بعد نحو أحد عشر شهراً من استقالة الحكومة السابقة برئاسة حسّان دياب، والتي استمرّت طوال هذه الفترة بالعمل ضمن حدود تصريف الأعمال الضيّقة جداً، تخطّى ميقاتي التحدّي الأبرز الذي واجه ولادة الحكومة، خصوصاً أن سلفه في التكليف سعد الحريري أمضى نحو تسعة أشهر بعد تكليفه بتشكيل الحكومة دون أن يتمكّن من إنجاز هذا التفاهم، في ظل العراقيل والمماطلة في عملية التأليف، ما أفضى إلى اعتذاره عن هذه المهمّة، وقبله السفير مصطفى أديب الذي استسلم سريعا.
وبذلك نكون أمام حكومة ستتمكن في القريب العاجل من ممارسة صلاحياتها التنفيذيّة الكاملة، وعليه تواجه حكومة ميقاتي استحقاقات ماليّة واقتصاديّة داهمة وتحديات جسيمة، نتيجة لتراكم عقود من الفساد، وتحويل إدارات الدولة لغنيمة تتقاسمها القوى السياسية والطائفية على حساب مصالح الناس.
ويترقب اللبنانيون كيفية إدارة حكومة ميقاتي لانهيار عمره عامين حوّل حياة اللبنانيين إلى جحيم، وصُنّف من بين 3 أسوأ أزمات في العالم، وأصاب نحو 75 في المائة من السكان بفقرٍ متعدد الأبعاد، وفق تقديرات دولية. وفيما أقرّت السلطات مشاريع جزئية، كإقرار البطاقة التمويلية التي يشكك كثيرون في آلية تنفيذها، يترقب آخرون خطة الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لاحقا، فهل تتمكن حكومة ميقاتي من انتشال لبنان من مستنقع الأزمات، وهل كان التأليف على قدر التوقعات؟ وكم من الوقت يحتاج لبنان للتعافي في حال سلك سكة الإصلاح؟ مجموعة من الأسئلة وغيرها طرحتها مجلة «المجلة» على الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة الذي أكّد على ضرورة إعطاء حكومة ميقاتي فرصة شهرين قبل الحكم عليها، مؤكدا أن هذه المهلة مفصلية؛ إما الإصلاحات وإما على لبنان السلام.
التسوية الفرنسية وكذبة «كسر الحصار»: لبنان رهينة بيد حزب الله
* هل ستتمكن حكومة ميقاتي من تحقيق ما عجزت عنه الحكومات السابقة؟
- لا شك أن خطوة التأليف وإنهاء دوامة العرقلة خطوة أساسية، وبالاتجاه الصحيح، والحكومة الجديدة تتضمن كفاءات، وهي أفضل الممكن في ظل الوضع الراهن ولو كان ثمة إمكانية لتأليف حكومة أفضل لكانت أبصرت النور. وكانطباع أولي توحي حكومة ميقاتي أنها ستُنتج، لا سيما مع وجود عدد كبير من الوزراء الجدد واقعيين ولديهم خبرة طويلة مع صندوق النقد، منهم نائب رئيس الحكومة باعتباره واحداً من رجال الـ«IMF»، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير المالية الذي يعتبر ابن مصرف لبنان، علماً بأن في الحكومة السابقة شهدنا خلافات كبيرة بين وزارة المال والمصرف المركزي، من هنا يستبعد «إعادة إسقاط تجربة حكومة دياب وبالتالي سيكون هناك تنسيق وتناغم وصوت واحد. ولكن الأهم إعطاء حكومة ميقاتي فرصة أقصاها شهران عندها يعرف الكتاب من عنوانه، لأن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل والمطلوب المباشرة بالخطوات الإصلاحية والخطط الإنقاذية بأسرع وقت ممكن».
* هل نحن أمام مرحلة وقف الانهيار؟
- تشكل العودة إلى طاولة المحادثات مع صندوق النقد الدولي حاجة ضرورية وماسة، لوضع لبنان على سكة الإصلاح، وفيما أعلن ميقاتي في وقت سابق أنه سيدخل تعديلات على خطة «ماكنزي للإنقاذ المالي» وهو ما يضع الحكومة أمام صراع مع الوقت، لأن أي تعديلات ستستغرق أسابيع أو أشهراً، علما أنه ليس لديها رفاهية الانتظار.
وإضافة إلى المفاوضات مع صندوق النقد، ثمة أولويات أخرى على حكومة ميقاتي المباشرة بها كالأزمات التي تزعج المواطن اللبناني، كالكهرباء والمحروقات عبر تحرير سعرها وبالتوازي السير بالبطاقة التمويلية وحل أزمة النقل لأن عددا كبيرا من المواطنين لن يعد بإمكانهم تحمل التكلفة الباهظة للتنقل بسياراتهم الخاصة، ومن هنا يجب تأمين برنامج للنقل العام، إضافة إلى معالجة أزمة الغلاء والقطاع التربوي.
كما أن الأهم أنه ينتظر من ميقاتي أن يكون رئيس فريق، لاتخاذ قرارات موحدة من قبل الوزارات.
* ترافق انهيار الليرة منذ خريف 2019 مع أزمة سيولة حادة، فكسرت تدريجيا أرقاما قياسية أمام الدولار في السوق السوداء، من 10 آلاف ليرة إلى 15 ألفا ثم تجاوزت 20 ألفا، لتبلغ أخيرا معدل 15 ألفا، فيما سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، ونتج عن تعاميم مصرف لبنان المركزي تعددية بأسعار الدولار (3900 ليرة للمصارف، و15500 لمنصة صيرفة). فهل ستضمن حكومة ميقاتي استقرار سعر صرف الدولار؟
- علما أني لا أحبذ نظرية المؤامرات ولعبة السوق، إلا أنه ما لم يكن طبيعيا أن يصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 25 ألف ليرة للدولار الواحد هو سعر نفسي وسياسي، أما الطبيعي فهو أن يكون سعر الصرف هو سعر المنصة أي (15500 ليرة).
ولكن اليوم هناك أجواء جديدة في البلاد ولا أحد يستطيع إنكارها وبالتالي من الطبيعي أن يتحسن وضع الليرة، ولكن هذا لا يعني أن هذا الأمر سيكون دائما وهو ما سيتأثر بإجراءات حكومة ميقاتي حتى إنه من الممكن أن يشهد الدولار مزيدا من الانخفاض في حال المباشرة بالتفاوض مع صندوق النقد وبدء دخول المليارات إلى لبنان على مراحل وهو ما سينعش الليرة حتما. إنما إذا تم فقط تحرير سعر المحروقات دون الإجراءات الأخرى المطلوبة، فعندها سينعكس الأمر سلبا على الليرة.
* كم من الوقت يحتاج لبنان للتعافي في حال سلك سكة الإصلاح؟
- من المتوقع في حال نفذت الحكومة الجديدة الإجراءات المطلوبة منها، وباشرت بالخطط الإصلاحية، أن يلمس المواطن تحسنا في الأوضاع المالية والمعيشية بدءا من عيد الميلاد، وبالتالي قبل العام الجديد قد نشهد نتائج إيجابية واضحة، أما في حال عدم قيامها بالإصلاحات المطلوبة فعلى لبنان السلام وعندها سيبدأ الجحيم الفعلي مع تفاقم جميع الأزمات.
والمطلوب من جميع اللبنانيين مهما كانت ميولهم السياسية والمذهبية أن يكونوا إيجابيين- وليس متفائلين- تجاه حكومة ميقاتي، عبر منحها الفرصة للعمل، لا سيما وأن وضع البلاد لا يحتمل المزيد من تأجيل المعالجة.