تقول الأرقام الذي أفرزتها الانتخابات البلدية الأخيرة في مارس (آذار) من العام الماضي، بالإضافة إلى أرقام التصويت في انتخابات الرئاسية التركية في الصيف الماضي، إن هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية ممكنة التحقيق نظريا، لكنها تبدو أقرب إلى الاستحالة عمليا بسبب عجز قوى المعارضة عن صياغة خطاب موحد وبرنامج مشترك لحكم البلاد، في مقابل كتلة أصوات وازنة للحزب الحاكم تجعله صاحب الكلمة الفصل في تحديد مصير ومسار البلاد. فالمعارضة يجمعها عامل واحد هو العداء لرجل تركيا القوي، ومن ثم تختلف في كل شيء آخر تقريبا.
توضح لعبة الأرقام أن أحزاب المعارضة التركية نالت في الانتخابات البلدية ما مجموعه 19 مليونا و200 ألف صوت تقريبا، وهو رقم لا يقل بكثير عن أرقام حزب العدالة الذي نال 19 مليونا و600 ألف صوت تقريبا. أما في الانتخابات الرئاسية فقد ارتفعت أصوات إردوغان إلى نحو 20 مليونا و600 ألف صوت، مقابل 15 مليونا و600 ألف لمنافسه الرئيسي إحسان أوغلو، بالإضافة إلى 4 ملايين صوت لرئيس حزب «السلام والديمقراطية» الكردي صلاح الدين ديمرطاش، ما يبقي المعادلة نفسها.
لكن لعبة الوقائع تقول إن المعارضة فشلت في توحيد خطابها وبرنامجها، فيبقى حزب إردوغان المستفيد الأول. ويرى الخبير في الشؤون السياسية تايومان عليلي أن الواقع الانتخابي في تركيا لا يجمل أية مشكلات للحزب الحاكم، معتبرا أن المأزق الحقيقي الفعلي هو في المعارضة. ويشير إلى أن أحزاب المعارضة، الكبير منها الشعب الجمهوري أو المتوسط الحركة القومية أو الصغير كحزب السلام والديمقراطية، لا يختلفون في برامجهم الداخلية سوى بالتسميات، والفرق أن الأول يقول أنا ديمقراطي اجتماعي، والثاني يقول أنا قومي، والثالث يقول أنا إسلامي محافظ، أما حزب السلام والديمقراطية فيدعي أنه اشتراكي، ولكن ما يقوم به على أرض الواقع لا علاقة له بالاشتراكية.
[inset_right]أصوات المعارضة التركية تقارب أصوات الموالاة.. لكن تشتتها يعطي «العدالة والتنمية» أفضلية الحكم[/inset_right]
ورأى عليلي أن المعارضة لم تستطع أن تكون مؤثرة في مجالات أتيحت لها، وكان يمكن أن تكون بديلة للعدالة لتسلم السلطة، متهما حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية بأنهما «يلعبان دورا كبيرا في تحجيم الأحزاب الصغيرة لكي لا تكون منافسة لهم». وأضاف: «الشعب الجمهوري يترأسه كمال كيلتشدار أوغلو»، وحادثة درسيم كانت انتفاضة لمشايخ مدينة درسم (العلويين) على الجمهورية، ومن ثم غير اسم المدينة إلى تنجلي، الآن كمال كيليجدار أوغلو يستخدم اسم درسيم قبل اسمه للتعبير عن انتمائه الطائفي، ثم قام مع حزب الحركة القومية بترشيح إحسان أوغلو الذي لا علاقة له بالعلمانية أو بالقومية، وهذه التصرفات من الحزبين أدت إلى عدم ذهاب 25 في المائة من الناخبين إلى صناديق الاقتراع».
ويشدد عليلي على أن من أهم الأسباب التي تجعل «العدالة» يحقق انتصارات منذ 2002 هو قانون الانتخابات والحاجز النسبي الذي يجبر الأحزاب لدخول البرلمان أن تحصل على نسبة 10 في المائة من مجموع الأصوات في تركيا، فيذهب الناس مجبورين لإدلاء أصواتهم لأحزاب لا تمثلهم. ويقول: «مثلا نسبة كبيرة جدا من ناخبي الحزب الجمهوري أو الحركة القومية تصوت للحزبين، فقط لمجرد منع العدالة والتنمية من تحقيق أرقام قياسية في الانتخابات».
ويأخذ عليلي على الأحزاب التركية أنه «لا يوجد بينها تجانس في الأفكار»، مؤكدا أنها لن تتحد وبالتالي لن تستطيع الوصول إلى سدة الحكم، وسيبقى العدالة والتنمية على المسرح السياسي دون بديل.
ويرى الناشط اليساري كمال أوكيان أن أحزاب المعارضة في آيديولوجيتها وسلوكها لا تختلف كثيرا عن حزب السلطة العدالة والتنمية، فحزب الحركة القومية لا يوجد فرق كبير بينه وبين العدالة في أغلبية المواقف الدولية والمحلية، فكلاهما يتبنى الفكر التركي المحافظ، بل في بعض الأحيان لا يترددون في وصف أنفسهم بالطورانية العرقية، ويجد في صفوف العدالة العشرات من أعضاء البرلمان الذين يؤمنون بالطورانية العرقية، كما أن العثمانية الجديدة ليست من بنات أفكار العدالة ولكنها طرحت من قبل الحركة القومية في السبعينات من القرن الماضي، ولكن لم تتح لهم الفرص لكي يعلنوها مثل العدالة والتنمية.
وشدد أوكيان أن الغالبية العظمى من مؤيدي الحركة القومية يؤيدون حزب العدالة، معطيا مثلا على ذلك موضوع انتخاب الرئيس السابق عبد الله غل، إذ صوتت الحركة القومية لصالحه ما أدى إلى وصوله من الدورة الأولى، كما أن جميع مذكرات إرسال الجيش التركي خارج الحدود نالت تأييد حزب الحركة القومية». ورأى أن أحزاب المعارضة لن تستطيع أن تحقق أي تقدم في نسبة الأصوات التي تأخذها إذا استمر على هذه الحال، بل ستفقد أصوات مؤيديها، معربا عن اعتقاده بأن تركيا تحتاج إلى أن تغير المعارضة القومية والعلمانية أسلوبها وإلا فلن تتغير الحال في انتخابات 2015.
[caption id="attachment_55252839" align="alignleft" width="209"] رئيس تحرير جريدة (زمان) الأكثر مبيعا في تركيا خلال مظاهرة ضد استهداف الحكومة التركية حرية الإعلام (غيتي)[/caption]
وترى فيجان يوكسيك داغ، الرئيسة المشاركة لحزب السلام والديمقراطية (الكردي)، أن جميع أحزاب المعارضة في تركيا لا تختلف في المضمون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم رغم اختلاف آيديولوجياتها. وتقول: «حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية لا يختلفان عن الحزب الحاكم في نظرتهم إلى الدولة التركية على وضعها الحالي، ولا يريدون تغيير أي شيء من هذا الوضع، ولهذا السبب تحتاج تركيا إلى معارضة ديمقراطية حرة تكون بالفعل لسان حال أكبر طبقات الشعب التي تأمل أن يكون هناك حزب يمثلها حقا وحقيقة، لأن المعارضة الموجودة حاليا بالفعل ليست معارضة جادة ولا تهدف إلى أن تكون معارضة لسلطة حزب العدالة، ولهذا السبب لم يستطع كلا الحزبين أن يكون بديلا أمام الشارع التركي لغطرسة حزب العدالة والتنمية، كما أن هذه المعارضة لا تتمتع ببعد نظر وقراءة للتطورات سواء على صعيد الداخل أو الخارج ويكتفون بإطلاق الشعارات والنعرات».
وأشادت يوكسيك داغ بتجربة حزبها الذي شارك في انتخابات رئاسة الجمهورية وحظي بثقة ما يقرب من الـ10 في المائة من أصوات الناخبين، معتبرة أن الحزب قد يكون بديلا للمعارضة التقليدية التي لم تستطع تحقيق أي نجاح منذ 12 عاما من حكم العدالة، حيث دخلت هذه الأحزاب 8 انتخابات لم تستطع تحقيق أي نجاح يذكر.
واعتبرت أن هذه النتيجة أتت مفاجئة للجميع، حتى للحزب نفسه الذي حصل على أصوات في مناطق البحر الأسود، وهذه مناطق معروف عنها بالقومية المحافظة، كما حصل على نسبة كبيرة من الأصوات في إزمير وأنقرة وإسطنبول كان لها نصيب الأسد في عدد الأصوات التي حصل عليها.
وردا على سؤال حول عدم الاستجابة لدعوات حزب الشعب الجمهوري الذي ينادي برص صفوف اليسار واليسار الديمقراطي حوله، قالت: «في الحقيقة منذ 90 عاما على تأسيس هذا الحزب يدعي بأنه يمثل اليسار في تركيا، ولكن في الحقيقة دائما يقود حافلة الحزب على جهة اليمين في تركيا». وأضافت: «لا ننسى أن حزب الشعب الجمهوري أسس مع تأسيس الجمهورية، أو بالأحرى هو الحزب الذي أسس الجمهورية، ولهذا يبقى هذا الحزب من أكثر الأحزاب التي تدافع عن بقاء الوضع الحالي واستمراريته بكل قواه، ولهذا السبب لا يمكن للقوى اليسارية التحررية الديمقراطية أن تدخل تحت راية الشعب الجمهوري».
وكشفت عن مساعٍ بذلت لوضع برنامج انتخابي موحد مع الشعب يحظى بقبول الجميع، ويكون على أساس ديمقراطي حر ينادي بالمساواة والمواطنة وحرية التعبير وحرية التعليم باللغة الأم لجميع مكونات الشعب في تركيا، لكنها أشارت إلى أن الشعب الجمهوري لم يوافق على المبادئ التي طرحناها للتحالف معه لدخول الانتخابات لأنهم في الحقيقة يخافون من إعادة تشكيل الدولة التركية على أساس ديمقراطي حُرّ يضمن حقوق جميع المواطنين في حرية التعبير عن انتمائهم العرقي والطائفي والديني»، مشيرة في المقابل إلى أن حزب الشعب الجمهوري «جنح إلى ترشيح مرشحين للبلديات من أصول قومية فاشية في كثير من المدن، مما أدى إلى قلق شديد بين مؤيدي وأعضاء الحزب ولم يتعلم من أخطائه في الانتخابات المحلية، بل كرر نفس الأخطاء في انتخابات الرئاسة، ورشح أكمل الدين إحسان أوغلو الذي يعتبر من أصول الإسلام السياسي التركي»، معتبرة أن هذه التصرفات الأخيرة للحزب أثبت دون أي شك أن الحزب يتوجه يوما بعد يوم إلى اليمين.
وأشارت إلى أن ردود الفعل من المؤيدين للحزب من اليساريين والديمقراطيين كانت عنيفة بالأحرى من بعض أعضائه في البرلمان، كما أن الأغلبية من مؤيدي الحزب من الجناح اليساري فضلوا التصويت لصالح مرشحنا صلاح الدين دميرطاش بدلا من إحسان أوغلو.
وأكدت يوكسيك داغ أن الحزب يستعد لخوض الانتخابات التشريعية في عام 2015 كحزب مستقل، ولن يقوم بأي اتفاق مع أي حزب، وبهذه الخطوة سيكون للشعب بديل ثالث بدل الشعب الجمهوري والعدالة، من دون أن تسقط احتمال التحالف في حال غير الشعب الجمهوري سياسته».
[blockquote]
أحزاب المعارضة: علمانيون وقوميون وأكراد.. وخصم واحد
ويوجد كثير من الأحزاب التركية، لكن أحزاب المعارضة الرئيسية هي ثلاثة أحزاب فقط، أكبرها هو حزب الشعب الجمهوري، الذي أنشأه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال المعروف بـ«أتاتورك» عام 1923، وقاد من خلاله البلاد طوال فترة رئاسته، حيث كان الحزب المرخص الوحيد في البلاد آنذاك، قبل أن تنشأ أحزاب أخرى بدأت بامتصاص قوته رويدا رويدا، لكنه يبقى ثاني الأحزاب في البرلمان التركي بـ134 مقعدا، أي بأقل من نصف مقاعد العدالة والتنمية البالغة 317 مقعدا. ويقوده اليوم كمال كيلتشدار أوغلو، وهو من الأقلية العلوية في البلاد. وتتركز قوة هذا الحزب في المناطق الساحلية، وتحديدا في إزمير وأنطالية، حيث يسود الطابع الغربي على السكان، خصوصا في الجزء الأوروبي من البلاد، كإزمير التي تعتبر من أهم قلاع الحزب. ويتميز الحزب بقاعدة شعبية يسارية علمانية، تتعارض مع قواعد الأحزاب اليمينية والمحافظة. لم يتمكن من تشكيل حكومة منفردة منذ أكثر من 40 سنة، لكنه شارك بحكومات ائتلاف مختلفة كان آخرها عام 1993.
[caption id="attachment_55252840" align="alignright" width="300"] تظاهرة ضد الفساد في حي كاديكوي في اسطنبول تحمل صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورجل الدين التركي فتح الله غولن تطالب بتعديلا وزارية (غيتي)[/caption]
أما الحزب الثاني فهو حزب الحركة القومية، الذي يقوده دولت بهجلي، وهو حزب قومي متشدد، أسسه الضابط التركي ألب أرصلان توركش، أحد قادة الانقلاب على المدنيين عام 1960. ودخل أكثر من ائتلاف حكومي، خصوصا مع الأحزاب اليمينية، وله حاليا 52 مقعدا في البرلمان. ويتقارب هذا الحزب مع العدالة والتنمية في قاعدته اليمينية المحافظة، مع تشدد أكبر من جانبه في ناحية القومية التركية التي تحدد وجهة نظره من مختلف القضايا التي تواجهه.
أما الحزب الثالث فهو حزب السلام والديمقراطية، أو «ديمقراطية الشعوب»، وهو حزب كردي خالص، يشكل كتلته البرلمانية في كل دورة انتخابية من خلال تجميع المستقلين وتشكيل حزب لاحقا، خلافا لمنطق الأمور الذي يقول إن الحزب يخوض الانتخابات كوحدة متكاملة. والسبب في هذا أن القانون التركي يفرض حاجزا نسبيا أمام الأحزاب لدخول البرلمان، هو حصولها على 10 في المائة من أصوات الناخبين لكي يحق لها التمثل في البرلمان، وهو ما يعجز عنه الأكراد حاليا، ما يعني أن دخولهم كحزب إلى الانتخابات قد يحرمهم من أي مقاعد، إذ توزع أصواتهم على الأحزاب الأخرى التي اخترقت الحاجز النسبي، فيتحايلون على القانون من خلال الترشح كمستقلين منفردين، ثم الإعلان عن تجمعهم في كتلة برلمانية بعد قسم اليمين الدستورية. ولدى الحزب الآن 29 مقعدا في البرلمان.
وبالإضافة إلى الأحزاب الرئيسية، هناك مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي لم تتمثل في البرلمان، ومنها:
- حزب العمل التركي: وهو يساري علماني، تأسس عام 1992 على يد زعيمه الحالي دوغو برينتشك، وهو يتبنى خطابا معاديا لـ«الإمبريالية» والغرب، كما يرفض تبني الدين أو العرق كأساس لبناء الأحزاب.
- الحزب الشيوعي التركي: تأسس عام 2001 ويتزعمه ياشار تشليك، وهو من الأحزاب الناشطة في الشارع التركي، ويقوم بنشاطات كثيرة مناوئة للحزب الحاكم من دون أي تقارب فعلي مع بقية أحزاب المعارضة.
- حزب تركيا المستقلة: من الأحزاب حديثة النشأة في تركيا، أسسه في عام 2011 حيدرباش الذي يتزعمه حاليا. ويتبنى هذا الحزب خطابا يدعو إلى العودة إلى الجذور الشرقية والإسلامية «حيث منبع الحضارة التركية»، وهو من أشد معارضي انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، كما يعارض مساعي الحكومة إلى دخول الاتحاد الأوروبي.
- حزب السعادة: هو حزب إسلامي تأسس عام 2001، كبديل لحزب الفضيلة الذي حلته المحكمة الدستورية، علما بأن إردوغان وأغلب أعضاء حكومته كانوا ينتمون إليه قبل خروجهم منه وتأسيس حزب العدالة والتنمية. تولى رئاسته رجائي قوطان تحت توجيهات نجم الدين أربكان، ويترأسه حاليا مصطفى كمالاك، وتمثيله الشعبي ضعيف جدا.
- الحزب الديمقراطي اليساري: حزب علماني تأسس عام 1985 ودخل البرلمان مرة وحيدة في عام 1997. يتزعمه السياسي المعروف معصوم توركر.
- الحزب الاشتراكي العمالي: حزب يساري متشدد تأسس عام 1974 بتأثير المد الشيوعي، وبقي حجمه التمثيلي غير معروف لعدم قدرته على اجتياز الحاجز النسبي، وهو من الأحزاب التي تميل إلى «العمل الثوري» على الأرض.
- الحزب الديمقراطي (الطريق القويم سابقا): تأسس عام 1983 بواسطة حسام الدين جيندروق، نيابة عن زعيمه السياسي سليمان ديميريل الذي كان محروما من النشاط السياسي. وفي عام 1988 عاد ديميريل لرئاسة الحزب وتمكن من الفوز بمقعد المعارضة البرلمانية عام 1989، وفى عام 1991 حقق المرتبة الأولى متقدما على الوطن الأم الحاكم آنذاك، ومنها شكل ديميريل حكومة ائتلاف بين 1991 – 1993، لكن تولي ديميريل رئاسة البلاد عام 1993 بعد وفاة تورجوت أوزال اضطره إلى الاستقالة، فترأسته طانسو شيلار التي فشلت حكومتها الائتلافية في قيادة البلاد خلال الأزمة الاقتصادية عام 1994، ما أدى إلى سقوطه بعد ظهور حزب الرفاه.
[/blockquote]
غولن.. بدأ حليفا لإردوغان وانتهى بالبطاقة الحمراء
حركة «خدمة»: مدارس ومؤسسات إعلام.. ونفوذ في إدارة الدولة
تعتبر حركة «خدمة» من الوافدين الجدد إلى عالم المعارضة التركية، بعد أن كانت في صلب النظام الذي بناه حزب العدالة والتنمية. يترأس الجمعية الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الشيخ فتح الله غولن، الذي غادر البلاد في التسعينات بضغط من الجيش الذي كان يسيطر على مفاصل البلاد. ويقال إن غولن كان عراب وصول إردوغان إلى السلطة في تركيا، قبل أن يختلف معه في العام الماضي ويظهر الخلاف إلى العلن.
لا يوجد لحركة «خدمة» هيكلية تنظيمية واضحة، لكنها تنشط في المجال الإعلامي والاقتصادي بقوة، وهي تسيطر على ثاني أكبر المجموعات التلفزيونية وتصدر أكثر الصحف انتشارا في البلاد. ورغم ذلك، تتعاطى الحكومة التركية مع هذه الحركة التي يعتقد أنها تمتلك نحو 7 ملايين منتسب، على أنها «العدو رقم واحد»، ويبدو ذلك جليا من الحملة التي باشرتها الحكومة ضدها بتهمة تشكيل كيان موازٍ داخل الشرطة والقضاء.
[caption id="attachment_55252841" align="alignleft" width="300"] متظاهرون اتراك يحملون اللافتات والأعلام قرب محكمة في وسط مدينة قيصري في 21 يناير 2015 بعد الحكم على اثنين من الشرطة التركية بالسجن لمدة 10 سنوات بشأن مقتل متظاهر في سن المراهقة [/caption]
ويعتقد أن الحركة استطاعت التغلغل في مؤسسات الدولة التركية إلى حد كبير، خصوصا في الشرطة والقضاء، ما سهل عليها توجيه ضربة قوية للحكومة والحزب الحاكم في ديسمبر (كانون الأول) 2013، عندما وجهت الاتهامات إلى 3 من أبناء الوزراء في حكومة إردوغان بتهمة الفساد، وصولا إلى ابن رئيس الوزراء بلال إردوغان الذي تحدثت تسريبات كثيرة عن دور له في هذه العملية.
وأبدى منتسبو هذه الحركة شجاعة كبيرة في مواجهة الحملة التي شنتها الحكومة ضدهم، فكان قضاة التحقيق يوجهون الاتهامات، والشرطة تدهم وتقبض على المقربين من الحزب الحاكم. وكان لافتا مثلا قيام وحدة من الشرطة بالانتقال من محافظتها إلى محافظة أخرى لتنفيذ عمليات دهم استهدفت جمعية إنسانية تابعة للحزب الحاكم بتهمة دعم تنظيمات إرهابية ونقل سلاح إلى سوريا.
وبعد هذه العملية بدأت حكومة إردوغان حملة شرسة على منتسبي الجماعة، يعتقد أنها طالت أكثر من 50 ألف موظف حكومي، تمت إقالتهم أو تغيير مكان عملهم إلى أماكن نائية.
بعد ذلك، صدرت عدة تسجيلات صوتية، يعتقد أن مقربين من الحركة حصلوا عليها من خلال التنصت على مسؤولين كبار في الدولة، بينهم رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان نفسه، الذي صدر تسجيل شهير منسوب إليه يحادث من يوحي التسجيل بأنه ابنه بلال طالبا منه إخفاء أموال.
لم تخُض الحركة أية انتخابات واضحة، لكن يقال إنها وقفت بكل قوتها وراء اختيار المرشح أكمل الدين إحسان أوغلو الذي تبنته أحزاب المعارضة الرئيسية كمرشح مشترك، لكن نتائج هذا التحرك كلها لم تكن إيجابية بالنسبة إلى الحركة، فقد فاز حزب إردوغان بالانتخابات البلدية رغم كل التسجيلات والتسريبات، ثم فاز لاحقا برئاسة البلاد، معلنا غولن عدوا للدولة وصولا إلى توجيه الاتهام المباشر إليه والطلب من الإنتربول القبض عليه وتسليمه إلى تركيا.
وترتكز الحركة على قاعدة واسعة من المدارس الخاصة التي تنتشر في تركيا و162 دولة أخرى. ويقول خصومها إنها تختار من بين تلاميذها أفضلهم لتوجيههم، ودفعهم إلى مراكز عليا في الدولة بمساعدة أعضاء الجماعة النافذين كل في مجاله، ما يخلق نوعا من الهالة حول هذه الجماعة الشديدة التنظيم والفعالية.