بون: تتوجه ألمانيا بعد أسبوع لطي صفحة تاريخية لأنجيلا ميركل في انتخابات تسودها أجواء تنافسية محمومة هي الأكثر إثارة منذ عام 2005، عندما تم انتخاب المستشارة لأول مرة. ومن المقرّر أن تجري الانتخابات الألمانية في تاريخها المحدد يوم 26 سبتمبر (أيلول) 2021؛ لكن هذه المرة ربما تكون مختلفة عن سابقتها، بسبب غياب المستشارة الألمانية التي سيطرت على المشهد السياسي طوال 16 عاماً، استطاعت خلالها الحفاظ على منصب المستشارية لأربع فترات انتخابية؛ وهذا من شأنه أن يخلق الكثير من الهواجس لدى الناخب الألماني، ويعيد ثقته بحزب المستشارة ميركل وربما باقي الأحزاب أبرزها الحزب الاشتراكي الديمقراطي. أمّا أبرز الأحزاب المرشحة للمستشارية فهي الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) مع شقيقه، الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) وحزب الخضر.
يشارك في انتخابات البرلمان الألماني (البوندستاغ) العشرين نحو 54 حزبا سياسيا في عدد زاد عن انتخابات عام 2017، التي تمت بمشاركة 48 حزبا شارك منهم فعلياً 42 حزبا فقط، حيث فاز بمقاعد في البرلمان سبعة أحزاب، استطاعت أن تعبر عتبة الـ5 في المائة لتضمن تمثيلها في البرلمان.
* صعوبة التنبؤ بالنتائج التي قد تحققها الأحزاب في الانتخابات الألمانية
هذا، وتشير غالبية استطلاعات الرأي إلى صعوبة التنبؤ بالنسب التي قد تحققها الأحزاب للفوز في هذه الانتخابات لتقدم مرشحها لمنصب المستشار الألماني، وكذلك صعوبة التنبؤ بتركيبة الائتلاف الحكومي الذي سيحكم ألمانيا بعد الانتخابات. وعلى الرغم من تباين الآراء حول تأثير استطلاعات الرأي العام على توجهات الناخبين وقراراتهم الانتخابية وما تعكسه من توقعات.
تقدم مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي
أظهرت آخرالاستطلاعات تقدم مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس على باقي المرشحين، وقد جرت العادة أن يفوز الحزب المسيحي الديمقراطي بالمرتبة الأولى فيها يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي. غير أن صعود نجم مرشح الحزب الاشتراكي أولاف شولتس وحزب الخضر قد يقلب هذه المعادلة المستمرة منذ عقود[1].
عكست نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد «يوغوف» لقياس مؤشرات الرأي ونشرت نتائجه في 27 أغسطس (آب) 2021، تزايد شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 24 في المائة بزيادة نحو 8 في المائة عن آخر استطلاع أجراه نفس المعهد في يوليو (تموز) 2020. وفي المقابل تراجعت شعبية المحافظين بنحو 6 في المائة ليحصل على 22 في المائة فقط، بينما ظل حزب الخضر عند 16 في المائة، كما ارتفعت شعبية الحزب الديمقراطي الحر إلى 13 في المائة، بينما تراجعت شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا إلى 11 في المائة، واستقرت شعبية حزب اليسار عند 8 في المائة. [2]
يشير تاريخ ألمانيا إلى التنافس الحتمي القائم بين الأحزاب التقليدية، وهي الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وكان هذا التنافس يتم على مستوى الولايات الفيدرالية وبدرجة أكثر وضوحاً على المستوى الاتحادي؛ إلا أن التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها ألمانيا خلال العقود الماضية دفعت إلى صعود قوى جديدة وتقوية مراكز وشعبية أحزاب قائمة. فبينما ظهر حزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للمهاجرين والمعادي لفكرة الاتحاد الأوروبي نتيجة المخاوف التي أثارتها موجة اللاجئين التي شهدتها ألمانيا خلال العام 2015 والأعوام التي بعده، شهد حزب الخضر المتبني لمبدأ حماية البيئة والمناخ تزايدا كبيرا في شعبيته مع تزايد الوعي البيئي في المجتمع. [3]
التضليل حول الانتخابات خلال جائحة كورونا
انتشرت الادعاءات المضللة في ألمانيا بشأن التصاريح الصحية المتعلقة بكوفيدـ19، وذلك قبل أسابيع من إجراء الانتخابات في البلاد. فقد نشر مستخدمو الإنترنت على وجه الخطأ معلومات تفيد بأن المواطنين الذين لم يتلقوا جرعات اللقاح المضادة لكوفيدـ19، لن يسمح لهم بالتصويت في مراكز الاقتراع الألمانية. ولكن المفوض الفيدرالي للجنة الانتخابات الألمانية جورج تيل نفى مرارا تلك الشائعات، قائلا في بيان: «إنه من الممكن أيضا لغير الملقحين والذين لم يجروا اختبارا أن يمارسوا حقهم في التصويت، شرط مراعاة الإجراءات الصحية المطلوبة». وأضافت اللجنة أن تطبيق الإجراءات سوف يعمم عبر أنحاء البلاد، لحماية المواطنين الألمان خلال قيامهم بعملية التصويت. ومع اقتراب موعد الانتخابات لوحظ أن المعلومات المضللة بشأن صناديق الاقتراع وتزوير الانتخابات قد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. [4]
* تنافس تاريخي بين الأحزاب التقليدية على خلافة ميركل
مخاوف من هجمات سيبرانية
لا تخفي الحكومة الألمانية أن التعرض إلى هجمات إلكترونية سيبرانية، خلال الحملات الانتخابية أو ربما خلال التصويت، يمكن أن يغير رأي الناخب ويمكن أن يصعد كفة بعض النواب ضد آخرين.
في هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) 2021، أن ألمانيا احتجت لدى روسيا على محاولات سرقة بيانات من نواب، فيما تشتبه أنه استعداد لنشر معلومات مضللة قبل الانتخابات الألمانية المقبلة. وقالت أندريا ساس، المتحدثة باسم الخارجية الألمانية، أن مجموعة قرصنة إلكترونية تدعى «غوسترايتر» (الكاتب الشبح) «كانت تجمع بين الهجمات الإلكترونية التقليدية وعمليات التأثير والتضليل»، مضيفةً أن الأنشطة التي تستهدف ألمانيا ملحوظة «منذ فترة». وأضافت أنه قبل الانتخابات البرلمانية الألمانية المقررة في 26 سبتمبر الجاري، هناك محاولات، باستخدام رسائل التصيد الإلكترونية ووسائل أخرى، للحصول على بيانات الدخول الشخصية لنواب اتحاديين ونواب ولايات، بهدف سرقة هوياتهم. كما قالت ساس للصحافيين في برلين: «هذه الهجمات قد تعد استعدادات لعمليات تأثير، مثل حملات التضليل، تطال الانتخابات البرلمانية». [5]
مناظرة بين المرشحين الثلاثة
أجريت يوم 12 سبتمبر 2021 ثاني مناظرة (من أصل ثلاث) بين المرشحين الثلاثة لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل: أنالينا بيربوك، وآرمين لاشيت وأولاف شولتس. وأظهر استطلاعان للرأي أجريا بعد المناظرة مباشرة، أحدهما لصالح القناة الأولى (ARD) والثاني لصالح القناة الثانية (ZDF) اللتين أشرفتا على المناظرة، أن أولاف شولتس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي تفوق على منافسيه، المرشح المحافظ آرمين لاشيت ومرشحة حزب الخضر المعارض أنالينا بيربوك. وبهذه النتيجة يمكن للمرشح الاشتراكي شولتس أن يعزز حملته لخلافة ميركل في الانتخابات التي تجرى خلال أسبوعين.
وأظهر استطلاع للقناة الأولى (ARD) تم إجراؤه بعد فترة وجيزة من المناظرة التي استمرت 90 دقيقة أن 41 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن شولتس كان الأكثر إقناعا مقابل 27 في المائة للاشيت و25 في المائة لمرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك. كما انتهى استطلاع القناة الثانية لنتيجة مشابهة. [6]
* تأثيرات دراماتيكية لأحداث الشرق الأوسط على الوضع السياسي الداخلي في ألمانيا
مداهمة وتحقيق في قضية غسل الأموال
داهم مدعون ألمان مقر وزارتي المالية والعدل، يوم 9 سبتمبر 2021 في إطار تحقيق في احتمال تورط الوكالة الحكومية لمكافحة غسل الأموال في محاولات لعرقلة سير العدالة. وينظر التحقيق فيما إذا كانت وحدة المخابرات المالية تقاعست عن التحرك بعد تحذيرات من البنوك بخصوص احتمال وقوع جرائم غسل أموال. وتتبع الوكالة وزارة المالية تحت قيادة مرشح المستشارية عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس. وتأتي المداهمات في توقيت حساس لشولتس الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أن لديه فرصة جيدة ليصبح مستشارا لألمانيا في الانتخابات العامة في 26 سبتمبر 2021. وطالبت المعارضة الألمانية في البرلمان، حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بتوضيح فضيحة الميزانية الخاصة بشركة «وايركارد» لخدمات الدفع، وهددت بمحاولة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق. ومؤخرا أظهرت استطلاعات للرأي تقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي على المحافظين وقد تجاهل مرشحه شولتس، وزير المالية الحالي، انتقادات آرمين لاشيت لسجله في معالجة غسل الأموال وما إذا كان سيتحالف مع اليسار الألماني. [7]
* قضية اللاجئين تعزّز العلاقات مع الدول العربية
برامج الأحزاب
أعلن الحزب المسيحي الديمقراطي قبل أسبوعين من الانتخابات الاتحادية عن خطته لضمان الأمن في المستقبل من خلال تزويد الجيش الألماني «بوندسفير» بطائرات مسلحة بدون طيار، وزيادة صلاحيات الشرطة. واتهم كل من المرشح المسيحي لمنصب المستشار آرمين لاشيت، ووزيرة الدفاع أنغريت كرامب- كارينباور مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وزير المالية الحالي أولاف شولتس بالقيام برد فعل غير لائق على تفتيش وزارته. حيث هاجم المرشح المسيحي لمنصب المستشار آرمين لاشيت ووزيرة الدفاع ورئيس الحزب البافاري ماركوس زودر، يوم 10 سبتمبر 2021، المرشح الاشتراكي لمنصب المستشار أولاف شولتس بسبب رد فعل «غير لائق» منه على تفتيش وزارته، وحذروا من انزلاق ألمانيا نحو اليسار. [8]
* معالجة تداعيات تغير المناخ بين أبرز الملفات على أجندة الأحزاب المرشحة
بين الهجرة واللجوء
حظي قرار ميركل بعدم إغلاق الحدود أمام اللاجئين العالقين في المجر عام 2015 باهتمام عالمي كبير. وبشكل عام، فإن سجل التصويت لميركل حيال قضايا الهجرة واللاجئين يعد مختلطا إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، أقل من ربع أصواتها جاءت تأييدا لسياسة هجرة أكثر انفتاحا، فيما صوت ائتلافها الحاكم ضد وقف ترحيل اللاجئين السوريين، والذي تقدم به حزب الخضر في عام 2011. يذكر أن حزب الخضر يدعم بشكل عام مقترحات الحكومة بشأن تعزيز سياسة المناخ والحفاظ على البيئة باستثناء التصويت الاحتجاجي ضد بعض المقترحات التي اعتبرها حزب الخضر غير كافية، وهو ما أدى إلى خفض سجل ميركل حيال قضايا المناخ. [9]
* تحديات كبيرة أمام الحكومة الألمانية أبرزها تهديد اليمين المتطرف والإسلام السياسي
تعاون الأحزاب الحاكمة مع الاتحاد الأوروبي
وفيما يتعلق بعلاقات ألمانيا بالاتحاد الأوروبي، فإن معظم المقترحات بشأن تعزيز التعاون مع دول التكتل الأوروبي تقدم بها الائتلاف الحاكم. من هنا حظيت بالموافقة في الغالب. وفي هذه القضية، قدم حزب الخضر عددا أقل من المقترحات الخاصة بتعزيز التعاون مع بلدان الاتحاد الأوروبي، لكن الحزب أعلن دعمه لأحزاب الائتلاف الحاكم فيما يتعلق بالمقترحات في هذا الصدد بداية من تقديم مساعدات مالية لليونان وحتى بدء محادثات انضمام ألبانيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2019، مرورا بالمشاركة في دعم الاتحاد الأوروبي في محاربة وباء كورونا العام الماضي 2020. ورغم وجوده في مقعد المعارضة، اتفق حزب الخضر بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان مع الائتلاف الحاكم، وفقا لما أشار إليه سيبرر. وهذا يعني أن الأحزاب الرئيسية (الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر)، لا توجد لديهم مشكلة حول التعاون الأوروبي، وهذا دون شك يمكن أن يكون مسارا إلى الحكومة القادمة مهما كانت مكونات الائتلاف.
علاقات ألمانيا مع الدول العربية
لا شك أن ألمانيا ملتزمة بالدستور الألماني، وهذا ما يجعل سياستها محافظة جدا خاصة لو تحدثنا عن السياسة الخارجية، وصادرات بيع الأسلحة والتقنية المتطورة. وهذ يعني أن ألمانيا ستبقى حريصة على رفع «شعار دعم حقوق الإنسان والديمقراطية» خاصة عندما يتعلق الأمر ببيع الأسلحة إلى دول أو أطراف لها وجود سياسي أو عسكري في مناطق النزاع. ولكن السنوات الأخيرة، حاولت ألمانيا أن تخفف من ذلك في صادراتها من الأسلحة، أمام تراجع اقتصادها في ظل جائحة كورونا، واستطاعت بيع بعض الصفقات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الحاكم أيضا يخضع إلى ضغوطات من أحزاب المعارضة الصغيرة، التي تسربت لها اللوبيات ومنها لوبي الإسلام السياسي في ألمانيا.
أستطاعت ألمانيا خلال عام 2020 تصدير أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 752 مليون يورو. كما سُمح لقطر بصادرات سلاح بقيمة 305.1 مليون يورو والإمارات العربية المتحدة (51.3 مليون يورو) والكويت (23.4 مليون يورو) أما تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي فقد سمح بتسليم معدات حربية على نطاق كبير بقيمة 22.9 مليون يورو. وبالإضافة إلى ذلك، تم إصدار تصاريح للأردن بقيمة 1.7 مليون يورو والبحرين بقيمة 1.5 مليون يورو. [10]
هذا، وتسعى ألمانيا لتعزيز «القيم الديمقراطية» الموجهة نحو احترام حقوق الإنسان، كما أنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية، كما هي القاعدة بالنسبة للسياسة الخارجية في جميع أنحاء العالم، وهذا ليس مشكلة في حد ذاتها، لكن الأمور تنقلب عندما يصطدم كلا المبدأين الأساسيين ببعضهما البعض، أي عندما يتقابل السوق مع الأخلاق. فهي عملية توازن يصعب إدارتها على ما يبدو، وتلقي بظلالها بقوة على علاقات ألمانيا مع الدول العربية على وجه الخصوص.
ووفقًا لخبير الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ، فإن حركات اللاجئين وحدها تجعل العلاقات مع الدول العربية ذات أهمية حيوية لألمانيا. وقال الخبير من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) في برلين، لدويتشه فيله: «لقد رأينا في عام 2015 أن الأحداث في الشرق الأوسط عموما، ولكن أيضًا في شمال أفريقيا، يمكن أن تكون لها تأثيرات دراماتيكية للغاية على الوضع السياسي الداخلي في ألمانيا». غير أنه لا يوجد توافق داخل الحكومة الاتحادية في معظم القضايا.
في هذا السياق، يقول شتاينبرغ الخبير في شؤون الشرق الأوسط إن هناك كسوفا إلى حد ما بشأن تحديد هذه المصالح خلال المناقشات الألمانية، ويتابع: «يكاد أن لا تجد سياسيًا يخبرك بأن مصلحتنا هي أن لا يأتي المزيد من اللاجئين من هذه البلدان. كما أن لدينا مصلحة في مكافحة الإرهاب. ولهذا نحتاج إلى مقدمات معينة، لكن وجود مثل هذا النقاش أمر نادر في ألمانيا».
وبسبب تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة العربية، من المتوقع أن تبرز ألمانيا أكثر من قبل في مناطق النزاع، باعتبارها «قوة» أوروبية إلى جانب فرنسا، كطرف رئيسي، أو ربما تقوم بدور الوسيط.
وهذا ربما سيكون ظاهرا في الملف الليبي أكثر من ملفات أخرى، كملف سوريا، وأمن الخليج وملف إيران النووي.
تغيّر المناخ ينشط في الحملات الانتخابية
تعتبر «قضية المناخ» بين أبرز الملفات على أجندة الحملات الانتخابية لجميع الأحزاب، وهذا يعني أن الحكومة مهما كان شكلها، خاصة إذا كان فيها الخضر، سوف تشهد سياسات جديدة في استخدام الطاقة النظيفة وخفض الانبعاث الكربوني، في ظل الاحتباس الحراري والانتقادات الموجهة إلى ألمانيا إلى جانب الدول الصناعية الكبرى.
فقد وضعت ألمانيا بعضًا من أكثر الأهداف المناخية طموحًا في أوروبا، حيث تسعى إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 65 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2030. وتعهدت دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون معًا بخفض الانبعاثات بنسبة 55 في المائة خلال تلك الفترة. ومع ذلك، حتى مع اعتراف السياسيين علنًا بضرورة الانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون، فإن الآمال في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري تبقى أبرز الملفات في الحكومة القادمة.
ألمانيا القوة الاقتصادية لأوروبا
أصبحت ألمانيا القوة الاقتصادية لأوروبا بفضل صادراتها. ففي عام 2019، بلغت الصادرات أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 1.33 تريليون يورو 1.57 تريليون دولار. انخفض هذا الرقم إلى 1.21 تريليون يورو في عام 2020 وسط جائحة كوفيد، وفقًا لبيانات من مكتب الإحصاء الوطني، في ظل مخاوف من أن القضايا الأخيرة المتعلقة بسلاسل التوريد، والدعوات إلى الحمائية، وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والمستوى العام للركود في التجارة العالمية، سيعيق الصادرات الألمانية.[11]
الجدير ذكره أن الاتحاد المسيحي يعتمد بشكل كبير على «تعددية الأطراف» في التجارة الخارجية، وذلك لأن واحدة من كل أربع وظائف في ألمانيا قائمة على الصادرات. فالتحالف المسيحي يسعى لتقوية منظمة التجارة العالمية، ويدعو بذلك لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية التجارة الحرة في أقرب وقت ممكن.
من ناحية أخرى، يؤكد الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برنامجه على الاستدامة. فعندما يتعلق الأمر بالتجارة في المنتجات الزراعية، على سبيل المثال، يعتمد الحزب على شركاء لديهم منشآت زراعية صغيرة وصديقة للبيئة. من هنا، يريد الحزب تنظيما أكبر لصادرات الأسلحة الألمانية. أما الخضر، فيريدون توجيه التجارة أكثر نحو حماية المناخ والاستدامة. على سبيل المثال، لناحية تشجيع تصدير الصناعات الصديقة للظروف البيئية والمعيشية. فيما على مستوى الاتحاد الأوروبي، يطالب الحزب بفرض حظر استيراد على المنتجات الزراعية المرتبطة بإزالة الغابات بشكل غير قانوني أو بانتهاكات حقوق الإنسان.[12]
تباين المواقف حول التحوّل نحو الرقمنة
وفيما يتعلق بالرقمنة، تتفق جميع الأحزاب على ضرورة تسريع وتحسين التحول نحو الرقمنة بشكل كبير، فيما تتباين المواقف حيال كيفية تنفيذ هذا التحول، خاصة ما يتعلق بالجدول الزمني والخطط والأموال التي يجب استثمارها في تعزيز هذا التحول. وقد يكون هدف التخلص من الوثائق الورقية والملفات في الهيئات الحكومية لا يلقى اهتماما كبيرا مقارنة بالتعليم وإنشاء وزارة جديدة للرقمنة، لكنه يهم المواطن الذي يعاني كثيرا في ألمانيا بسبب البيروقراطية. وحول ذلك، تتفق كافة الأحزاب على ضرورة تحديث العمل الحكومي ووضعه في ركب القرن الحادي والعشرين. [13]
الأمن والدفاع
ظلت سياسة ألمانيا بزعامة ميركل منذ عام 2005 حتى اليوم، بعيدة عن التدخلات العسكرية. فقد امتنعت ألمانيا عن المشاركة في التدخل العسكري بقيادة أوروبا في ليبيا، لكنها وافقت على أن تكون ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش عام 2014. بالمقابل، طرأ تغيير نسبي في سياسة الولايات المتحدة في أعقاب مؤتمر برلين واحد واثنين لعام 2020 و2021، لأسباب تتعلق بمصالح ألمانيا السياسية والاقتصادية والأمنية. وبدا أن ألمانيا أصبحت تدرك مدى أهمية أن يكون لها دور إقليمي ودولي.
ما يزال الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد خروج بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة، يدفع ألمانيا للعب دور أكثر أهمية يتناسب مع حجمها الاقتصادي لكن يبدو أن ألمانيا لحد الآن غير راغبة بلعب هذا الدور، لأسباب اقتصادية أو أخرى متعلقة بتاريخ ألمانيا. وهذا يعني أن الدور الألماني في الملفات الإقليمية والدولية سيبقى خجولا، رغم ما يحصل من تقدم نسبي، وهذا ربما سيكون مسار أي حكومة ألمانية قادمة.
لطالما دعمت ميركل التزام ألمانيا تجاه الناتو ودعمت تطوير اتحاد دفاعي أوروبي. لكنها لم تجرؤ أبدًا على وضع نفسها خارج الوضع الراهن المرهق للسياسة الأمنية في ألمانيا- ولم تخرج أبدًا عن طريقها لشرح، أو حتى المضي قدمًا، في الإجراءات التي لا تحظى بشعبية. كما هو الحال في مجالات السياسة الأخرى، لم تفرض على الجمهور الألماني سوى القدر الذي شعرت فيه أنهم على استعداد لتحمله دون تذمر، وهي بذلك لم تعطِ التوجيه بقوة.
إن موقع ألمانيا الجغرافي الاستراتيجي في وسط أوروبا، وقوتها الاقتصادية، وحجم قواتها المسلحة وهياكلها القيادية تجعلها عاملاً محوريًا في موقف أوروبا الرادع والدفاعي. ومع ذلك، على الرغم من بعض التغييرات التي حدثت خلال العقد الماضي، فإن ضبط ألمانيا للنفس في مجال الدفاع لا يزال عاملاً محددًا: فالدفاع يحظى بدعم شعبي ضئيل، ويظل مثيرًا للجدل، ولا يحتل مكانة عالية في أجندة السياسة. إذا حدث ذلك، فعادةً ما يكون ذلك بسبب الفضائح بدلاً من المبادرات الجريئة.
السيناريوهات المحتملة للحكومة القادمة
ـ تشكيل تحالف بين الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والحزب الديمقراطي الحر أو حزب اليسار.
ـ تشكيل تحالف بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ـ تشكيل تحالف بين الاتحاد المسيحي والخضر.
هذا، وتواجه الحكومة الألمانية تحديات كبيرة أبرزها: تعاظم تهديد اليمين المتطرف، والإسلام السياسي، والجماعات المتطرفة، والفشل، ومحاربة معاداة السامية، وغسيل الأموال.
وبخصوص لاشيت، يُتوقع في حال توليه منصب مستشار ألمانيا أن يواصل بصفة عامة ممارسة سياسات التوازن الحالية التي تتبناها ميركل. فهو أيضاً أعرب في 2015 عن دعمه للسياسة المعتدلة إزاء ملف اللاجئين، كما يفضل الحوار مع المسلمين في ألمانيا. وهنا يطرح السؤال نفسه: إلى أي مدى ستواصل ألمانيا جهودها عقب حقبة ميركل بخصوص مستقبل ليبيا وسوريا وملف اللاجئين؟ ففي حال شكّل تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو الحزب الديمقراطي الحر، يُرجح أن تتواصل السياسات الألمانية كما هي، أما في حال تشكيل الحكومة بالتعاون مع الخضر، فقد تتشكل مواقف مختلفة.
تشير أغلب التوقعات إلى صعود كفة شولتس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي امام آرمين لاشيت مرشح الاتحاد المسيحي الديمقراطي في هذه الانتخابات، علما أنه جرت العادة، خلال السنوات الأخيرة بتقدم الحزب المسيحي يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. إلا أن احتمالية صعود الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر قد يقلب هذه المعادلة.
=========================
الهوامش
--------------
[1] الانتخابات الألمانية 2021... bit.ly/3EciW77
[2] سباق الانتخابات الألمانية، من سيقود ألمانيا بعد ميركل؟ مجلة السياسة الدولية bit.ly/3Cf0NUu
[3] الانتخابات البرلمانية الألمانية 2021م بداية حقبة جديدة وتغير أساسي في موازين القوى السياسية
bit.ly/2XkyVz3
[4] السماح لغير الملقحين ضد كوفيد من الألمان بالإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع أثناء الانتخابات bit.ly/3nDxLd7
[5] ألمانيا تحتج لدى روسيا على هجمات إلكترونية تسبق الانتخابات bit.ly/2Xq28ZF
[6] ثاني مناظرة للمرشحين على خلافة ميركل.. شولتس يعزز حملته bit.ly/3tFiTvD
[7] ألمانيا: مداهمة وزارة المالية في توقيت حرج للمرشح شولتس bit.ly/3971dzz
[8] زعماء الاتحاد المسيحي ينتقدون شولتس ويحذرون من الانزلاق نحو اليسار bit.ly/2VERihs
[9 ] تحقيق.. الهجرة والمناخ في أجندات المرشحين لخلافة ميركل bit.ly/3hxd2DP
[10] السياسة الألمانية في الشرق الأوسط بين متطلبات السوق وقواعد الأخلاق bit.ly/3kh7ak1
[11] Goldman says Germany faces 3 big problems after Merkel departure cnb.cx/3tTwgIV
[12] السياسة الخارجية في البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية bit.ly/3kdo56Z
[13] الانتخابات الألمانية.. هل تطلق الحكومة المقبلة ثورة التحول الرقمي bit.ly/3hsYRzF
[14] Germany and Defense | DGAP bit.ly/3zb4oRp