[caption id="attachment_55252992" align="aligncenter" width="620"] راشد الغنوشي[/caption]
تحدث زعيم «النهضة» عن خطورة التحديات الأمنية التي تواجهها تونس، وأن موقف حركته تجاه ما يحدث في ليبيا، هو نفس الموقف الرسمي لتونس وهو ضد أي تدخل خارجي عسكري، ويرى أن الحل السياسي هو الأنسب.
* ما تقييمكم لعمل الحكومة الجديدة؟ وهل تركيبتها معقولة وتمثل الشعب التونسي؟
- ما زال الوقت مبكرا لتقييم عمل الحكومة الجديدة ولكن نأمل أن تنجح هذه الحكومة في مواجهة التحديات الكبرى الاقتصادية والأمنية لأن في نجاحها نجاحا لتونس. دعونا قبل الانتخابات لحكومة وحدة وطنية تحظى بدعم سياسي واسع يمكنها من مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه البلاد ومن إجراء الإصلاحات الضرورية. لم نتحصل على حكومة وحدة وطنية إذ رفضت بعض الأطراف المشاركة، ولكن الحكومة الحالية تقترب من أن تكون حكومة وحدة وطنية وقد تجلى ذلك في نسبة مصادقة البرلمان عليها إذ تحصلت على ما دعم ما يقارب ثلثي أعضاء البرلمان، لذا فهي حكومة تتمتع بدعم سياسي واسع.
* ما نسبة مشاركة حركة النهضة وتأثيرها في قرارات الحكومة؟
- «النهضة» شريك في هذه الحكومة، ولولا دعم «النهضة» لما مرت الحكومة في البرلمان. ولكن مشاركتنا مشاركة رمزية ولا تعكس حجمنا في البرلمان الذي يصل إلى ثلث الأعضاء بينما نشارك بوزير واحد و3 كتاب دولة. لماذا قبلنا لهذه المشاركة؟ لقد ضحينا مرة أخرى من أجل المصلحة الوطنية التي اقتضت أن نثبت مبدأ مشاركة الجميع بغض النظر عن حجم المشاركة. أردنا تثبيت وتدعيم مبدأ ومسار التوافق الذي حفظ تجربة تونس من الانهيار كما حصل في بلدان أخرى. وقد بني هذا المسار على التضحيات المتبادلة وعلى اللقاء بين خصوم الأمس من أجل مصلحة تونس وحفظها من العودة إلى الديكتاتورية أو السقوط في الفوضى. إذن مرة أخرى قبلنا التضحية والتنازل من أجل تونس، وفي نفس الوقت لا ننكر أن الطرف الرئيسي الآخر قدم تنازلات حيث قبل رئيس حكومة مستقلا وقبل التنازل عن عدد من وزارات السيادة لتسند إلى مستقلين. المحصلة أن تونس تحقق مرة أخرى الاستثناء بتحقيق التوافق للمضي إلى الأمام
* يردد متابعون للوضع التونسي أن «النهضة» تلعب دورا أكبر مما يبدو في الحكومة، وهي التي تدير فعليا البلاد وهذا يعود لصفقات سياسية في مرحلة الانتخابات؟
- «النهضة» لا تدير البلاد ونحن لا نعقد صفقات وإنما نبحث عن مصلحة بلادنا وعن مصلحة تجربة انتقالنا الديمقراطي في أوضاع هشة داخليا وإقليميا. ولكن مشاركة «النهضة» مهمة لأنها الحزب الثاني في البرلمان ولا تبعد كثيرا عما تحصل عليه الحزب الأول وهي الحزب الأكثر تنظيما وانتشارا في البلاد. نعم تساهم «النهضة» في هذه الحكومة من داخلها وتدعمها في البرلمان، وقد ساهمت «النهضة» مساهمة كبيرة مع بقية شركائنا في الوطن، ساهمت في حفظ تونس من الانحدار إلى نفس الأوضاع التي تشهدها بلدان عربية أخرى من انقسام وتحارب وإقصاء متبادل.
* منذ عودة حركتكم إلى تونس لم يتوقف الحديث عن الدعم القطري لها سياسيا وماليا، وفي الفترة الأخيرة تطرح الكثير من المنابر السياسية التحدث عن أن قطر تضخ مبالغ ضخمة لتدعم العمل القاعدي للحركة، ما مدى صحة هذا الكلام؟
- نعم توجه بعض وسائل الإعلام هذه الاتهامات. في تونس لم نقرر مقاضاة وسائل الإعلام هذه لأننا في بداية مرحلة نريد تثبيت مبدأ حرية الصحافة والتعبير. ولكن عندما وجهت هذه الاتهامات من بعض وسائل الإعلام في بلدان أوروبية مثلا في فرنسا وبريطانيا قدمنا ضدهم قضايا وفزنا في جميعها، لذا هذه الأكاذيب لا تصمد في محاكم بلدان ديمقراطية عريقة. أما عن قطر، فقد دعمت تونس قبل الثورة وتواصل دعمها لتونس بعد الثورة مشكورة ونحن ندعوها وندعو كل أشقائنا في الخليج، في المملكة والكويت وبقية البلدان إلى دعم تونس وإلى الاستثمار فيها وإلى زيارتها للسياحة.
* لاحظ متابعون تغيرا في مواقف الحركة، وليونة لم يتقبلها حتى أعضاء الحزب، وانتقدها قياديون منه هل هذا يعكس قدرة الحركة على إجادة اللعبة السياسية، وأنها تعمل بمبدأ أن السياسة تتغير حسب المصالح وليست مواقف ثابتة؟
- السياسة مبنية على المبادئ وعلى تقدير المصلحة وفهم موازين القوى. أما المبادئ فهي ثابتة لا تتغير، أما تقدير المصلحة وموازين القوى فجب أن يراعي المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية. المبدأ الأساسي الذي يوجهنا ويحكمنا هو مصلحة بلادنا واستقرارها، ومن أجل هذا مستعدون لتقديم التضحيات والتنازلات المؤلمة. أما عن الخيارات التي اتخذناها فلم تكن خيارات شخصية ولكنها خيارات شارك في صنعها والتصويت عليها مؤسسات الحركة، إذن هي قرارات جماعية.
* الأوضاع الأمنية في تونس، كيف تقيمونها وهل أنتم متفائلون خاصة مع ما يحدث في ليبيا؟
- هناك تنسيق جيد مع السلطات الجزائرية للقضاء على هذه المجموعات. وتبقى ليبيا مصدر قلق لكل دول المنطقة بما فيها من اضطراب وانتشار للسلاح. لذا من مصلحة ليبيا ومن مصلحة دول جوارها أن يتوصل الفرقاء الليبيون إلى حل سياسي يجمع الأطراف المختلفة ويحقق الأمن ويبني دولة مستقرة تحقق الرفاه لشعبها. أما أن يحسم طرف المعركة عسكريا ضد طرف آخر فهذا غير ممكن وسيقود إلى المزيد من عدم الاستقرار وإلى إطالة هذه الحرب
* هل ترون فعلا أن الدواعش على أبواب تونس، وأن خطرهم سيطالها أم أن ما يتردد فقط ضغوطات سياسية لخدمة أجندات معينة؟
- الإرهاب المبني على فهم خاطئ ومتطرف للدين موجود، سميه ما شئت: «أنصار الشريعة»، «داعش»، «القاعدة» أو أي اسم آخر. الحل الوحيد هو الوصول إلى حل سياسي بين الأطراف الأخرى الليبية في برلمان طبرق والمجلس الوطني وهذا سيقود إلى عزل هذه الفئة الشاذة من الخوارج في خطوة أولى، ثم تليها خطوة مواجهتهم والقضاء عليهم.
* تتصاعد الأزمات في المنطقة بشكل سريع، مما استدعى تحالفات دولية وعربية خاصة حول الشأن الليبي، أين تونس من كل هذا؟
- دعمنا الموقف الرسمي التونسي الذي عبر عنه رئيس الدولة والذي نادى بعدم التدخل العسكري في ليبيا وإلى البحث عن حل سياسي بين الأطراف الأساسية الليبية دون الانحياز إلى طرف ضد طرف. ونحن ندعم مبادرة الحوار للأمم المتحدة التي يشرف عليها صديقنا السيد برناردينو ليون، وكذلك مبادرة الجزائر التي تتوجه في نفس الاتجاه. ولا نرى أن هناك إمكانية لحل خارج هذا الخيار وهذا ما أكد عليه مجلس الأمن. وقد دعونا وندعو أشقاءنا الليبيين من الأطراف الأساسية إلى الاندراج في مبادرة الأمم المتحدة والعمل على إنجاحها في أقرب وقت ومهما كانت الصعوبات.
* هل يمكن اعتبار تونس نموذجا مختلفا مقارنة بالبلدان التي شهدت تغيرات منذ 2011. وهل فعلا التجربة الديمقراطية في تونس توفقت؟ رغم غياب الرضا والتفاؤل عن الشارع التونسي؟
- بفضل الله حققت تونس إنجازات مهمة على المستوى السياسي وتمكنت من إنجاح مرحلة مهمة من مراحل الانتقال الديمقراطي تمثلت في إصدار دستور توافقي يجسد هوية البلاد ونظامها السياسي الديمقراطي ويؤسس للحريات والحقوق، وتمكنت تونس أيضا من تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية أنهت المرحلة المؤقتة وأدخلتنا في مرحلة جديدة. يعتبر هذا نجاحا إذا ما نظرنا إلى البلدان العربية الأخرى التي مرت بظروف شبيهة بظروفنا ولكنها لسبب أو آخر لم تتمكن من تجاوز صعوباتها وانزلقت في الطريق أما باتجاه الفوضى أو باتجاه الحكم العسكري. قناعتنا أنه رغم الصعوبات في بقية البلدان ولكن لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وأن الحل الوحيد هو في تبني مبدأ الوفاق، هذا المبدأ الذي حفظ تونس وقاد إلى نجاحها النسبي.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.