آزاد أحمد رمزان من حلبجة، على مضض، ينعى أخاه الذي كان قد انضم لـ«داعش»، ولا يتردد في وصفه بـ«الشهيد»، رغم أن أنظار أبناء جلدته في إقليم كردستان تتجه إلى الجبهات المفتوحة على أشرس أنواع القتال مع التنظيم الإرهابي، الذي تحالف ضده، إضافة إلى إقليم كردستان، أكثر من 40 دولة.
يكشف رمزان لـ«المجلة» عن ظروف اختفاء أخيه، الذي، حسب زعمه، بعد أسابيع من اختفائه. وفي اتصال هاتفي، علمت عائلته أن مروان أحمد رمزان، انضم إلى «داعش» وأنه يقاتل مع التنظيم في سوريا، يقول آزاد: «نحن 7 إخوة ولنا أخت وحيدة، ومروان مواليد 1988، تخرج في كلية إدارة أعمال، منذ 4 سنوات، وفشله في أن يحصل على وظيفة حكومية تتناسب مع مؤهلاته، ربما جعلته يختار ذلك الطرق».
ولدى السؤال عن علاقاته الاجتماعية وخلفيته السياسية كشف آزاد عن أن «مروان كان له صديقان، وهما أيضا خريجا جامعة، وسافرا إلى سوريا بعد انضمامهما إلى التنظيم»، مستدركا: «سمعنا أن أحدهما استشهد قبل مروان»، مضيفا: «إن مروان كباقي أفراد عائلتي كان عضوا في الجماعة الإسلامية في كردستان العراق، قبل انضمامه إلى (داعش)، وصديقاه أيضا كانا لهما التوجه ذاته، وتردده المستمر معهم على المسجد كان أمرا طبيعيا بالنسبة للعائلة الملتزمة أصلا بتعاليم الإسلام».
ويلفت إلى أن «مروان أمضى سنة و7 أشهر ضمن صفوف التنظيم، وأنه كان يتصل بهم بين الحين والآخر، وأنه رفض العودة رغم إلحاح أمه، إلى أن اتصل أحدهم ونقل إليهم خبر مقتل مروان، دون الإفصاح عن المزيد»، ويختم حديثه قائلا: «لم نشعر للحظة بأنه نادم على ما اختاره، ونحن احترمنا اختياره».
إلا أن مصادر أمنية أكدت أن مروان لم يكن شخصا عاديا في التنظيم، بل كان أمير تنظيم الشباب في حلبجة، التي وصل عدد من التحق من شبابها بالتنظيم الإرهابي إلى 85 شابا قُتل منهم 25 وبقي 23 يقاتل مع «داعش»، وبعضهم عاد، وهم الآن تحت مراقبة الأجهزة الأمنية.
وغالبا ما يُذكر اسم حلبجة لدى الحديث عن المقاتلين الكرد في «داعش»، حلبجة التي دمرت خلال الحرب الإيرانية - العراقية جراء قصفها من قبل النظام العراقي السابق بالسلاح الكيميائي، لتفقد موقعها السابق بوصفها مركزا ثقافيا كبيرا أنجب كوكبة لامعة من الشعراء.
وشهدت المدينة صعود جماعات الإسلام السياسي، مثل الحركة الإسلامية في كردستان إبان التسعينات، وبحلول عام 2000 تمكنت جماعة «أنصار الإسلام»، المرتبطة بتنظيم القاعدة من السيطرة على القرى الجبلية المطلة على حلبجة قبل أن تكون هدفا لقوات التحالف خلال احتلال العراق في عام 2003.
«داعش» في كردستان
وزير الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان كمال مسلم لا يرى داعي للتهويل، وأنه لا معلومات دقيقة لديه حول الكرد المقاتلين مع «داعش»، فذلك من اختصاص الأجهزة المعنية، وما يكشفه لـ«المجلة»، هو أن «48 موظفا في وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإقليم، التحقوا بتنظيم داعش»، معتبرا أن «الرقم لا يمثل شيئا، وهو إنجاز يُحسب للوزارة، مع تنظيم يعتبر نفسه هو الإسلام الحقيقي».
ويضيف أن «ما يتعلق بالإجراءات التي تم اتخاذها بحق موظفي الوزارة، فإن هناك إنذارا بالفصل لمن لم يراجع الوزارة خلال 15 يوما لمن هم داخل العراق، أما من هم في الخارج عليهم مرجعة الوزارة خلال 3 أشهر، ولم نتخذ حتى الآن قرارا بفصل أحد منهم».
وحول الدعوات إلى الجهاد من على منابر المساجد، نفى مسلم أي دعوة للجهاد، منوها بأنه «ليس كل دعوة إلى الجهاد إرهابا، فهناك جهاد.. خير جهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
ولا يمضي يوم إلا وتتناقل وسائل إعلام في الإقليم أخبارا حول المقاتلين الكرد في «داعش»، فقبل أسبوع قُتل ما يقرب من 20 شابا كرديا في المواجهات مع قوات البيشمركة، خلال معارك تحرير زمار، وسبقه اعتقال نحو 50 شابا بتهمة الانتماء لتنظيم داعش، وإعدام «داعش» لـ5 من كرد حلبجة بتهمة التجسس، وإعدام أمير كردي في حويجة بتهمة سرقة المال العام، فيما تظهر آخر الإحصاءات انضمام ما يزيد عن 500 شاب كردي إلى «داعش»، ومقتل 50 منهم، بينهم 7 قُتلوا خلال معارك سد الموصل، ولن تتوقف.
انقسام حول «داعش»
على بعد كيلومترات في منطقة ملتهبة، على اعتبار أنها من المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد، تشهد كركوك نزاعا يضاف إلى نزاع مكوناتها الكرد والتركمان والعرب.
أبو حسن شاب تركماني شيعي، أحد مقاتلي الحشد الشعبي شارك في تحرير ناحية آمرلي التركمانية، يفتخر بأنه شارك في فك الحصار عن آمرلي وتحريرها بعد شهرين كانت تئن خلالها تحت حصار العصابات الإرهابية والمرتزقة ممن ينتمون إلى القرى العربية والتركمانية السنية، حسب تعبيره.
الشاب الذي لم يتزوج بعد، ولكن يفضل أن ينادوه بأبو حسين يقول لـ«المجلة»: «تلبية لفتوى المرجعية تم تشكيل مجموعات من المتطوعين التركمان ضمن الحشد الشعبي ضد (داعش)، لتحرير الموصل وتلعفر وجميع مناطقنا»، مضيفا: «هناك آلاف العائلات التركمانية الشيعية نزحت إلى إقليم كردستان ومحافظات الجنوب، ولكن الشباب انضموا إلى الحشد الشعبي. ولقد شكلنا فوجا من التركمان لقتال مسلحي تنظيم داعش، الذين احتلوا أراضينا وممتلكاتنا».
[blockquote]
وزير الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان لـ«المجلة»: 48 موظفا في وزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإقليم التحقوا بـ«داعش».. ولم نتخذ حتى الآن قرارا بفصل أحد منهم[/blockquote]
من جهته، قيادي تركماني اشترط عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموقف يكشف عن أن «مئات الشباب التركمان يقاتل ضمن صفوف التنظيم الإرهابي، حيث سيطر مسلحون سنّة يتقدمهم تنظيم داعش على مدينة تلعفر، بعد معارك استمرت لنحو أسبوعين مع القوات العراقية المدعومة بمقاتلين من العشائر التركمانية السنّية»، مضيفا: «بالمقابل، انضم شباب عوائل شيعة إلى المتطوعين للقتال ضمن الحشد الشعبي، بعد دعوة المرجعية الشيعية الممثلة بالمرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني لحمل السلاح ومقاتلة الجهاديين السنة».
ويقول القيادي التركماني لـ«المجلة» إنه «في كركوك وقبل ظهور (داعش) التحق 50 شابا تركمانيا سنيا بتنظيمات إسلامية مسلحة في سوريا، تحت اسم الجهاد، ومنهم أمراء حاليا في الموصل، ولكن الأعداد تضاعفت، إلا أنه مقارنة بتل عفر فإن تركمان كركوك أقل حماسة لـ(داعش)».
وأشار إلى أن «عمليات النهب كانت تقتصر حصرا على منازل التركمان الشيعة، لأن مسلحي تنظيم داعش رفضوا عودتهم لمنازلهم، واكتفوا بدعوة التركمان السنّة للعودة لمنازلهم».
[caption id="attachment_55252661" align="alignleft" width="300"] الانتحاري ابو الحسن الكردي داخل شاحنة مفخخة في اخر لقطة له قبل تفجيرها بعين العرب وخلفت عشرات القتلى والجرحى[/caption]
ويعد قضاء تلعفر ذو الغالبية التركمانية، نقطة استراتيجية بين مركز محافظة نينوى الموصل شمال بغداد، والحدود العراقية مع سوريا، وكان تنظيم داعش الإرهابي قد بسط سيطرته على قضاء تلعفر في الـ25 من شهر يونيو (حزيران) الماضي، مما أدى إلى نزوح آلاف العائلات التركمانية الشيعية إلى محافظات الجنوب، وبعد تحريرها، نزحت آلاف العائلات السنية إلى الموصل.
التركمان في سوريا - وهم مسلمون سنّة، وأهم تجمعاتهم في حلب في القرى الشمالية للمدينة، وأيضا يوجدون في دمشق واللاذقية وحمص.
ويرى القائد العسكري السابق والممثل عن التركمان في الائتلاف السوري المعارض طارق سلو أن وضعهم «مختلف في تركمان العراق، حيث هناك قيادات منهم في (داعش)»، مستدركا: «أما بالنسبة إلى تركمان سوريا لا يوجد أي شخص في القيادة العليا».
وحول المناطق التي يقطنها التركمان ومن يسيطر عليها، يكشف قائلا لـ«المجلة»: «حاليا المناطق التي يقطنها التركمان على حد علمي قسم منها تحت سيطرة (داعش)، وآخر يخضع لسيطرة جبهة النصر. والمناطق التركمانية في حلب والرقة تحت سيطرة (داعش)، أما المناطق التركمانية في اللاذقية وطرطوس وحمص وحماه والشام تحت سيطرة النظام والجيش الحر»، مضيفا: «جبهة النصرة في المناطق التركمانية لا تتدخل بالشؤون في مناطقنا نهائيا».
ولا يخفي «افتقار المكون التركماني إلى قيادة قوية»، مشيرا إلى أن «غياب القيادة أبرز مشاكل المعارضة التركمانية، والسبب في انخراط الشباب في تنظيمات معارضة أخرى وبعضها متشدد».
إلا أنه وبحسب مصادر مقربة من قيادات «داعش» فإن «أمير داعش في المنطقة الشرقية حاليا عبد الناصر التركماني هو نفسه المسؤول عن اغتيال قادة تنظيم القاعدة في العراق سابقا، ومنهم أبو سيف الموصلي»، مضيفا أن «التركمان يسيطرون على مناصب قيادية في دولة البغدادي، فأبو مسلم التركماني المسؤول الأول في العراق، وفي سوريا أبو علي التركماني»، مشيرا إلى أن «أبو علي التركماني هو الشهير بأبي علي الأنباري، وأن أبو أحمد التركماني مسؤول نينوى الأمني وغيرهم الكثير من التركمان يتوزعون بين مناطق يسيطر عليها التنظيم في البلدين في تل أبيض والرقة وحويجة وتل عفر».
أممية داعش
أحد المسؤولين عن ملف الجماعات الإسلامية في أجهزة الأمن الكردية وحاليا مدير شرطة قضاء داقوق العميد كاوا غريب يرى أن «تنظيم داعش أخطر التنظيمات المسلحة على الإطلاق في المنطقة، واستراتيجيته تختلف عن التنظيمات الإرهابية السابقة له، وعلى رأسها (القاعدة)»، منوها بأنه من خلال اطلاعه على وثائق التنظيم فإن «(داعش) لم يأتِ ليحكم منطقة معينة في العراق وسوريا كما هو معلن، بل إنه يتبنى الأممية وحدود دولته لن تتوقف وقابلة للتمدد».
ويقول غريب لـ«المجلة» إن «هدف داعش يكمن في تهديد النسيج الاجتماعي وإثارة العنف الطائفي والقتل على الهوية، مما يمكنه من التمدد إلى الأقليات في المنطقة أو إلى الأقوام من غير العرب الذين لهم صراعات قومية، منهم الكرد والتركمان والبلوش والآذريين وغيرهم».
ويلفت إلى أنه من خلال المعلومات التي أخذها من أعضاء في التنظيم الذين رفض أحدهم رفضا قاطعا أن يجري مع «المجلة» أي حوار، إلى أنه «رغم اتساع التنظيم السريع، فإن المعلومات المعروفة عن تفاصيل التنظيم قليلة وغير موثوقة، ومن الصعوبة بمكان تتبع مساره وأماكن وجود عناصره وتشكيلاته في المجتمع، لأنها تحيط نفسها بسرية تامة».
[inset_right]«داعش» أعدم 5 من أهالي حلبجة بتهمة التجسس.. وأهالي الضحايا يروون لـ«المجلة» التفاصيل
[/inset_right]
ويوضح أن «ما ساعد التنظيم هو الخطأ الكبير الذي دخلت فيه أميركا ودول أخرى، وهو تجميع الإرهابيين في أماكن محددة، مما مكّن قياداتهم من تنظيم أنفسهم مجددا، وما فعله (داعش) هو الهجوم على السجون وتحرير قيادات (القاعدة)، وعلى عكس ما يتوقع الناس، فإن المساجد بالنسبة لهم ليست المكان الذي يتم فيه التنظيم، بل حاليا هي السجون والنوادي الرياضية، وهي أماكن تجمعاتهم، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك دليل على التركيز على الشباب وأيضا التركيز على البناء الجسدي للجهاد، ومخيمات النازحين».
ويضيف أن «التنظيم يعتمد على جيش إعلامي يعتمد التشويق والترهيب، وهم حذرون جدا من الصحافيين حيث يصعب اختراقهم».
ويكشف أنه «إضافة إلى الخلايا النائمة هناك ما يُعرف عندهم بـالتنظيم الخدمي السري يختص بالعمل بين النازحين، ومن خلال مدرسين، واستغلال معاناة النازحين، ويسمى التنظيم الثاني، وحسب المعلومات فإن التنظيم الخدمي فعال، وهو أيضا يحاول إفراغ مناطق صراعها من المدنيين، ما عدا الشباب، حتى لا يشكلون ضغطا على التنظيم في حالات الحصار»، مشيرا إلى أن «الداعشي يتصف بالكتمان الشديد، والقليل منهم يعودون، ومن يعود لا تبدو عليه علامات الندم للالتحاق بـ(داعش)، ويحرص التنظيم على أن تضم الصفوف الأولى مختلف القوميات، حسب استطلاعنا هناك أكراد، والقوة الثانية بعد العرب هم أتراك، وبالنسبة للتركمان عددهم ليس قليلا، وهناك الكثير من أذربيجان».
توظيف الأقليات
من جهته، أشار الصحافي التركي جكدار اريان إلى أن «داعش» له علاقات واسعة مع جماعات وأحزاب إسلامية في تركيا ويكشف الصحافي لـ«المجلة» أن «هناك أنصارا من (حزب الله) التركي وهو حزب كردي سني تأسس في السبعينات، لمواجهة حزب العمال الكردي، على اعتبار أنه حزب شيوعي أو يساري ملحد».
ويضيف أنه بحسب تقارير أمنية من كوباني، فإنه توجه أعداد كبير من أنصار الحزب للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي ضد قوات الحماية الشعبية، مضيفا أن «العلاقة بين (حزب الله) التركي والمخابرات التركية شجعت أنصار الحزب للقتال إلى جانب (داعش)، لإنعاش الصراع مجددا بين (حزب الله) وقوات الحماية الشعبية التي تعدها الدولة التركية جناح حزب العمال الكردستاني».
وينوه بأن «(داعش) يوظف أنصار (حزب الله) خلال قتاله في كوباني، وهؤلاء الأكراد يلعبون دورا مهما في مجريات النزاع في كوباني، إذ يسهمون بمعرفتهم بالميدان، بالإضافة إلى الخدمات اللغوية»، مضيفا أنه سمع من مقاتلين في قوات الحماية الشعبية عن محاولات اختراق من قبل دواعش كرد يرتدون زي وحدات حماية الشعب الكردية.
[caption id="attachment_55252662" align="alignright" width="300"] تغريدات ورسائل عبر التويتر والفيسبوك من عناصر كردية تنتمي الى تنظيم داعش [/caption]
ويشير اريان إلى أن هذا يجعل المقاتلين الكرد في صفوف «داعش» لهم قيمة كبيرة في معارك مع قوات الحماية الشعبية أو البيشمركة على حد سواء، لأنهم يعرفون الجغرافيا واللغة وحتى طريقة التفكير.
ويضيف أن «هناك أعدادا كبيرة من الأتراك انضمت إلى (داعش)، وآخرها ما كشفه تقرير عن عبور 53 أسرة تركية على الأقل - بعضها يضم أطفالا، إلى سوريا، من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش، وأن ضباطا متقاعدين أتراك يقاتلون في صفوف التنظيم في مقابل تقاضي رواتب عالية».
الناطق باسم وحدات حماية الشعبYPG ريدور خليل، وفي تصريح مقتضب لـ«المجلة» يكشف أن «جزءا رئيسيا من عمل المقاتلين الكرد هو التنصت (المراقبة الإلكترونية) وجمع معلومات المخابرات».
ويضيف خليل أنه «بين عناصر تنظيم داعش يتكلمون الكردية، ويدعون بالكردي إلى الاستسلام، في محاولة منهم لإحباط معنويات مقاتلينا»، لافتا إلى أن «هناك المئات من الأتراك والتركمان بين صفوف (داعش)، وهذا ما نلاحظه من خلال التنصت على أجهزة اللاسلكي الخاصة بهم، والشيء نفسه بالنسبة للكرد بين صفوف (داعش)».
طهران.. رسائل تهديد
حادثة احتجاز رهائن في سيدني من قبل لاجئ يحمل الجنسية الإيرانية، الذي طالب بتزويده براية تنظيم داعش، جاءت بعد أيام قليلة فقط من إعلان المديرية العامة للآسايش (الأمن الكردي) في أربيل أن الانتحاري الذي فجّر نفسه أمام محافظة أربيل، الشهر الماضي، هو كردي من إيران، وما ينعش الذاكرة ويعيد إلى الأذهان أبو إبراهيم الإيراني الذي نفذ عملية انتحارية في تلعفر، وتسبب بقتل 13 من القوات الجيش العراقي 20 مايو (أيار) الماضي، وهو مواطن سني إيراني من منطقة تالش في محافظة كيلان شمالي إيران، وعمره 35 سنة، وفي 28 أغسطس (آب) الماضي، أعلن «داعش» عبر حسابه على شبكة «تويتر» عن وقوع اشتباكات مسلحة بين عناصره وقوات الحرس الثوري قرب مدينة أورومية شمال غربي إيران.
كل هذا يحتم على الجمهورية الإسلامية أخذ كلام أبو محمد العدناني، المتحدث باسم «داعش» في رسالة هجومية ضد أيمن الظواهري بعد إظهاره التأييد لجبهة النصرة ضد «داعش»، على محمل الجد.
وقال العدناني: «ظل (داعش) يلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم يضرب تنظيم «داعش» الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضبا، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين؛ تتحمل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران؛ لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالا لأمر (القاعدة)، للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».
وكانت مدينة جوانرود في إقليم كرمانشاه الكردي شهدت مسيرات نظمها مجموعة من الإسلاميين المتطرفين، رفعوا خلالها أعلاما سوداء وسيوفا، ورددوا شعارات «الله أكبر».
ويرى زعيم حزب كوملة الكردي الإيراني المعارض عبد الله مهتدي أن «النظام الإيراني خلال السنوات السابقة دعم جناح الإسلام المتطرف ضمن مساعيه لتقويته في كردستان، وبالتالي تقويض الأحزاب التحررية المعارضة، وجعله بديلا أو قوة منافسة أمام الأحزاب الكردية».
ويكشف مهتدي في حدث لـ«المجلة» أن «مع التعتيم الإعلامي، وعدم وجود أرقام رسمية عن أعضاء الحركات السلفية، يصعب تقدير أعداد من ينتمون من السنة الإيرانيين إلى (داعش)»، مستدركا أن «في كردستان إيران، أستطيع أن أقدر أن العدد قد يقترب من 50 كرديا من إيران ضمن صفوف تنظيم داعش»، معتبرا أن «(داعش) يشكل خطرا على حركة التحرر الكردية، وأيضا على النضال التحرري، وخطرا على المجتمع المدني وعلى الديمقراطية وحقوق الإنسان»، منوها بأن «الكرد حاليا هم في الصفوف الأمامية لمحاربة أفكار هذا التنظيم الخطير، وشهدت عدة مناطق من كردستان إيران مظاهرات دعم لشنكال وكوباني».
[caption id="attachment_55252663" align="alignleft" width="188"] تغريدات من عناصر كردية تنتمي الى تنظيم داعش [/caption]
وحول احتمالات تحول الصراع الطائفي إلى إيران يقول «إن 25 في المائة من المجتمع الإيراني سني، وسنة إيران تحت قمع كبير من قبل النظام، ورجال الدين السنّة غالبا ملاحقون ومعتَقلون في سجون النظام والمدارس الدينية السنية تهدم فوق رؤوس من فيها بالشوفلات، لذا هناك احتقان وعدم رضا من سنّة إيران، خاصة من البلوش الذين غالبيتهم من السنة والتركمان كذلك»، لافتا إلى أن «مشكلة الكرد أو التركمان أو البلوش ليست مشكلة دينية أو طائفية، بل إنها قومية وسياسية تتعلق بنظام الحكم، ولطالما حاول النظام الإيراني الالتفاف وإظهار القضايا القومية في إيران بمظهر الديني الطائفي طبعا ليكسب الزخم والتأييد من جموع الشيعة في المنطقة».
ولم يخف أن «قمع السنة في إيران يكون عاملا لظهور أشخاص من بين السنة متطرفين ويحملون أفكار (داعش) والجهاد وذلك عامل مهم، ومن الطبيعي أنه عندما يكون النظام الإيراني شيعيا متطرفا، فإنه سيظهر سنيّ متطرف بالمقابل. ومساعي غالبية أحزاب المعارضة الإيرانية الوقوف ضد الاقتتال الطائفي في إيران»، مؤكدا: «نحن ضد الصراع الطائفي. هذا ليس منه أي فائدة، لذا نحن نعتقد بضرورة فصل الدين عن الدولة ليتمتع كل إيراني بحقوقه الكاملة».
وعن دور إيران في المنطقة يقول إن «إيران كانت الداعم الأساسي لحكومة المالكي وللسياسات الخاطئة لحكومة المالكي، التي بدورها أتاحت وهيأت الظروف لظهور وتمدد (داعش)، وصحيح أن إيران حاليا تحارب إلى جانب القوات الشيعية في العراق، وتساعد إقليم كردستان في محاربة (داعش)، لكن إيران كانت عاملا مهما للصراع الطائفي في المنطقة، والميليشيا الشيعية المدعومة من إيران ليست أفضل من (داعش)، وتمارس الأخطاء نفسها»، معتقدا أنه «رغم ظهور إيران بمظهر المحارب للتطرف، فإنه من الناحية الاستراتيجية لا يمكن لإيران بأي شكل من الأشكال أن تكون حليفا ضد الإرهاب أو (داعش)، لأن إيران ببساطة طرف في الصراع الطائفي في المنطقة».
ويضيف أن «نظام بشار الأسد استفاد من ظهور داعش، بل سعى ليظهر للعالم أن المعارضة هي عبارة عن مجموعات إرهابية، وهذا ما جعل النظام يطلق سراح المتطرفين في سجونه، وهو النظام، يقصف المدنين، ويترك (داعش)، ولا يتعرض لتحركاتها».
ويختم المعارض البارز الإيراني حديثه قائلا: «الأزمة السياسية والاقتصادية في إيران أعمق من أن يستطع (داعش) تحويلها أو تغيير مسارها، وإيران بحاجة في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى إلى تغييرات جذرية في بنية النظام الحاكم. على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يتحول إلى نظام تعددي ديمقراطي وادعاءات النظام بأنه يحارب (داعش) لن تغير شيئا، ولا يمكن أن تكون لصالح النظام أو عاملا مؤثرا في تأجيل التغيير. ففي إيران، هناك قوى حقيقية تطالب بالتغيير. ولن يقنعها التأجيل».
[caption id="attachment_55252665" align="alignleft" width="300"] عبد الله مهتدي رئيس حزب كوملة[/caption]
ويؤكد صحافي إيراني من الأحواز، فضل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد على أن «النظام الإيراني يغض الطرف عن نشاط عدد من الجماعات السلفية، فيما يقوم بقمع جماعات أخرى، وأن أعضاء من تلك الجماعات غالبا ما تعاونوا مع النظام، وفي المقابل، يجري اعتقال أعضاء من جماعات ممن لا يتعاونون مع النظام، ويستخدمون الدعاية المناهضة للشيعة والإيرانيين، وتجري محاكمتهم ويمنعون من ممارسة أنشطتهم».
ويشير إلى أن «النشاط الإسلامي في الأحواز ليس بمستوى النشاط في مناطق سنية أخرى، ولم يتمكن بعد من ترسيخ وجوده بالشكل الذي هو عليه في المناطق الكردية والبلوشية والمناطق السنية الأخرى، حيث إن الشعب في الأحواز ينقسم بين الشيعة والسنّة، ويحرص النظام على أن يقلب أي حراك قومي إلى طائفي، لذا فإن الاحتجاجات التي اندلعت في الأحواز أبريل (نيسان) 2005، حصرها النظام في الجماعات السنية بالأحواز».
ويضيف: «غالبا ما تشهد المناطق السنية حالات إعدام بتهم السلفية»، لافتا إلى أن أصدقاء له في سندج أفادوا بوجود «نشاط ملحوظ لجماعات سلفية على مرأى ومسمع قوات الباسيج، والاطلاعات (الاستخبارات)، وأن الجماعات تلك لها مدارس دينية، وحتى إنهم يقومون بتجنيد الشباب».
ويرى أن «(داعش) قد يكون استفاد من أعضاء وقيادات سلفية تخلت عنها إيران بعد أن كانت تتعاون معهم، وهم غالبا ينتظرون فرصة لاستعادة دورهم، مثلا أعضاء جماعة أنصار الإسلام فروا إلى إيران عقب استهدافهم من قوات التحالف إبان احتلال العراق في 2003. وأفادت تقارير آنذاك بأن رئيس تنظيم القاعدة في العراق في النهاية أبو مصعب الزرقاوي، قضى بضعة أشهر في إقليم كردستان الإيراني، وحشد الكثير من الجهاديين البلوشستان والسلفيين الكرد خلال إقامته».
وكانت أنباء تحدثت عن أن عناصر «داعش» نظموا مسيرة بالدراجات النارية، رافعين الأعلام السوداء المكتوب عليها عبارة «لا إله إلا الله»، وهتفوا ضد الأحزاب الكردية، وضد العلمانيين في مدينة بانة وسنندج مركز محافظة كردستان الإيرانية، ولم تتخذ الشرطة الإيرانية أي إجراءات ضدهم.
[caption id="attachment_55252664" align="alignright" width="300"] عنصرينتمي الى داعش يقاتل في كوباني[/caption]
وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني قد أعلن عن إرسال 250 من عناصره للقتال إلى جانب قوات البيشمركة لمحاربة «داعش»، وقد خاضت عدة معارك بالقرب من منطقة مخمور شمال العراق.
ووفقا لمواقع إيرانية، فإن مناصري وجود عناصر «داعش» لا يقتصر على كردستان إيران فقط، بل هناك «مناصرون لـ(داعش) في إقليم بلوشستان شرق إيران بأعداد كبيرة، ويظهرون علنا في الشوارع، ويرفعون الأعلام، ويهتفون بشعارات نصرة لـ(داعش)».
وفي هذا السياق، نشرت جريدة «جمهوري إسلامي» الإيرانية الرسمية، خبرا تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية على نطاق واسع، عن ظهور عناصر من تنظيم داعش في مدينة أردبيل، شمال غربي إيران، بالقرب من حدود جمهورية أذربيجان، الأمر الذي نفته وزارة الداخلية الإيرانية.
في حين أكد تقرير صادر عن منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان عبر الفريق الدولي للمنظمة أن جماعة جند الله السنية المناوئة للسلطات الإيرانية، التي تتمركز على الحدود الإيرانية الباكستانية وتوجد بأفغانستان، والتي نفذت عدة هجمات بإيران منذ سنوات، قامت أخيرا بمبايعة تنظيم داعش تمهيدا لإعلان ولاية بلوشستان الإسلامية بإيران.
وقال المتحدث باسم جماعة «جند الله»، فهاد مروات، إن الجماعة أعلنت مبايعتها بعد لقاء وفد من 3 رجال، يرأسه الزبير الكويتي، مشددا: «مهما كانت نيتهم فسوف نساندهم».
وبحسب مراقبين، فإن «داعش» لها صلات مع عدة جماعات محظورة، مما ينبئ بأن مهرجان إعلان مبايعة تنظيم داعش من جانب التنظيمات الأصولية المتشددة سيستمر لفترة ليست بالقصيرة.
و«جند الله» تنظيم إسلامي سني، مقره إقليم (سستان - بلوشستان)، الواقع جنوب شرقي إيران، على المثلث الحدودي مع أفغانستان وباكستان. وتأسست الجماعة عام 2002 على يد الشيخ عبد المالك ريجي (عبد المالک ریگي)، وهو أحد طلبة العلوم الدينية، للعمل على الدفاع عن حقوق المسلمين السنة عامة والشعب البلوشي خاصة.