القاهرة: أجمع الخبراء على أهمية زيارة نفتالي بنيت رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر ولقاء الرئيس المصري، ومناقشة قضايا شائكة أهمها حل الدولتين والتعايش في سلام؛ لكن الخبراء أكدوا أيضا أن لا حلول سياسية للقضية الفلسطينية خلال الحكومة الحالية غير المتجانسة، فيما السلام الاقتصادي المشروط للتهدئة بين الجانبين هو ما سيتم وما تسعي إليه إسرائيل.
وقد أوضح مكتب نفتالي بنيت رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان له في نهاية اللقاء الذي تم بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن مصر تلعب دورا ملموسا في الحفاظ على الاستقرار الأمني بقطاع غزة وحل قضية الأسرى والمفقودين، واصفا اللقاء بـ«المهم جدا والجيد جدا»، مؤكدا أن إسرائيل «صنعت خلال اللقاء، في مقدمة الأمر البنية التحتية لإقامة علاقة متينة، تمهيدا لمواصلة الاتصالات بين مصر وإسرائيل» متابعا: «بحثنا سلسلة من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والسبل لتعميق العلاقات وتعزيز مصالح بلدينا، إذ إسرائيل باتت تنفتح على دول المنطقة». وتابع، «الأساس للاعتراف طويل الأمد هو السلام بين إسرائيل ومصر. لذا علينا في الطرفين بذل جهود لتعزيز هذه العلاقات وهذا ما قمنا به»؛ مؤكدا أيضا على أن اللقاء بحث سلسلة من الملفات لاسيّما توسيع رقعة التجارة المتبادلة، بالإضافة إلى التطرق لسلسلة من القضايا الإقليمية والدولية.
ومن جانبها أصدرت الرئاسة المصرية، بيانا بشأن اللقاء الذي تم بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، والذي عقد في مدينة شرم الشيخ، أكد من خلاله السيسي على دعم مصر لكافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، استنادا إلى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، وبما يسهم في تعزيز الأمن والرخاء لكافة شعوب المنطقة، لافتا إلى أهمية دعم المجتمع الدولي لجهود مصر من أجل إعادة إعمار المناطق الفلسطينية، إلى جانب ضرورة الحفاظ على التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا سيما مع تحركات مصر المتواصلة لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين بالضفة الغربية وقطاع غزة.
الحكومة الإسرائيلية غير المتجانسة تشي بأزمة مستقبلية
قال اللواء محمد رشاد مسؤول الملف الإسرائيلي والمخابرات المصرية ووكيل الجهاز الأسبق، إن أهم الملفات التي تمت مناقشتها في اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي وجود حل للقضية الفلسطينية برمتها وتصوّر تل أبيب للحل، في ظل حكومة جديدة غير متجانسة تضم أقصي اليمن وأقصي اليسار، ما يسبب أزمة مستقبلية لحل الأزمات المتراكمة. حيث إن حل وجود دولتين غير وارد تماما في أجندة هذه الحكومة. والسبب في ذلك أن طرح الحل سوف يسبب أزمة نظرا لوجود بعض المتطرفين في مجلس الوزراء الإسرائيلي، الأمر الذي سيعجل بنهاية هذه الوزارة التي تم تشكيلها بجهد كبير جدا. لذلك تجنب رئيس الوزراء الحديث عن هذا الأمر لأنه غير وارد تماما على جدول أعماله، لكن محاولات مصرية تبذل من أجل الحديث عن هذا، لكن يتم الرفض من تل أبيب. على الجانب الآخر توافق إسرائيل على وجود ما يطلق عليه «السلام الاقتصادي» بمعني رفع المستوي الاجتماعي لغزة، حيث يتم رفع مستوي معيشة الفرد في غزة والضفة الغربية عن طريق خلق فرص عمل أكثر، ويتم تبادل المصالح بين غزة وإسرائيل، ويشمل ذلك زيادة في مساحة الصيد للصيادين في غزة على مسافة 15 ميلا بحريا ثم طرح حلولا للمنحة القطرية، حيث إنها تساعد في رفع المعاناة عن السكان، وكذلك التبادل التجاري عن طريق زيادة الصادرات والواردات من المواد الغذائية وخلافه.
وكشف رشاد في حديث لـ «المجلة» أن «السلام الاقتصادي» سيتم في مقابل التهدئة بين الفصائل الفلسطينية. فكلما كانت هناك تهدئة كان هناك ما يقابله من مميزات وحوافز على المستوى الاقتصادي لسكان غزة ليشعر الفلسطيني بقيمته الإنسانية، وبالتالي يخلق هدوءاً بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. وقال: «من وجهة نظري هذا هو ما سيتم فقط». وتابع، في نفس الوقت الدولة المصرية حريصة تمام الحرص على أن تكون هناك تهدئة في غزة، لأن أمن غزة يمثل أمن مصر فيما يخص الأمن القومي، لذلك لا تريد مصر أن تقود حماس قطاع غزة إلي هجرة من قبل الفلسطينيين إلي الأراضي المصرية والذي يرجع إلى الضغوط الإسرائيلية على القطاع.
وأكد رشاد على أن إسرائيل دولة احتلال وبالتالي فهي تسيطر على كافة الأراضي الفلسطينية وتفرض سيطرتها الاقتصادية والأمنية والسياسية على قطاع غزة والضفة، وهي تعتبر نفسها مسؤولة عن إدارة الأعمال في الأراضي المحتلة، لذلك فهي تفرض حصارا على غزة ولا تسمح لأحد بالتدخل في الأمور الداخلية من وجهة نظرها. والدليل على ذلك، قال: «ما حصل في أزمة هروب السجناء الستة، فيما تسمح بقضية أخرى وهي تبادل الأسرى لتهدئة الأوضاع»، لافتاً إلى أنّ «هذا أمر فلسطيني يتم بتنسيق بين حماس والجهاد الإسلامي فقط، و تتدخل مصر فقط لتقريب وجهات النظر، رغم فرض حماس شروطا كثيرة في هذا الملف؛ الأمر الذي يجعل إسرائيل تفرض شروطا تعجيزية». وتابع أن منظمة التحرير ليست طرفا في هذه القضية التي تحاول جاهدة رفع الحصار عن سكان غزة من خلال المزيد من رفع كفاءة الاقتصاد في غزة لتوفير حياة كريمة لسكانها.
* تأتي الزيارة بعد نجاح مصر في تثبيت التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل
وردا على سؤالنا حول ما تم الإعلان عنه في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن بتسيير 4 رحلات جوية في الأسبوع إلي إسرائيل من خلال مصر للطيران الشركة الوطنية المصرية، قال رشاد: «منذ توقيع اتفاقية السلام بين البلدين يتم التنقل بريا عن طريق وثيقة دونما تأشيرة للدخول. وهذا الأمر تم الاتفاق عليه في ملحق اتفاقية كامب ديفيد الذي ينص على عدم وجود تأشيرة مسبقة لدخول الأراضي المصرية، وهذا الأمر بالتأكيد سوف يخضع لرقابة شديدة من قبل السلطات المصرية».
واقع العلاقة بين مصر وإسرائيل
كشف الدكتور جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية أن اللقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، يأتي بسبب وجود علاقة بين البلدين، «حتى لو كان هذا الأمر لا يروق للبعض. ومن ثم فنحن نتعامل مع واقع وليس القبول بالأمر. وبالتالي فالدولة المصرية تتعامل مع واقع العلاقة لتغييرها نتيجة لوجود ملفات متشابكة، حيث أنها تعتبر القضية الفلسطينية هي قضية محورية. فكل ما يحدث في الداخل الفلسطيني متشابك مع مصر، حتى خلال التصعيد الإسرائيلي على غزة، نجد مصر طرفا في العملية، سواء طلب منها من الطرفين أم لا. لذلك لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهل العلاقات أو رفض استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي في مصر».
واعتبر سلامة أن الحلول المطروحة لحل الأزمة الفلسطينية في ظل الحكومة الجديدة في تل أبيب غير المتجانسة صعبة جدا، حتى لو كانت حكومة من حزب واحد لا أحزاب متعددة. على شكل ما تم في حزب «الليكود» في فترة حكم مناحيم بيغن كرئيس وزراء أسبق أثناء اتفاقية السلام مع مصر. «لكن لا بد من أن تتم مناقشة كافة الملفات المطروحة في القضية الفلسطينية بداية من حل الدولتين، نهاية بأصغر مشكلة للوقوف على وجهات النظر، سواء أكان هذا الطلب من تل أبيب أو من فلسطين، حتى وإن كان الأمر برغبة مصرية لرصد ما يتم من تطورات تحدث في القطاع؛ لا سيما وأن مصر مشاركة في إعمار غزة. وفي نفس الوقت هناك انتخابات فلسطينية من المفترض أن تجرى وكذلك المصالحة بين الفصائل التي ترعاها القاهرة».
واعتبر سلامة أن اللقاء الذي تم في شرم الشيخ هو لقاء بين دولتين بينهما تشابك في قضايا وملفات عدة. فأهم ما تريد تل أبيب الوصول إليه فيما يخص القضية الفلسطينية هو السلام الاقتصادي، أمّا مسألة حل الدولتين فهو غير مطروح تماما. وهذا السلام لا يعني التبادل التجاري وفتح سبل اقتصادية في غزة أو الأراضي المحتلة. ولكن تريد أن تتوقف عمليات المقاومة ضدها وفرض سياسة الأمر الواقع، في ظل متلازمة تؤكد على أنه طالما هناك احتلال فهناك مقاومة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قبول السلام الاقتصادي لتحسين الأوضاع الحياتية للأفراد في غزة يعني التنازل عن الأرض؟ حيث أن هذا السلام مشروط بالتهدئة، وهذا الموضوع مطروح منذ فترة على يد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق. فبالتالي هذه أهداف إسرائيلية الغرض منها تحقيق التهدئة فقط ولا يحقق سلاما شاملا، وهنا نحن لا نتحدث عن سلام عادل ولكننا نريد تسوية مقبولة.
أهمية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر
من جانبه، أكد الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية على أن هناك سياسة واضحه لكافة الوزراء المتعاقبين في إسرائيل. وبالتالي يسري الأمر على نفتالي بنيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، ومن ثم فهو أيضا يرفض نقاش القضايا السياسية المتعلقة بحل الدولتين وما يمكن تحقيقه من هذا اللقاء هو ما يتفق مع أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي. لكن مصر تولي اهتماما بالغا فيما يخص الأسرى في السجون، خاصة كوادر حماس، وتطرح أيضا قضية مد الهدئة إلي فترة زمنية طويلة بين حماس وإسرائيل، وتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. وفي اعتقادي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طرح رؤية مصر لكافة هذه القضايا ولا أظن أن رئيس وزراء إسرائيل وافق على البعد السياسي لكل هذه القضايا، لأنه يعتقد أنها منفصلة ولا بد من مناقشة كل قضية على حدها بينما يعتبر الطرف الفلسطيني أن هذه القضايا مترابطة.
* رئيس الوزراء الإسرائيلي تجنب الحديث عن حل الدولتين لأنه غير وارد تماما على جدول أعماله
وأضاف كامل، أن الجانب الفلسطيني يرى أن كافة الأزمات مترابطة. فهو يتحدث عن الأسرى في السجون ولا بد من الإفراج عن كافة السجناء. وفي نفس الوقت تريد إسرائيل تبادل أسرى فقط في صفقات أيضا مسألة تعمير عزة والتي تسببت في دمارها إسرائيل. لكن المهم في الأمر هي المساعي المصرية للبدء في المفاوضات بين الجانبين التي يراقبها المجتمع الدولي متمثلا في أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي، ومن ثم لا بد أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطا على إسرائيل للوصول إلى حلول من الممكن أن تساهم مستقبلا في وضع أطر للحلول لبعض المشاكل في ظل المجتمع الدولي أيضا بخلفية رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يعلم الجميع مدي تعصبه وتطرفه.
وكشف كامل عن أهمية اللقاء الذي تم، وهي معرفة إلى أي مدى تساهم أميركا في الضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين خصوصا وأن هذا الحل توافق عليه إدارة الرئيس الأميركي بايدن؛ وفرض مناقشة القضايا السياسية، لا الوقوف عند السلام الاقتصادي فقط. وقال، على الإدارة الأميركية تحفيز إسرائيل لدفع عمليات السلام إلى الأمام، وما قامت به مصر مؤخرا من تسيير رحلات إلي تل أبيب عن طريق شركة مصر للطيران يأتي في إطار التحفيز المشروط بعد أن تم خلال اللقاء مناقشة ملف سد النهضة والتعنت الإثيوبي في حل الأزمة للضغط على أديس بابا.
من جانبه أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي في حديث لـ«المجلة» على أهمية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصر، ولقاء الرئيس من حيث التوقيت، والتي تأتي بعد نجاح مصر في تثبيت التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، إذ أن هذه التهدئة غير مكتوبة، وبالتالي الحفاظ عليها أمر بالغ الصعوبة. ورأى سلامة أنّ هذا اللقاء الذي تم يثبت الهدنة بل ويطيل مدتها الزمنية، حيث طرحت مصر أن تكون هناك هدنة طويلة المدي بين الطرفين، وهذا الأمر سوف ينعكس على الوضع المعيشي للمواطن في غزة حيث يتم تخفيف الحصار المفروض على القطاع، ما يسمح بجهود إعادة الإعمار بشكل كبير وهذا هدف مهم جدا. وقال: «في اعتقادي أن هذا الأمر تم إنجازه بالفعل وتوصل إلى صيغة تفاهمية في هذا الشأن».
* خطوات إسرائيلية الغرض منها تحقيق التهدئة فقط ولا تحقق سلاما شاملا
وأضاف سلامة: «من أهم الموضوعات التي تمت مناقشتها، قضية الأسرى، التي تولي مصر لها أهمية قصوى، حيث تريد الإفراج عن أكبر عدد من السجناء الفلسطينيين. فأهم بوادر نجاح مصر في هذه القضية اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد عودته بإحدى عائلات الأسرى. وهذا الأمر له دلالته». وتابع: «ثم يأتي الهدف الاستراتيجي بعيد المدى وهو فكرة عودة المفاوضات بين الجانبين. وفي تقديري أن مصر تتعامل بواقعية في هذا الملف بشكل كبير بمعني أن مصر تريد استئناف المفاوضات، لكنها تريد صيغة دولية تأتي من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام وهذا الأمر ترفضه إسرائيل تماما. لذلك فإن لدى مصر وروسيا فكرة بديلة وهي عودة اللجنة الرباعية الدولية لوضع إطار لاستئناف المفاوضات. ولو تم التوصل لهذا الشكل مع إسرائيل سيكون تطورا كبيرا جدا.. لكن في ظل انشغال الإدارة الأميركية بمشاكل عديدة أهمها الصين، فلن يتم الحل المطروح في المفاوضات (حل الدولتين)، حتى وإن كانت الإدارة الأميركية الحالية تدعم ذلك، خاصة وأن هناك انتخابات داخلية (التجديد النصفي) في أميركا حيث تخشى الخسارة بعد تراجع شعبية بايدن. ومن ثم فإن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع الملف الفلسطيني الإسرائيلي عن طريق التبريد وإدارته وليس الانتهاء منه. فالإدارة الأميركية لديها خبرة سيئة فيما يخص التوصل لحل للأزمة الفلسطينية على مدار المفاوضات التي تمت خلال الـ30 سنة السابقة».