بيروت: لطالما أطلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي يقف على رأس الكنيسة المارونية، مواقف وطنية لافتة لتخليص بلده لبنان. فقد نادى بسلاح «الشرعية» وتمكين دور الدولة، داعياً بذلك لكف دور تنظيم حزب الله عن إقحام البلاد في حروب لا تنضب مع الداخل والخارج.
وتأتي مواقف بشارة بطرس الراعي امتداداً لسلفه الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، الذي لعب دوراً محورياً في تطورات الوضع الداخلي على الساحة المسيحية الداخلية، وعلى المستوى اللبناني أيضاً، تتوّجت بعدة قرارات مصيرية أبرزها تحرير لبنان من الوصاية السورية، ضمن إطار عمل سياسي شكّله عدة سياسيين لبنانيين مسيحيين في أبريل (نيسان) 2001 تحت عنوان «قرنة شهوان».
الراعي في سطور موجزة
ولد البطريرك بشارة بطرس الراعي في قرية حملايا في قضاء المتن محافظة جبل لبنان، يوم 25 فبراير (شباط) 1940. والده هو يوسف الراعي ووالدته ثمينة، وانخرط في الرهبنة باكرًا؛ وهو أول بطريرك قادم من الرهبنة منذ البطريرك طوبيا الخازن قبل نحو ثلاثة قرون.
وهو رئيس الكنيسة المارونية، المنصب الذي شغله منذ 15 مارس (آذار) 2011. وأصبح الراعي كاردينالًا في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 من قبل البابا بنديكتوس السادس عشر. وهو رئيس الكنيسة المارونية، إحدى الكنائس الشرقية الكاثوليكية، بدءاً من بول بطرس مسعد عام 1854.
اللقب الرسمي الذي يتخذه البطريرك الماروني هو «بطريرك أنطاكية وسائر المشرق». وحتى هذا التاريخ، تم تقديس 15 بطركا من قبل الكنيسة الكاثوليكية، مع تطويب اثنين آخرين لكن لم يتم تقديسهم بعد.
بشارة بطرس الراعي أو بالصيغة الرسمية مار بشارة بطرس الراعي هو بطريرك أنطاكية الماروني السابع والسبعين، انتخب بطريركًا بعد ثلاث عشرة جولة اقتراع على مدى خمسة أيام قام بها مجلس المطارنة الموارنة، خلفًا للبطريرك نصر الله صفير الذي كان قد أعلن استقالته في فبراير 2011 بداعي التقدم في السن.
إثر إبرازه النذور الدائمة، أوفدته الرهبنة إلى روما حيث تابع دراساته في اللاهوت والفلسفة في جامعة كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني الحبرية، حتى عام 1975. ونال إجازة الدكتوراه منها في الحقوق الكنسية والمدنية. كذلك درس خلال تلك الفترة المحاماة الكنسية وحصل على إجازة الرّوتا الرومانية التي تترجم كقاضٍ في الكنيسة الجامعة.
هذا، وتولى الراعي خلال دراسته في روما عددًا من المناصب، فأصبح رئيس تحرير القسم العربي في إذاعة الفاتيكان منذ 1967 وحتى 1975، وشغل أيضًا منصب نائب رئيس دير مار أنطونيوس الكبير في روما والمسمى أيضًا المدرسة المارونية في روما، وقد سيّم كاهنًا هناك في 3 سبتمبر (أيلول) 1967.
مواقف وطنية لافتة
لطالما دعا البطريرك إلى تحييد لبنان عن المواقف المعادية للدول العربية، لا سيّما منطقة الخليج، داعياً إلى كف يد حزب الله عن اتخاذ القرارات المصيرية في البلاد.
يسير الراعي ضمن خريطة طريق يعمل على إدراجها من خلال ورشة داخلية ومواكبة خارجية. وتجلّى الموقف الأبرز، الذي أطلقة في الخامس من يونيو (حزيران) 2020 من قلب رأس المارونية السياسية، في الدعوة إلى الحياد وتحرير الشرعية اللبنانية، داعياً بذلك إلى التدخل الدولي لانتشال لبنان من أزمته.
ورغم الغضب الذي خلّفته مبادرته الشهيرة من خصمه المباشر حزب الله، تسير «خارطة» البطريرك في طريقها، والمبادرة لا تزال على قدم وساق، ولو تطلب ذلك وقتاً لجعلها حيز التنفيذ.
يعود البطريرك إلى الفاتيكان كمرجعية أساسية ويعتمد على دبلوماسيتها في إنجاز مبادرته. كما يلقى دعماً من البابا فرنسيس الذي طالما نادى بـ«ضرورة أن تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعددي متسامح ومتنوع، يقدم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية فحسب»؛ محذّراً بذلك من «إضعاف المكوّن المسيحي على التوازن الداخلي في لبنان». وهذا ما يعطي دفعاً لمسيرة الراعي الحيادية في تعزيز الدور المسيحي، وتطلق إنذاراً يلقي بمفاعيله على قرارات الخصم، قد يغيّر مفاصل اللعبة السياسية اللبنانية، لا سيّما بعد التأييد الشعبي الذي لاقاه البطريرك، والذي يشي بأن: لا مبادرة لبنانية دون موافقة البطريرك.
من بين مواقف الراعي في مواجهة حزب الله، هو محاولته لكف يد الأخير عن أخذ القرار عن الحكومة اللبنانية، داعياً إلى أن يكون قرار الحرب بيد الدولة اللبنانية؛ كما يلعب دوراً محورياً كداعم قوي للمؤتمرات الدولية التي تذكّر في كل بياناتها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 والسلاح غير الشرعي ومكافحة الفساد، والقرار الدولي رقم 1701 الذي طالب الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة بالانتشار في الجنوب اللبناني وبسط سيطرة الدولة على كل الأراضي وفقاً للقرارات السابقة ومن بينها القرار 1559، الذي نص بدوره على أن لا تكون هناك أي أسلحة أو إمدادات بالأسلحة والمعدات.
عندما تم إطلاق صواريخ على إسرائيل من لبنان هذا العام، شن البطريرك الماروني بشارة الراعي هجوماً حاداً على حزب الله، شاجباً تسخين جبهة الجنوب، ورافضاً بذلك ترسيخ حزب الله لمبدأ الحرب؛ كما استنكر حينها القبول بقرارات فريق لتحديد السلم والحرب، وناشد الجيش اللبناني إلى «منع إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية، لأننا تعبنا من الحرب والدمار».
وعند إدخال حزب الله للنفط الإيراني، اعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي أن هذا يشكل «انتقاصا» من سيادة لبنان.
لعّل الجملة الذهبية التي تلخّص مسيرة الراعي هي التي أتت على لسانه خلال لقائه مع الصحافيين عند خروجه من قصر بعبدا بعد اجتماع مع الرئيس ميشال عون: «لقد تحدثت سابقاً عن السيادة الللبنانية».