منذ بداية فصل الصيف اشتدّت أزمة المحروقات لتضيف على مآسي اللبنانيين مأساة جديدة، فباتوا يمضون ساعات طويلة في البحث عن بضع ليترات من مادة البنزين والوقوف في طوابير لا تخلو من المخاطر، إضافة إلى عتمة شاملة عمّت المناطق اللبنانية بسبب عدم وفرة مادة المازوت لدى أصحاب المولدات، إذا أشهر مرّت على اللبنانيين وكأنّها سنوات من المعاناة والغضب دون أن تكترث السلطة لحقهم الطبيعي بتوفير المحروقات، رغم اجتماعات متكررة ووعود كثيرة بإنهاء الأزمة، وصولا إلى رفع تدريجي لدعم مصرف لبنان للمحروقات، ولكن الأزمة تتفاقم يوما بعد يوم، وتجار السوق السوداء مستمرون باستغلال استمرار الدعم واحتكار هذه المواد.
اشتداد الأزمة
ما إن يستفيق اللبنانيون على أسبوع من وفرة مادة البنزين في المحطات، رغم الطوابير الطويلة، حتى تليها أسابيع من اشتداد الأزمة كحال الأسبوعين الماضيين، وفي هذا السياق أعلن نقيب عمال ومستخدمي شركات النفط في لبنان وليد ديب، في بيان، أن «الأسباب المستجدة لأزمة المحروقات منذ حوالي الأسبوعين وحتى اليوم، هي رفض الشركات المستوردة إفراغ حمولة بواخرها الموجودة قبالة السواحل اللبنانية بسبب وجود مستحقات مالية لها في مصرف لبنان لم تدفع منذ أشهر عدة، كما وأن حجم التخبط الحاصل ما بين وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط والشركات المستوردة ومصرف لبنان ادى الى تفاقم الازمة، مما أدى الى إذلال المواطنين في طوابير أمام محطات المحروقات، علما أن رفع الدعم عن المحروقات بهذه الطريقة ليس هو الحل الناجح، وقد أثبت ذلك الرفع الجزئي الذي لم يأت بأي نتائج إيجابية».
وطالب ديب وزير الطاقة بـ «الدخول على خط الازمة بواسطة لدى مصرف لبنان وحاكمه لدفع مستحقات الشركات وتسريع وتيرة الاستيراد لسد حاجة السوق من المحروقات، والكف عن إذلال المواطنين في طوابير، ما لم يكن لدى السياسيين هدف آخر لهذه الطوابير».
رفع الدعم كليا
قبل يومين ومع اشتداد الأزمة، اتخذت الحكومة الجديدة قرارا برفع الدعم عن المازوت وبيع الطن منه بـ549 دولاراً، في حين أن سعر صرف الدولار يقارب حالياً 14000 ليرة، سيكون وقعه على المواطنين أخف وطأة مما لو كان سعر الصرف في محيط 19000 ليرة، وهو المستوى الذي انحدر منه سعر الصرف خلال الأيام الماضية.
ولكن ما الذي حصل في ملف المحروقات؟ ولماذا طلبت مديرية النفط وقف التوزيع، ثم نقضت قرارها؟ وهل رُفع الدعم كلياً عن المحروقات؟
لم يكن قرار رفع الدعم عن المازوت قد اتخذ نهائياً. فالأجواء كانت تتجه إلى استمرار الدعم وفق سعر صرف 8000 ليرة للدولار للبنزين. ولكن قرار رفع الدعم اتخذته الحكومة الجديدة، بالتوازي مع عاملين غير مفاجئين بل منتظرين. الأول، يتمثل بوصول المازوت الإيراني الذي أكد مستورده -أي حزب الله- نيته توزيعه مجاناً على المستشفيات الحكومية وعدد من المؤسسات الحيوية. والعامل الثاني، يتمثل بانخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء بتدخل مباشر من مصرف لبنان، وعدد من الصرافين المؤثرين بالسوق. وهو ما انعكس فوراً على سعر منصة صيرفة التي حدّدها مصرف لبنان بـ12800 ليرة للدولار.
إذاً، لم يكن التأخر بإصدار جدول جديد لتركيب أسعار المحروقات عفوياً، بل متعمّداً، ويندرج في سياق خطة تستهدف تمرير قرار رفع الدعم عن المحروقات، مع ضمان عدم اعتراض أي من الفئات الاجتماعية عليه. خصوصاً، أن قرار رفع الدعم لم يترافق مع وفاء السلطة بوعدها إطلاق البطاقة التمويلية.
وحسب جدول تركيب الأسعار الجديد الذي صدر صباح اليوم الجمعة 17 أيلول، فإن سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان بلغت 180 ألف ليرة، و95 أوكتان بلغت 174300 ليرة. أي أن البنزين لا يزال مدعوماً وفق ما تؤكد مصادر حتى نهاية شهر أيلول. لكن باحتساب سعر صرف الدولار 12800 ليرة وليس 8000 ليرة.
أما المازوت فقد غاب عن جدول تركيب الأسعار. والسبب، أن المديرية العامة للنفط أصدرت قراراً سابقاً، يقضي بتحديد سعر مبيع المازوت عند 549 دولاراً للطن بأرضه، أي سعر الشركة. بمعنى أنه بعد إضافة النقل والتوزيع وغير ذلك قد يصل سعر طن المازوت إلى 600 دولار. أي أن سعر صفيحة المازوت غير المدعوم ستقارب 12 دولاراً.