أن تكون عنصرياً في هذه الأزمان أي أن تؤمن بأن هناك فروقا في القدرات لدى البشر بحسب عرقهم ولون بشرتهم وكمدخل لتبرير معاملتهم بشكل دوني اجتماعيا وقانونيا يعني أن تكون غبيا.
كذلك الأمر، أن تكون طائفيا أي تعتقد أن طائفتك تتفوق على ما عداها من الطوائف نوعا وبالتالي تبرر معاملة الآخرين الذين ينتمون إلى طوائف أخرى بشكل دوني اجتماعيا وقانونيا في هذا العصر يعني أن تكون غبيا.
في لبنان ما زالت الأغلبية تمجد العنصرية والطائفية. للأسف السجال السياسي في لبنان على وقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تستعر منذ سنتين، يدل على أن الغلبة لتلك الطبقة.
فكل الأحداث في لبنان تتخذ طابعاً طائفياً مهما كانت، كبيرة أو صغيرة، وهذا بالرغم مما يتوقعه البعض سيعيد للأسف في الانتخابات النيابية القادمة فرز نفس القيادات التي ستتخذ من الطائفة مادة لتجييش الناخبين وجذب الذين يمجدون الغباء مرة أخرى.
التخويف والتضليل يفعلان فعلهما بالجماهير. ويدفعهما إلى تبني أي فكرة يطلقها البارون الطائفي على أنها حقيقة مطلقة. موضوع النازحين السوريين الهاربين من أتون الأسد قد يكون مثالا جيدا حول كيفية تحويل قضية شائكة ومعقدة وإنسانية إلى قضية عنصرية وطائفية تهدف إلى تخويف طائفة من غلبة عددية لطائفة أخرى. فالذين يتوجسون من بقاء السوريين في «لبنانهم» وهم كثر ويتخوفون من قلب موازين المعادلة الطائفية لصالح الطائفة السنية سيرون في كلام البطريرك الراعي بضرورة إرسال النازحين السوريين بالقوة إلى بلادهم كلاما عاقلا.
إقرأ لنفس الكاتب:
الفوضى ولبنان
في تمجيد الغباء
وفي هذا الإطار أطلق نائب مسيحي رئيس تكتل قوي جدا صهر رئيس الجمهورية أرقاما كاذبة حول ما يتقاضاه الفرد السوري من معاش شهري قصد منه التضليل وهو نهج لطالما اتبعه هذا الشخص من أجل ادعائه أنه يدافع عن أبناء طائفته وهو العين الساهرة على القضايا التي يمكن أن تمس «وجودهم». وهذا النهج طبعا يتجاهل تحالفه مع حزب إرهابي وديني قد يشكل خطرا أكبر بكثير من موضوع النازحين السوريين.
المشكلة تكمن في تبني البعض لمنطق البارون الطائفي من دون مراجعة. تقول نوال مدللي سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة في تغريدة لها إن نواب الأمة ليس لديهم معلومات دقيقة عن وضع النازحين في لبنان. فالنائب جميل السيد- تضيف مدللي- يدعي أن النازح له الأفضلية في المستشفيات لأنه يدفع نقدا، فيما صهر رئيس الجمهورية يدعي أن النازح يحصل على معاش بين 5 و9 ملايين ليرة لبنانية لتؤكد سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة أن هذه المعلومات تحريضية مغلوطة وغير صحيحة وتدل على عدم التعاطي بجدية في أي ملف في لبنان. وهي تعلم أن نواب الأمة لا يتعاطون مع أي ملف إن لم يكن يصب في اتجاه مصالحهم الشخصية أولا وفي اتجاه التجييش الطائفي الذي يغذي التوجه العنصري والطائفي الذي تمتلكه تلك الجماهير.
أي نقاش في هذا الصدد لن يعطي نتيجة لأن صوت الكراهية التي ينطق بها نواب الأمة وبارونات الطائفية أقوى من صوت المنطق والعقل.
هذا الأمر ينطبق على الكثير من الأمور الأخرى مثل الحملة من قبل حزب الله وأعوانه على موضوع الحصار المفروض على لبنان، وذلك من أجل تبرير استقدام المازوت الإيراني من دون مراعاة القوانين المرعية الإجراء. النقاش هنا أيضا مع جمهور الحزب ومناصريه غير ذي جدوى... أن يحصل لبنان على مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وأن يسمح له باستجرار الغاز من سوريا والحصول على استثناء أميركي من قانون قيصر، وأن يستمر دعم الجيش من قبل الأميركيين بمئات ملايين الدولارات لا يدحض بروباغندا الزعيم. فيتهم من يتكل على المنطق والعقل لمواجهة تلك البروباغندا بالعمالة لأميركا وإسرائيل.
هذا الأمر ينطبق على حاكم مصرف لبنان الذي وجد في الطائفية حاضنة تحميه من مسؤوليته في الأزمة المالية التي أدت إلى إفلاس 99 في المائة من المودعين. الطائفية لا تأخذ بعين الاعتبار اتهام نيابات عامة في ثلاث دول غربية الحاكم بتبييض الأموال وحجزهم على ممتلكاته. للأسف.
الطائفية والعنصرية بكل أشكالهما الممارسين على مدى عقود وأزمنة ساهمت بشكل أساسي في خلق أزمة عقل يصبح فيها الفرد مبرمجاً بشكل يمجد الغباء.
لبنان في انتظار الخارج