تزامن إصدار منظمة العفو الدولية تقريرا وصف بـ«التقرير الصادم»،وعنوانه: «أنت ذاهب إلى موتك»، تحدثت فيه المنظمة عن «الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين الذين تُفرض عليهم العودة القسرية إلى سوريا»، داعية «الحكومات إلى عدم إجبار السوريين على العودة»، مع بدء مسيرة اعادة التطبيع مع نظام الأسد المسؤول الأول عن مأساة السوريين وتهجيرهم.
ففي الوقت الذي وثقت فيه المنظمة «انتهاكات مروّعة»ارتكبتها قوات الأمن السورية بحق 66 لاجئاً، بينهم 13 طفلاً عادوا إلى سوريا منذ العام 2017 حتّى ربيع العام الحالي، من دول عدّة، أبرزها لبنان وفرنسا وألمانيا وتركيا ومخيّم الركبان عند الحدود السورية- الأردنية، كان لبنان الرسمي يهرول لزيارة دمشق محتفلا بعودة الزيارات مع مسؤولي النظام السوري، متجاهلا حتى عدم اعتراف نظام الأسد بالوفد، حيث غاب العلم اللبناني عن الزيارة. وإضافة إلى الزيارة الرسمية كانت هناك زيارة أخرى سياسية لشخصيات من طائفة الموحدين الدروز، زيارة لم تخل من إثبات أن بعض الساسة اللبنانيين يفضلون التبعية لنظام الأسد، بل ويطلبون «بركته»للتوريث، غير آبهين بما ارتكبه هذا الأسد بحق بلدهم، قبل أن نقول بحق السوريين وسوريا.
التقرير وثق 66 حالة، كعينة صغيرة من العائدين إلى سوريا، 5 أشخاص منهم «توفوا»خلال احتجازهم لدى أفرع الأمن التابعة للنظام السوري، فيما لا يزال مصير 17 شخصاً من المخفيين قسرياً مجهولاً. كما وثق التقرير 14 حالة من العنف الجنسي ارتكبتها قوات الأمن، من ضمنها 7 حالات اغتصاب لـ5 نساء ومراهق وطفلة بعمر 5 سنوات. نعم، في سوريا الأسد يحصل أن تغتصب قوات الأمن طفلة في الخامسة من عمرها.
ينقل التقريرعن «نور»، والدة الطفلة ذات السنوات الخمس، أنها تعرّضت وابنتها للاغتصاب من قبل ضابط في غرفة صغيرة مخصّصة للاستجواب عند الجانب السوري من الحدود اللبنانية- السورية، الضابط الذي قال لها: «سوريا ليست فندقاً يُمكنك أن تُغادريه وتعودي إليه متى أردتِ».
«ياسمين»بدورها العائدة من لبنان مع ابنها المراهق وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات لم تنجُ هي وابنها من وحشية الأمن السوري؛ فقد ألقت قوات الأمن القبض عليهم فور عودتهم عند المعبر الحدودي، واتهمت ياسمين بالتجسس لصالح دولة أجنبية؛ ونقلتها هي وابنها وابنتها إلى مركز اعتقال تابع للمخابرات السورية حيث احتُجزوا لمدة 29 ساعة؛ واغتصب ضباط المخابرات ياسمين، وأخذوا ابنها إلى غرفة أخرى حيث اغتصبوه هو الآخر. وكعادة نظام الأسد وقواته، لم يكتفوا بالجريمة، فالضابط نفسه الذي اغتصبها أبلغها أن «هذا من باب الترحيب بعودتها إلى بلدها؛ وإذا رحلت عن سوريا، ثم عادت إليها مرة أخرى، فسوف تلقى منهم ترحيباً أكبر»، مضيفا حسبما نقل تقرير منظمة العفو عن ياسمين: «نحن نريد إذلالك أنت وابنك؛ ولن تنسوا [هذا] الإذلال مدى حياتكم».
المفارقة أن التقرير لا يتزامن فقط مع إعادة التطبيع مع نظام الأسد، بل يتزامن أيضا مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة اللاجئين إلى سوريا، بحجة أن سوريا «بلد آمن»، وهل من بلد آمن في العالم يقوم المسؤول فيه عن حماية أمن الناس باغتصابهم وترويعهم بل وقتلهم تعذيبا إلا «سوريا الأسد». وطبعا دون أن ننسى أو نتجاهل ما تقوم به بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية من توقيف واعتقال لناشطين سوريين، أحيانا بالتعاون مع سفارة الأسد في بيروت، وتسليمهم إلى الجانب السوري بحجة مخالفة قوانين الإقامة، غير معنيين بما سيلحق بهؤلاء اللاجئين من تعذيب يصل لحد الموت على يد نظرائهم السوريين.
لا بد من الإشارة إلى أن صدور التقرير تزامن أيضا مع حصول اجتماع رباعي استضافته العاصمة الأردنية عمان، ضم وزراء الطاقة في سوريا ولبنان ومصر، لبحث وصول الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر سوريا، فيما اعتبر نجاحاً لعمّان في كسر الحصار المفروض على سوريا تحت ضغط الاستجابة لأزمة الطاقة التي يشهدها لبنان.
ثمن استجرار الغاز المصري إلى الأردن، وتزويد لبنان بالكهرباء ومحاولات تعريب الحكومة العراقية مغمس بدماء السوريين وإهانتهم، وإن كانت السياسة هي فن الممكن والعلاقات بين الدول كما تفهمها بعض الدول هي مصالح مجردة من أي قيم إنسانية وأخلاقية بل وتتعارض مع الأخلاق والقيم، فالسؤال هو: ما الذي يمنع نظام الأسد من تحويل ما بقي من سوريا إلى معسكرات تشبه معسكرات النازيين؟ وهو الواثق بعد كل ما اقترف أنه ما زال «محميا»من الحساب.. لا، بل مهما اقترف من جرائم فإن أحدا لن يقف عندها. إنه زمن الدم مقابل الغاز والكهرباء.