القاهرة: لم تكن قناة السويس منذ نشأتها مجرد ممر مائي يربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، لكنها كانت في الأساس حلقة الوصل بين الشرق والغرب، حيث تتعاظم أهمية قناة السويس المصرية، بقدر تطور وتنامي حركة النقل البحري والتجارة العالمية، إذ يعد النقل البحري أرخص وسائل النقل، ولهذا يتم نقل ما يزيد على 80 في المائة من حجم التجارة العالمية عبر الطرق والممرات والقنوات البحرية الدولية.
وفي حديث لـ«المجلة» أكد الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أن القناة «تلعب دوراً محورياً في خدمة الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية، حيث تعد أهم ممر ملاحي على مستوى العالم، وحلقة مهمة في سلاسل الإمداد الدولية، حيث يمر من خلالها 10 في المائة من إجمالي حركة التجارة العالمية ونحو 20 في المائة من إجمالي تجارة الحاويات عالمياً. وقد برزت أهمية قناة السويس للاقتصاد والتجارة العالمية بوضوح بعد حادثة جنوح السفينة البنمية إيفر غيفن في مارس (آذار) 2021 حيث تأثرت سلاسل الإمداد الدولية نتيجة توقف الملاحة في قناة السويس لستة أيام».
وإلى نص الحوار:
* كيف تخدم قناة السويس التجارة والاقتصاد العالميين؟
- ساهم الموقع الجغرافي لقناة السويس في جعلها أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب وخاصة بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، وتحقيق وفر في المسافة بين الموانئ التي تقع شرق وغرب القناة، الأمر الذي يترجم إلى وفر في الوقت والتكاليف للسفن العابرة للقناة، بما يعود بالنفع على ملاك ومشغلي السفن. وقد ساعدت مشروعات تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس في استيعاب النمو الكبير في حركة التجارة العالمية وزيادة قدرتها على استيعاب الزيادة المستمرة والهائلة في أحجام السفن، كما أنها أدت إلى زيادة معدلات الأمان للسفن العابرة للقناة وانتظام حركة التجارة العالمية.
وتلعب قناة السويس دوراً مهماً في تنمية الاقتصاد المصري، حيث بلغت إيراداتها حوالي 88.3 مليار جنيه خلال عام 2020 وبالتالي تعد قناة السويس مصدرا مهما لتمويل الموازنة العامة في مصر، كما تعتبر إيرادات القناة من أهم مصادر النقد الأجنبي لخزينة الدولة المصرية جنباً إلى جنب مع نشاط السياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج حيث تمثل حوالي 10 في المائة من إجمالي متحصلات النقد الأجنبي لمصر، وهو مصدر مهم ومستقر مقارنة بالمصادر الأخرى، لتمويل واردات مصر من الخارج من السلع الضرورية، حيث بلغت إيرادات القناة خلال عام 2020 حوالي 5.6 مليار دولار بالرغم من التأثير الاقتصادي السلبي لجائحة كورونا.
* ما أبرز التحديات التي تواجه قناة السويس؟
- تواجه القناة تحديات عدة حالياً، مثل: المنافسة مع عدد من الطرق المنافسة والبديلة، حيث تحرص إدارة قناة السويس على الحفاظ بل وتطوير الموقف التنافسي للمجرى الملاحي للقناة، وذلك من أجل استيعاب الأحجام الكبيرة من السفن المختلفة من الأسطول العالمي ومن ثم التجارة الدولية، مما يجعل قناة السويس الاختيار الأول للخطوط الملاحية ويعزز تنافسيتها في مواجهة الطرق المنافسة والبديلة، وذلك من خلال القيام بمشروعات التطوير المختلفة، وكان أبرزها قناة السويس الجديدة والتي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس (آب) من عام 2015. وقد أسفرت جهود التطوير عن زيادة القدرة التصريفية للقناة لتصل إلى 97 سفينة في اليوم، مع تحقيق العبور المباشر في الاتجاهين لعدد 45 سفينة في اليوم والذي انعكس بالإيجاب في زيادة إيرادات قناة السويس برغم الظروف والتوترات التجارية غير المواتية.
والجدير بالذكر أن قناة السويس تستطيع استيعاب 100 في المائة من الأسطول العالمي لسفن الحاويات، و92.8 في المائة من أسطول سفن الصب الجاف، ونحو 61.9 في المائة من ناقلات البترول ومنتجاته و100 في المائة من باقي أنواع الأسطول الأخرى (بحمولة كاملة) و100 في المائة من كل سفن الأسطول العالمي فارغا أو بحمولة جزئية.
كما أن إدارة قناة السويس تهدف إلى أن يكون طريق قناة السويس هو الاختيار الأمثل والأوفر لمشغلي وملاك السفن، فبالإضافة إلى الرسوم التي تطبقها إدارة قناة السويس وتعلنها مع بداية كل عام، فإن الهيئة تتبع إلى جانبها بعضا من السياسات التسويقية المرنة وفقاً للمتغيرات الراهنة وذلك بالتواصل المستمر مع العملاء بما يحقق المصلحة المشتركة للهيئة وعملائها.
ويتمثل التحدي الثاني في التطور المستمر في أحجام سفن الأسطول العالمي والتكنووجيا التي تستخدمها هذه السفن، وقد ساهمت القناة الجديدة في رفع تصنيف القناة من خلال الاستعداد للتعامل مع تنامي حركة التجارة العالمية وزيادة أبعاد وحمولات السفن العابرة خصوصا سفن الحاويات، وزيادة القدرة التنافسية للقناة، ورفع معدلات الأمان الملاحي بوجود قناة بديلة في حالة الطوارئ وهو ما ثبتت جدواه.
* كيف تعاملت هيئة قناة السويس مع آثار جائحة فيروس كورونا؟
- تبنت الهيئة استراتيجية تقوم على إدراك كامل لأبعاد الأزمة والتحوط الاستباقي لأحداثها مما كان له الدور الأكبر فى تقليل تأثير تداعياتها إلى أقل درجة ممكنة على حركة ملاحة السفن العابرة للقناة خلال عام 2020، وذلك من خلال تنفيذ الهيئة لمجموعة من الإجراءات هدفت إلى امتصاص التداعيات السلبية للجائحة وأهمها أولاً الرصد والمتابعة الدوريين لحركة ومسارات السفن حول العالم بما ساهم في توفير الفرصة أمام إدارة قناة السويس للتحرك المسبق من جانبها لإدارة الأزمة.
* قناة السويس تستطيع استيعاب 100 في المائة من الأسطول العالمي لسفن الحاويات، و92.8 في المائة من أسطول سفن الصب الجاف، ونحو 61.9 في المائة من ناقلات البترول ومنتجاته و100 في المائة من باقى أنواع الأسطول الأخرى
ثانياً، التواصل مع الشركات والخطوط الملاحية للتأكيد علي سياسة هيئة قناة السويس القائمة على مراعاة المصلحة المشتركة لكل من الهيئة وعملائها لتجاوز تداعيات أزمة كورونا.
ثالثاً، مبادرة هيئة قناة السويس بشكل استباقي بإصدار مجموعة من حزم السياسات التسويقية والتسعيرية المرنة بهدف أن تستمر قناة السويس فى كونها الخيار الأول لجذب الخطوط الملاحية بدلاً من الطرق المنافسة والبديلة التي يزداد الوفر الذي تحققه في أوقات الأزمات الاقتصادية.
* ما الخطط والاستراتيجيات المستقبلية لدى الهيئة؟
- تقوم هيئة قناة السويس بتطبيق استراتيجية متكاملة للتطوير وتعزيز المركز التنافسي لقناة السويس في سوق النقل البحري العالمي، حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى تأكيد الدور الفعال لقناة السويس في خدمة حركة التجارة العالمية والاقتصاد المصري والوصول بقناة السويس إلى المستويات التي تتناسب مع متطلبات العصر وتحديات المستقبل والمتغيرات العالمية، وفي هذا الإطار تستهدف استراتيجية الهيئة 2023 تحقيق أهدافها من خلال عدة محاور أبرزها، أولاً تطوير المجرى الملاحي للقناة وتشمل محطات مراقبة الملاحة والجراجات والقيسونات والصيانة الدورية للمجرى الملاحي. أي مشروع تطوير جديد للقناة يأخذ فى اعتباراته عدة عوامل أهمها تطور أحجام السفن المختلفة، بالإضافة إلى دراسة العائد والتكلفة المتوقعين من هذا التطوير، لذا يتم بشكل مستمر داخل الهيئة إجراء هذه الدراسات لضمان استدامة قناة السويس في الحفاظ على وضعها التنافسي القوي وحصتها السوقية مقارنة بالطرق المنافسة والبديلة.
حالياً تستطيع قناة السويس بأبعادها الحالية استيعاب معظم حمولات الأسطول العالمي لمختلف أنواع السفن.
وتمتد خطة التطوير لتشمل كلا من إنشاء قيسونات ومرابط للسفن، وتطوير محطات مراقبة الملاحة وعددها 16 محطة بطول القناة، مع تطوير 5 جراجات بحرية مخصصة لانتظار السفن في الطوارئ، وبناء 5 جراجات جديدة. كما تعكف الهيئة على تنفيذ مشروع تطوير القطاع الجنوبي من قناة السويس بطول 40 كيلومترا، بدءا من الكيلومتر 122 إلى الكيلومتر 162 ترقيم قناة، ويتضمن المشروع تنفيذ ازدواج بطول 10 كيلومترات بمنطقة البحيرات المُرة الصغرى بدءا من علامة الكيلومتر 122 إلى الكيلومتر 132 ترقيم قناة، بالإضافة لإجراء توسعة 40 متراً تجاه الشرق وتعميق حتى مستوى 27 متراً للقطاع الواقع بين علامة الكيلومتر 132 إلى الكيلومتر 162 ترقيم قناة بما يسهم في تحسين حركة الملاحة واختصار زمن عبور القناة.
* بلغت إيرادات القناة خلال عام 2020 حوالي 5.6 مليار دولار رغم التأثير الاقتصادي السلبي لجائحة كورونا
ثانياً، تطوير الأسطول البحري للقناة، ويشمل كراكات وقاطرات ولنشات، وتعد أبرز ملامح التطوير في هذا المحور انضمام الكراكتين العملاقتين «مهاب مميش»، و«حسين طنطاوي» بقدرات عالية على التكريك في التربة الصخرية، وحتى عمق 35 مترا، والتي تمتاز بطاقة تكريك تبلغ 3600 متر مكعب في الساعة. كما تم تدشين 4 قاطرات قدرة 70 طنا في ترسانة بورسعيد البحرية، فضلاً عن التعاقد على شراء عدد من القاطرات الجديدة. وتم انضمام 3 منشآت بحرية لمكافحة التلوث إلى أسطول الهيئة، ويتم حالياً بناء عدد من لنشات المرشدين، وأخيراً يتم التعاقد حالياً على شراء أوناش عملاقة ووحدات إنقاذ متطورة.
ثالثاً، تعظيم الاستفادة من الأصول من خلال إعادة هيكلة الشركات وتنويع مصادر الدخل. وبناءً على توجيهات الرئيس بتنويع مصادر الدخل بهيئة قناة السويس والاهتمام بتطوير الأصول والموارد الفنية والبشرية، عكفت الهيئة على اتخاذ خطوات جدية في تنفيذ استراتيجية تطوير الشركات والترسانات التابعة لها ورفع كفاءتها وتحقيق الاستفادة المثلى من القدرات والإمكانيات المتاحة بما يرفع تصنيفها ويعزز من مشاركتها في مخطط التنمية الواعد بمنطقة القناة.
وقد بدأ العمل الفعلي باستراتيجية تطوير ترسانات الهيئة وفق أجندة عمل تراعي الإمكانيات المتاحة وتعتمد على ترتيب الأولويات المتعلقة برفع كفاءة الكوادر البشرية وتطوير المعدات والمهمات، فضلاً عن فتح آفاق جديدة للتعاون بعقد شراكات مع الشركات العالمية لنقل التكنولوجيا المتطورة والتقنيات الحديثة.
* ما خطط الهيئة لتنفيذ توجيهات الرئيس السيسي بالتحول الرقمي وميكنة كافة المعاملات والخدمات وتطبيق منظومة الشبكة الموحدة بالهيئة؟
- عكفت إدارة الهيئة على المضي قُدماً نحو تنفيذ استراتيجية ميكنة الخدمات من خلال عدة خطوات جدية أبرزها مشروع الشبكة الموحدة الذي يضمن سرعة وتأمين تداول المعلومات والبيانات بين إدارات الهيئة المختلفة والربط الرقمي بين مختلف مرافق ومنشآت الهيئة في مدن القناة الثلاث. بالإضافة إلى إطلاق الهيئة حزمة من الخدمات الإلكترونية على موقعها الرسمي تضم أربع خدمات تشمل كلا من خدمة طلب عبور سفن، وخدمة تخفيضات الخطوط الطويلة، بالإضافة إلى خدمات الترسانات، وخدمة المناقصات والمزايدات. إلى جانب تطوير 16 محطة إرشاد على طول المجرى الملاحي لمراقبة حركة الملاحة لتعمل بشكل إلكتروني وتزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات.