بارقة أمل في وسط الظلمة التي خيّمت على لبنان طوال الأشهر الماضية، تحلّ مع تشكيل الحكومة، والعودة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فمع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، زادت الأسهم الإيجابية حيال التفاوض مع صندوق النقد والبدء بترتيب الأوضاع وصولًا للخروج من الأزمة، فهل تستطيع هذه الحكومة التي لا يتخطى عمرها الأشهر، وقف الانهيار وإعادة لبنان إلى طريقه الصحيح؟
قبل أكثر من عام غرقت الحكومة السابقة في التفاوض مع الصندوق الدولي، إلاّ أن هذه التفاوض وصل إلى طريق مسدود، فالجانب اللبناني غرق في تباين أرقام الخسائر والديون بين الحكومة ومصرف لبنان، فقدّم كل طرف أرقامًا مختلفة، ولم يجرِ الاتفاق على توحيد الأرقام، ما دفع الصندوق إلى التماس عدم الجدية، بانتظار توحيد الأرقام.
وبعد عدم الاتفاق، علّق لبنان عملية التفاوض مع الصندوق في تموز 2020. ورأى وزير المالية حينها، غازي وزني، أن المفاوضات مع الصندوق «علّقت، في انتظار بدء لبنان تنفيذ الإصلاحات بأسرع وقت ممكن، والتوافق على مقاربة الأرقام بشكل موحّد».
الدوامة التي وقعت فيها الحكومة السابقة هي كيفية توزيع المسؤولية بين: الدولة التي أخطأت بهذه الاستدانة المفرطة من دون خطة منهجية لتسديد ديونها، ومصرف لبنان الذي أمعن في الاستدانة من المصارف وإقراض الدولة والقيام بهندسات مالية لتعويض الخسائر، وجمعية المصارف التي تضخمت بشكل كبير على حساب المودعين ومن أموالهم واستفادت من الهندسات المالية والفوائد العالية، وهنا الإشكال الكبير والاشتباك الحقيقي الذي ستواجهه الحكومة بين مكوناتها.
ولكن هل ستنتهج الحكومة الجديدة ما قامت به الحكومة السابقة؟
في الشكل، لدى حكومة ميقاتي حظوظ أكثر في إنجاح التفاوض مع الصندوق، ولكن يؤكد كثيرون أنّ هناك تباين في الحكومة، على من محاولة إظهارها متجانسة، خصوصاً ان لكل مكون سياسي داخل الحكومة رأيه بخلفية مالية مختلفة.
فمعروف أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيكون منتصراً لمصرف لبنان اولا وللمصارف ثانيا خصوصاً ان من يتولى هذه المهمة ويده اليمنى في هذه الخطة هو النائب نقولا نحاس، شريك النائب إبرهيم كنعان في احباط خطة الحكومة.
وهناك تضارب في التوجهات حتى داخل التيار السياسي الواحد مثل «التيار الوطني الحر» الذي تبنى جزء منه منطق كنعان والقسم الآخر مع جبران باسيل، الذي كان ميالاً لخطة الحكومة وأرقامها، وهناك من لم يحسم موقفه بعد ويضرب ضربة على الحافر واخرى على المسمار. وتالياً السؤال الأكبر: كيف ستتعامل الحكومة مع هذا الاستحقاق الاساسي بعد اعادة قراءة الارقام التي تغيرت وارقام الخسائر التي انخفضت بفعل السياسات المالية والنقدية التي اعتمدت خلال الاشهر الماضية والسحوبات وتأخير اقرار قانون الكابيتال كونترول. والاتفاق على مبدأ توزيع الخسائر سيكون المدخل العريض لاقرار برنامج صندوق النقد وخطة التعافي.
وأيضا تكمن حساسية الوضع أنّ للدائنين حق، وهم القادرون على حشد الرأي العام العالمي ضد لبنان. فهناك «بين 3 و4 شركات دائنة، تشكّل ديونها أكثر من 25 بالمئة من حجم الدين الخارجي، وقادرة على وضع يدها على موجودات الدولة بمعدّلات لا نعرف أين يمكن أن تصل. وما يحسم المسألة هو الأشهر الثلاثة المقبلة. فإن كانت النتائج إيجابية، قد تفتح الآفاق أمام تعزيز ثقة المستثمرين والدائنين، وتفتح الآفاق أمام البنوك المراسلة لتعزيز التعاون مع لبنان».
أما الاختلاف حول الأرقام بين الحكومة والمركزي، فهي ليست أزمة كبيرة لأن «صندوق النقد يعرف الأرقام الحقيقية، والمشكلة الأكبر ليست في الأرقام، بل في الرغبة بالإصلاح».