بيروت:
استباحت صهاريج المازوت الإيراني السيادة اللبنانية يوم الخميس الفائت، بقرار من دويلة حزب الله ضاربة عرض الحائط الشرعية والقانون وكل ما يتفرع منهما، وسط صمت مطبق من قبل المسؤولين اللبنانيين. ولا عجب من ذلك في ظل إحكام حزب الله قبضته على السلطة وجميع مفاصل الدولة بشكل رسمي، محولا لبنان إلى جزيرة تحت حكم الحزب الواحد، جزيرة تنهشها أزمة اقتصادية غير مسبوقة وأزمات خلّفها الفساد وغياب الدولة على حساب الدويلة.
المازوت الإيراني يستبيح السيادة اللبنانية
بالطبع لم يخلُ دخول هذه الصهاريج للأراضي اللبنانية من مرفأ بانياس السوري، من «البروباغندا» والاستعراضات الواهية تحت عنوان «كسر الحصار» الذي يروّجه حزب الله لتوصيف الأزمة الحاصلة في لبنان في محاولة لإقناع بيئته الحاضنة بضرورة الصبر ومقاومة «المؤامرة» الأميركية. وهو تماماً ما أعاد تكراره رئيس الحكومة السابق حسان دياب خلال اجتماع مع دبلوماسيين، مما استدعى رداً من السفيرة الفرنسية آن غريو حمّلت فيه دياب والطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة مسؤولية الانهيار وليس الحصار.
ومقابل الصمت الرسمي، شهدت بعض القرى البقاعية رصاص قذائف واحتفالات شعبية من مناصري الحزب التي استقبلت الصهاريج الآتية من خلف الحدود عبر معابرها الخاصة «على عينك يا دولة» ما يكرّس لبنان للسطوة الإيرانية. فدخلت عشرات الصهاريج التي تحمل لوحات سورية، آتية من الحدود السورية عبر معابر غير شرعية تصل منطقة الهرمل في شمال شرقي لبنان بمنطقة القصير السورية في ريف حمص الغربي. وقالت مصادر ميدانية إن 80 صهريجاً دخلت على أربع مراحل، وبلغ تعداد كل قافلة 20 صهريجاً، وتقدر الحمولة الكاملة بنحو 4 آلاف طن، وهي الدفعة الأولى من قوافل عدة تنقل المازوت على مدى أيام من بانياس على الساحل السوري إلى الداخل اللبناني، كي لا تُسبب مشاكل للحكومة اللبنانية نتيجة العقوبات المفروضة دولياً على طهران.
وبحسب المعلومات، فإن المخزون القادم من إيران تسلمته شركة «الأمانة» للمحروقات المدرجة على قوائم العقوبات الأميركية في العام 2020، وفرغته في مخازنها شرقي لبنان قبل أن يتم توزيعها لاحقاً وفق لائحة أولويات حددها الحزب.
وأمام هذه «البروباغندا»، هل فعلا انتصر حزب الله؟ وهل من تسوية أدّت إلى جلب المازوت الإيراني أم إن حزب الله تحدّى فعلا المجتمع الدولي؟
لا حصار على لبنان
في السياق، أكّد الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان، في حديث لمجلة «المجلة» على أن «لبنان ليس محاصرا، إنما يعاني من انهيار نظامه المصرفي وعملته الوطنية وتعثر قطاعاته الإنتاجية ومن توقف خدمات المرافق العامة، وبالتالي لو أن الأموال متوفرة لكانت الدولة اللبنانية قادرة على استيراد مئات البواخر المحملة بالمحروقات دون أي عوائق».
وأشار إلى أن «الطرفين المحاصرين وعليهما عقوبات في المنطقة، هما نظام الأسد بموجب قانون قيصر، وإيران نتيجة الخلاف حول الاتفاق النووي، أما حزب الله فعليه عقوبات صغيرة توضع في إطار العقوبات الفردية على بعض مسؤوليه عبر منعهم بفتح حسابات مالية في النظام المصرفي».
سورية توافق على تمرير الغاز والكهرباء إلى لبنان
حزب الله استغل الأزمة اللبنانية لإنعاش الأسد
وروى سليمان كيف استغل حزب الله أزمة لبنان المالية لإنعاش نظام الأسد وتأمين مصدر تمويل جديد من خلال أموال اللبنانيين في مصرف لبنان المركزي، مشيرا إلى أنه «أوجد سياسة الدعم على المواد الأساسية (المحروقات والأدوية والمواد الغذائية) التي فرضها على مصرف لبنان المركزي بغطاء من حكومة حسان دياب لتزويد الأخير باحتياجاته وخرق قانون قيصر، وبالتالي كان لبنان المعبر الذي من خلاله يتزود الأسد بكل احتياجاته من النفط والغذاء وقد سخر الحزب مرفأ طرابلس (شمالي لبنان) لهذه الغاية»، لافتا إلى أن «المنتجات المستوردة كانت تأتي إلى لبنان وتخرج منه بأذونات من مجلس الجمارك الأعلى اللبناني ووزارة الطاقة والمياه (في حال كانت البضائع محروقات)».
أموال الدعم ذهبت لحزب الله والفرقة الرابعة
إلى ذلك، أشار سليمان إلى أنه «نتيجة الحصار الأميركي على إيران جفّت مواردها المالية كون ميزانية الحكومة تعتمد بنسبة 85 في المائة على مبيعات النفط، وعندما انخفضت الأخيرة ووصلت إلى حدود 400 إلى 500 برميل في اليوم الواحد وهي نسبة ضئيلة جدًا (علما أن طهران لا تتقاضى ثمن مبيعات النفط نتيجة عزلها عن النظام المالي العالمي)، وهو ما أدّى بدوره إلى شحّ موارد حزب الله المالية، وبالتالي شكّل حكومة حسان دياب (التي تم تأليفها بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري) وكان المطلوب منها تمويل التهريب إلى سوريا وبالفعل استنزف الحزب من مصرف لبنان ما يقارب الـ17 مليار دولار أميركي تحت اسم «تمويل الدعم» لصالح النظام السوري، وبالشراكة مع ماهر الأسد، محققين أرباحا مالية ضخمة تقدر بثلث مبلغ الـ17 مليار دولار وكانت أرباحا للفرقة الرابعة وحزب الله أيضا الذي استطmاع جراء ذلك إيجاد مصادر تمويل له بديلة عن طهران.
لبنان رهينة بيد حزب الله
وبحسب سليمان: «عندما فقد المصرف المركزي القدرة على متابعة سياسة الدعم مع استنزاف الاحتياطي الإلزامي النقدي لم يعد لحكومة دياب فائدة، بعدما أجبر حزب الله لبنان على تحمّل تبعات الحصار على كل من إيران وسوريا، وهو ما فاقم الأزمة في لبنان مع انقطاع المحروقات والأدوية»، وهنا استخدم الحزب لبنان كرهينة مضطرًا الدول التي يتفاوض معها، ونتيجة الأزمة المتفاقمة في لبنان وافقت فرنسا على إنجاز تسوية عبر التخفيف من إجراءات قانون قيصر من خلال إرسال غاز مصري وكهرباء أردنية عبر سوريا وكذلك السماح لإيران بإرسال نفط للبنان لتخفيف عبء الأزمة على اللبنانيين الذين أصبحوا رهينة بيد الحزب.
تسوية فرنسية سمحت بإدخال المازوت الإيراني
وشدّد على أن «حزب الله لم ينتصر كما يروّج في بيئته الحاضنة لأن صهاريج النفط الإيرانية دخلت إلى لبنان بموافقة وبوساطة فرنسية»، نافيا ما أعلنته طهران من أن النفط الذي يرسل للبنان مدفوع ثمنه من قبل رجال أعمال شيعة، مشيرا إلى أن «هذا النفط سيباع في الأسواق اللبنانية بالليرة وبدلا من أن يسدد الحزب رواتب عناصره من دولار المركزي يسدد هذه الأموال من ثمن النفط».
كما أوضح سليمان أن «النفط الإيراني لن يحلّ أزمة لبنان، لأن طهران غير قادرة على سدّ الحاجة النفطية لكل من بيروت ودمشق بشكل كاف، وبالتالي فإن الهدف الحقيقي من صهاريج النفط ليس حلّ أزمة لبنان إنما تأمين مصدر تمويل للحزب».
لبنان.. تحذير من «كارثة إنسانية» بسبب أزمة الوقود
الانتصارات الوهمية لم تعد تنطلي على البيئة الشيعية
وفي الختام، شدّد على أن الانتصارات الوهمية التي يروّجها حزب الله وأمينه العام لم تعد تنطلي على البيئة الشيعية التي تعاني الويلات كما الشعب اللبناني، جراء الأزمات المالية والمعيشية المتفاقمة، والاحتفالات التي رصدت أثناء استقبال صهاريج النفط الإيراني في بعلبك لعدد من الأشخاص، لا تعكس حقيقة المزاج «الشيعي» الذي «أُنهك من طوابير الذل أمام محطات الوقود ومن فقدان جميع مقومات الحياة الأساسية».
يذكر أن حزب الله يدعي أنه يعمل على جلب الشحنات للمساعدة في تخفيف أزمة الوقود الحادة في لبنان، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها نتيجة لسوء الإدارة وتخزين السوق السوداء للتهريب خارج لبنان.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، استنكرت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي شحنات الوقود خلال زيارة لبيروت، حيث التقوا بساسة لبنانيين، من بينهم الرئيس ميشال عون.
وقال السيناتور ريتشارد بلومنتال من ولاية كونيتيكت للصحافيين في مطار بيروت: «لقد سمعنا أيضًا بشكل مقلق للغاية عن إمكانية التأثير الإيراني الخبيث لا سيما في توفير الوقود. لا يوجد سبب يجعل لبنان يعتمد على إيران. هناك الكثير من مصادر الوقود الأخرى دون العواقب المحتملة الضارة للغاية من الاعتماد على النفط الإيراني».