لندن: يتميز الدبلوماسي إيتان نائيه عن غيره من الشخصيات السياسية بكونه سفير إسرائيل لدى دولتين من أعضاء مجلس التعاون الخليجي ــ الإمارات المتحدة العربية والبحرين ــ اللتين غيرتا أخيراً مجرى الصراع العربي- الإسرائيلي بتوقيع اتفاقات إبراهيم. وكان إيتان أول الدبلوماسيين الإسرائيليين الذين تم تعيينهم بعد اتفاقات إبراهيم وشغل منصب القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أبوظبي منذ يناير (كانون الثاني) الفائت. وتم تعيينه قبل عدة أيام سفيراً لإسرائيل لدى البحرين بالتزامن مع تقديم مبعوث البحرين الجديد أوراق اعتماده لوزير الخارجية يائير لابيد.
وشدد السفير الإسرائيلي على أن مهمته القاضية بتنمية العلاقات بدأت بتوقيع اتفاقات إبراهيم في الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) 2020، والتي أكملت عامها الأول هذه السنة.
وقال الدبلوماسي: «أعتقد أننا شهدنا تدفقاً للكثير من الأفراد ورواد الأعمال الإسرائيليين وأن نشأة العلاقات لم تعد جديدة وتحولت إلى واقعٍ يومي. فقد أصبح الإسرائيليون يتواصلون مع زملائهم الإماراتيين بشكلٍ منتظم، وكذلك يفعل المسؤولون الحكوميون والدبلوماسيون الذين يتعاونون أو يقودون محادثات على مستويات عدة. إذن، أصبح لدينا علاقات على مستوى الحكومات ورواد الأعمال والأفراد وبدأت الصورة تكتمل. لقد بتنا نعرف بعضنا أكثر الآن وبدأ المشهد يزداد واقعيةً ولو ببطء بسبب الوباء الذي صعب حركة السفر».
وفي إطار التفاهم والتواصل، وقعت الإمارات وإسرائيل تسع اتفاقيات، في حين تستمر المفاوضات على اتفاقات أخرى لتوقيعها في المستقبل القريب.
ويشدد نائيه على ضرورة رؤية الحياة الحقيقية في إسرائيل بعيداً عما تنشره وسائل الإعلام.
وفي هذا السياق، قال السفير: «لولا الوباء، لكنا شهدنا مزيداً من التواصل مع الإماراتيين الذين يزورون إسرائيل ويعودون إلى بلادهم وهم على دراية بالواقع على الأرض. إن ما ترونه عادةً في بعض وسائل الإعلام العربي والصحف ليس دقيقاً، بل هو صورة جامدة أكثر تعقيداً عن أمورٍ تحصل عادةً في أي بلدٍ. يصحو الناس صباحاً ويصطحبون أولادهم إلى المدرسة والحضانة ويذهبون إلى العمل ويشترون ويبيعون المنازل ويسافرون ويدرسون. يعيشون في إسرائيل حياةً طبيعية ولكن ما كونه الناس في الواقع هو الانطباع الذي يحصلون عليه من مشاهد الدخان الأسود والجنود والحرب التي يشاهدونها على الشاشات».
وينظر السفير بتفاؤل إلى الجناح الإسرائيلي في معرض إكسبو 2020 والذي سيساعد في تغيير وجهات النظر القائمة عن إسرائيل عبر تأطير دراماتيكي لما سماه «الروح الإسرائيلية ورؤيتها للغد»، وعبر الثقافة الإسرائيلية التي ستتجلى في العروض المختلفة.
فصح مهيب بكنيس «الوصايا العشر» في المنامة
ويضيف أن «الثقافة الإسرائيلية ستكون حاضرة في إكسبو 2020، حيث سيكون الجناح الإسرائيلي مكاناً للالتقاء ليس للإماراتيين والإسرائيليين فحسب، بل نأمل أيضاً أن يجمعنا بأشخاصٍ من جميع أنحاء المنطقة. علاوةً على ذلك، ستكون الثقافة الإسرائيلية حاضرة كل أسبوع في 25 عرض جديد. يشبه الجناح الإسرائيلي الخيمة الإبراهيمية بتصميمه المفتوح الذي يعرض الابتكار الذي تتميز به الروح الإسرائيلية ورؤيتها للغد. أعتقد أن هذا الأمر سيحصد الكثير من التواصل على مستوى الأفراد، فضلاً عن أن وفداً تجارياً كبيراً يضم 250 شخصاً ضمنهم وزراء ورواد أعمال سيزور الإمارات في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».
وأردف قائلاً إن «توقيع الاتفاقات التجارية والاستثمارات بدأ بالفعل من قبل قطاع الطاقة الإسرائيلي في قطاعات الصناعات الغذائية والزراعة وصناديق المشاريع والتقنيات المائية لتوليد المياه من الهواء، ولا يزال ينتظرنا المزيد».
تعاون في مجال نقل تقنية توليد المياه من الهواء
ويصف السفير هذا الأمر «بالأعجوبة والمعجزة والخيال العلمي» ويرى أن المشروع يتمتع بأهمية كبيرة في ضوء الحروب المائية التي تتصدر المشهد في العالم والمنطقة وخصوصاً الأزمة القائمة حالياً بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بسد نهر النيل.
«تُطور هذا المشروع المائي شركة إسرائيلية خاصة اسمها (ووتر جين) ومن المزمع أن تشهد الإمارات افتتاح أول مصنع ينتج المياه من الهواء. وستصبح المياه المصنوعة بهذه التقنية متوفرة هنا وقد يتوسع هذا الأمر ليشمل دولاً أخرى كمصر، وهذا ليس إلا مثالاً بسيطاً عما يمكن أن يحصل إذا تعاونا». وبالإضافة إلى نقل هذه التكنولوجيا، يمكننا أيضاً أن نقود أبحاثاً مشتركة مع خبراء محليين لأن التقنية ما زالت تحتاج إلى المزيد من التطوير. ويمثل هذا الأمر ثمرةً للتعاون وسيثبت للجميع أن إنشاء هذا النوع من المشاريع يمكن أن يغير المعادلات لتصبح نتيجة 1+1= 3 أو 4 أو 5 وليس 2.
وفي شرحٍ بسيطٍ للمشروع، قال السفير: «تستخدم التقنية صندوقاً يُحدد حجمه وفقاً لكمية المياه المطلوبة، سواءٌ كانت لمنزلٍ خاص أو لمجموعة من الشقق أو للاستخدام العام في المتنزهات أو الشاطئ أو قلب الصحراء. وتعمل التقنية على شفط الهواء إلى داخل الوحدة وتفصل الأكسجين عن الهيدروجين وتمزجه مع المعادن، ومن ثم تبرده ليصبح جاهزاً للشرب. ولا تحتاجون إلى أي بنى تحتية أو أنابيب أو معدات، فقط وحدة لتوليد المياه. تستخدم التقنيات المعتمدة حالياً وقود الديزل ولكن التقنيات المستقبلية ستعتمد على الألواح الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة البديلة. ولم يكتمل تطوير التقنية الجديدة بعد ولا تزال تحتاج إلى المزيد من البحث والتعديل لتلائم الظروف المحلية التي لم نعمل في الوقت الراهن على تكوين فكرة كاملة عنها».
يشعر السفير أيضاً بالتفاؤل بأن هذا التعاون سيتوسع ليشمل التقنيات الغذائية التي تستخدم وسائل علمية متطورة تؤمن طرائق إنتاج مستدامة للحوم والمنتجات الغذائية المصنوعة من النباتات في ظروفٍ مخبرية، بالإضافة إلى بحوثٍ علمية وطبية مشتركة في مجالات مختلفة تتضمن علم الجينوم والفضاء.
ويلفت نائيه إلى أنه «على الرغم من وجود بعض الخلافات، يمكننا العمل سوياً في جميع المجالات لتحسين الأمنين الغذائي والمائي والاستدامة، إلى جانب التعاون في مجال التغير المناخي. لذا نعم، هذا يدل على أننا منفتحون على التطبيع، وبالتالي على المزيد من التعاون. إنه منحنى للتعلم ولكنه في الحقيقة مصمم لتحسين حياة الناس في منطقتنا بالتعاون والتقنية والتفاهم المتبادل».
تعكس اتفاقات إبراهيم بالنسبة للسفير رغبة الجميع في السلام وعيش حياةٍ أفضل، منوهاً بتوقيع اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين واتفاقية تجديد العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإعلان تطبيع العلاقات مع السودان. ورأى أنه كلما زاد عدد الدول المشاركة في السلام، زادت الفرص بحل الخلافات بسهولة.
واعتبر نائيه أن «نادي اتفاقات التطبيع لم يقفل ولا يزال يشرع أبوابه. أُدرك أن البعض لا يتفق معنا وليسوا مسرورين بالاتفاقات. يمكننا الاستمرار بالقتال لمائة سنة أخرى أو يمكننا السعي لحل المشاكل بسلمية وتمهيد الطريق لحياةٍ أفضل بمعايير أعلى للناس في منطقتنا وهذا الأمر يعود لهم».
وأضاف بحزم: «إسرائيل حقيقة وموجودة وتتمتع بالكثير من المزايا كغيرها من الدول. تختزن منطقة الشرق الأوسط الكثير من المعرفة والطاقات البشرية، لذا أفضلُ كدبلوماسي أن أوجه هذه الطاقة باتجاهٍ إيجابي لتحسين مستوى الحياة وتسخير قوة التقنية والتفاؤل والموارد والجيل الشاب لصناعة مستقبل مضيء. آمل أنه عندما ينظر الناس إلى تطبيع العلاقات، سيرون ثمار السلام ويحاكون هذا النموذج بطريقة أو بأخرى، ليس لخيرنا فحسب، بل لخير الجميع. وتردني اتصالات ورسائل من أشخاصٍ في العراق والمغرب وباكستان ومصر والأردن ولبنان وفلسطين حيث تعب الناس من الحرب والعنف. ولكن الأمر يتوقف علينا نحن: إما أن نؤمن بديلاً أو أن نستمر في التقاتل وسفك الدماء لمائة سنةٍ أخرى. يعتمد هذا الأمر علينا وعلى الجيل الجديد في منطقة الشرق الأوسط».
الشعور بالأمان والترحيب بالإمارات
وأضاف: «بالطبع أشعر بالأمان والترحيب بين الإماراتيين. هنا، أعيش التسامح والفضول والصداقة ولا أرى إلا حسن الضيافة والرغبة بالحوار مع الذين يوافقوننا ولا يوافقوننا الرأي. قد لا نتفق على أي شيء ولكن يمكننا على الأقل التوافق على الإنصات لبعضنا البعض لأن غياب التفاهم قد يتحول إلى عنف. ويمكننا محاولة إقناع بعضنا البعض أو أن نقدم لبعضنا طريقة أفضل للتواصل وأن نستعرض لبعضنا البعض الأمور الإيجابية. لذا أقول إنني أشعر بالأمن والترحيب ولا يمكنني حتى أن آتي على ذكر كلمة تمييز واحدة سمعتها في الإمارات. سمعتُ القليل حتى اليوم عن البحرين ولكن المشاعر التي تخالجني إيجابية حتى قبل سفري إليها قريباً».
مهمة الدبلوماسي الحث على التفاؤل والأمل والرغبة بالتعلم
«أنا أشعر بالتفاؤل والأمل وأتسلح بهما. نعم، أملك الخبرة الدبلوماسية والتفاؤل الكافيين لأدرك أننا قادرون على التغيير. يستطيع المرء أن يحقق ما يريد، وعندما يفعل، لن تقع السماء عليك ولن تصبح الشمس أقرب ولكن العالم من حوله سيتغير فجأة نتيجة أفعاله. أؤمن بشدة بأن التفاؤل عاملٌ بالغ الأهمية عندما يتبوأ المرء منصباً دبلوماسياً لأن الخيار الآخر هو الحرب وغياب التواصل والتعاون مما سيؤدي إلى بناء جدارٍ بيننا. ويحمل هذا البديل الكثير من السلبية وأنا أؤمن بالقدرة على التغيير. يستطيع الدبلوماسيون إحداث الفرق من خلال اتباع خطوات القادة والسياسيين لأننا موجودون لتسهيل الأمور».
وشدد السفير أيضاً على الحاجة إلى فهم رؤية القادة ومراعاة الحساسيات المحلية لأن الدبلوماسيين «يبنون جسوراً بين الثقافات».
ويضيف أن «شجاعة ورؤية القادة قادرة على تحقيق النتائج، وأنا كدبلوماسي أملك الخبرة اللازمة لتسهيل الأمور وتحقيق الهدف».
ويصر السفير الإسرائيلي على أهمية تنمية الدبلوماسيين للرغبة بالتعلم، وهو ما يفعله شخصياً في الاطلاع على الثقافة المحلية وحساسيات البلاد وتعلم كيفية تقريب الناس من بعضهم. وفي هذا الصدد، يرى نائيه أن تعلم اللغة المحلية لا يكفي، بل يجب أن ندرك أن كل لغة تخفي خلفها ثقافة كاملة.
وتحدث أيضاً عن تعيينه سفيراً لإسرائيل في البحرين وعن التحديات التي يتوقعها، قائلاً: «أريد أن أبني جسور التفاهم، إذ لا يخفى على أحد أن موقف البحرينيين من السلام ليس موحداً. أؤمن أن زيادة الحوار والتفاهم والتعاون وتجلي ثمار التطبيع ستجعل فكرة السلام أكثر قبولاً. أنجزنا القليل حتى اليوم وأصبح لدينا سفارة في المنامة، لذا أتمنى حقاً أن نبني المزيد من العلاقات وأن نحسنها ونوسعها لنشر الأمل خصوصاً وأننا نسعى لبناء علاقات جيدة وصداقات وتفاهم أفضل بين البلدين».
وعبر السفير أيضاً عن أمله بالتواصل مع «جميع البحرينيين»، في إشارة واضحة إلى معارضي اتفاق السلام مع إسرائيل.
ويضيف: «لا أعتبر المعارضة مشكلة ولكن التحدي يكمن في التواصل مع جميع البحرينيين بكل انتماءاتهم، والتحدث مع الناس ومع الجهات التجارية ومع الحكومة والقيادة طبعاً لأننا نريد أن نحسن حياتنا وحياة جيراننا. ينتظرنا الكثير من العمل الشاق ولكنني سأعمل بجد لتقريب الناس من بعضهم، والتقريب بين من يوافقنا الرأي ومن يختلف معنا، لعلي أنجح في تقليل الخلاف وتعزيز التوافق وهذا ما أسعى لإنجازه لأنه الهدف الرئيسي. نريد أن نبني نموذجاً يحتذي به الآخرون وأدعو جيراننا الذين تجمعنا بهم علاقاتٌ جيدة إلى الانضمام إلى هذه المسيرة التي ستتطلب في بعض جوانبها وقتاً أطول من غيرها ولن تتحقق دون صعاب».
وأكد السفير أن تسميته لهذا المنصب حديثة جداً ولا زال عليه السفر إلى البحرين وتقديم أوراق اعتماده وتعريف البحرينيين بنفسه، وأن «أمامه الكثير ليتعلمه عن البحرين قبل أن يتواصل مع أي جهة رسمية».
ويضيف نائيه: «يمكنني الحديث عن الأمل والأهداف وطبعاً أملك معرفةً واسعة عن تاريخ اليهود في البحرين. أعتقد أن هدى نونو، سفيرة البحرين السابقة إلى الولايات المتحدة الفخورة بانتمائها للجالية اليهودية في البحرين والخليج، تقوم بعملٍ رائع بالتقريب بين يهود البحرين والخليج. ولكنني أعي طبعاً أنني ذاهبٌ إلى البحرين بصفتي سفيرا لدولة إسرائيل، أي سفير جميع الإسرائيليين وأتمنى النجاح في مهمتي».
ويقول في هذا السياق: «آمل طبعاً أن أشارك في الحياة اليهودية في البحرين. إذا عدنا في التاريخ للحقبة التي كان فيها اليهود والمسلمون يعيشون سوياً ويؤثرون على بعضهم البعض في مجالات الثقافة والشعر والعلوم، سنتفق دون شك على أن هذه الأيام شكلت عصراً ذهبياً في البلاد. وأنا أرغب بالفعل بتجديد واستئناف هذا العصر والمساعدة في تأسيس علاقات جيدة بين إسرائيل والبحرين وبين شعبي البلدين. وأُدرك طبعاً أن اليهود من جميع أنحاء العالم يتفهمون هذا الهدف ويشاركون في تحقيقه لتعزيز التفاهم بين المسلمين واليهود».
ويركز السفير حالياً على بناء جسور تواصل في الخليج، حالياً في الإمارات، وفي البحرين قريباً. ويظن أن الذين يتابعون هذه العلاقات سيدركون حقيقتها. ويضيف: «أؤمن أن التعلم من التاريخ الأوروبي وبناء جسور التواصل وإنشاء وتسهيل التعاون والتبادل الاقتصادي عبر التجارة سيؤدي إلى بناء مستقبلٍ أفضل... هذا هو الهدف الأساسي».
اتفاقات إبراهيم ساهمت في إطلاق بحثٍ معاصر عن السلام في الشرق الأوسط
ويقول السفير إن «توقيع اتفاقيات السلام بداية للتعاون على وقف الاقتتال، بهدف تحقيق الازدهار الاقتصادي الناتج عن الاستقرار الأمني الذي تحقق بالسلام، لهذا علينا بناء علاقات مستقرة والاستعانة بمجموعة كبيرة من الأشخاص من دول مختلفة يؤمنون بصناعة نموذج يشعر فيه الآخرون، ومنهم الفلسطينيون، بأنهم ينعمون بالسلام. يجب أن يرغب الناس بالمشاركة في هذه المسيرة وليس في العنف. أعتقد أن اتفاقات إبراهيم تساهم في صناعة السلام في الشرق الأوسط وأنها ستساعد في تغيير أفكار الناس ومسار التاريخ، فضلاً عن أن تقديم نموذجٍ يحتذى به عن العلاقات السلمية ستكون له قدرة إقناعية كبيرة تتفوق على قدرات أولئك الذين ينشدون الحرب والمزيد من الدماء».
يرى السفير في اتفاقات إبراهيم تتمة لخط معاهدات السلام الشهيرة في الشرق الأوسط، ويستذكر في حديثه زيارة أنور السادات الاستثنائية إلى القدس عام 1977، كاشفاً أنه شعر بحماسة شديدة آنذاك رغم أنه كان في الرابعة عشرة من عمره.
ويشرح نائيه: «زار السادات القدس عام 1977 لأول مرة. كنت في الرابعة عشرة من عمري وشعرتُ بحماسٍ شديد. ترعرعتُ في إسرائيل وشهدتُ حرباً قبل أن أُتم عامي الرابع وحرباً أخرى وأنا في المدرسة الإعدادية وأخرى في سن العاشرة عام 1973. وبعد أربع سنوات، أتى السادات إلى إسرائيل وشعرتُ أن البهجة عمت البلاد. وعندما وقعنا اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979، رحب الجميع بها بأجواءٍ من التفاؤل وتوقعنا أن تسلك دولٌ أخرى الطريق نفسه لنتمكن أخيراً من تحويل طاقتنا نحو بناء وتنمية وتحقيق الازدهار الاقتصادي».
وأضاف: «انتابني شعور الأمل نفسه عندما وقعنا اتفاقية أوسلو عام 1993، وشعرتُ بسعادةٍ عارمة عندما وقعنا اتفاق السلام مع المملكة الأردنية في العام التالي».
ويتابع السفير: «لقد رغبتُ شخصياً كمواطن راشد وكدبلوماسي أن أشارك في اتفاقات إبراهيم وأنا سعيد وفخور لأنني أفعل ذلك الآن على أرض الدول الموقعة لهذه الاتفاقات، أي الإمارات، والبحرين قريباً».
السلام فرصة رابحة لجميع الأطراف
ويضيف: «لا يخفى على أحد أن الإسرائيليين والفلسطينيين يعيشون صراعاً وأتمنى أن تؤدي المفاوضات المباشرة وإحلال المزيد من الاستقرار والأمن إلى التوصل إلى وسيلة للحوار مع بعضنا البعض. لن يكون الأمر سهلاً بعد 100 عام من المحاولات الفاشلة ولكننا في صدد تجربة طريقة جديدة اليوم. أعتقد أن المزيد من الناس سيدركون أن التعاون مع إسرائيل وتأسيس علاقة طبيعية وحوار معها سيؤديان إلى مكاسب أكبر بكثير من التقاتل معها لا سيما وأن ترهيب الإسرائيليين والتسبب بالألم والمعاناة لشعبينا لن يحقق شيئاً. إن دفع إسرائيل باتجاه المزيد من المعاناة لن يصنع السلام، بل علينا الاهتمام بشعوبنا والسماح لأولادنا بالتعلم في الجامعات والبحث عن فرص العمل وتسخير الاقتصادات القائمة على المعرفة لصناعة حياةٍ أفضل للشعوب لأن هذه الأمور ستقودنا إلى تعزيز الاستقرار والأمن. لقد عشنا ما يكفي من الحروب ونأمل أن الوقت قد حان لنرى السلام بدل الحرب والدماء. عندما تنطلقون في مسيرة السلام، ستشاركون في مشروعٍ يفوز الجميع في نهايته. يدرك الجميع أن التباري الرياضي ينتهي دائماً بفوز طرف وخسارة الآخر ولكن هذا المشروع أفضل من التباري الرياضي. تُعتبر المشاركة العنصر الأهم في المباريات الرياضية كالألعاب الأولمبية. ولكن الأمر مختلف في مشروع السلام لأن العنصر الأهم في صناعته أن الجميع يفوز ولا أحد يخسر. أعتقد أن هذه الفكرة تصلحُ عنواناً جميلاً: الجميع يفوز عندما نصنع السلام».
ولكن السفير الجديد يتمتع بالمرونة الكافية التي تجعله يقر بأن تحقيق السلام لن يكون سهلاً.
وفي هذا السياق يقول: «لن يكون الأمر سهلاً ولكنه سيكون أسهل من الاقتتال ولنا عبرةً في الدول التي توقفت شعوبها عن التحارب. لم تقع هذه الشعوب بحب بعضها البعض فجأةً ولكنها أدركت على الأقل ولأسباب عملية جداً أن الحوار والتعاون أفضل من القتل. لا أملك جواباً أفضل من هذا».
يبدي السفير إيجابية كبيرة تجاه رياح التغيير التي هبت في المملكة العربية السعودية ويعتقد أن الإصلاحات التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ستصب في مصلحة حيوية وطاقة الشباب لصناعة مستقبلٍ أفضل.
ويقول: «أعتقد أن التغيير في المملكة إيجابي لا سيما وأنها دولة مهمة وكبيرة جداً في المنطقة، ولا شك أن ما يحصل فيها سيكون له تأثيرٌ كبير على المنطقة بأسرها. باختصار، إن كل تطورٍ إيجابي سيكون مفيداً لنا جميعاً. وتنطوي الإصلاحات على أهمية كبيرة لأنها السبيل نحو تقديم حياةٍ أفضل للشعوب والسماح للمزيد من الأشخاص بالمشاركة في الاقتصاد. أؤمن بأهمية دور النساء في الاقتصاد وأرى أن هذا المسار وهذه الإصلاحات ستساهم في تحسين الحياة في المملكة وفي كل مكان. ويملك الشباب الطاقة والحيوية وأظن أن الاستمتاع بهما يجب أن لا يكون محصوراً بالسعوديين فحسب، بل يجب أن يشمل جميع شعوب الشرق الأوسط».
أظهر السفير نائيه احترافية دبلوماسية عالية عندما وضع خلف ظهره حادثة طرده من أنقرة من قبل الحكومة التركية على خلفية مظاهرة رافضة لاعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين. وفي هذا الإطار، قال بحزم: «أفضل عدم التكلم عن الماضي خصوصاً وأن ما مررتُ به في أنقرة موثق على منصة (يوتيوب). أعتقد أن العلاقة الوثيقة مع تركيا والتي عشتُ نشأتها في التسعينات ستعود، وأن البلدين سيتمتعان بعلاقات أكثر ودية، ولكن هذا الأمر يتوقف على الحكومتين التركية والإسرائيلية».
يتحدث السفير بصراحة تامة عن قدرات تركيا ويقول: «تركيا دولة مهمة وكبيرة وغنية بالموارد والطاقة الشبابية القادرة على تغيير البلاد بسرعة كما حصل في الماضي. وتتمتع هذه البلاد ببحبوحة كبيرة وأعتقد أن تحسين العلاقات ممكن وأن الأمر مسألة وقت ليس إلا، ولكنه يتطلب تحديد المصالح المحقة والعمل باتجاه خدمتها، على أمل أن يتحقق هذا الأمر قريباً».
ودعا السفير نائيه إلى بذل جهودٍ صادقة لتحديد مواطن التعاون لأجل أولادنا وأحفادنا الذين يمثلون المستقبل. وقال: «علينا أن نحاول ونتعلم العيش مع اختلافاتنا والعثور على القواسم المشتركة ومواطن التعاون لتحسين حياتنا وحياة أولادنا وأحفادنا في المستقبل. يجب أن ندرك أن السلام مكسبٌ للجميع وأشدد على ذلك. يغير التعاون والسلام المعادلات وإذا استطعنا تسخير قوة شعوب المنطقة وطاقاتها الإيجابية لتحقيق هذه الأهداف، سننجح ولكن علينا أن نضع اختلافاتنا جانباً. انا لا أعني طبعاً أن ننسى هذه الاختلافات أو أن نتغاضى عن الماضي والتراث والدين ولكن يجب علينا أن نجد طريقة لنجمع هذه الأمور مع بعضها ونعيش سوياً رغم وجودها لأننا مدينون بهذا الأمر للأجيال القادمة».
وختم السفير حديثه بملاحظة وطنية قال فيها: لقد نشأتُ على فكرة أن ما حصل لليهود في أوروبا خلال المحرقة يجب أن لا يتكرر ويجب أن لا نسمح أبداً بحصوله مرة أخرى وعلينا أن نثق بأنفسنا لتجنب تكراره. أحمل هذه القناعة معي كمواطن وكدبلوماسي من منطلق الحاجة الكبيرة إلى تأمين وجودنا وسلامة وأمن شعبي وبلدي وتحقيقها عبر بناء علاقات جيدة مع الدول الأخرى والجيران. ولكن تأمين وجودنا له جوانب عدة أبرزها الازدهار الاقتصادي والأمن والأمان والدفاع والاستقرار أولاً وأخيراً. أتطلع قدماً إلى العيش في عالم خالٍ من التمييز».
إيتان نائيه... سفير السلام الإبراهيمي
ولد الدبلوماسي إيتاننائيه ونشأ في قرية بياليك شمال حيفا. درس العلوم السياسية، وبعد التخرج، شغل منصب مساعد مدير وزارة الخارجية، ورئيس مكتب قبرص ومستشارًا خاصًا للشؤون التركية واليونانية.
السفير نائيه في الأصل من عروق يهودية هولندية، وقد تأثر بشدة لتوليه عملا في الدبلوماسية وبناء السلام لإسرائيل في الشرق الأوسط بسبب تجربة الهولوكوست لعائلة والدته. فبعد أن نجت والدته مع بعض العائلات المحظوظة من أهوال الهولوكوست بالاختباء، هاجرت وعائلتها إلى إسرائيل من هولندا بعد الحرب العالمية الثانية على الرغم من وفاة والده في هولندا قبل ذلك بقليل. ولوالدة السفير إيتان الدور الأساسي في تربيته على مبادئ التعايش والسلام مع الآخرين.
ومن المفارقات السعيدة، تزامن الذكرى السنوية الأولى لاتفاقات إبراهيم في 15 سبتمبر (أيلول) قبل يومين فقط من عيد ميلاد السفير الذي يصادف 17 سبتمبر.
شغل نائيه مناصب سياسية ودبلوماسية حتى بداية الألفية الحالية عندما تم تعيينه سفيراً لإسرائيل لدى أذربيجان في عام 2001. كما شغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الإسرائيلية في المملكة المتحدة لعام 2013 حتى عام 2016.
بين عامي 2016 و2018 ، بعد قرابة خمس سنوات من عدم وجود مبعوث إسرائيلي إلى تركيا، عمل نائيه سفيرا لإسرائيل في تركيا إلى أن طردته أنقرة احتجاجا على مقتل عشرات الفلسطينيين خلال اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية على الحدود مع إسرائيل في قطاع غزة.
بالنسبة له، إسرائيل هي الوطن والملاذ الآمن للشعب اليهودي. وكونه من الأقلية التي عاشت في الخارج، فهو يعتقد أن اليهود يسعون جاهدين لمعاملة الأقليات الأخرى على قدر من المساواة ودون اضطهادهم لأسباب دينية أو عرقية.
على الرغم من كثرة انشغالاته، إلا أن نائيه اعترف بالاستمتاع بالأنشطة البدنية مثل السباحة والمشي والذهاب إلى صالات الألعاب الرياضية (الجيم). كما أنه متابع جيد للثقافات والتقاليد المحلية وتاريخ الأماكن التي يزورها. وكونه دارسا لتاريخ الشرق الأوسط، درس تاريخ ظهور الإسلام والتاريخ الحديث للمنطقة واللغة العربية.
نائيه له مذاق خاص في عالم المأكولات، فالعديد من تغريداته تدور حول تجاربه في تذوق الطعام. يعشق الأطباق الشرقية ويصف الأمر بأنه أسلوب حياة بالنسبة له. ويقول إنه اكتسب وزنًا في الإمارات العربية المتحدة بسبب المأكولات المحلية الرائعة ويتطلع إلى تجارب الذواقة البحرينية.