريد شراء منزل، أو سيارة، أو يستخدم البنوك لتحويل أموال إلى عائلته خارج أميركا.
في الوقت الحاضر، تشترك منظمة «كير»، مع عدد من منظمات الحقوق المدنية الأخرى، في دعاوى قضائية فيدرالية تطعن في دستورية «قائمة المراقبة».
* نصف القضايا التي رفعت في محاكم ضد مسلمين، شهد فيها مخبرون وجواسيس مسلمون، أو ادعوا أنهم مسلمون
* في يوليو (تموز) الماضي، رفعت منظمة «كير»، مع منظمات أخرى، قضية ضد تجسس الشرطة الأميركية، المحلية، وشرطة «إف بي آي»، على المسلمين، باستخدام مخبرين وجواسيس. ما مدى خطورة مشكلة المخبرين والجواسيس؟
- خلال العشرين عاما الماضية، أسست شرطة «إف بي آي»، وحدها، شبكة تضم تقريبا 15.000 مخبر وجاسوس. ودفعت لهم مكافآت مالية، حسب أهمية المعلومات التي يقدمونها، خاصة إذا استخدمت المعلومات أمام محاكم.
وحسب تقارير «كير» المنتظمة حول هذا الموضوع، فإن نصف القضايا التي رفعت في محاكم ضد مسلمين، شهد فيها مخبرون وجواسيس مسلمون، أو ادعوا أنهم مسلمون. وفي ثلث هذه القضايا، قاد هؤلاء حملات «ستنغ» (لدغة) ورطت مسلمين ساذجين، أو مصابين بأمراض عقلية.
* في عام 2015، ألغي الكونغرس جزءًا من «قانون باتريوت» عن المراقبة الجماعية للناس، والذي تضرر منه المسلمون. هل قلل هذا من المراقبة على المسلمين؟
- أولا، لم يفعل الكونغرس ذلك إلا بعد أحكام أصدرتها محاكم كثيرة ضد المراقبة الجماعية المعروفة باسم «المادة 216» في «قانون باتريوت». وحسب هذه المادة، تقدر شرطة «إف بي آي»، بالإضافة إلى وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه) على جمع أطنان من المعلومات عن الناس عن طريق مراقبة اتصالاتهم التليفونية، والإلكترونية.
ثانيا، لم يلغ الكونغرس كل «المادة 216»، فقط أضاف أن تكون «في مرات محددة».
وحسب تقارير منتظمة تصدرها «كير»، تظل «المادة 216» تستخدم لمراقبة كثير من المسلمين والعرب.
* في عام 2012، نشرت وكالة «أسوشييتدبرس» تقريرا مفصلا بأن شرطة نيويورك أسست شبكة عملاقة للتجسس على مسلمي نيويورك. ماذا حدث منذ ذلك الوقت؟
- بين عامي 2001 و2014، نفذت شرطة نيويورك حملة غير دستورية، فيها أسماء وعناوين وخرائط، بهدف التجسس على المسلمين. بما في ذلك المساجد، والجمعيات الخيرية الإسلامية، ومنظمات الطلاب، والمحلات التجارية، والمطاعم التي يملكها مسلمون.
أيضا، جندت شرطة نيويورك مخبرين وجواسيس، سمتهم «موسك كرولارز» (زواحف المساجد) لمراقبة الخطب الدينية، خاصة خطب صلاة الجمعة. لكن، خلال سنوات لاحقة، اعترف حتى المسؤولون في شرطة نيويورك بأن البرنامج لم يقدم معلومات قوية تستخدم في قضايا الإرهاب. وفي عام 2014، أعلنت شرطة نيويورك إلغاء البرنامج.
* في عام 2016، أصدر الرئيس السابق أوباما قانون «مكافحة التطرف العنيف»، المعروف بحروف «سي في آي». لكن، في عام 2017، أصدر الرئيس السابق ترامب أمرا بوقف العمل بالقانون. ماذا حدث؟
- منذ البداية، كان الهدف الأساسي من القانون هو التغلغل وسط المسلمين، للتجسس عليهم، باسم «التعاون بين الشرطة والمواطنين». ونفذ البرنامج، لأول مرة، في ثلاث مدن بها عدد كبير من المسلمين: بوسطن، ولوس أنجليس، ومينيابوليس.
لكن، عندما علم ترامب أن القانون لا يحدد المسلمين، بل كل المواطنين الأميركيين، أمر بوقف العمل به حتى يعدل، ويقتصر، بطريقة أو بأخرى، على المسلمين.
وفي الوقت الحاضر، يحاول الرئيس بايدن تأسيس برنامج جديد. وتتابع الموضوع «كير»، وبقية منظمات حقوق الإنسان، حتى لا يستغل القانون هدف «التعاون بين الشرطة والمواطنين».
* في عام 2017، أعلن ترامب قانونا صار يعرف باسم «مسلمز بان» (حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة). ولعبت منظمة «كير» دورًا رئيسيًا، مع منظمات حقوق الإنسان الأخرى، في معارضة القانون، حتى ألغاه الرئيس بايدن. ما مقدار الضرر الذي سببه القانون للمسلمين، داخل الولايات المتحدة وخارجها؟
- حجج: كان الحظر التمييزي للمسلمين من دول في الشرق الأوسط وأفريقيا، الذي أصدره الرئيس السابق ترامب، تتويجًا لعشرين عاما من حملات مكثفة، وقاسية، ومرعبة، وأحيانا عنيفة وقاتلة، ضد المسلمين من قبل السياسيين والصحافيين ومجموعات الكراهية.
وكان، أيضا، تتويجا لحملة «الإسلاموفوبيا» التي نحاول القضاء عليها لأنها تخيف الناس من الإسلام والمسلمين، ولأن الإسلام دين السلام، ولأن المسلمين أبرياء.
بعد أن أصدر ترامب القانون، واجه عراقيل أمام المحاكم، واضطر مستشارو ترامب إلى إجراء تعديلات في القانون. وكان القانون قد فرض الحظر على قيود السفر على المواطنين من دول إسلامية: ليبيا، إيران، السودان، سوريا، اليمن.
الحظر، الذي أيدته المحكمة العليا، مزق آلاف العائلات المسلمة، وحرم الطلاب من فرص التعليم، ومُنع المرضى من تلقي العلاج. وألغى الرئيس بايدن القانون (ألغاه بأمر تنفيذي لأنه كان أمرا تنفيذيا) في أول يوم له في البيت الأبيض. لكن، رغم ذلك، تظل «كير»، ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى التي تتعاون معها، حذرة. خاصة أن الكونغرس لم يصدر قانونا مع أو ضد الأمر التنفيذي الرئاسي.