نجحت الحرکة الطلابية في إيران في ترسيخ مكانتها كقوة اجتماعية فاعلة بعد أن أعلنت تضامنها ودعمها للحركات الاحتجاجية العارمة التي اجتاحت البلاد في ديسمبر (كانون الأول) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وديسمبر (كانون الأول) 2019. إن الحركة الطلابية تدرك طبيعة الأزمات الهيكلية والمزمنة التي يعيشها النظام الإيراني، فأعلنت عن تضامنها وتأييدها لمطالب الحركات الاجتماعية على غرار الحركات النسوية والعمالية والمعلمين والمتقاعدين. أدى اهتمام الحركة الطلابية للتحديات الاجتماعية على غرار عمالة الأطفال والمشاكل البيئية إلى بقاء هذه الحركة كإحدى القوى المدنية المؤثرة في المجتمع، وذلك بالرغم من حملات القمع والاعتقالات التعسفية والسجن وكفالات مالية كبيرة للطلبة المعتقلين.
«لقد تبينت الحقيقة للشعب الإيراني شيئا فشيئا وخاصة منذ 2017 وأصبحت هذه الحقيقة تتجلى في الهتاف التاريخي «الإصلاحيون والأصوليون: خلصت الحكاية» خلال الاحتجاجات المتتالية، وأصبحنا ملزمين بأن نقوم بتغيير طريقة تفكيرنا ونقطع العلاقات التي كانت تجمع الكثير منا بالتيار الإصلاحي لأن الشعب شعر بالإحباط من الإصلاحيين».
بتلك العبارات تصف موجغان وهي ناشطة طلابية مخضرمة في طهران خلال حوار مع «المجلة» طبيعة الحركة الطلابية القائمة.
وأضافت الناشطة الطلابية والاجتماعية: «لقد بدأت ترتفع الهتافات التي تحمل مطالب معيشية واقتصادية لأول مرة في 2017 في الوقت الذي لم يكن الشعب يعاني بعد من العقوبات المشددة والأسعار الفلكية والتضخم الذي لا سيطرة عليه. بدأت التحركات والاحتجاجات التي اجتاحت كل البلاد من الأحياء والمدن المحرومة اقتصاديا في 2017 و2018 و2019 في الوقت الذي كانت الحركة الخضراء ترفع مطالب الطبقة الوسطى وهي تتمحور حول المطالب الثقافية وأسلوب الحياة. وبموازاة ذلك دخلت مجموعة من السياسات اليسارية البديلة إلى الحركات الاجتماعية».
وتابعت: «لقد سادت الاتجاهات الماركسية على معظم الحركة الطلابية والأوساط الثقافية وبدأت الماركسية الأرثوذكسية تزدهر في إيران منذ 2017 حيث تمكنت القوى اليسارية من رفع صوتها».
ونشر موقع «خبر أونلاين» حوارا مع أستاذ علم الاجتماع في جامعه طهران إبراهيم فياض في يونيو (حزيران) 2019 قال فيه: «أصبح الماركسيون أصحاب الكلمة المسموعة والثقل الأكبر في الجامعات في الوقت الراهن، حيث تفتقر منظمات التعبئة الطلابية والمجموعات الإصلاحية إلى تأثير يذكر في الجامعات. لا ترفع المنظمات التابعة للتعبئة والإصلاحيون في الجامعات مطالب تتمحور حول الإنسان والعدالة بل إن الماركسيين يقودون هذه المطالب الطلابية...». هذه التصريحات تدعم ما قالته موجغان.
ويعتقد ساسان وهو ناشط طلابي في حديثه لـ«المجلة»: «ساد الخطاب الإصلاحي على الحركة الطلابية منذ 2005 وحتى 2013 حيث لم يتمتع التفكير الماركسي بنفوذ يذكر بين الحركة الطلابية آنذاك. وكانت الحركة النسوية أكثر انسجاما ولم يكن الخلاف على السياسات بين نشطاء حق المرأة كبيرا. لم يكن الخطاب السائد في الجامعات في تلك الفترة حول المعارضة والتيارات اليسارية المتشددة والنظريات اليسارية بل كان الخطاب يتمحور حول الإصلاحيين ودعم ميرحسين موسوي وزهراء رهنورد وكروبي، ولا يشمل البدائل الأخرى في الحركة الطلابية. كان دعم وتبنى تصريحات (الناشط السياسي) صادق زيبا كلام، أو (أستاذ الفلسفة السابق الذي تم تسريحه لاحقا) بيجن عبد الكريم، أقصى ما وصلت إليه الحركة الطلابية آنذاك».
وأضاف ساسان: «لقد تشكلت نواة التيار اليساري في الأوساط الثقافية في طهران خلال 5 إلى 10 سنوات الأخيرة تقودها حلقة صغيرة شارك فيها الكاتب والصحافي والمترجم مراد فرهاد بور من خلال ترجمة الكتب بالتعاون مع الکاتب والمترجم والباحث فی الفلسفة صالح نجفي والکاتب والمترجم والناقد الفني بابك أحمدي، والكاتب والمترجم أوميد مهرغان. وبدأت ترجمة مجموعة كتب حول الماركسية الجديدة منذ منتصف التسعينات غير أن الخطاب الماركسي كان غائبا عن الحركات الاجتماعية واقتصر آنذاك على جلسات المثقفين في المقاهي والمناسبات الثقافية الخاصة».
وتابعت موجغان: «لقد فقد الإصلاحيون شرعيتهم ووجهتهم في المجتمع وبين أوساط المثقفين والقيادات الطلابية والساحة الإعلامية لأسباب عديدة، منها زيادة الوعي الناتج عن الشبكات الاجتماعية والإنتاج الذاتي للمحتوى. وأدى هذا التحول إلى الابتعاد عن السند السياسي الأخير في أركان الحكم ونظام الجمهورية الإسلامية والإقبال المتزايد على الاتجاهات اليسارية الماركسية المتأصلة في الأوساط الثقافية الإيرانية. وبالتالي لم يعد للطالب المحسوب على التيار الإصلاحي مكان في الحركة الطلابية في الوقت الراهن كما أن (النسوية بالمفهوم الذي يتبناه الإصلاحيون) لا تجد صدى واسعا لها بين الحركة الطلابية».
وقالت موجغان: «وكانت تتشكل الحركة الطلابية قبل التحول إلى مرحلة ما بعد الإصلاحيين من 3 مؤسسات منفصلة متصارعة فيما بينها وهي الرابطة النقابية والرابطة الطلابية والرابطة الإسلامية وكان يتبنى كل منها نهجا فكريا واضحا ومختلفا عن بعضها البعض غير أن المؤسسات الثلاث لم تحد عن نظام الجمهورية الإسلامية وكانت تلعب في ملعب الجمهورية الإسلامية. كانت هذه المؤسسات الطلابية الثلاث تنشط في مجالات مختلفة عن بعضها بآفاق سياسية مشتركة».
وتابعت هذه الناشطة الطلابية بأن منظمة تعزيز الوحدة الطلابية (تحكيم وحدت) والجمعية الإسلامية الطلابية، تم تفكيكهما في الوقت الراهن قائلة: «لقد أدركت هاتان المنظمتان الطلابيتان أنه لا أمل في إمكانية الإصلاح السياسي لأركان الحكم السياسي والمجتمع المدني التابع للجمهورية الإسلامية والإعلام المكتوب التابع لها على غرار صحف (شرق) و(اعتماد) وغيرهما وبالتالي انسحبت منظمة تعزيز الوحدة الطلابية والجمعية الإسلامية الطلابية من الحركة الطلابية. نلاحظ اليوم بروز تضاد وصراع بين الجمعية الإسلامية الطلابية والجمعية النقابية».
وأوضحت الناشطة: «الرابطة الطلابية تضم الطلبة غير المنتمين للتيارات والأحزاب السياسية وتهدف إلى تنظيم المؤتمرات والجلسات والورشات من خلال توجيه الدعوة للخبراء للمشاركة فيها. وتضم الرابطة النقابية الطلبة اليساريين الأرثوذكسيين بهدف متابعة المطالب الطلابية الاقتصادية على غرار بطاقات الحصول على وجبات الطعام ونفقات السكن الجامعي ورسوم الجامعة. بدأ التعاون بين الرابطة النقابية، والرابطة الطلابية منذ عامين، وذلك بسبب الأجواء اليسارية السائدة في الأوساط الثقافية والتي أدت إلى بروز قواسم مشتركة عديدة بين المؤسستين ضمن الحراك الطلابي وصلت إلى حد تحالفات في بعض القضايا بين الجهتين. وبدأنا نلاحظ انسجاما أكثر في الحركة الطلابية نظريا وعمليا. أدى هذا الانسجام والتعاون بين المجموعات اليسارية الطلابية إلى الإذعان بمجموعة من التيارات النسوية والترحيب بها في الحركة الطلابية».
وتابع الناشط الطلابي ساسان خلال حديثه لـ«المجلة»: «لقد بدأت الروابط العلمية في الجامعات منذ سنوات عديدة بتنظيم جلسات مخصصة للقراءة ومتابعة الكتب حول النسوية. هناك تعاون مستمر وقائم بين الطلبة في مختلف الفروع والجامعات حول نشر المجلات النسوية».
وحول الحركة النسوية قبل 2009 وخاصة «حملة الملیون توقیع» (وهی حملة لإصلاح القوانين التمييزية ضد المرأة انطلقت في سبتمبر (أيلول) 2006)، قالت موجغان: «كانت هذه الحملة تعاني من خلل وتشوهات هيكلية، غير أنها كانت تتمتع بجسم سليم ومنسجم أدى إلى التعاون الفكري بين أفراد بتوجهات يسارية منذ ما قبل الثورة وأفراد منتمين إلى الحركة الإصلاحية بعد الثورة كانت ثمرته ترجمة الكثير من الآثار الأدبية ونشر مجلات».
وأضافت: «لقد تعرض هذا التعاون المثمر إلى خلل وتشويه خلال الأعوام الأخيرة، مما أدى إلى ظهور تيارات نسوية عديدة منها تيار نسوي سياسي يتبنى خطاب الليبرالية الجديدة يطالب بالإطاحة بالنظام الإيراني وأبرز شخصيات هذا التيار هي مسيح علي نجاد. ينشط التيار النسوي الاشتراكي في الأطر النظرية وكتابة المقالات والترجمات حول التيارات الطلابية في المواقع السياسية التابعة للتيارات اليسارية. لم يقتصر نشاط التيارات النسوية العديدة في إيران على قضايا المرأة بل امتد ليصل إلى دعم الحركات العمالية والطلابية والمجموعات البيئية والتعاون معها».
وتابعت: «لدينا تيار نسوي آخر وهو يتألف من الجيل الأول من الناشطات النسويات بعد قيام الثورة اللواتي يتبنين سياسات الحركة الإصلاحية ونهج التسامح والتساهل. تحاول هذه الفئة التأكيد على أن كل التحديات والمشاكل النسوية غير سياسية واجتماعية وثقافية بحتة، غير أن نظريتها لا تتمتع بدعم في الحركة الطلابية وانسحبت شيئا فشيئا من الساحة الطلابية.. إن التيار النسوي السياسي والتيار النسوي الاشتراكي في الوقت الراهن الأكثر تأثيرا. ويتبنى هذان التياران مطالب سياسية وأكثر راديكالية من التيار النسوي الإصلاحي المحسوب على النظام الإيراني ويدركان الاتجاهات السياسية الراديكالية للحركة النسوية أفضل من التيار النسوي الإصلاحي. ولا يسعي هذان التياران إلى تغيير المجتمع المدني عبر أساليب سطحية وديمقراطية صورية واستبدادية في الصميم».
وقالت: «كان اهتمام التيارات النسوية ينصب على إيجاد موطئ قدم لها والتأكيد على أن قضاياها تتمتع بوجهة دستورية وقانونية وعلى الابتعاد عن تشكيل حركة نسوية لا تحظى بدعم الحركة الطلابية التي تميزت بطرح مطالب طلابية وسياسية وارتفاع سقفها. لكن هذا التوجه تحول بعد ظهور حملات نسوية على غرار حملتي (الأربعاء الأبيض) و(الحريات الخفية) وقيادات نسوية يسارية عديدة».
وأوضحت موجغان: «يرى التيار النسوي الإصلاحي (المحسوب على التيار الإصلاحي) بأن طرح المشاكل والقضايا بطابع سياسي يقطع الطريق أمام أي احتمالية للتحول الاجتماعي. لقد كانت الحركة الطلابية وحيدة ولكن الوضع تغير، حيث نلاحظ أن التيار اليساري النسوي هو التيار الوحيد الذي يتمتع بشرعية ودعم طلابي كبير وواسع وهناك تعاون ما زال في بداياته بين هذا التيار والحركة الطلابية. لايوجد تنسيق وتعاون بين التيار اليساري النسوي من جهة والتيار النسوي الإصلاحي والتيار النسوي الاشتراكي من جهة أخرى. لقد بدأ التيار اليساري النسوي نشاطه وقام بتطويره بشكل عفوي ومنفصل عن التركيبة الأساسية للحركة النسوية».
وتابع ساسان حواره مع «المجلة» حول دور الحركة الطلابية ودعمها وترابطها مع الحركة النسوية قائلا: «كان لدينا تجمع طلابي حاشد في الحرم الجامعي الرئيسي التابع لجامعة طهران في صيف 2019 في العطلة الرسمية، وذلك احتجاجا على سياسة الحجاب الإجباري. كان هذا التجمع من ضمن الحركات الاحتجاجية القلائل التي نظمته ناشطات ونشطاء في الحركة النسوية. ولكن الحركة النسوية في الجامعات لم تتمتع بالدعم اللازم ويجب علينا العمل بشكل أكبر على تفعيل دور التيارات النسوية في الجامعات. تشير المعلومات الشفاهية والروايات التي تتناقلها النقابات الطلابية ونشطاء الحركة الطلابية إلى أن قضايا المرأة ومطالب الحركة النسوية ليست على رأس قائمة مطالب الحركة الطلابية بل تحظى بدرجة أقل من الأهمية. يقول العديد من الطالبات الناشطات في النقابات بأن صوت الطلاب يسمع له صدى أكثر من صوت الطالبات أي بعبارة أخرى لا تحظى المطالب التي ترفعها الطالبات الناشطات بشرعية وتأييد كبيرين».
وختم ساسان حواره مع «المجلة» بالقول: «الثقافة الأبوية تسعى للتستر خلف الممارسات التنويرية السطحية وأنها خطاب سائد لا يأبه بالتحول الجذري ويمكن أن نرى تأثير هذا الخطاب في كل المجتمع والأوساط الإيرانية حتى في المحافل التقدمية على غرار الجامعات».
وتصاعدت وتيرة اعتقالات النشطاء الطلابيين وحقوق المرأة بعد تفشي فيروس كورونا وإغلاق الجامعات في كل أنحاء البلاد وشملت هذه الحملة استدعاء النشطاء وصدور أحكام سجن طويلة الأمد وأحكاما تأديبية قاسية بحقهم، ومن ضمنهم علي يونسي وأمير حسين مرادي وهما من نخبة الطلبة الإيرانيين واللذين حازا على الميداليتين الذهبية والفضية في أولمبياد الفلك. ويقبع يونسي ومرادي في العنبر 209 من سجن إيفين منذ أكثر من 10 أشهر دون توجيه تهم إليهما.