لندن: تتحدث دول مجلس التعاون الخليجي عن خطط ورؤى طَموحة لمرحلة ما بعد النفط منذ أكثر من 3عقود، وعلى مدار سنوات عملت على تنويع اقتصاداتها وتركيز اعتمادها على طاقاتها البشرية المحلية، ليس بهدف التنمية فحسب، بل في سبيل التحدي والدفع بأفكار جديدة وأنشطة فريدة.
هذا التحدي، جلب تجارب جديدة إلى المشهد الاقتصادي، واستحدث قطاعات فريدة، وطوّر قطاعات كانت ضامرة فيما سبق.
الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان علي بوحليقة تحدث لـ«المجلة» عن مستقبل دول الخليج في مرحلة ما بعد النفط، وتأثير ذلك على مكانة تلك الدول وعلى مواطنيها. وإليكم نص الحوار:
* كيف تستعد دول الخليج لمرحلة ما بعد النفط؟
- الاستعداد لما بعد النفط بدأ منذ عقود، ففي السعودية مثلاً بدأ التخطيط التنموي منذ عام 1970حين أطلقت أول خطة تنموية خمسية هدفها الأول تنويع الاقتصاد، والثاني الاعتماد على الموارد البشرية للمواطنين. أي أن التنويع كان هاجساً لها منذ ذلك الوقت، وهنالك أيضاً تحرّكات مشابهة في بقية دول الخليج، ما يعني أنه لم يكن ليغيب عن الأذهان وقتها أن النفط ناضب، نعم هو ثروة ناضبة، والمرتكز الأساسي هو أن التنويع الاقتصادي والاعتماد على الموارد المحلية- وفي مقدمتها الموارد البشرية- هو الحلّ.
ارتكز التطبيق إلى تنويع المصادر والاستفادة من العوائد النفطية لإيجاد بنية تحتية متقدمة تستطيع تعزيز التنوع الاقتصادي وتطوير الموارد من تعليم وتدريب وإيجاد البيئات الحاضنة.
الاقتصادات الخليجية من الأقوى في المنطقة العربية إجمالاً، والاقتصاد السعودي هو الأكبر عربياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي دون منازع، والأكبر إقليمياً، وتجدر الإشارة إلى أننا حتى لو استبعدنا النفط، يبقى الاقتصاد السعودي في كثير من الأنشطة هو الأكبر، أي لو استبعدنا النفط والصناعات النفطية من الناتج المحلي، يكون القطاع الصناعي السعودي غير التحويلي هو الأكبر عربياً.
* كيف ستؤثر هذه الرؤى الاقتصادية والتنويع الاقتصادي على المواطن الخليجي؟
- سيكون تأثيرها إيجابياً بالتأكيد، حيث عملت دول الخليج على التحرك بتراتبية تصاعدية للخروج من حالة الريع (للمواطن) إلى حالة الإنتاج، وأدركت هذه الدول أن تحقيق ذلك لا يتم إلا من خلال الدفع لإنتاجية أعلى واستغلال المحتوى المحلي، وأبرزه جهد المواطن والموارد البشرية.
هنالك تفاوت في تحقيق ذلك بين دول التعاون، والسبب صعوبة الانتقال من الاتكاء الكلّي على مورد وفير يجلب للخزانة العامة الكثير من المال، نتيجة لبيع النفط، بالإضافة إلى أن دفع المواطنين إلى العمل لمؤسسات غير حكومية أو غير نفطية شكل تحدياً كبيراً، لذلك انطلقت حملات السعوَدة والكَويَتة والأمرَتة، من باب فرض وجود العنصر البشري المحلي كأساس للتنويع الاقتصادي.
* كيف يبدو مستقبل الخليج الاقتصادي خاصة وأن النفط ثروة ناضبة كما أسلَفت.. كيف ستتأثر مكانة دول مجلس التعاون الخليجي إيجابا أو سلبا؟
- بحسب استراتيجية الخروج من مرحلة الاعتماد الكلي على النفط، لا يمكن أن يكون الخروج صادماً، والسبب أن الدول بلا شك ستواجه ارتباكاً اجتماعياً واقتصادياً واضحاً جداً، وليس بوسع أي دولة خليجية أن تقود تلك المغامرة، بل ستؤجل الموضوع للوصول إلى تلك اللحظة، إلى أن يتم الاستغناء عن النفط أو إلى أن تصبح عوائده غير كافية، أو تمثل الجزء الأدنى من إيرادات الخزانة. لذلك نجد أن دول المجلس دخلت في استراتيجيات طويلة المدى للتنويع. المملكة العربية السعودية مثلاً، أطلقت رؤية 2030، وهنالك رؤى مماثلة في عمان والكويت والبحرين والإمارات، وكلها جهود انصبّت على تنويع الاقتصاد، بحيث يكون الاعتماد على القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار وجلب استثمارات جديدة وتوسيع المشاركة الاقتصادية للمواطنين نساءً ورجالاً، بالإضافة إلى الجهود الكبيرة لرفع مشاركة المرأة في سوق العمل. وقد تم ذلك على مسار زمني طويل، ومثاله رؤية المملكة، حيث أطلقت عام 2016، أي ستستغرق 15سنة للسعي في هذا الاتجاه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن رؤية المملكة تستهدف الوصول إلى تريليون ريال سعودي كإيرادات غير نفطية بحلول 2030، وما حدث العام الماضي 2020عام الجائحة أن الإيرادات غير النفطية تقاسمت المشهد مع الإيرادات النفطية، أي أنه مع تدهور أسعار النفط وشح الطلب، فاقت الإيرادات غير النفطية في عام الجائحة الإيرادات النفطية في الربع الثاني من العام.