لندن: أظهرت صور فضائية بقعة نفطية ضخمة في البحر الأبيض المتوسط، مصدرها محطة بانياس السورية، قُدّر طولها بحوالي 36 كيلومترا قبالة الساحل السوري، لكن صورا أحدث تشي بأن بقعة النفط قد تكون أكبر من ذلك، ما قد يصل إلى مساحة ولاية نيويورك (حوالي 303 أميال مربعة).
وبيّنت صور من القمر الصناعي الأوروبي «سينتاين-1» (Sentinel-1) تجمعاً للنفط حول عدد من صهاريج النفط في محطة توليد الطاقة في بانياس، وتغطيتها ما يقارب 150 كيلومتراً مربعاً من البحر، وانتشارها على طول الساحل السوري، لتصل إلى مدينة اللاذقية، وقال مسؤولون بيئيون في جمهورية شمال قبرص التركية، إن 20 ألف طن من زيت الوقود قد تسربت من المحطة.
ونشرت «Orbital EOS» صورة فضائية تظهر حجم البقعة النفطية، ونقلت عن الصندوق العالمي للحياة البرية قلقه العميق حول التسرب النفطي الذي يهدد سواحل قبرص وتركيا بآثار فورية وطويلة المدى على النظم البيئية.
وتداول ناشطون وصفحات محلية في بانياس وجبلة صوراً لبقع الفيول، أظهرت مساحات كبيرة من الساحل مغطاة باللون الأسود، ووصول الفيول حتى الشواطئ.
قبرص في مرمى التلوث
هذا التسرّب أوّل ما هدّد حول سوريا، هدّد شمال جزيرة قبرص، والتي تربط بينها وبين سوريا المطلتين على البحر المتوسط حدود بحرية، وتبلغ المسافة بينهما 160 كيلومتراً، وقد أصدرت الحكومة القبرصية تحذيرًا بشأن البقعة، كما أعلنت تركيا وقبرص استنفاراً ثنائياً خوفا من تأثيرها على الأنشطة في سواحل تلك البلاد خاصة السياحة والصيد، وأعربت الحكومة القبرصية عن استعدادها لأن تمد يد المساعدة إلى السلطات في «جمهورية شمال قبرص التركية».
وشكّل رئيس الوزراء في شمال قبرص التركية (التي تعترف بها تركيا)، أرسان سانر، خلية أزمة بالتنسيق مع تركيا لمراقبة التسرب النفطي من الجانب السوري نحو سواحل بلاده، وأوضح في بيان أن خلية الأزمة تشكلت في مقر رئاسة الوزراء، مبينا أن مراقبة التسرب يتم بالتنسيق والتعاون مع تركيا.
كيماوي بشار عارياً أمام المجتمع الدولي
وقال إيرول أدالييه من مركز «ديب دايفينغ» للغوص الذي شارك في عمليات احتواء انتشار البقعة في شبه جزيرة كرباشا في شمال جزيرة قبرص: «نواجه كارثة كبرى. نتحدث عن 20 ألف طن من النفط... البقعة على مسافة 32 كيلومترا قبالة سواحل قبرص».
وقالت إدارة صيد الأسماك والبحوث البحرية القبرصية إنها اتخذت خطوات لإبلاغ السلطات في الشمال وأن الحكومة «مستعدة للرد وتقديم المساعدة إذا طلب منها ذلك».
وقال نائب رئيس تركيا، إن بلاده «سخرت كل الوسائل المتاحة لديهم للحيلولة دون تحول هذا التسرب إلى كارثة بيئية»، بحسب وكالة أنباء الأناضول الرسمية، وقد عملت السلطات في ولاية هاتاي التركية على تنظيف آثار التسرب النفطي في سواحل قضاء صمانداغ والمناطق القريبة منه، بالتعاون مع فرق إدارة حماية البيئة.
الرواية الرسمية مقابل أنباء أخرى
في دمشق، أعلنت الحكومة السورية، عن حادث تسرب «عرَضي» وقع في خزان الوقود في محطة بانياس للطاقة الحرارية، وقدرت كميات الفيول المتسربة ما بين طنين وأربعة أطنان، وزمن التسرب بما لا يتجاوز نصف ساعة، «إذ تم مباشرة التعامل مع الحالة من خلال إغلاق الفتحات المطرية في الحوض الترابي».
إلا أن جمعية الإنقاذ والسلامة البحرية الإسبانية أكدت أن التسرب أكبر مما كان متوقعًا، وتقدر مساحته بنحو 1000 كيلومتر مربع.
وفي اليوم التالي للحادث، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن البقعة وصلت إلى مدينة جبلة، على بعد حوالي 20 كيلومترا إلى الشمال، وأضافت أن فرقا بدأت بتنظيف المناطق الصخرية بالساحل، باستخدام آلات الشفط والرمال، لامتصاص الوقود.
وكان آخر ما نشره الإعلام السوري الرسمي حول القضية أن مدير الدفاع المدني في اللاذقية، جلال داؤود، انتهى من معالجة التلوث جراء تسرّب الفيول في منطقة العيدية على شاطئ جبلة، مشيرًا إلى ترحيل الفيول إلى الجهات العامة بالصهاريج، بحسب ما نقلته صحيفة «الوطن» المحلية، فيما قال مدير عام المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، محمود رمضان، إن فرق الصيانة في المحطة سيطرت على تسرب الفيول من أحد الخزانات.
وقد تضاربت الأنباء حول أسباب هذا التسرب، حيث أعلن مسؤولون سوريون في قطاع الكهرباء أن أحد خزانات الفيول تعرض لتصدع، ما أدى إلى التسرب، مستبعدين أن يكون الحادث ناجماً عن عمل تخريبي، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
عويس لـ «المجلة»: العقوبات الأميركية على الأسد مستمرة لكنها لن ترغمه على القبول بالتغيير
ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن داوور درويش، نقيب عمال الكهرباء في نقابة عمال طرطوس قوله إن السبب يرجع إلى شقوق في أحد خزانات الوقود في المحطة الحرارية، والذي يحتوي على 15 ألف طن من الوقود، وكانت وسائل إعلام سورية قد تحدثت عن تسرب نفطي من محطة لإنتاج الكهرباء في مدينة بانياس، ونقلت عن السلطات أن لجنة خاصة ستعمل على بحث الأسباب التي أدت إلى وقوع الحادث.
بينما رجّح ناشطون أن ناقلات نفط إيرانية غسلت خزاناتها قبالة الشواطئ السورية، وهو ما تسبب في تفاقم أزمة التلوث.
الاتحاد الأوروبي متفرّج لأسباب سياسية!
من جانبه، طالب رئيس برنامج المسؤولية البيئية للأعمال في الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) في روسيا، أليكسي كنيجنيكوف، الحليف الروسي لسوريا بتقديم المساعدة لها في تنظيف التسرب، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يقدم المساعدة «لأسباب سياسية».
وأضاف: «قدمت روسيا مساعدة كبيرة لدول البحر الأبيض المتوسط في إطفاء حرائق الغابات، وحجم عواقب التلوث في سوريا يستحق المساعدة على المستوى الحكومي الدولي في القضاء على عواقب تسرب النفط البحري وإزالة زيت الوقود من الساحل وسطح البحر، وتظهر التجربة أنه يمكن القيام بذلك بسرعة وكفاءة».
تنظيف بالأيدي
من جانبها، أعلنت مديرية البيئة في محافظة اللاذقية التابعة للنظام، عن اتخاذ «إجراءات عاجلة» في المواقع المتضررة، ونقلت وكالة «سانا» عن مديرة البيئة لمى أحمد قولها إنّ المحافظة عملت على اتخاذ إجراءات فورية بالتنسيق مع الجهات المعنية لمعالجة أماكن التلوث.
فيما أظهرت صور نشرتها الوكالة، وصور أخرى تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، عمليات تنظيف الشاطئ في بانياس باستخدام الأدوات المنزلية، وخراطيم المياه، والبعض كان يجمع الفيول بالأيدي، وهو ما سبب استنكاراً واسعاً ومطالبات لمؤسسات مياه الشرب والموارد المائية والصرف الصحي والخدمات الفنية بتوفير المعدات اللازمة لتنظيف الموقع والتنسيق مع مجلس مدينة جبلة.
وبرّرت المديرية العامة للموانئ ذلك بأن البقع وصلت إلى مواقع ملاصقة للصخور يصعب وصول الآليات الهندسية إليها، لافتة إلى أنه لا جدوى من فاعلية المواد الطافية في معالجة البقع.
الحادثة ترسو فوق كتف المواطن
وبما أن ميناء بانياس هو المصدر الأساسي للوقود والمنتجات النفطية السورية، فقد رفعت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية، سعر مبيع طن الفيول إلى 620 ألف ليرة سورية، بعد يومين من حادثة التسرب، مقابل 510 آلاف ليرة قبل الحادثة، بمعدل زيادة نحو 18.8 في المائة.
ويعد الفيول أحد المشتقات النفطية الرئيسية وأثقلها، ويُستخدم لتدفئة المنازل، وكوقود للشاحنات والسفن، وبعض أنواع السيارات، ولتشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية في المكاتب، بالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء.